تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : 'من التحول إلى التدليس' ... الشيخ سلمان العودة نموذجا



مقاوم
04-21-2009, 12:36 PM
'من التحول إلى التدليس'

إبراهيم العسعس


* التحول كلمة محايدة، بمعنى أنها عندما تأتي بلا إضافة، فإنها لا تقتضي مدحاً ولا ذمَّـاً، إنها فقط تعني وصف حالة انتقال من كذا إلى كذا. ولكي نعرف حقيقة هذا التحول: علينا أن نعرف أين كان وإلى أين صار.

ثم …. التحول حالة إنسانية طبيعية، وحق شخصي يستطيع الإنسان ممارسته، ولا يستطيع أحد أن ينتقده ما دام هذا التحول محايداً ولم يضف إليه توصيف يبين واقعه.

* التدليس كلمة بذاتها تحكم على ذاتها، لا تحتاج لإضافة، فهي وصف وحكم في نفس الوقت، وتحمل الحكم على صاحبها دون بيان، ولكل شخص الحق في الحكم على صاحبها بأنه يسيء بصرف النظر عن نيته وما استند إليه .

ثم …. لا يحق لصاحبه ممارسة التدليس حتى لو قدم بين يدي تدليسه بما شاء وكيفما شاء.

* لا يمكن أن يمرَّ التدليسُ على العقلاء الأسوياء، أياً كان مقترفه، وأياً كان تاريخه الذي يتكئُ عليه. وأيام زمان عندما كان في المسلمين بقية من فهم، وعندما لم يكن أحدٌ يوضع على الرفِّ ـ على الأقل في مجال العلم والفكر ـ، وعندما كان الكل تحت السؤال والبحث، عندها كان التدليس مرفوضاً، وقد بلغت الدقة عند علماء الحديث إلى درجة تقسيم التدليس إلى ما يصدر عن الضعفاء، وما يصدر عن الثقات، وفصلوا فيما يصدر عن الثقات بما لا محل لبيانه هنا.

وقد يرصدون هؤلاء ضمن خطة متابعة ومراقبة حثيثة تعد عليهم أنفاسهم، وهم وغيرهم من الثقات، بناء على فلسفة إنسانية راقية مُلخصها أنه لا أحد محصن عن (التحول) والاختلاط، ولا أحد يؤمن عليه من أن يتبنى وجهات نظر! تبيح له التـدليس، فقد يصبح عميقاً! ذا وعي! سابقاً للعلماء الذين كان في يوم من الأيام منهم!

... ألم يقل الوليد بن مسلم عندما عوتب على تدليسه على الأوزاعي: إنني أُجلِّهُ عن أن يروي عن الضعفاء!!! وجهة نظر!! لكنها لا تناسبنا، هكذا قال علماء الحديث، وروايتك عنه مردودة ولا كرامة!!

* قد أقول هكذا: زرتُ إيطاليا التي كنت أحمل عن برج بيزا المشهور فيها انطباعاً غير جيد، فقد كنت أعتقد طوال سنوات حياتي أنه مائل، وقد سمعت هذا من كل من زار إيطاليا، حتى إني سمعته من الطليان أنفسهم ـ ويا للعجب ـ، وذات محاضرة في مادة الجغرافيا، قال لنا أستاذ الجغرافيا سامحه الله أنَّ برج بيزا مائل!! وقد أرانا صوراً كثيرة لتوضيح ما شرحه لنا.

بيد أن ما شاهدته أنَّ واقع البرج مختلف شيئاً ما (في الحقيقة لا أعرف ما تعني: شيئاً ما هو مجرد تعبير صدر عني، وأرجو ألا تناقشوني فيها كثيراً، فأنا أكبر من أن تسألوني عن هذا التعبير التافه، ورؤيتي أنا تغنيكم عن سؤالي). فالبرج غير مائل أبداً، ومظاهر استقامته واضحة، وطوابقه ممتلئة بالزوار، ولو كان مائلاً لوقع بهم! أليس كذلك؟ هو كذلك! وقد طاف بي حراس البرج كافة أرجائه، وسمعتهم وهم يشكون من هذه الإشاعة المغرضة عـن برجهم.

وقد سمعت من أصحاب الرؤية الحادة منهم، والبصيرة الثاقبة فرأيتهم يتكئون على أبعاد صحيحة في أصول البناء، وعلى ذوق رفيع في الـفن وخداع البصر. وهم في الوقت نفسه لا ينكرون أنه قد يكون هناك بعض الميلان بحسب زاوية النظر إلى البرج، وهذا معنى صحيح، ومبدأ مشترك في أصول العمارة لا نختلف عليه.

استوحيت من التفاوت بين ما رأيته وبين ما نقله الملايين! منذ أن زُعِم أنَّ برج بيزا انحنى إلى الآن، ضرورة أن ينفتح الإنسان على الرؤى الأخرى، وأنَّ نقل التواتر مشكوك به، وأنَّ الواحد قبل أن يحكم على صورة ما عليه أن ينظر إليها من خلال رؤية الذي رسمها، صاحب الدعوة الذي استقبلني من الباب إلى المحراب، وأراني المعرض بترتيبه وتنظيمه ... وبالطبع برؤيته هو!

وهذا ما حداني إلى أن أقول لجلسائي: إنَّ علينا أن نفرق بين الجغرافيا وكتب الجغرافيا والجغرافيين!

للشيخ سلمان العودة أن يتحول كما يشاء، وله أن يتبنى ما شاء من أفكار، وينسخ ما شاء من أخرى، له ذلك ما دام يتحرك في دائرة المعقول. لكن ليس له أن يدلس على الناس، وليس له أن يتلاعب بالواضحات. ليس له أن يجعل من مقتضيات تحولاته، ونضوج أفكاره ـ كما قال عنه البعض ـ أن يعيد النظر في ضوء النهار، وعتمة الليل، وأن يلزم الخلق بعد ذلك بنظره ونضوجه، فبعض الناس يريد أن يبقى على ما هو عليه من اعتقاد أن النهار مضيء، وأن الليل مظلم!

الخطير في مقالة الشيخ العودة (الإسلام والحركات) أمران:

الأول: معياره في الحكم على واقع البلد الذي زاره! ومن أجله نقض الحقائق التي تقـلع العين! فلأن الحجاب موجود في الشارع دون اعتراض! ولأن المساجد ممتلئة بأهل البر والإيمان، ولا تنسوا هناك إذاعة للقرآن الكريم بأصوات عذبة (لو لم تكن عذبة لكان للعودة كلام آخر)، ولأن لغة الخطاب السياسي التي سمعها تتكئ (الآن) على أبعاد عروبية وإسلامية! لكل ذلك وجد قدس الله سره أن الانطباع الذي كان يحمله لم يكن جيداً!!

وهذا معيار عجيب في الحكم على أحوال بلد ما، فهل كان العودة يتوقع أن يجد شرطة في الشوارع تنزع الحجاب عن رؤوس المسلمات؟! وهل كان يعتقد أن من لوازم قمع الإسلام إخلاء المساجد من الأبرار والمؤمنين؟ وهل كان يبحث عن محاكمة صورية، مثل أن يتم الإعلان في الإعلام على طريقة العصور الوسطى: أيها الناس ليعلم الحاضر منكم الغائب هناك محاكمة صورية! ستعقد في قصر العدل اليوم الساعة العاشرة صباحاً، وعلى الجميع الحضور بأمر مولانا أطال الله عمره؟!

ومنذ متى كان وجود إذاعة للقرآن دليلاً على انفتاح بلد ما على الإسلام، أو على الأقل على أنه لا وجود لقمع الإسلام؟ مع من يحسب العودة نفسه يتكلم؟ أما حكاية الخطاب السياسي الذي يتكئ على أبعاد عروبية ولإسلامية مع التأكيد على أنَّ هذا الاتكاء يتم (الآن)، وهذه دقة حلوة من العودة! حكاية الخطاب هذه عجيبة أعجب من حكاية: (قطط سود ولها ذنب)!

وكأننا لا نعلم أن خطاب ذلك البلد كما قال الشيخ العودة! يعني كأن العودة ابن بطوطة مثلاً يرتحل في هذا العالم، فيدخل بلداً فيجده يستخدم تلك اللغة بلا علم مسبق، وكأننا لا نعلم شيئاً بحكم انقطاع أجزاء العالم بعضه عن بعض، وبحكم أن وسائل الاتصال بين الناس بطيئة جداً إلى درجة أننا يجب أن ننتظر إلى أن ينهي ابن بطوطة رحلته الميمونة، ثم يقدم مسودات رحلته إلى النساخ (لاحظوا النساخ وليس الطباعة فالكهرباء مقطوعة!)، وإلى أن ينتهي النساخ من النسخ وإلى أن توزع على العالم العربي مسيرة ما بين بلد وآخر تمتد لأشهر بسرعة الفرس السريعة، فالأمر مستعجل!

وإلى أن تنتهي كل هذه الإجراءات، يقرأ علينا الراوي في المقاهي (فكل بلد نتيجة ظروف الجهل وتأخر الناس، يحصل على نسخة واحدة فقط!)، أن كل ما نقله الرحالة المتقدمون على ابن العودة محض افتراء، وأن ابن العودة أبو بكارة هذه الحقيقة جلاها وجمَّلها وقدمها عروساً تسر الناظرين، فتخر الأمة ساجدة سجدتين؛ واحدة على بيان حقيقة ذلك البلد الذي كان ينقل لنا أنه شديد على المسلمين .. الخ، وأخرى على نعمة وجود العودة الذي لولاه لبقينا في جهلنا سادرين، وعلى غينا مصرين!!

هذه استنتاجات غريبة لا تصدر عمن يحترم عقول القراء، ولا عمن يحترم نفسه. وقياساً على هذه القرائن قد نقول: إن كل ما يشاع عن (غوانتينامو) كذب! لماذا؟ لأننا سمعنا خطاب بوش فوجدناه يتكئ على احترام للإسلام، فقد قال: إنه ليس عدواً للإسلام، بل هو ضد (العنف والتطرف والغلو، وهذا معنى صحيح، ومبدأ مشترك لا نختلف عليه)!! وزيارة واحدة (لغوانتينامو) بإشراف ضابط أمريكي، ستؤكد لنا أن كل ما نسمعه عن هذا المعتقل كذب! هذا هو منطق العودة نفسه!

الثاني: اللغة التي يتحدث بها الشيخ سلمان العودة حاسمة قاطعة، توحي بأن رؤية العودة لا تقبل النقض، عامة، مع أنه لم يشاهد كل شيء، فهو لم يزر المعتقلين ـ مثلاً ـ ولم يتحدث معهم، ولم يزر من أعتقل سابقاً، ولم تتح له فرصة رؤية عائلاتهم والاستماع منهم، بل ولم يزر جمعيات حقوق الإنسان ليطلع على وثائقهم . أنا أفهم أن يحسم باحث ما في اجتهاد له كونه بعد إلمام وإعمال فكر في فاستنبط ما استنبط، أفهم هذا... لكنني لا أفهم هذا القطع وهذا التعميم في أمور النقل مع قصور وانتقائية وعدم استقراء.

ولذلك، فإن معايير مؤسسات المجتمع المدني، وحقوق الإنسان لا تعتمد على الاستنتاجات، ولا تقبل النقل الجزئي، والرؤية الناقصة، وفوق كل ذلك تشترط التوثيق . ولو قدم العودة قراراته هذه إلى مؤسسة من تلك المؤسسات، وأفضل أن تكون أجنبية حتى لا يتحرجوا من الرد على العودة كما يتحرج كثير من الباحثين عندما يردون عليه وعلى أمثاله، فيقدمون بين يدي ردهم بإشعال شموع التقديس، وآيات الاعتذار، والتحليس والتمليس عليه، وقراءة الصمدية وغيرها قبل أن يقولوا له: أخطأت يا سيدنا. أقول لو قدم العودة بيانه هذا لتلك المؤسسات لقالوا له: عيب عليك!

هناك ملاحظة مهمة في هذا السياق، قد أعود إليها في مقالة لاحقة، فهي جزء من دراسة، وهي أن كثيراً من طلبة العلم والمفكرين في الجزيرة العربية ينتهون أحياناً إلى بعض الأفكار، فيجدون لها صدى في الجزيرة نتيجة ظروف علمية وبيئية خاصة بها، أو يجدون لها صدى في أنفسهم نتيجة لظروف خاصة بهم، فالذي كان يقرأ كتاباً لمالك بن نبي ـ مثلاً ـ في ثمانينات القرن الماضي كان يشار إليه بالبنان أن هذا هو باقر علوم الأولين والآخرين، وهذا ليس غريباً على بيئة بالكاد تخرج عن كتب مدرسة معينة.

أقول هذا كي أبين أن بعض الملاحظات التي خرج بها العودة، نتيجة مقدمته المدلسة لا اختلاف عليها، وإن كانت لا علاقة لها بتلك المقدمة. وقد يبدو أن العودة ومن خلفه من مريديه يطيرون بمثل هذه الفتوح، في حين أن المفكرين وطلبة العلم وووو قد أنهكوا هذه المسألة بحثاً في بلاد الشام ومصر والعراق والمغرب العربي، وهذا كنا نقوله منذ أن انتشرت ظاهرة الأشرطة القادمة علينا من الجزيرة العربية، وللموضوع بقية وتفصيل.

والمهم.. المسألة في غاية البساطة، وفي غاية الوضوح، العودة هنا مدلس، لا يقبل قوله ولا كرامة، وبصرف النظر عن مسوغاته فتدليسه غير مقبول، فقد كان من القصاصين من يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول : أكذب له لا عليه! ولذلك فإن معيار العلم صارم لا يحابي أحداً، فهناك من يتغير، وهناك من يختلط، وهناك من يدلس، بآخره أو بأوله، بعذر وبلا عذر، لا علاقة لنا بكل هذا، وهؤلاء لا تقبل أقوالهم ولا رؤاهم أياً كانوا، ومهما قدموا، وعلى الإطلاق.
وعلى العودة أن يحذر، فنحن لا نقدس أحداً، ولا نضع أحداً مهما بلغ على رف التقديس ومرتبة من لا يسأل عما يصدر عنه، وأرجو منه ألا يعتمد كثيراً على تاريخه واحترام الناس له إذ يوشك كل هذا أن يتهدما،هذه نصيحة لوجه الله أقدمها، أرجو من العودة أن يتنازل ويتقبلها. هدانا الله وإياكم لما فيه الخير، وثبتنا وإياكم على المنهج القويم في التفكير والرؤية.

شيركوه
04-21-2009, 01:01 PM
قلنا من زمان
تزحلط
قالوا لاااااااااا

جواد_الليل
04-21-2009, 01:03 PM
مـازالت " المئلـة " مركبـة ..!!

منصور
04-21-2009, 01:04 PM
اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك .

شيركوه
04-21-2009, 04:37 PM
اللهم آمين