تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حزب الله-النظام السوري، هل انقلب السحر على الساحر؟!!



أحمد الظرافي
04-27-2009, 04:20 PM
حزب الله-النظام السوري، هل انقلب السحر على الساحر؟!!
بقلم: أحمد الظرافي


فضيحة الشبكات والخلايا الاستخباراتية التابعة لحزب الله الشيعي اللبناني في مصر والتي كشف النقاب عنها في العاشر من شهر أبريل 2009، نجم عنها تداعيات خطيرة، ولفتت النظر إلى حقائق كثيرة كانت خافية على قطاع كبير من جماهير الأمة العربية ممن كانوا لا زالوا واقعين تحت تأثير وهم الانتصار ( الإلهي ) الذي حققه حزب الله ضد الكيان الصهيوني في حرب تموز 2006.
كما أن هذه القضية دقت أجراس الخطر بقوة حول المدى الذي وصلت إليه المخططات الإيرانية واسعة النطاق في المنطقة العربية والإسلامية، عن طريق الأحزاب والمنظمات التابعة لها، والمتلفعة بلفاع المقاومة وفي مقدمتها حزب الله اللبناني الشيعي نفسه. وتلك المخططات الإيرانية تتناسب تناسبا طرديا مع المخططات الصهيونية والأمريكية.
وقد قيل الكثير حول هذه الشبكات والخلايا الاستخباراتية، وما زالت تفاعلات هذه القضية – الفضيحة مستمرة ويبدو أنها سوف لا تنتهي في القريب العاجل بل ستستمر لفترة طويلة.
بيد أن أحدا بحسب إطلاعي وفي حدود علمي وحتى كتابة هذه السطور، لم يتطرق لما كشفته هذه القضية – الفضيحة من تحول استراتيجي نوعي وكبير في علاقة حزب الله بالنظام السوري.
فقد كشفت هذه القضية – الفضيحة بما لا يدع مجالا للشك، أن حزب الله الشيعي اللبناني، شبّ عن الطوق، ولم يعد يخضع لهيمنة ووصاية النظام السوري، بل صار يخضع للنظام الإيراني بشكل كامل ويتسلم الأوامر والتعليمات بشكل مباشر من الحرس الثوري الإيراني والمخابرات الإيرانية في طهران، ودونما حاجة للمرور عبر دمشق، أو التنسيق معها أو اخذ مصالحها في الحسبان، كما كان الحال عليه سابقا، وبحيث صار حزب الله – أو بالأحرى الطرف الذي بيده زمام حزب الله – لا يضع أي قيمة اعتبارية للنظام السوري، أو أن هذا الأخير بعبارة أخرى لم يعد في العير ولا في النفير بالنسبة للاعب الحقيقي بهذه الورقة، ولم يعد ثمة حاجة لدمشق، اللهم إلا باعتبارها أداة وظيفية فقط أي محطة لنقل الأسلحة الإيرانية لحزب الله بحكم موقعها المتأخم للأراضي اللبنانية.
وليس ذلك فحسب بل يمكن القول أن حزب الله، صار يعمل ضد توجهات السياسة الخارجية السورية، إلى درجة الاستهتار والاستهزاء بنظام الرئيس بشار الأسد.. هذا النظام البعثي النصيري الجاثم في دمشق، والذي مهما كانت سلبياته ومهما تشعبت علاقاته بنظام ولاية الفقيه الشيعي الفارسي في طهران، ومهما وصلت درجة تبعيته له، إلا أنه كان ولا يزال ضد التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية، وضد قيام حزب الله بأي عمل أو نشاط يمس استقلال وسيادة هذه الدول، لصالح أي طرف كان ، ولو كان لصالح النظام الإيراني، وتحت أي مبرر كان، ولو كان هذا المبرر هو دعم حركات المقاومة المسلحة في فلسطين المحتلة، التي تحظى بتأييد ودعم النظام السوري – إعلاميا على الأقل – ولها تواجد إعلامي وسياسي ومكاتب تمثيل على الأراضي السورية.
وعلى ذلك كانت تقوم علاقة النظام السوري بحزب الله الشيعي في لبنان منذ تأسيسه، وعلى ذلك كان يرعاه ويزوده بالسلاح والعتاد ويمكن له في لبنان على حساب المنظمات الفلسطينية والقوى اللبنانية الأخرى، ومن ضمنها حركة أمل الحليف السابق والأصيل للنظام السوري، قبل أن تكون ثورة خميني قد قامت، وقبل أن يكون حزب الله شيئا مذكورا.
وذلك – بطبيعة الحال – فيما عدا عمليات محدودة خارج نطاق منطقة الشرق الأوسط ، كان يقوم بها عناصر تابعون لحزب الله، لصالح نظام ولاية الفقيه في طهران بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني، وتحت إشرافه، وبتغطية من قبل السفارات والبعثات الدبلوماسية الإيرانية في الخارج، من وراء ظهر النظام السوري، وخاصة تلك التي لا تتعارض مع مصالح النظام السوري، ولا تمس علاقاته الخارجية ولا تسبب له إي إحراج مع أنظمة البلدان التي تربطه بها علاقات جديدة.
أي أن دعم النظام السوري لحزب الله الشيعي في لبنان كان يقوم على أساس أن هذا الأخير حزب لبناني، انشأ ليمارس نشاطه في لبنان كجزء من تركيبته الاجتماعية والسياسية، وكحزب لبناني مقاوم بناء على توافق جميع اللبنانيين، ويستفيد النظام السوري من هذه المقاومة في لعبة الصراع مع الكيان الصهيوني.
وقد يكون صحيحا ما تردد في وسائل الأعلام المهتمة بالشأن الإيراني – نقلا عن تقارير أمنية غربية – من كون نظام ولاية الفقيه في طهران قد قام بدمج حزب الله اللبناني في فيلق القدس الإيراني، في إطار الإستراتيجية الجديدة للنظام الإيراني والمتعلقة بإحياء ما سمي بـ " تصدير الثورة " من جديد .
وهذه القضية برمتها قد كشفت وبكل وضوح أن النظام الأسدي السوري كان طوال العقود الثلاثة السابقة يحرث ويبذر البذور في تربة غير تربة أرضه وفي حائط غير حائطه، ثم بعد ذلك يكد ويتعب ويتعرض لحر الشمس والغبار والأتربة، ويتعهد الزرع بالنماء، لتكون الثمرة لغيره ، وليكون نصيبه في نهاية المطاف خفي حنين وشوك الحسك والسعدان فقط.
وقد يكون النظام السوري حاليا – والرئيس الشاب بشار الأسد بالذات – يشعر بغصة في حلقه، نتيجة لذلك، وهو بلا شك غير راض على نشاط حزب الله الاستخباراتي في مصر ، لأنه لا يريد لشعرة معاوية أن تنقطع بينه وبين نظام الرئيس حسني مبارك. ولا شك أن النظام السوري لا زال يتذكر موقفه الحرج عندما أطلق الجيش التركي تهديداته باجتياح الأراضي السورية أواخر العام 1998، بعد انكشاف ضلوع حافظ الأسد، في إيواء ودعم الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، وكيف كان النظام المصري – وليس النظام الإيراني الحليف يا للمفارقة- طوق النجاة للنظام السوري إزاء ذلك التهديد التركي الجدي، وذلك بطبيعة الحال بعد خضوع النظام السوري وتلبيته لكافة مطالب القادة الأتراك.
وإن كان نظام الرئيس بشار الأسد لم يفصح بعد عن ألمه وخيبة أمله مما جرى، ولم يبد أية اعتراضات تذكر عليه – أو لم يطفو ذلك على السطح بعد – وذلك قد يكون مكابرة من النظام السوري وتظاهرا بأنه لا زال يمسك بجزء من قواعد اللعبة، وربما أيضا حرصا على وحدة الصف الشيعي الذي يعتبر هو جزء منه بلسان الحال لا المقال. وإن كان نظام ولاية الفقيه، نائب الإمام الغائب المهدي المنتظر، في إيران لا يرى منه سوى وجهه البعثي القومي العربي العلماني، ولذلك فهو مستمر في اختراق هذا النظام، واصطناع الأعوان والإتباع في المراكز الحساسة لأجهزته العسكرية والأمنية، ليتم ابتزازه من خلالهم وتسخيره في خدمة الأهداف والمخططات الإيرانية لتغيير الهوية العربية السنية لسوريا، أو حتى الإطاحة به عند اللزوم.
لكن كل ذلك لا يعني أن النظام السوري قد يستسلم للأمر الواقع وينسحب من الساحة اللبنانية بسهولة ويترك الجمل بما حمل فيها لحزب الله وللنظام الإيراني، فهناك ورقة مهمة لا زالت بيد النظام السوري في لبنان وهي ورقة حركة أمل الشيعية، الأقرب لدمشق والمرتبطة به بعلاقات تاريخية منذ نشأتها في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، بل والمتفقة معه فكريا وإيديولوجيا.
فهل يا ترى سنرى النظام السوري يعود مجددا للعب بهذه الورقة ليقلب الطاولة على كل من إيران وحزب الله في لبنان ويضع هذا الأخير في حجمه الطبيعي؟ وهل ستكون التطورات الجارية في التحقيقات المتعلقة بالشبكات والخلايا التابعة لحزب الله في مصر مدعاة لتفجر التناقضات وتضارب المصالح بين حزب الله الشيعي المؤدلج طبقا لنظام ولاية الفقيه، وحركة أمل الشيعية ذات النكهة العلمانية القومية، في المستقبل ؟
هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.