تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المد الرافضي في السودان وانعكاساته على مصر والسعودية واليمن



أحمد الظرافي
04-23-2009, 12:23 AM
المد الرافضي في السودان وانعكاساته على مصر والسعودية واليمن

بقلم: أحمد الظرافي

المؤامرة الأمريكية والغربية لتقسيم السودان ولتغيير هويته العربية الإسلامية، قديمة، ترجع في جذورها إلى فترة الاستعمار البريطاني لهذا البلد. وقد وصلت المؤامرة الغربية على السودان ذروتها مع صدور مذكرة اعتقال الرئيس عمر البشير من قبل ما يسمى بـ " بمحكمة الجنايات الدولية" في مارس 2009 بتهمة التورط في جرائم إبادة في دارفور (http://www.aljazeera.net/NR/exeres/03643179-B744-47DB-9EAF-8A05997BFB63.htm) غربي البلاد.. وذلك – فيما يبدو - ردا على تنبه البشير لحملات التبشير المسيحية ، التي تقوم بها المنظمات الدولية التي تعمل تحت لافتات إنسانية وصحية، في ولاية دار فور المضطربة، وغيرها من ولايات السودان، وقيامه بطردها من البلاد.
ولكن ورغم خطورة الهجمة الأمريكية الغربية على هوية السودان، إلا أن هذا يجب أن لا يجعلنا نغض البصر عن الهجمة الأخرى الذي يتعرض لها هذا البلد العربي المسلم العزيز على قلوبنا، ألا وهي الهجمة الإيرانية الرافضية، التي لا تحظى بالتغطية الإعلامية الكافية، والتي ما كانت لتكون لولا تلك الهجمة الغربية. فإيران كانت ولا تزال هي المستفيد الأول من الحملة التآمرية والحرب الاقتصادية والسياسية الأمريكية والغربية على السودان.

لماذ المد الرافضي في السودان ؟
منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979، وطهران لا تكف عن السعي إلي تصدير ثورتها ، وإلى فرض نفوذها خارج حدودها، إلا أن العقد الأول من عمر الثورة الإسلامية في إيران تميز بما يطلق عليه قادة طهران صفة "الحرب العراقية المفروضة على إيران". وكانت السودان من ضمن البلدان التي حظيت باهتمام خاص لدى قادة الثورة الإيرانية، لتصدير أفكار ثورتهم إليها، وذلك لعدة عوامل، أهمها:

أولا: موقع السودان: على البوابة الجنوبية للعالم الإسلامي، بين منطقتي القرن الأفريقي والبحيرات الكبرى الاسترتيجيتين، حيث تتداخل قبائله وجغرافيته مع تسع دول إفريقية لا زال جزء كبير من سكانها يدين بمعتقدات أفريقية وثنية آيلة للتغير والزوال بحكم التوسع المعرفي ونشاط الدعوات الدينية، وهذه مزية تجعل من السودان قبلة للملل والتيارات التي تسعى لتعميق جذورها فيه والوصول عبره إلى قلب أفريقيا.

ثانيا: الطرق الصوفية: تعتبر البلدان التي تنتشر فيها الطرق الصوفية من أهم البلدان المغرية لإيران لغزوها ثقافيا وسياسيا ولفتح شهيتها لنشر التشيع فيها، وذلك لسهولة اختراق المبشرين الشيعة لهذه الطرق والتغلغل في أوساط القائمين عليها والضحك على عقولهم، عبر الحديث عن فضل آل البيت، أو من خلال تحذيرهم من دعوة التوحيد السلفية، التي ينبزونها باسم " الوهابية"، والتي يلتقي في عداوتها الصوفية والشيعة، لدعوتها للعودة للإسلام الأصلي النقي، ومهاجمتها للشرك والجهل والأمية، وتأليه الأولياء والخرافات التي تطغى على ممارسات الشيعة والصوفية على حد سواء.
وتوصف السودان بأنها " بلد التصوف بامتياز" فهي تحفل بالعديد من الطرق الصوفية ( قدرت بأربعين طريقة )، ذات التأثير الكبير والنفوذ القوي في الحياة العامة، ومن أشهرها ( القادرية – الختمية – المهدية – التيجانية – السمانية ). بحيث أضحت الحياة الاجتماعية واليومية فيها تصطبغ بطابع الإيمان بالمشايخ والأولياء الصالحين. وفي بعض تلك الطرق تختلط التقاليد الإسلامية مع التقاليد الوثنية والبدائية المحلية.
ومن رحم هذه الطرق خرجت العديد من الأحزاب السياسية التي باتت تمارس عملها على الساحة السودانية. مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي المتحدر عن الطريقة الختمية، وحزب الأمة المتحدر عن طائفة الأنصار.

ثالثا: الجبهة الإسلامية القومية: التي اجتهدت في التعرف على التجربة الإيرانية وسبق وفد الحركة الإسلامية للتعرّف على الإمام الخميني ومباركة حركة الثورة وهو ما يزال في منفاه في باريس. بل وامتدت الصلات قبل ذلك مع أعوانه في أمريكا ، وبعد انتصار الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية سجلت الحركة الإسلامية ( الجبهة الإسلامية ) حضورا دائما في الساحة الإيرانية وزارت قيادات الحركة إيران أكثر من مرة ودشنّت في السودان جمعية الصداقة مع الثورة الإيرانية.. وكانت الحركة الإسلامية السودانية تريد أن تشدّ إيران إلى ميادين الدعوة الثقافية والإرشاد بدعم جهود الدعوة الإسلامية في مجتمع ما يزال قطاع كبير منه في مرحلة التأهب لتلقي أبجديات العقيدة الإسلامية.
لقد كانت الجبهة تتبنى شعارات فضفاضة حول الإسلام هي أبعد ما تكون عن ( المشروع الواضح المحدّد ) ومن ثم فهي لا تفرق مطلقا أن ينضم إليها أو يقودها سني أو شيعي أو قادياني أو حتى نصراني !!! مادام يخدم الأهداف العامة للجبهة!.. فهي – حسبما ورد في دستورها ص26 – " لا تضيق بمشاركة غير المسلم في مجالات إعمار الحياة الدنيا ، فيما يمكن أن يتعاون فيه الناس جميعا " وهذا ينطبق على الدكتور حسن الترابي مؤسس الحركة نفسه، فهو لا يفرق بين سني وشيعي وصوفي قبوري، وهو يأنف من ذلك، لأن الكل عنده سواء. ففي مقابلة أجرتها مجلة الوسط اللندنية ( العدد:367) 8/2/1999مع الدكتور حسن الترابي، سأله مندوب المجلة " الآن يوجد نموذج طالبان، وهو نموذج سني .." تضايق الترابي وقاطعه قائلا: أرجو أن لا تشغلني كثيرا بسني وشيعي، أنا لا أؤمن بالطائفيات ولا بالمذهبيات. أنا أقرأ لكل المتصوفة ولكل المذاهب. تقسيم شيعة سنة عمره 1400سنة، أنا لا أقبل بذلك ولدي الجرأة لأن أطلب أن لا تسميني شيعيا ولا سنيا.
ومن هنا فلا عجب أن يمجد قادة الجبهة والمسئولون السودانيون الثورة الإيرانية ولا يبدون أي حرج في دعم أنشطة الرافضة والتمكين لهم في السودان.
وللأنصاف فأنه في عام1987 ضحت الجبهة القومية بعلاقاتها مع إيران وأيدت السعودية في موقفها من فتنة الحجاج الإيرانيين، الذين أرسلهم آيات قم وطهران للتخريب وإشاعة الفوضى في أطهر بقعة على الأرض، في ذلك العام.

رابعا: ثورة الانقاذ الوطني: يعتبر قيام ( ثورة الإنقاذ الوطني ) التي صنعتها الجبهة الإسلامية القومية، بزعامة حسن الترابي، وقادها الفريق عمر حسن البشير، في 30 يونيو1989، فاتحة صفحة جديدة للعلاقات بين طهران والخرطوم. وقد أعلن حينها رئيس الحكومة الإيرانية ( هاشمي رفسنجاني ) مساندة إيران للثورة الإسلامية في السودان.
ويبدو أن ذلك قد جاء بعد فترة توتر في العلاقات بين البلدين، بعد زيارة عمر البشير لبغداد، والتي كانت الزيارة الأولى التي تمت على المستوى السياسي في السودان وحصول الخرطوم على الدعم من بغداد، مما استفز القادة الإيرانيون وجعل ردهم يتسم بالعدوانية تجاه الخرطوم، فقد جاء على لسان وزير الخارجية السوداني على سحلول حينذاك في مقابلة له مع مجلة الوطن العربي في أكتوبر1989 أي بعد حوالي أربعة أشهر من قيام ثورة الإنقاذ قوله: فوجئنا بالأسلوب المعادي التي اتبعته معنا إيران..ولذلك استدعينا السفير القائم بالأعمال هناك.. استدعيناه ولم يرجع ثانية ولن يرجع. إذا أننا ننادي بتطبيق فوري لقرار وقف إطلاق النار بكامل بنوده وإقامة سلام دائم. ولكن سرعات ما صفت الأجواء بين القيادتين، بعد ذلك للظروف الصعبة التي مرت بها السودان، ولسهولة تغيير القادة الفرس لسياستهم التي تقوم على أساس المصالح، واقتناص الفرص بصورة انتهازية.

تطور العلاقات الثنائية بين طهران والخرطوم
وقد زار الرئيس السوداني عمر البشير إيران في10/12/1990م، وصرح البشير يومئذ بأن" ثورة إيران نبراس يضيء الطريق أمام المسلمين في العالم" وتلا ذلك زيارة الرئيس رفسنجاني للخرطوم في 15/12/1991 . وقد جاءت هذه الزيارة بعد حوالي ستة أشهر من زيارة كان قد قام بها الدكتور محمد خاتمي للخرطوم في 25أيار 1991، وكان حينها وزيرا للثقافة والإرشاد. وهذا وحده كاف للتعبير عن مضمون الزيارة وهو " تصدير الثورة" فمحمد خاتمي الذي يوصف بالاعتدال – زورا وبهتانا- يعتبر من أكبر المتحمسين لتصدير الفكر الشيعي للعالم الإسلامي، ولكن عن طريق العلاقات الثقافية والغزو الفكري.
وهذه الزيارات المتبادلة قد أدت إلى نقلة نوعية في العلاقات بين الجانبين السوداني والإيراني. لاسيما بعد اجتياح العراق للكويت في صيف عام 1990. فهذا الأمر قد ترك إيران في الساحة لوحدها. وأزاح من طريقها عقبة كأداء كانت تعوق حركتها وتحول دون تمددها وانتشار أفكار ثورتها وخاصة في البلدان العربية.
ثم تتابعت بعد ذلك الزيارات الرسمية على كل المستويات بين البلدين، وبدأت بذلك الهجمة الرافضية في السودان.
ويرجع كثير من المراقبين التطور الكبير الذي شهدته العلاقات الثنائية بين البلدين في عهد حكومة الرئيس البشير إلى عدة أسباب أهمها:
- التوجه الإسلامي المشترك لكلا البلدين: والاستهداف الخارجي لهذا التوجه، حيث تشعر كل من الخرطوم وإيران إنهما تواجهان عدوا مشتركا يستهدف محاصرة وإزالة التوجه الحضاري الإسلامي السائد في البلدين.
- الانبهار السوداني بالثورة الإيرانية: فينظر السودانيون إلى تجربة النموذج الإيراني في إدارة الدولة بعد نجاح الثورة الإيرانية على انه نموذج يجب أن يُحتذي، وان استمرار نجاح التجربة الإيرانية يمثل دافعا قويا لاستمرار مثيلتها السودانية في إقامة الدولة الإسلامية, حسبما أكدت مصادر إعلامية سودانية.

البشير يطلب مساعدات لنشر تعاليم خميني
وقد نجم عن زيادة وطأة الحصار الغربي والعربي على السودان وشعور النظام بأنه معزول ومعرض للسقوط إلى زيادة هرولة النظام السوداني باتجاه طهران طلبا للمساعدة والغوث وبصورة حدت به إلى التصريح عن رغبته في نشر تعاليم الخميني في السودان.
فقد نشرت مجلة الوطن العربي – العدد847 – الجمعة 25/5/1993 خبرا تحت عنوان " نداء استغاثة سوداني لإيران" نص على الآتي: أوفد رئيس النظام السوداني الفريق عمر البشير، عضو مجلس قيادة الثورة الحاكم العقيد بكري حسن صالح إلى طهران في إطار مهمة مناشدة لتقديم مساعدات عاجلة للتصدي لما يسميه " إطاحة النظام الإسلامي في الخرطوم" ونداء الاستغاثة ذاته كان قد حمله إلى طهران وزير شئون مجلس الوزراء عوض أحمد الجاز، ولم تتجاوب طهران إلا جزئيا، خصوصا أن مشكلاتها الداخلية في حالة تفاقم، وحاجات النظام السوداني كبيرة على المستويين الاقتصادي والعسكري، ويشعر بأنه محاصر ومعرض للسقوط. تجدر الإشارة إلى أن الرئيس رفسنجاني كان قد وافق خلال زيارته الرسمية إلى الخرطوم في كانون الأول – ديسمبر – 1992 على فتح اعتمادات خاصة بالسودان بقيمة 104 ملايين دولار ، إلا أن إيران لم تفرج حتى الآن (مايو1993) إلا عن عشرة ملايين دولار لشراء وقود. ويأمل البشير في الحصول على مساعدات من الميزانية الجديدة لنشر تعاليم الخميني".
وكانت أميركا قد اتهمت إيران والسودان بتدبير محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في عاصمة أثيوبيا أديس أبابا العام الماضي (1995)، ولذلك جرى فرض حظر سياسي على الخرطوم. وافتخر آية الله محمد علي التسخيري مستشار الشئون الخارجية لمرشد الثورة الإيرانية على خامنئي، في مقابلة له مع مجلة المشاهد السياسي، في نوفمبر 1996، أفتخر بعلاقات بلاده الطيبة بالسودان، وشهد التسخيري، لحكومة الخرطوم بأنها حكومة إسلامية. فقال: أما السودان فإننا نعتقد أن حكومتها حكومة إسلامية جيدة، ولنا علاقات طيبة معها ونتعامل معها ثقافيا وسياسيا.
وهذا اعتراف صريح من مسئول إيراني بارز ومن عالم شيعي شديد التعصب ومن أكبر المناوئين للسنة، بوجود مد ثقافي شيعي إيراني في السودان بموافقة وقبول الحكومة السودانية أو بتغاضي منها.
ومن المفارقات أن التسخيري في نفس تلك المقابلة كان قد حمل على حركة طالبان في أفغانستان، حملة شديدة، ونفى عنها صفة الإسلام ، ووصف عقول قادتها بأنها ميتة، لا لشيء إلا لتمسك حركة طالبان الصارم بالسنة، ولموقفها المناوئ للتمدد الشيعي في أفغانستان، وتقيدها بموقف علماء السلف الأعلام تجاه الروافض، فقد قال التسخيري بالحرف: " الطالبان ليست قضية إسلامية ولا يمثلون الصورة الإسلامية المشرفة بل يمثلون اشد الصور رجعية للإسلام.. إننا نشكك في أهدافهم السياسية والكثير من آرائهم غير إسلامية .. إننا نسعى لحل الأزمة ولا نقبل إعطاء صورة رجعية عن الإسلام.
وهكذا ظلت العلاقات الثنائية بين الخرطوم وطهران تتدرج وتنمو وتسير من حسنٍ إلى أحسن، طوال عقد التسعينيات من القرن الماضي، حتى بلغت ذروة تطورها الايجابي في كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والإستراتيجية، في نهاية القرن ، ولا زالت كذلك حتى اليوم .
وخلال تلك الفترة استمرت الزيارات المتبادلة بين كبار المسئولين على مستوى الرؤساء، حيث زار الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني الخرطوم في العام ۱۹۹۷ في وقت كان السودان يشهد فيه حصارا اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا في إطار عزلة شاملة فرضت عليه، بعد إدراجه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، كما زار السودان أيضا الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي قبل عامين، فيما شهدت طهران أيضا زيارة للرئيس السوداني عمر البشير ، وصفت بأنها تاريخية. وبدأت السودان تتبنى بعض مواقف إيران حتى في بعض مواقفها وسياستها الخارجية، ومن ذلك – على سبيل المثال - موقفها من إمارة طالبان الأفغانية. فحكومة السودان رغم أنها تدعي أنها حكومة إسلامية، لم تعترف بحركة طالبان حتى بعد أن سيطرت هذه الحركة على معظم أراضي أفغانستان واعترفت بها حكومات: باكستان والسعودية والأمارات.
وظلت الحكومة السودانية على اعترافها بالحكومة السابقة. ويقيم السودان حاليا شبكة علاقات وثيقة مع دولة أحمدي نجاد.

استغلال المقاطعة الدولية للسودان
وقد قامت طهران باستغلال ظروف المقاطعة الاقتصادية والسياسية الغربية والعربية والإقليمية التي فُرضتْ على السودان بعد قيام ( ثورة الإنقاذ ) ذات التوجه الإسلامي ، أحسن استغلال ، ووظفتها في التقرب من القيادة السودانية وكسب ثقتها ، وإظهار حسن نواياها إزاءها، وذلك من خلال تبني مواقف إيجابية تكسر من طوق المقاطعة الاقتصادية والسياسية عليها وتدعم بقاءها ووجودها، فقد: سارعت إيران عام 1991 في التعهد بإدامة الإمداد النفطي ورفع ميزان التبادل التجاري مع الحكومة السودانية . وبدأت إيران فعلا في الدخول باستثمارات ضخمة في مجالات عدة أهمها الغاز والبترول حتى أصبحت شركة ( إيران غاز ) اسما رائجا في السوق السودانية.
وبخلاف العائد الكبير الذي توفره مثل هذه الاستثمارات فإنها أيضا تمثل أذرعا هامة للتوظيف الموجه والإمداد المادي لبعض أنشطتها الدعوية وأداة ضغط سياسية مؤثرة.
ولم ينصب اهتمام طهران عند حدود التركيز على دعم الحكومة السودانية سياسيا واقتصاديا والاستثمار والتوظيف، فقط، وإنما راحت علاقة طهران بالحكومة السودانية تتعقد وتتشعب لتشمل مختلف المجالات، وتحديدا المجالات الثقافية والتعليمية .
وقد استفادت المنظمات التبشيرية الإيرانية من الظروف الاقتصادية المتردية التي يعيشها المجتمع السوداني ، وحاجته الملحة إلى الخدمات الاجتماعية ، فقامت هذه المنظمات بإنشاء المستوصفات ومحطات الصرف الصحي، ومدارس تحفيظ القرآن في الأرياف والضواحي ليتم من خلالها الدعوة لملتهم. كما أنشأت المعاهد والكليات، وفتحت أبواب البعثات الخارجية إلى جامعات وحوزات قم وطهران وأغرقت السودان بالكتب والمطبوعات والمجلات الشيعية ذات المضمون التبشيري، والتي أثارت الغيارى من أهل السنة في السودان، واستطاعوا أن يمارسوا عليها الحظر في معرض السوادان الدولي للكتاب في إحدى السنوات.
كما أن الحكومة الإيرانية نجحت في إقحام مؤلفات الخميني وغيره من الكتب الشيعية ضمن المواد والمناهج الدراسية في بعض كليات الجامعات والمؤسسات التعليمية السودانية وخاصة تلك التي كان لها دور في إنشائها. ولذلك فإن الغزو الرافضي للمجتمع السوداني يبدو أكثر وضوحا في المجالين التعليمي والثقافي.
كما استفادت إيران أيضا من مشاكل السودان السياسية والأمنية والدبلوماسية مع جيرانها من الدول الأفريقية، فبذلت الدبلوماسية الإيرانية جهودا كبيرة للمصالحة بين السودان وجيرانه من غير العرب. ولذا فإنه في الوقت الذي يشعر فيه المسئولون السودانيون بالاستياء إزاء تخلي الأنظمة العربية عنهم ومشاركة بعضها في المؤامرة الدولية على نظامهم، فإنهم يحمدون للدبلوماسية الإيرانية جهودها التي بذلتها لفك طوق الحصار الذي ظل يعاني منه السودان كثيرا في الفترة الماضية، حيث قامت طهران بعدد من المبادرات لإصلاح علاقات السودان مع بعض جيرانه، ومن ذلك – على سبيل المثال- أن طهران لعبت دور الوسيط لتطبيع العلاقات السودانية الأوغندية، وقد لعب الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني الذي تولى الرئاسة في إيران بين العامين 1997 و2005، دورا بارزا في ذلك، كما قام بمساع أخرى لتقريب وجهات النظر بين السودان واريتريا، ولما كانت العلاقات الإيرانية العربية في وقت سابق يشوبها، بعض التوتر وكذلك العلاقات الإيرانية الغربية حصرت طهران جهود الوساطة لفك حصار السودان وقتها على الدول الإفريقية وقد نجحت في ذلك ، على حد قول المصادر السودانية.

تحالف عسكري جديد بين إيران والسودان
وإذا كانت للعلاقات الثقافية والتعليمية والدبلوماسية والاقتصادية بين طهران والخرطوم أهميتها، فإن العلاقات العسكرية بين نظامي البلدين لها أهمية خاصة، وهذه العلاقات ليست بنت اليوم ، ففي سياق الحديث حول تطور العلاقات الإيرانية السودانية أشار تقرير صدر عن الكونجرس الأمريكي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي" إلى الزيارة التي قام بها آية الله محمد يازدي وثلاثون من كبار المسئولين عن شعب القوات المسلحة والمخابرات وقوى الأمن الإيرانية الأخرى إلى السودان في 28تشرين الثاني ( نوفمبر ) من عام1992. ويقول التقرير إن تلك الزيارة التي استغرقت أربعة أيام قد انتهت بتوقيع البلدين على " اتفاق جديد للتعاون الأمني". ويضيف التقرير أن حركة الإخوان المسلمين بقيادة الترابي وبمساعدة إيران، أقامت ثلاثة مراكز تدريبية للثوريين الإسلاميين في السودان في العام الماضي (1992 ) والذي قبله.
وفي نهاية عام 2006 ذكر أحد التقارير الاستخباراتية أن السودان وافقت سراً على السماح لإيران بنشر مجموعة من عملاء المخابرات الإيرانية على طول الحدود مع دولة تشاد بهدف القيام بثلاث مهام رئيسية:
1. السيطرة على العناصر القبلية في تشاد التي يعتبر أتباعها القوى البشرية العاملة في حقول اليورانيوم في شرق تشاد بهدف السيطرة عليهم.
2. السعي من أجل الارتباط ببعض العناصر التشادية القادرة على التعامل بشكل جيد مع تنامي النفوذ الليبي في تشاد.
3. القيام عن طريق تشاد بالاتصال بحركات التمرد في أفريقيا, بهدف التغلغل في بنية هذه الحركات والسيطرة عليها وتوظيفها في خدمة الأهداف الإيرانية وخاصة في مجال الضغط على أمريكا وإسرائيل، لخدمة خطط طهران النووية المثيرة للجدل.
وقد تردد في الآونة الأخيرة عن دخول طهران في تحالف عسكري جديد مع السودان، بهدف ترسيخ التعاون أكثر وأكثر بينهما، في الوقت الذي تقوم فيه، إيران بتسليح ومساعدة باقي الأطراف الموالية لها على تنامي وتعاظم قوتها مثل حزب الله وسوريا، والميليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن.
ويذكر – في هذا الصدد - أن وزير الدفاع الإيراني اللواء مصطفي ناجر, ووزير الدفاع السوداني اللواء عبد الرحيم حسين - والذي كان يشغل في السابق منصب قائد القوات الجوية - وقعا في العاصمة الإيرانية طهران قبل عدة أشهر عدة اتفاقيات للتعاون العسكري بين البلدين، وتعطي تلك الاتفاقيات الإمكانية لإيران من أجل إقامة قاعدة عسكرية متطورة في السودان ، وهو ما يعني إمكانية انتقال البلد المتأخم لكل من مصر والسعودية، إلي أيدي إيران، المعادية لنظامي هذين البلدين، بعد أن تخلا هذان النظامان العربيان عن السودان في محنته الداخلية المتمثلة في الحرب الأهلية الطاحنة بين الشمال والجنوب وتركا نظامه السياسي فريسة للضغوط الأمريكية والصهيونية. لتستفيد من ذلك إيران التي قدمت نفسها كمنقذ للقيادة السودانية.
وفيما بدا أنه ترجمة لذلك الاتفاق بين طهران والخرطوم، قام وفد عسكري إيراني في عام 2008 بزيارة للسودان ، حيث قام الجانب السوداني بترتيب زيارة لكافة المواقع العسكرية الحساسة في السودان ، لأستعرض أهم المشاكل التي تواجه الخرطوم في الدفاع عن تلك المواقع ، كما زار الوفد الإيراني منطقة دارفور الواقعة على طول الحدود السودانية – التشادية وكذلك زار السدود السودانية الواقعة على نهر النيل.

أبعاد النفوذ العسكري الإيراني في السودان
وتزعم إيران أن الهدف من وراء إنشاء تلك القاعدة العسكرية المتطورة في السودان، هو محاصرة وتطويق النفوذ الإسرائيلي في أفريقيا. وهذا كلام جميل في مجال الدعاية والتضليل، لكن ما لم تُفصح عنه السياسة الإيرانية هو أنها تهدف من وراء وجودها العسكري في السودان وبلدان القرن الأفريقي إلى تطويق كل من مصر والمملكة العربية السعودية واليمن، وأن تكون قريبة منها، لتصفية حساباتها العسيرة والمزمنة مع أنظمة هذه البلدان، ولفرض واقع جديد فيها، يكون من أبرز ملامحه الرضوخ للمشروع الإيراني وإفساح المجال أمام أفكار الثورة الخمينية الشيعية الفارسية. وأيضا لتسهيل عملية الدعم العسكري السريع لأنصارها وخلاياها النائمة في حال حدوث أي اضطرابات سياسية في أي من هذه الدول الثلاث، وهو ما تراهن عليه إيران منذ زمن، بعد أن عجزت عن تحقيق الاختراق المطلوب لها بالوسائل الثقافية والسياسية والدبيلوماسية، لا سيما في مصر والسعودية.
وقد أوضحت مصادر بريطانية "أن مئات الخبراء الإيرانيين باتوا منذ نهاية عام 2007 داخل مفاصل الجيش والأجهزة الأمنية وحتى المواقع السياسية المهمة في السودان مستغلين بذلك ارتفاع حدة الحملة الأمريكية - الأوروبية على نظام البشير".
وأضافت أن "انكشاف قيام "الإسرائيليين" في يناير الماضي بتدمير قافلة مكونة من 23 شاحنة في السودان محملة بصواريخ وأسلحة إيرانية, أعطى صورة كاملة وحقيقية عن التواجد الإيراني غير المسبوق في هذه الدولة العربية - الأفريقية ذات الموقع الإستراتيجي الأهم على البحر الأحمر وعلى رمية حجر من مصر ..(و) السعودية".
هذا فضلا عن محاولة إيران فرض سيطرة ما على طريق الملاحة الدولية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
وقد آن لنا أن نعلم أن النفوذ الإيراني قد بات أمرا واقعا في أرتيريا في غربي السودان، والمشرفة على مضيق باب المندب وتمتد على مسافة كبيرة جدا على البحر الأحمر. جاء ذلك بعد التحالف المشبوه بين نظام الآيات في طهران ونظام أسمرة ، الذي يقوده أساسي أفورقي حليف الصهاينة، والحاقد على العرب والمسلمين. وهناك معلومات عن مصادر بريطانية تناقلتها وسائل الإعلام مؤخرا تشير إلى أنه: جرى تزويد أرتيريا بمئات الخبراء العسكريين والأمنيين الإيرانيين الذين يشرفون على قواعد صاروخية منتشرة في كل أراضي البلاد وخصوصًا على حدود أثيوبيا وعلى طول الساحل الأريتري على البحر الأحمر المقابل للمملكة العربية السعودية واليمن". وقد كشفت مصادر أمنية بريطانية في لندن عن تقارير استخبارية أوروبية وأفريقية، وفق ما أوردته صحيفة "السياسة"، أن زيارة الرئيس السوداني عمر البشير الأخيرة إلى أريتريا ( مارس 2009 ) كانت بدافع لقائه وفدًا عسكريًا إيرانيًا في أسمرة، يضم جنرالين إيرانيين من وزارة الدفاع وستة خبراء صواريخ ونوويات ونائبي مدير الاستخبارات في الحرس الثوري ونائب مدير جهاز الأمن القومي، مشيرةً إلى أن الوفد الإيراني كان مقررًا له أن يزور الخرطوم، وألغيت زيارته بطلب من البشير عقب صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه ".

المواقف المصرية والسعودية واليمنية
ونخلص مما تقدم إلى القول بأنه في الوقت الذي تغط فيه بعض الأنظمة العربية في سبات عميق، وبينما بعضها الآخر يدور حيثما دار النظام الأمريكي ، فإن كلا من المخابرات الإيرانية والدبلوماسية الإيرانية، والمنظمات التبشيرية الإيرانية، تعمل دون كلل أو ملل وعلى مدار 24 ساعة في اليوم، وفي أيام الجمع والعطلات والأعياد، لتعزيز طموحات إيران الإقليمية وتوسيع رقعة نفوذها ودائرة هيمنتها ونشر أفكار ثورتها الخمينية الشيعية في المنطقة، فضلا عن جهودها لتعزيز قدراتها النووية والاقتصادية والعسكرية في الداخل.
والمدهش والمحزن في آن، أنه رغم خطورة تزايد النفوذ الإيراني الاستراتيجي في السودان، وما قد يشكله من تهديد على أمن كلٍ من مصر والسعودية واليمن ، فضلا عما يشكله من خطر على هوية السودان الإسلامية السنية التي تشكلت على مدى قرون. وبرغم استشعار أنظمة هذه البلدان الثلاث لتلك الخطورة ولذلك التهديد المتزايد ، فإن كل منهما لا يبذل من الجهود ما يكفي لمواجهة هذا الخطر المتنامي والداهم، والذي لا يقل عن خطر الغارة الأمريكية الصهيونية على العالم الإسلامي بل أن الغارة الإيرانية على العالم الإسلامي، تتصاعد وتزيد حدتها في تناسب طردي عجيب مع تلك الغارة الأمريكية الصهيونية.
وتبدو السياسة المناهضة لإيران التي تتبعها كلا البلدين متذبذبة، وغير ثابتة وتخضع للمساومات والشد والجذب. وبشكل يتمشى مع ما تكون عليه العلاقة بين طهران وواشنطن. بل أن هاتين الدولتين العربيتين الكبيرتين نفسيهما باتتا عرضة للاختراقات الإيرانية وهناك جهود كبيرة تبذل في هذا الاتجاه من قبل الدبلوماسية الإيرانية التي تجيد المناورة والكلام المعسول واستغلال الظروف أحسن استغلال.
ويلفت الدكتور مجدي حماد في حلقة نقاشية أجرتها مجلة المستقبل العربي العدد 265، 3/2001حول العلاقات العربية الإيرانية إلى توجهين مهمين في السياسة الخارجية الإيرانية، توجه شكل اختراقا باتجاه السعودية والشراكة الإستراتيجية معها ، ثم التوجه بإلحاح نحو مصر على رغم تمنع مصر ورفضها.
ففي كانون الثاني (يناير2008) – على سبيل المثال - استضاف مبارك رئيس البرلمان الإيراني، وبين الحين، والآخر يصدر إعلان مصري عن النية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
أما السعودية من جهتها فتقيم شبكة علاقات تجارية وسياسية وثيقة مع إيران. وقامت الرياض – فيما يبدو أنه استجابة لضغوط الحكومة الإيرانية التي نصبت نفسها وصية على جميع الأقليات الشيعية في العالم، ولضغوط المنظمات الدولية ذات الصلة بالشيعة – قامت بمنح الشيعة الموالين لإيران في المنطقة الشرقية حقوقا، لم يكونوا يحلمون بها، وعينت دبلوماسيا شيعيا كسفير لها في طهران، في حين لم تمارس القيادة السعودية ضغطا من أي نوع على طهران لتخفيف وطأة المأساة التي تعيشها الأقلية السنية في إيران، وما تقوم به الحكومة الإيرانية ضدها من تطهير طائفي ممنهج منذ حوالي ثلاثين عاما بهدف استئصالها من الجذور.
وأما بالنسبة لموقف القيادة اليمنية فهو لا يختلف في إطاره العام عن الموقفين السعودي والمصري. وإن كانت إيران قد بدأت تتخذ من المعارضة السياسية اليمنية في الخارج – بل وحتى المعارضة في الداخل – مطية لها لزيادة نفوذها في اليمن، ولاستخدام هذه المعارضة الحزبية، والتي لا تبحث سوى عن مصالحها الضيقة، كأداة للضغط على الحكومة اليمنية في صراعها مع الروافض الحوثيين في صعدة من جانب، ولتلميع بعض الصحفيين أو المعارضين السياسين المرتبطين بشكل أو آخر بجماعة الحوثي.

المصادر:
- مجلة السنة العدد 109، رجب1422هـ
- مجلة العربي الكويتية ، العدد 353- أبريل1988 ص50
- مجلة الوسط اللندنية ( العدد:367) 8/2/1999
- مجلة السنة العدد63رمضان 1417.
- مجلة الوطن العربي – العدد 137-663 الجمعة 27/10/1989
- مجلة الوطن العربي – العدد847 – الجمعة 25/5/1993
_ مجلة المشاهد السياسي " تحقيق " السنة الثانية ، العدد 36، 17-23نوفمبر1996
- مجلة الوطن العربي – العدد – 847 – الجمعة 28/5/1993
- مجلة المستقبل العربي، العدد 265، 3/2001
- موقع مفكرة الإسلام