تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إلحق بالقافلة ... الشيخ عبد الله عزام



مقاوم
04-29-2009, 09:46 PM
مقدمة الطبعة الأولى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
وبعد:
فهذه رسالة صغيرة كتبتها للذين يتحرقون للجهاد ويطمعون في الشهادة في سبيله، وهي من فصلين:
أولهما: مبررات الجهاد.
ثانيهما: وا إسلاماه.
وختمتها بخلاصة وملاحظات
نرجو الله أن ينفع بها وأن يصلحنا ويصلح بنا.. إنه سميع قريب مجيب.
وقد أملتها علي رغبة في الرد على كثير من الرسائل التي تصلني تستشيرني بالقدوم إلى أفغانستان:


فحي على جنات عدن فإنها *** منازلك الأولى وفيها المخيم



ولكننا سبى العدو فهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونسلم




العبد الفقير/عبد الله عزام



17/شعبان/1407 هـ



15/نيسان 1987 م







الفصل الأول


مبررات الجهاد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا.
وبعد:
فإن الناظر في واقع المسلمين اليوم يجد أن مصيبتهم الكبرى هي ترك الجهاد (حب الدنيا وكراهية الموت) ولذا تسلط الطغاة على رقاب المسلمين في كل ناحية وفوق كل أرض، وذلك لأن الكفار لا يهابون إلا القتال:
(فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا) (النساء: 84).
ونحن إذ ندعو المسلمين ونستحث خطاهم للقتال لأسباب كثيرة وعلى رأسها:
1)حتى لا يسود الكفر.
2)لقلة الرجال.
3)الخوف من النار.
4)أداء للفريضة واستجابة للنداء الرباني.
5)إتباعا للسلف الصالح.
6)إقامة القاعدة الصلبة التي تكون منطلقا للإسلام.
7)حماية المستضعفين في الأرض.
8)طمعا في الشهادة.

1)حتى لا يسود الكفر:
ففي الآية الكريمة: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير) (الأنفال: 39).
فإذا توقف القتال ساد الكفر وانتشرت الفتنة وهي الشرك.
2)لقلة الرجال:
إن أزمة العالم الإسلامي هي أزمة رجال يضطلعون بحمل المسؤولية والقيام بأعباء الأمانة، وكما جاء في الصحيح: الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلته[1] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn1).

أي لا تجد في كل (مائة جمل) واحدا يحتملك في أسفارك، وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لصفوة من صحبه تمنوا، فتمنى كل واحد منهم شيئا ثم قالوا: تمن يا أمير المؤمنين، فقال: أتمنى أن يكون لي ملء هذا البيت مثل أبي عبيدة.

إن الرجال الذين يعلمون قليلون والذين يعملون أقل، وإن الذين يجاهدون أندر وأغرب، وإن الذين يصبرون على هذا الطريق لا يكادون يذكرون.

نظرت ذات مرة في حلقة قرآنية من الشباب العرب الذين وردوا إلى أرض العزة والمجد - أعني أرض أفغانستان - والعز في صهوات المجد مركبه والمجد ينتجه الإسراء والسهر.

أقول نظرت في وجوه الشباب، حتى أرى من بينهم من يتقن أحكام التلاوة لأوكل إليه الحلقة، فلم أجد أحدا ، وعندها حق لي أن أقول: ما أنصفنا قومنا، وهو نفس قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما قتل سبعة بين يديه يوم أحد من شباب الأنصار.

ونحن نقول إن إخواننا المتعلمين والدعاة الناضجين لم يفدوا إلينا، بل إن بعضهم ينصح القادمين بالإستقرار في بلده، ولو كان لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة من ظلم الطغاة وجبروت المتسلطين! وبعضهم يفتي بلا علم، يقول: إن الأفغان بحاجة إلى مال وليسوا بحاجة إلى الرجال! وأما أنا فمن خلال معايشتي اليومية لهذا الجهاد وجدت أن الأفغان بحاجة شديدة إلى المال ولكن حاجتهم إلى الرجال أشد، وعوزهم إلى الدعاة أكثر.. أقرر هذا وأنا أعيش السنة الثامنة بين المجاهدين.

وإن كنت في ريب مما أقول فهيا بنا نعبر أفغانستان لتجد جبهة بكاملها ليس فيها من يتقن قراءة القرآن، وانتقل معي إلى جبهة أخرى لتتأكد أن ليس فيها من يعرف صلاة الجنازة، مما يضطرهم لحمل شهيدهم - لأن الشهيد يصلى عليه في المذهب الحنفي - مسافات بعيدة ليجدوا من يصلي عليه.

أما أحكام الجهاد الفقهية كتوزيع الغنائم ومعاملة الأسرى فحدث عن الجهل بها ولا حرج في جبهات كثيرة، مما يضطرهم إلى تحويلهم إلى منطقة فيها عالم أو علماء ليروا فيهم رأيهم حسب مقتضى الشرع الإسلامي، وإنك لتلمس الحاجة الشديدة للدعاة والأئمة وقراء القرآن والعلماء من خلال الآثار العميقة التي خلفها في الجبهات شباب من العرب ذوي ثقافة بسيطة، قد لا تتجاوز المرحلة الثانوية، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر الأخوة: عبدالله أنس، أبا دجانة، وأبا عاصم، وطاهر، وغيرهم كثير، ولو حدثتك عن أبي شعيب الأمي العربي وماذا ترك وراءه من آثار معنوية في ولاية بغلان بكاملها لوقفت واجما مشدوها لا تحير بكلمة ولا ينقضي منك العجب.

ونحن نأمل من الأخوة الذين لم يستطيعوا أن ينفلتوا من قفص العادات الإجتماعية، ولم ينفضوا عن رؤوسهم ركام التقاليد ولم يلقوا عن كاهلهم موروثات الأجيال المهزومة تحت ضغط الواقع المرير، وأمام الهجوم الإستشراقي الماكر الشرير، أقول لهؤلاء الأخوة: إن لم ينفروا إلينا بأنفسهم فلا أقل من أن يدعوا الذين يرفرفون بأرواحهم فوق أرض الجهاد أن يصلوا بأجسادهم إليها.

قلنا للقاضي (مظلوم) أحد أركان أحمد شاه مسعود - ألمع قائد في أفغانستان بلا منازع - حدثنا عن أبي عاصم قارئ القرآن الذي استشهد بينكم في (أندراب) فقال: لم أر مثله في هيبته وسمته ودله (الوقار والسكينة)، فكان أحدنا لا يجرؤ أن يتكلم في حضرته، ولا أن يمد رجله فضلا عن أن يهزل أو يضحك، فماذا تقول يا أخي إذا أخبرناك أن أبا عاصم لا يحمل إلا الشهادة الثانوية وعمره دون الثالثة والعشرين ولكنه يحفظ القرآن؟!

ولذا فقد آن أوان الرجال، وهذا مقام الفعال دون حال المقال.


فدع عنك نهبا صحيحا في حجراته ***وهات حديثا ما حديث الرواحل[2] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn2)


لقد حل بالمسلمين أمور عظيمة وأرزاء فادحة أليمة، فدع الكلام عن الطعام وعن أساليب الكلام، ولكن حدثني عن هذا الأمر الجلل وماذا قدم له المسلمون.

أمور لو تأملهن طفل *** لطفّل في عوارضه المشيب

[1] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref1) أي أن الكامل في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة لقلة الراحلة في الابل والراحلة هي البعير القوي على الاسفار والأحمال النحيب التام الخلق الحسن المنظر ويقع على الذكر والأنثى والهاء فيه للمبالغة

[2] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref2) البيت لامرئ القيس ومعناه الحرفي: أترك الحديث عن الحجرات التي نهبت أمتعتها، وحثني عن قطيع الجمال القوية التي عليها مدار حياتنا. هذا مثال يقال لمن يتحدث عن الأمور التافهة ويدع الأمور العظيمة
----------------------------------------------
يتبع

سائر في رحاب الله
05-02-2009, 03:25 PM
اخ مقاوم :smile: ، لقد حفظتهم من كثرة القراءة ......

أين الجديد ؟؟؟؟

مقاوم
05-03-2009, 12:28 PM
عذرا على التأخير
-----------------------------------------------------
3)الخوف من النار:
يقول الله عزوجل: (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير) (التوبة: 39).
قال ابن العربي: (العذاب الأليم هو في الدنيا باستيلاء العدو وبالنار في الآخرة)[1] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn1).
وقال القرطبي: (وقد قيل أن المراد بهذه الآية وجوب النفير عند الحاجة وظهور الكفرة واشتداد شوكتهم).
ويقول الله عزوجل: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا) (النساء: 97 - 99).
روى البخاري بإسناده عن عكرمة: أخبرني ابن عباس أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم فيرمي به فيصيب أحدهم فيقتله فأنزل الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم...) فإذا كان المؤمنون في مكة - القابضون على دينهم ولم يهاجروا وخرجوا حياء وخوفا من الكفار يوم بدر فكثروا سواد المشركين (عددهم) ثم قتل بعضهم - قد استحقوا جهنم برواية البخاري، فما بالك بالملايين من المتمسلمين الذين يسامون سوء العذاب ويعيشون حياة السوائم، لا يملكون أن يردوا عادية عن أعراضهم أو دمائهم أو أموالهم، بل لا يستطيع أحدهم أن يتحكم في لحيته فيطلقها لأنها تهمة إسلامية ظاهرة، بل لا يستطيع أن ينفرد في لباس زوجته فيطيله حسب الشرع، لأنها جريمة يؤخذ عليا بالنواصي والأقدام، ولا يستطيع أن يعلم القرآن لثلاثة من الشباب المسلم في بيت الله، لأنه تجمع غير مشروع في عرف الجاهلية، بل لا يستطيع في بعض البلدان المسماة الإسلامية أن يغطي شعر زوجته، ولا يستطيع أن يمنع رجال المخابرات أن يأخذوا بيد ابنته بعد وهن من الليل، تحت جنح الظلام الدامس إلى حيث يشاءون! وهل يستطيع أن يرفض أمرا يصدر من الطاغوت يقدم فيه هذا الفرد قربانا رخيصا على مذبح شهوات هذا الطاغية؟!
أليست هذه الملايين تعيش ذليلة مهينة مستضعفة وتتوفاها الملائكة ظالمة لأنفسها؟ فماذا سيكون جوابها إذا سألتها الملائكة (فيم كنتم) ألا يقولون (كنا مستضعفين في الأرض).
إن الضعف ليس عذارا عند رب العالمين، بل هو جريمة يستحق صاحبها جهنم، وقد أعذر الله الطاعنين في السن والأطفال الصغار والنساء الذين لا يجدون حيلة للتخلص، ولا يعرفون الطريق إلى أرض العزة ولا يستطيعون الهجرة إلى دار الإسلام ولا الوصول إلى قاعدة الجهاد.


سأصرف وجهي عن بلاد غدا *** بها لساني معقولا وقلبي مقفلا



وأن صريح الحزم والرأي لامرئ *** إذا بلغته الشمس أن يتحولا

إن الجهاد والهجرة إلى الجهاد جزء أصيل لا يتجزء عن طبيعة هذا الدين، والدين الذي ليس فيه جهاد لا يستطيع أن يثبت فوق أي أرض ولا أن تستوي شجرته على سوقها، وأصالة الجهاد التي هي من صميم هذا الدين ولها وزنها في ميزان رب العالمين ليست ملابسة طارئة من ملابسات تلك الفترة التي تنزل فيها القرآن، وإنما هو ضرورة مصاحبة لهذه القافلة التي يوجهها هذا الدين.
يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال (2/742) في تفسير هذه الآية: (لو كان الجهاد ملابسة طارئة في حياة الأمة المسلمة ما استغرق كل هذه الفصول من صلب كتاب الله في مثل هذا الأسلوب! ولما استغرق كذلك كل هذه الفصول من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مثل هذا الأسلوب.
لو كان الجهاد ملابسة طاردة ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة لكل مسلم إلى قيام الساعة: "من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق"[2] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn2).
إن الله سبحانه يعلم أن هذا أمرا تكرهه الملوك! ويعلم أن لا بد لأصحاب السلطان أن يقاوموه لأنه طريق غير طريقهم ومنهج غير منهجهم، ليس في ذلك الزمن فقط ولكن اليوم وغدا وفي كل أرض وفي كل جيل!
وأن الله سبحانه يعلم أن الشر متبجح، ولا يمكن أن يكون منصفا ولا يمكن أن يدع الخير ينمو مهما يسلك هذا الخير من طرق سليمة موادعة، فإن مجرد نمو الخير يحمل الخطر على الشر ومجرد وجود الحق يحمل الخطر على الباطل، ولا بد أن يجنح الشر إلى العدوان ولا بد أن يدافع الباطل عن نفسه بمحاولة قتل الحق وخنقه بالقوة! هذه جبلة! وليست ملابسة وقتية، هذه فطرة! وليست حالة طارئة.
ومن ثم لا بد من الجهاد.. لا بد منه في كل صورة... ولا بد أن يبدأ في عالم الضمير ثم يظهر فيشمل عالم الحقيقة والواقع والشهود.. ولا بد من مواجهة الشر المسلح بالخير المسلح... ولا بد من لقاء الباطل المتترس بالعدد بالحق المتوشح بالعدة... وإلا كان الأمر انتحارا أو كان هزلا لا يليق بالمؤمنين).


أنا لا ألوم المستبد إذا تجبر أو تعدا *** فسبيله أن يستبد وشأننا أن نستعدا

4)الإستجابة للنداء الرباني:
قال تعالى: (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون) (التوبة: 41).
وقد أورد القرطبي في تفسيره (8/150) في تفسيرها عشرة أقوال خفافا وثقالا:
1)روي عن ابن عباس: شبانا وكهولا.
2)روي عن ابن عباس وقتادة: نشاطا وغير نشاطا.
3)الخفيف: الغني، والثقيل: الفقير، قاله مجاهد.
4)الخفيف: الشاب، والثقيل: الشيخ، قاله الحسن.
5)مشاغيل وغير مشاغيل، قاله زيد بن علي والحكم بن عتيبة.
6)الثقيل الذي له عيال، والخفيف الذي لا عيال له، قاله زيد بن أسلم.
7)الثقيل الذي له صنعة يكره أن يدعها، والخفيف الذي لا صنعة له، قاله ابن زيد.
8)الخفاف: الرجال، الثقال: الفرسان، قاله الأوزاعي.
9)الخفاف الذين يسبقون إلى الحرب كالطليعة وهو مقدمة الجيش بأسره.
10) الخفيف: الشجاع، الثقيل: الجبان، حكاها النقاش.
والصحيح في فهمنا الآية أن الناس أمروا جملة، أي انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت... روي أن ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: أعلي أن أغزو؟ فقال: (نعم)، حتى أنزل الله تعالى (ليس على الأعمى حرج).
وهذه الأقوال إنما هي على معنى المثال، في الثقل والخفة ولا يشك عاقل أن حالتنا التي نعيشها في أفغانستان وفي فلسطين، بل في معظم أرجاء العالم الإسلامي داخلة تحت نص هذه الآية، فقد اتفق المفسرون والمحدثون والفقهاء والأصوليون على أنه إذا دخل العدو أرضا إسلامية أو كانت في يوم من الأيام دارا للإسلام، فإنه يجب على أهل تلك البلدة أن يخرجوا لملاقاة العدو، فإن قعدوا أو قصروا أو تكاسلوا أو لم يكفوا توسع فرض العين على من يليهم، فإن قصروا أو قعدوا فعلى من يليهم، وثم وثم حتى يعم فرض العين الأرض كلها، ولا يسع (يمكن) أحدا تركه كالصلاة والصيام بحيث يخرج الولد دون إذن والده والمدين دون إذن دائنه والمرأة دون إذن زوجها والعبد دون إذن سيده، ويبقى فرض العين مستمرا حتى تطهر البلاد من رجس الكفار (ولكن خروج المرأة لا بد له من محرم).
ولم أجد (وبقدر اطلاعي القليل) كتابا في الفقه أو في التفسير أو في الحديث إلا ونص على هذه الحالة، ولم يقل أحد من السلف أن هذه الحالة فرض كفاية أو أنه يجب استئذان الوالدين، ولا يسقط الإثم عن رقاب المسلمين ما دامت أية بقعة في الأرض (كانت إسلامية) في يد الكفار ولا ينجو من الإثم إلا الذي يجاهد.
فكل من ترك الجهاد اليوم فهو تارك لفريضة كالمفطر في رمضان بدون عذر أو كالغني الذي يمنع زكاة ماله، بل تارك الجهاد أشد.
وكما يقول ابن تيمية: (والعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ليس أوجب بعد الإيمان من دفعه).
والحق المبين الذي لا محيد عنه قول أبي طلحة عندما قرأ (إنفروا خفافا وثقالا) قال: شبابا وكهولا ما سمع الله عذر أحد، ثم قال: أي بني جهزوني جهزوني، فقال بنوه: يرحمك الله لقد غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك، فقال: لا... جهزوني، فغزا، فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام، فدفنوه فيها ولم يتغير رضي الله عنه.
يقول القرطبي (7/151) في تفسيره: (إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر (أصل الدار) فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا ، شبابا وشيوخا ، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له.
ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر، فإن عجز أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم.
وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكن غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم.
فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتلها سقط الفرض عن الآخرين.
ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه، حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ولا خلاف في هذا).
وما أجمل أبيات النابغة الجعدي وهو يخاطب زوجته التي ترجوه أن يجلس عند عائلته:


باتت تذكرني بالله قاعدة والدمع يهطل من شأنيهما[3] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn3) سبلا



يا بنت عمي كتاب الله أخرجني *** كرها وهل أمنعن الله ما فعلا



فإن رجعت فرب الخلق أرجعني *** وإن لحقت بربي فابتغي بدلا[4] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn4)



ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرني *** أو ضارعا من ضنى لم يستطع حولا[5] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn5)


[1] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref1) تفسير القرطبي 8/142

[2] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref2) رواه مسلم عن أبي هريرة

[3] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref3) شأنيهما:طريقا الدمع، سبلا: غزيرا

[4] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref4) فابتغي بدلا: تزوجي غيري

[5] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref5) ضارعا من ضنى: ضغيفا من مرض

سائر في رحاب الله
05-04-2009, 05:39 PM
تسجيل قراءة مع إعادة ٣ مرات أخ مقاوم :smile:

مقاوم
06-18-2009, 12:48 PM
5)اتباع للسلف الصالح:
فقد كان الجهاد دينا للسلف الصالح، وكان صلى الله عليه وسلم سيدا للمجاهدين وقائدا للغر الميامين، فكانوا إذا اشتد الوطيس يحتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون أقربهم إلى العدو، وعدد مغازيه صلى الله عليه وسلم التي خرج بنفسه فيها سبع وعشرون، وقاتل في تسع منها بنفسه: بدر، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف وهذا على قول من قال: مكة فتحت عنوة، وكانت سراياه التي بعثها سبعا وأربعين، وقيل أنه قاتل بني النضير[1] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn1).

وهذا يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في غزوة أو يرسل سرية في كل شهرين أو أقل.

وسار الصحب الكرام على سنة النبي الكريم ص، فلقد كان القرآن الكريم يربي هذا الجيل تربية جهادية ويحميهم من أن ينغمسوا في الدنيا كما يحمي أحدنا لديغه من الماء، فلقد روى الحاكم في المستدرك (2/275) وصححه ووافقه الذهبي، عن أسلم أبو عمران قال: حمل رجل من المهاجرين - بالقسطنطينية - على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية إنما نزلت فينا، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار تحببا ، فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى فشا الإسلام وكثر أهله، وكنا قد أثرناه على الأهلين، والأموال والأولاد وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلنا وأولادنا فنقيم فيها، فنزل فينا: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (البقرة: 195).
فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد.

وقد روى عكرمة أن ضمرة بن العيص وكان من المستضعفين في مكة وكان مريضا ، فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة قال: أخرجوني فهيء له فراش ثم وضع عليه وخرج فمات في الطريق بالتنعيم - على بعد (6 كم) من مكة[2] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn2).

وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن الأسود في حمص على تابوت صراف، وقد فضل على التابوت من سمنه وهو يتجهز للغزو فقيل: عذرك الله، فقال: أتت علينا سورة البحوث (إنفروا خفافا وثقالا).

وقال الزهري: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل له: إنك عليل، فقال: إستنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع.

وروي أن بعض الناس رأى في غزوات الشام رجلا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقال له: يا عم إن الله قد أعذرك، فقال: يا ابن أخي قد أمرنا بالنفير خفافا وثقالا[3] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn3).

وهذا إبراهيم بن أدهم عندما أحس بالموت قال أوتروا لي قوسي، وتوفي وهو في كفه، ودفن في إحدى جزائر البحر في بلاد الروم[4] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn4).

وهذا عبد الله بن المبارك كان يقطع مسافة ألفين وستمائة كيلو مترا راجلا أو راكبا على دابته ليقاتل في سبيل الله في ثغور المسلمين[5] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn5).

وقال زهير بن قمير المروزي: أشتهي لحما من أربعين سنة ولا آكلها حتى أدخل الروم فآكله من مغانم الروم[6] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn6).

وهذا قاضي الكوفة عروة بن الجعد كان في بيته سبعون فرسا مربوطة للجهاد[7] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn7).
وهذا محمد بن واسع كان من العباد المحدثين الغزاة المرابطين يقول عنه القائد قتيبة بن مسلم الباهلي: لإصبع محمد بن واسع تشير إلى السماء في المعركة أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير[8] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn8) – قوي -

وهذا أحمد بن إسحاق السلمي يقول: أعلم يقينا أني قتلت بسيفي هذا ألف تركي، ولولا أن يكون بدعة لأمرت أن يدفن معي[9] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn9).

وهذا أبو عبد الله بن قادوس لكثرة قتله من نصارى الأندلس كان النصراني إذا سقى فرسه فلم يقبل على الماء قال له: مالك أرأيت بن مالك أرأيت بن قادوس في الماء[10] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn10).

وهذا بدر بن عمار يقتل الأسد بسوطه فيمدحه المتنبي:


أمعفر الليث الهزبر بسوطه *** لمن ادخرت الصارم المصقولا[11] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftn11)



وهذا عمر المختار يقول عنه غراسياني (القائد الإيطالي): لقد خاض عمر المختار مع جنودنا (263) معركة خلال عشرين شهرا ، أما مجموع معاركه فقد بلغت ألف معركة!

وهذا الشيخ محمد فرغلي كان الإنجليز في الإسماعيلية يعلنون حالة الطوارئ في معسكراتهم إذا دخل الفرغلي المدينة، وقد دفع الإنجليز خمسة آلاف جنيه لمن يأتي برأسه حيا أو ميتا.

وهذا يوسف طلعت كان يسمى (جزار الإنجليز) لكثرة ما قتل منهم في قناة السويس، فأعدمهما عبد الناصر إرضاء لسادته الأمريكان!

حدثني محمد بانا - أحد أركان أحمد شاه مسعود - أنه قد أحرق هو ومجموعته في ممر سالنج أربعمائة ناقلة، ويطلق عليه الروس (الجنرال) وقد غنم مائتي كلاكوف ومائتي كلاشنكوف.

وقد حدثني محمد بانا أنه أحرق ذات مرة مائة وخمسين آلية دفعة واحدة.

[1] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref1) نهاية المحتاج 8/16

[2] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref2) القرطبي/249

[3] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref3) القرطبي 18/151

[4] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref4) تاريخ دمشق لابن عساكر 2/1790

[5] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref5) عبد الله بن المبارك/د. المحتسب

[6] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref6) ترتيب المدارك للقاضي عياض3/249

[7] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref7) تهذيب الأسماء واللغات 1/231

[8] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref8) المشوق في الجهاد 66

[9] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref9) تهذيب التهذيب لابن حجر 1/14

[10] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref10) المشوق في الجهاد

[11] (http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=35617#_ftnref11) معفر: ممرغ بالتراب. الهزيز: الأسد، الصارم: السيف

سائر في رحاب الله
06-18-2009, 04:00 PM
ويحميهم من أن ينغمسوا في الدنيا كما يحمي أحدنا لديغه من الماء،

بوركتم أخي مقاوم ...... نتابع بلهفة ...... لكن لو تفضلتم علينا ...... ما معنى ......

كما يحمي أحدنا لديغه من الماء......

مقاوم
06-22-2009, 02:27 PM
وفيكم بارك الله واعذرني على تأخر الرد.

كما يحمي أحدنا لديغه من الماء
اللديغ : هو الشخص الملدوغ من ثعبان أو عقرب. وكانت العرب تعتقد أن إصابة الماء لمكان اللدغة يساهم في تفشي السم في الجسم. والله أعلم.

مقاوم
06-23-2009, 12:45 PM
6)إقامة القاعدة الصلبة لدار الإسلام:
إن إقامة المجتمع المسلم فوق بقعة أرض ضرورية للمسلمين، ضرورة الماء والهواء، وهذه الدار لن تكون إلا بحركة إسلامية منظمة تلتزم الجهاد واقعا وشعارا وتتخذ القتال لحمة ودثارا.
وإن الحركة الإسلامية لن تستطيع إقامة المجتمع المسلم إلا من خلال جهاد شعبي عام، تكون الحركة الإسلامية قلبه النابض وعقله المفكر، وتكون بمثابة الصاعق الصغير الذي يفجر العبوة الناسفة الكبيرة، فالحركة الإسلامية تفجر طاقات الأمة الكامنة وينابيع الخير المخزونة في أعماقها.
فالصحابة رضوان الله عليهم كان عددهم قليلا جدا بالنسبة لمجموع عامة المسلمين الذين قوضوا عرش كسرى وثلوا مجد قيصر.
بل إن القبائل المرتدة عن الإسلام في أيام الصديق قد سيرهم عمر بن الخطاب - بعد أن أعلنوا توبتهم - إلى قتال الفرس، ولقد أصبح طلحة بن خويلد الأسدي - الذي ادعى النبوة من قبل - أحد أبطال القادسية البارزين، واختاره سعد بمهمة استكشاف أخبار الفرس فأبدى شجاعة فائقة.
أما الحفنة من الضباط التي يمكن أن يتوهم البعض أن بإمكانهم عمل مجتمع مسلم، فهذا ضرب من الخيال أو وهم يشبه المحال لا يعدوا أن يكون تكرارا لمأساة عبد الناصر مع الحركة الإسلامية مرة أخرى.
والحركة الشعبية الجهادية مع طول الطريق ومرارة المعاناة وضخامة التضحيات وفداحة الأرزاء، تصفي النفوس فتعلوا على واقع الأرض الهابط، وترتفع الإهتمامات عن الخصومات الصغيرة على دراهم، وعن الأغراض القريبة، وسفاسف المتاع وتزول الأحقاد وتصقل الأرواح، وتسير القافلة صعدا من السفح الهابط إلى القمة السامقة بعيدا عن نتن الطين وصراع الغابات.
وعلى طول طريق الجهاد تفرز القيادات، وتظهر الكفاءات من خلال العطاء والتضحية، ويبرز الرجال شجاعتهم وبذلهم.


ولا تحسبن المجد زقا وقينة *** فما المجد إلا الحرب والفتكة البكر

ومع ارتفاع الإهتمامات ترتفع النفوس عن الصغائر، وتصبح الأمور العظيمة غاية القلوب وأمل الشعوب.


إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم
يرى الجبناء أن الجبن عقل *** وتلك خديعة الطبع اللئيم

وطبيعة المجتمعات كالماء تماما ، ففي الماء الراكد تطفو على السطح الطحالب والأعفان، أما الماء المتحرك فلا يحمل العفن فوقه، والقيادات في المجتمعات الراكدة لا يمكن أن تكون على قدر المسؤولية، لأنها لا تبرز من خلال الحركة والتضحية والبذل والعطاء، فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي ما برزوا إلا من خلال الأعمال الجليلة والتضحيات الباهظة، ولذا لم يكن أبو بكر بحاجة إلى دعاية إنتخابية عندما أجمعت الأمة على انتخابه، فما أن فاضت روح رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى في الجنة تطلعت العيون إلى الساحة فلم تجد أفضل من أبي بكر رضي الله عنه.
والأمة التي تجاهد تبذل الثمن غاليا فتجني الثمرة الناضجة، ليس من السهل أن تفرط فيما جنته بالعرق والدم، وأما الذين يتربعون على صدور الناس من خلال البيان الأول في انقلاب عسكري صنع وراء الكواليس في سفارة من السفارات، يسهل عليهم التفريط بكل شيء.


ومن أخذ البلاد بغير حرب *** يهون عليه تسليم البلاد

والأمة الجهادية التي يقودها أفذاذ برزوا من خلال الحركة الجهادية الطويلة، ليس من السهل أن تفرط بقيادتها أو تخطط للإطاحة بها، وليس من اليسير على أعدائها أن يشككوها بمسيرة أبطالها، والحركة الجهادية الطويلة تشعر الأمة بأفرادها جميعا أنهم قد دفعوا في الثمن وشاركوا في التضحية من أجل قيام المجتمع الإسلامي، فيكونون حراسا أمناء لهذا المجتمع الوليد، الذي عانت الأمة جميعها من آلام مخاضه.
لا بد للمجتمع الإسلامي من ميلاد، ولا بد للميلاد من مخاض ولا بد للمخاض من آلام.