تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الإرادة ... دواء الامتهان وطريق القيادة والريادة



أبو يونس العباسي
04-23-2009, 02:25 PM
الإرادة ... دواء الامتهان وطريق القيادة والريادة
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين.
سبب المقال
تواجه أمتنا حملة شرسة من التحالف الصهيوصليبي وأعوانه وخدامه , وعلى جميع الأصعدة , مستخدمين في ذلك جميع الإمكانات , ويقف إخواننا المجاهدون في وجه هذا الصلف الصهيوصليبي , مع قلة ما بأيديهم من عدة وعتاد , فمنهم من يقتل , ومنهم من يؤسر , والبقية ثابتون , فسألت نفسي عن سر هذا الثبات , فوصلت إلى نتيجة تقول بأن سر الثبات هو الإرادة , وليست كأي إرادة , إنها إرادة مستمدة من الله الرحيم الرحمن .
معنى الإرادة
الإرادة شعور ينبع من القلب يؤزّ صاحبه على مواجهة الصعوبات وتخطى العثرات وتجاوز المشكلات والنجاح في تحقيق الأهداف وتشييد الإنجازات رغم كثرة المعوقات .
الإرادة وعلاقتها بالعمل
لا بد أن يعلم كل من يود العلم بأنه لا يكون هناك عمل بدون إرادة , وأنه إذا انعدمت الإرادة انعدم العمل , ويؤكد هذا الفهم ذلكم الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
ولا بد أن يعلم أيضا : أن الإرادة الخيرة يتبعها عمل خير , وأن الإرادة السيئة يتبعها عمل سيئ , وضابط الخير والشر مرده إلى نصوص الوحي من قرآن وسنة , ودليل هذا ما أخرجه البخاري من حديث النعمان بن بشير أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " , وعبر عن هذا علماؤنا بالقاعدة التي تنص على :"التلازم بين الظاهر والباطن" , وأن الباطن إذا كانت إرادته خيرة فلا بد أن يبرز ذلك على الظاهر , والعكس صحيح , وإذا قلنا لا عمل إلا بإرادة , فدعونا نقول الآن : بأنه لا إرادة إلا بعلم , وفي هذا يقول الغزالي: بأن كل عمل لا يتم إلا بثلاثة أمور : بعلم وإرادة وقدرة , ويقول ابن القيم : كمال الإنسان بهمة ترقيه وعلم يبصره , وأما إذا كانت الإرادة بدون علم كانت أقرب إلى التصرفات البهيمية منها إلى التصرفات الآدمية , وإرادة وعلم بدون عمل أمر لا تحمد عواقبه عند الله تعالى ولا عند أي عاقل , قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) " (الصف) , ولذلك فقد بوب الإمام البخاري في صحيحه :"باب: العلم قبل القول والعمل" .
الصراع مع التحالف الصهيوصليبي وسلاح الإرادة
إنه لا يمكن لنا معاشر الموحدين , أن نواجه التحالف الصهيوصليبي , إلا بإرادة قوية حديدية مستمدة من رب البرية سبحانه وتعالى , قال الله تعالى :" وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) "(آل عمران) , والإرادة القوية التي نحتاجها تتمثل في أمور منها : العزيمة على القتال والإصرار على الانتصار والصبر على الأكدار وعدم استعجال النتائج والثمار , أخرج البخاري في صحيحه من حديث خباب قال :" شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ " , قال الله تعالى :" وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) "(الأحزاب)
الصبر لون من ألوان الإرادة
ولا يستطيع عاقل أن يتصور الإرادة بدون صبر , أو أن يتصور المواجهة مع التحالف الصهيوصليبي وأزلامه بدون إرادة وعزيمة على الصبر , لأن الله سبحانه وتعالى جعل الصبر جواداً لا يكبو , وجنداً لا يهزم , وحصناً حصينا لا يهدم ، فهو والنصر أخوان شقيقان ، فالنصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، والعسر مع اليسر ، وأن الصبر أنصر لصاحبه من الرجال ، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد .
وأخبر: أنه مع الصابرين بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين ، فقال تعالى : ( واصبروا إن الله مع الصابرين ) .
وجعل سبحانه : الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين ، فقال تعالى :( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) .
وأخبر: أن الصبر خير لصاحبه , وأكد ذلك بلام التأكيد , فقال تعالى : ( ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) .
وأخبر: أنه مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو , ولو كان ذا قوة ومنعة ، فقال تعالى :( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعلمون محيط) .
وأخبر عن نبيه يوسف الصديق: أن صبره وتقواه أوصلاه إلى محل العز والتمكين فقال :(إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) .
وعلق الفلاح بالصبر والتقوى: فقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"
وأخبر عن محبته لأهل الصبر: فقال تعالى : ( والله يحب الصابرين ) .
ولقد بشر الصابرين بثلاث :كل منها خير من الدنيا وما فيها ، فقال تعالى :( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون *** أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )
وأوصى عباده:بالاستعانة بالصبر والصلاة , على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى :( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) .وجعل: الفوز بالجنة والنجاة من النار , لا يكون إلا بالصبر ، فقال تعالى :( إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون)
وأخبر سبحانه مؤكدا بالقسم:( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
وخص بالانتفاع بآياته : أهل الصبر وأهل الشكر , تمييزاً لهم عن غيرهم ، فقال: ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) .
وأخبر: أن الصبر صفة أهل العزم , والعزم يحبه الله فقال : ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) .
أنواع الإرادة وأصنافها
والإرادة على صنفين : إرادة علوية أخروية , وإرادة سفلية دنيوية , أما صاحب الإرادة العلوية فهمُّه وهدفه إرضاء الله , والوصول إلى جنته ودار كرامته , وجعل كلمته في هذه الحياة الدنيا هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى , فهو يحيا لله , وإذا ما مات يموت لله كذلك , قال الله تعالى :" قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) "(الأنعام) , وأما صاحب الإرادة السفلية الدنيوية فهو يحيا لملذاته وشهواته ويموت لملذاته وشهواته , فهو بهذا لا يختلف عن الحيوانات والأنعام كثيرا , إن لم نقل بأن الحيوانات أحسن حالا منه , قال الله تعالى :" وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) "(محمد) , وقال أيضا :" أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) "(الفرقان) , ولقد ذكر الله أن سبب ما حل بالصحابة في أحد أن بعضهم كان يحمل في جنباته إرادات دنيوية , قال الله تعالى :" وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) "(آل عمران) , قال ابن مسعود : والله ما علمت أن أحداً من أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد الدنيا إلا بعد نزول هذه الآية , وهنا نود أن ننبه المجاهدين أن من أهم أسباب الهزيمة إرادة الدنيا والإقبال عليها وتقديمها على الآخرة , أخرج أبو داوود في سننه من حدبث ابن عمر أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ " , فلا بد على القائد أن يزهد جنوده في الدنيا فإن وجد بعضهم متمسكا بها ولا يمكنه تركها خَلّفه وراءه , فإن الإرادات الأخروية لا يصلحها الله ولا يكتب لها التوفيق إلا إذا كانت خالصة لوجهه الكريم غير مشوبة بإرادات دنيوية , والدليل على هذا ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا وَلَا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا وَلَا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلَادَهَا فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ " , وإذا تأملت آيات القران وجدت أن الله يعرض الإرادات الدنيوية التي يهواها بنو آدم جميعا , ثم يوجهنا إلى أن ما عنده أفضل وأن الإرادة المتوجهة إليه والطامعة في ما عنده أكمل , قال الله تعالى :" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) "(آل عمران) , ولا تقدم أمة مراداتها الدنيوية على المرادات الأخروية إلا استحقت العذاب العظيم من الله , قال الله تعالى :" قلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) " (التوبة) , ولا يقدم إنسان المرادات الأخروية على الدنيوية إلا استحق جنات الرحمن وبكل جدارة , قال الله تعالى :" وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) "(النازعات) .
سبل تقوية الإرادة والعزيمة
وبعد أن علمنا أهمية الإرادة وحاجتنا الشديدة إليها , نتساءل ما هي سبل تقوية هذه الإرادة ؟ وهاكم الإجابة مفصلة :
الدعاء وأثره في تقوية الإرادة
إن الدعاء هو الوسيلة التي يتواصل بها المسلم مع ربه , ويستجلب بها المعونة والمدد والإرادة , فإرادة مستمدة من الله هل تظنون أنها إرادة ضعيفة ؟!!! لا والله بل إرادة أقوى من الجبال في ثباتها , والله ليس بعيد عنا بل هو قريب ... أقرب إلى أحدنا من عنق راحلته , والقريب مجيب وعلى وجه السرعة تكون إجابته , ولقد جاء في أسباب النزول أن نفرا من أصحاب الرسول جاءوا إليه وسألوه عن الله , هل هو بعيد فينادونه أم قريب فيناجونه , فنزل قوله تعالى :" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
"(البقرة) , والدعاء ليس أمرا مستحبا بل هو أمر واجب , لأنه يظهر افتقار الإنسان لربه جل وعلا , قال الله تعالى : " قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)"(غافر)
ذكر الله وأثره في تقوية الإرادة
إن ذكر الله له كبير الأثر في جميع ميادين الصراع مع أعداء الله , ويدل على هذا الفهم قول الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوااللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(الأنفال :45) , وأدعك أيها القارئ الأريب تتأمل سر جمع الله في الآية الكريمة بين الثبات "فاثبتوا" وبين ذكر الله "واذكروا" , وإن ذكر الله يزيد أيمان صاحبه ومن زاد إيمانه قويت إرادته وعزيمته , وإن الذكر يدمر المسبب في ضعف الإرادة والعزيمة ألا وهو الشيطان , وإنما تنقطع الأشياء بانقطاع مسبباتها , وإن بلالا لم يجد أفضل من الذكر ليثبت على دين الله ويقوي إرادته وعزيمته , في مقابل تعذيب الكافرين له فكان يقول : أحد أحد .
العقيدة الصيحة وأثرها تقوية الإرادة والعزيمة
إن من أعظم الوسائل التي تثبت المسلم على طاعة الله وتقوي من إرادته معرفة العقيدة التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم - والعمل بشروطها واجتناب نواقضها , قال الله تعالى :"ومن يؤمن بالله يهد قلبه " (التغابن:11) , وإن الله لا ينزع الإرادة إلا من ظالم كافر , وأما رجل العقيدة فالله يثبته ويقوي إرادته وعزيمته , قال الله تعالى :" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ"(إبراهيم :27) .
أثر الاتباع في تقوية الإرادة والعزيمة
إن الاتباع إنما يعني أن تعمل بكل ما جاء به محمد من عند ربه , إن كان في قرآن أو في سنة , فإن ارعويت لهذا وعملت به فاعلم أنك مكافؤ من قبل ربك بأن يقوي إرادتك وعزيمتك , قال الله تعالى :" وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا *** وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا *** وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا"(النساء :68,67,66) , وقال جل في علاه :" قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ "(سبأ:50)
طلب العلم والعمل به وأثره على تقوية الإرادة
معلوم أيها الأحبة أن العلم يورث الخشية من الله , والخشية من الله هي صمام الأمان الذي يقيك من أن تفتر إرادتك وتضعف عزيمتك , فمن خاف الله قوّى إرادته وزاد من عزيمته , قال الله تعالى : "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌغَفُورٌ"(فاطر:28) , وقال أيضا :" أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ"(الزمر:9) , ومعلوم عند المطلعين الفرق بين إرادة أهل العلم والمعرفة وبين إرادة غيرهم من الجهال سواء أكان الجهل في أمور الدنيا أم في أمور الآخرة.
الصحبة الصالحة وأثرها في تقوية الإرادة والعزيمة
قيل في الزمان السابق : الصاحب ساحب , إما أن يسحبك إلى خير وإما إلى شر , والرسول - صلى الله عليه وسلم – قال كما عند أبي داوود من حديث أبي هريرة : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " , وهكذا يجعلك صاحبك قوي الإرادة مثله , ويجرك ضعيف الإرادة إلى ما هو عليه من ضعف وفتور وعجز ويأس وانعدام للعزيمة , وإنني تمر بي أحوال أكاد فيها أن أضل وتنعدم إرادتي فيسخر الله لي بمنه وكرمه أصدقاء السعادة ويمدون أيديهم إلى ويخرجونني من مستنقع الضلالة وفتور الإرادة إلى قمم الهداية وتيقظ العزيمة .
قصص الصالحين وأثرها في تقوية الإرادة والعزيمة
إن الله تعالى كان يثبت رسوله ويقوي إرادته وعزيمته بسرد قصص إخوانه من الأنبياء ليتأسى بهم وليحذو حذوهم ويسير على طريقتهم , قال الله تعالى :" وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ"(هود:120) , فعندما تقرأ قوله تعالى في قصة موسى وهول يقول لقومه :" فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) "(الشعراء) تثق بنصر الله وتتيقن من أن ربك لا يترك أولياءه وهذا يقوي الإرادة والعزيمة , وعندما ترى الأنبياء يواجهون أقوامهم متسلحين بسلاح التوكل على الله ليس إلا فهذا يقوي إرادتك وعزيمتك , قال الله تعالى :" إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) " (هود), وعندما تقرأ كيف كان الكافرون يقابلون دعوة الرسل في الوقت الذي يصبر فيه الرسل على أقوامهم فهذا يقوي إرادتك وعزيمتك , قال الله تعالى :" قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) "(إبراهيم) , وقال أيضا مخاطبا رسوله محمدا:" فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35) " (الأحقاف) .
أمراض الإرادة
وبعد أن ذكرنا مقويات ومدعمات الإرادة , فلا ضير من أن نذكر أمراضها وهي كالتالي:
التذبذب والكسل وأثرهما السيئ على الإرادة
إن من أبرز أمراض الإرادة وأشدها فتكا التردد والتذبذب وعدم القرار على حال , فصاحب الإرادة إنسان صاحب هدف واضح , فإذا غمض عليك الهدف فاعلم أنك أُصبت في إرادتك , والتذبذب كمرض من أمراض الإرادة من أظهر صفات المنافقين , قال الله تعالى :" إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) "(النساء) , والمنافق لا يعرف له طريق يتخبط يمنة ويسرة , أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً " , وأما إذا تحدثنا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو صاحب إرادة وعزيمة , كيف لا يكون كذلك والله يخاطبه فيقول له :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) "(آل عمران) , ومن أحداث سيرته والتي تدل على قوة إرادته وعزيمته ما قال قبيل معركة أحد :"ما كان لنبي لبس لأمة الحرب أن يضعها حتى يفصل الله بينه وبين خصمه "
العجز وأثره السيئ على العزيمة والإرادة
ومن أمراض الإرادة الشعور بالعجز , وهذا الشعور هو المخيم على أبناء الأمة , فهم يتوهمون أنه لا طاقة لهم في أن يفعلوا ما يفعله الغرب من صناعات حضارات , وأن مواجهة الغرب ضرب من الخيال أكثر مما هو حقيقة واقعة , ونشروا أمثال التعجيز , كالمثل القائل :"العين لا تواجه المخرز" , و"الباب الذي يأتيك منه الريح أغلقه واستريح" , ولخطورة العجز على الإرادة , فإن الرسول كان يستعيذ ربه من العجز , فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أنس أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " , بل إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى المؤمن عن العجز فقال كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة :" الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان " , وحول هذا المعنى يقول الله تعالى :" وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) "(آل عمران) ويقول أيضا :" وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) "(النساء) .
التشاؤم وأثره السيئ على الإرادة
إن التشاؤم من أكبر الأمراض التي تقضي على الإرادة , فالإرادة لا تعيش في قلب ينظر صاحبه إلى الدنيا ومن فيها نظرة سلبية سوداء معتمة , ولكن تعيش في قلب يسكنه الأمل والتفاؤل , ولخطر التشاؤم على الأرادة فإن الرسول نهى عنه وأمر بضده ألا وهو التفاؤل , وذلك في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أنس عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ " , ومن مستلزمات التشاؤم اليأس والقنوط , وهاتين الصفتان لا يتصف بهما مسلم , بل هما صفتان من صفات الكافرين , قال الله تعالى :" إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) " , وقال أيضا :" قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) "(الحجر)
المحيط الخارجي وأثره السيئ على الإرادة
قد يكون الإنسان صاحب إرادة قوية , لكن من حوله يعملون وبجد على هدمها بالأقوال والأفعال , ألا فاحذر من هؤلاء ولا تهتم لأقوالهم , فإن أقوالهم لا تقدم ولا تؤخر ,قال الثوري :"من عرف نفسه ,لم يضره ما قاله الناس عنه مدحا أو ذما" , وحتى تحافظ على إرادتك قوية فلا تهتم إلا لنظر ربك لا غير , قال الشاعر يخاطب ربه : ليتك حلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
تسويف الأعمال وأثره السيئ على الإرادة
وإن مما يقتل الإرادة في النفس ألا يسارع صاحبها في إنجازها , ومن أجل ذلك أمرنا الله بالمسارعة في إنجاز أعمال الخير فقال:" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) "(آل عمران) , وقال أيضا عن أنبيائه ورسله :" فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) "(الأنبياء) , وقال على لسان نبيه موسى :" وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) "(طه) , وحول معنى الآيات يقول الرسول كما عند مسلم من حديث أبي هريرة :"بادروا بالإعمال" , قال عمر بن الخطاب :"العجلة مذمومة في كل شيئ إلا في أمور الآخرة" , قال الشاعر : إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة *** فإن فساد الرأي أن تترددا , ومن الحكم العربية المشهورة : لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد .
الخوف وأثره السيئ على الإرادة
ومما يضعف الإرادة ويخفي معالمها الخوف ممن غير الله , ولذلك جعل الله الخوف عبادة لا تصرف إلا له , فمن أنواع التوحيد : توحيد الله في الخوف منه , قال الله تعالى :" إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) "(آل عمران) , وقال أيضا :" أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) "(التوبة) , وقال على لسان إبراهيم :" وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) "(الأنعام) , ومن أنواع الخوف الذي يقتل الإرادات الخوف على الملك و الأموال والضيعات والأولاد والزوجات والبيوت والأنفس وسائر متع الدنيا , قال الله تعالى :" وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) " (القصص) , وقال أيضا :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) "(التغابن) , وقال أيضا :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) "(المائدة) , وعند الحاكم ن حديث الأسود بن خلف :" أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حسينا فقبله ، ثم أقبل عليهم ، فقال : « إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة » والمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم مبخلة : يحمل أبويه على البخل بالصدقة للمحافظة على المال من أجله وأما المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم مجبنة : أي يجبن أباه عن الجهاد خشية ضيعته .
التسرع وأثره السيئ على الإرادة
وإن مما يفسد الإرادة ويوهن العزيمة التسرع , ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة , ومن القواعد الشرعية قاعدة تقول :"من استعجل الشيئ قبل أوانه عوقب بحرمانه " وفي الصحيح من حديث خباب أن الرسول لام أصحابه بقوله :"ولكنكم تستعجلون" , فيا لله كم أفسد الاستعجال من مشاريع وحطم من أهداف وأبطل من آمال ودمر من مخططات , ولذلك فلا غرابة من أن يذم الله الإنسان بقوله :" خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) "(الأنبياء) فالأناة الأناة , فالوصول إلى الهدف مع الأناة خير من عدم الوصول مع السرعة , والله تعالى أعلم .
مع الإرادة لا يوجد مستحيل
مع الإرادة المستمدة من الله لا يوجد مستحيل في قاموس المؤمن , لأن الله على كل شيء قدير وكل أمر عليه يسير وأمره بين الكاف والنون كن فيكون ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء , وهو غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون , قال ابن القيم :"لو وقف رجل ذو إرادة أمام جبل وقرر أن يزيله لأزاله" , لقد هُزم خالد بن الوليد في الجاهلية هزائم كثيرة فما منعه ذلك من أن ينتصر انتصارات وبدون هزائم بعدما أسلم , إن إديسون ما نجح في صناعة المصباح الكهربائي إلا بعد أكثر من 5000 محاولة فشل , ولقد سئل بعد فشله في المرة أل5000 عن ما استفاده فقال : لقد تعلمت أنه يوجد 5000 محاولة خاطئة لصناعة المصباح , ولقد حاول عبد القادر عودة أن يكتب في التشريع الجنائي في الإسلام , ولكنه فوجئ بطلاسم واجهته وهو يراجع كتب الفقه التي سيعتمد عليها في الكتابة , ففترت همته عن الكتابة , فرأى نملة تصعد جدارا لتحضرا طعاما وتسقط ثم تسقط ثم تسقط ولا تيأس حتى وصلت إلى مرادها , فكان هذا دافعا للشيخ عبد القادر أن ينفض عن غيار الفتور والخور وضعف العزيمة وأن يتحلى بالإرادة , فكانت النتيجة بعد ذلك أنه نجح في كتابة كتاب فريد من نوعه في التشريع الجنائي في الإسلام , وما سردناه آنفا أردنا منه أن نثبت بأنه لا مستحيل مع الإرادة وبأنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.
إخواني الموحدين : هذه كلمات آمنت بها , واعتقدت أن الحق في قولها ونشرها, ولا أدعي العصمة , فهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمنهج الذي جاء به من عند ربه حال حياته ومن بعده , ما كان في هذا المقال من صواب فمن الله وحده , وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان , وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء,إلا ما رحم ربي , وأستغفر الله إنه كان غفارا, وأما الخطأ فأرجع عنه ولا أتعصب له , إذا دل الدليل الساطع عليه , وأسأله تعالى أن يلهمني رشدي والمسلمين , وأن يثبتني على الحق إلى ان ألقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم : أبو يونس العباسي
مدينة العزة غزة