تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نهنهة إمراة عربية في ذكرى صبرا وشاتيلا



no saowt
09-19-2003, 08:53 AM
بريهان قمق

يستوقفني بشدة كلما اتذكر موقف مبدع كبير كالكاتب جابرييل جارثيا ماركيز الذي حكي يوما تماما كما يحكي في رواياته الواقعية الصادقة قائلا: صادف أن كنت في باريس، عندما ارتكب شارون - بغطاء من جائزة نوبل للسلام تلك التي مُنحت لرابين والسادات - مجازر صبرا وشاتيلا التي قتل خلالها ما يقرب من 30 ألف فلسطيني لبناني . وصادف أيضا أن كنت في باريس عندما فرض الجنرال ياروزيلسكي سلطة العسكر ضد إرادة الأغلبية من شعب بولندا. أصابت الأزمة البولندية أوروبا بصدمة جعلتها تترنح من الغضب. وقمت شخصيا بالتوقيع على عدد كبير من البيانات التي تندد باغتيال الحرية في بولندا، وشاركت في الاحتفالية التي أقيمت تكريما لبطولة الشعب البولندي بمسرح ( بير ادى بار) تحت رعاية وزارة الثقافة الفرنسية. وعلى العكس من ذلك تماما ساد نوع من الصمت الرهيب عندما اجتاحت القوات الشارونية لبنان. علما بأن أعداد القتلى أو المشردين هناك لا تسمح بأية مقارنة مع ما حدث في بولندا .. لا أدري، هل يدرك هؤلاء أنهم بهذه الصورة يبيعون أرواحهم في مواجهة ابتزاز رخيص لا يمكن التصدي له بالاحتقار؟ لا أحد عانى في الحقيقة كالشعب الفلسطيني . فإلى متى نظل بلا ألسنة؟ إنني لم أجد من يومها من يدعوني إلى احتفال ببطولة الشعب الفلسطيني في أي مسرح تحت رعاية أية وزارة..!!

ما الذي حدث كهذه الايام تحديدا ؟؟
خليط من الجزع والرعب إنتاب كل من تلقى الأنباء الأولى عن المجزرة، رغم التباسها آنذاك، فالآليات التي كانت تجوب الشوارع المحيطة بالمخيمين ، ليلة السادس عشر من أيلول 1982، حاملة مسلحين مقنّعين، كانت تؤمن الحماية لمئات من المسلحين القتلة الذين توغلوا في بعض أحياء صبرا وشاتيلا ، مزودين بأسلحة كاتمة للصوت وبلطات وسكاكين، أمعنوا بواسطتها فتكا بأسر وعائلات كانت تظن أنها آمنة..!!

الجريمة التي بدأت تحت جنح الظلام لم تلبث أن انكشفت مع تمكن بعض المصابين من الفرار، لكن هذا الانكشاف الفاضح لم يوقفها، ولم يحل دون مواصلة القتلة تنفيذ مجزرتهم الوحشية طوال ثلاثة أيام بإشراف وحماية ومشاركة قوات الاحتلال الصهيونية. المؤلم أن الرقم الدقيق للضحايا ظل مجهولا، وإن كان الرقم التقريبي يشير إلى أنهم (الآلاف مؤلفة )...!! فالقتلة كدسوا جثث الضحايا في مقابر جماعية لم تكن كافية لاستيعابهم، و ظلت جثث أخرى مكدسة في الشوارع وداخل المنازل، فيما كدس المسلحون عدد من بقوا أحياء في شاحنات اقتادتهم إلى مصير ما زال مجهولا حتى اللحظة ..!!

أصداء المجزرة في عواصم العالم اضطرت الكيان الصهيوني الذي كانت قواتها تحتل بيروت آنذاك إلى إنشاء لجنة للتحقيق في المجزرة برئاسة إسحق كاهانا رئيس المحكمة العليا، وحدد مجلس الوزراء الصهيوني مهمة تلك اللجنة بقوله إن ( المسألة التي ستخضع للتحقيق هي جميع الحقائق والعوامل المرتبطة بالأعمال الوحشية التي ارتكبتها وحدة من "القوات اللبنانية" ضد السكان المدنيين في مخيمي صبرا وشاتيلا ) فانطلق التحقيق مستندا إلى تحميل "القوات اللبنانية" المسؤولية - من دون غيرها - عن المجزرة ، ومستبعدا المشاركة الصهيونية فيها وأيضا مشاركة أطراف أخرى كقوات سعد حداد، ولذا كان متوقعا أن تأتي نتائج التحقيق عن النحو المعلن آنذاك ، مكتفيا بتحميل الصهاينة مسؤولية "الإهمال" أو "سوء التقدير" .. !!

كما أن الكتب والتقارير الصهيونية الأخرى ( كعادتهم في رمي النفايات المتعاونة معهم ) لم تغفل إيراد أسماء مسؤولين كتائبيين وفي "القوات اللبنانية" كإلياس حبيقة وفادي أفرام وآخرين، محملة إياهم مسؤولية التخطيط للمجزرة وإعطاء الأوامر بتنفيذ عمليات القتل ، مكتفية بتحميل القادة الصهاينة كارييل شارون وزير الدفاع آنذاك وأمير دروري قائد المنطقة الشمالية مسؤولية المشاركة في اجتماعات تمّ فيها البحث حول دخول عناصر كتائبية إلى المخيمين ضمن إطار "اشتراك الجانب الكتائبي في عملية السيطرة على بيروت الغربية" ، كما أن تقرير كاهانا تضمن ثغرات عدة بهدف التغطية والتورية عن الدور الصهيوني كطرف مدبر للمجزرة.

توقفت المجزرة يوم السبت في 18 أيلول، مئات الجثث في الشوارع والأزقة ترقد تحت أطنان من الذباب.. أطفال مرميون على الطرقات.. نساء وفتيات تعرضن للاغتصاب منهن من بقين على قيد الحياة، ومنهن من قضين عاريات في أسرتهن أو على الطرقات أو مربوطات إلى أعمدة الكهرباء .. !!

رجال قطعت أعضاؤهم الجنسية ووضعت في أفواههم ، مسنون لم ترأف بهم شيخوختهم ولم يعطهم المجرمون فرصة أن يرحلوا عن هذا العالم بسلام ، ومن لم يقض منهم في فلسطين عام 1948 قضي عليه في المجزرة عام 1982، حوامل بقرت بطونهن وانتهكت أرحامهن وأطفال ولدوا قسرا قبل الأوان وذبحوا قبل أن ترى عيونهم النور.. !!

المقبرة الجماعية التي دفن فيها الضحايا هي اليوم مكب للنفايات ومستنقع يغرق في مياه المجارير ولا يسع الموتى - حتى في موتهم - أن يرقدوا بسلام .. !!

أما الناجون فيعيشون في ظروف إنسانية وسياسية صعبة، أقل ما يقال فيها موت بطيء يلاحقهم - منذ المجزرة - أينما حلوا ..!!

بعد احدى وعشرين عاما على المجزرة، ما تزال مشاهدها المروعة حيّة في ذاكرة من عاشوا قسوة تلك الأيام وما يحتفظون به من حكايات عن أهوالها وفظائعها ..

شهادة من بين آلاف مؤلفة من الشهادات الحيّة الأليمة للمذبحة وردت في الوثائق الفلسطينية :

نهاد كانت في الخامسة عشرة من عمرها في ذلك الوقت. الآن هي متزوجة ولديها ستة أطفال، قالت إنها كانت تحمل أختها الصغيرة على يدها عندما بدأ المسلحون بإطلاق النار"لا أعرف كيف سقطت من يدي، أصيبت بطلقة في رأسها وأنا أيضا وقعت على الأرض. أخذت أختي تحبو - وتفرفر - باتجاه أمي وهي تصرخ ماما.. ماما.. أطلقوا الرصاص على رأسها فسكتت على الفور. جارتنا ليلى كانت حاملا. عندما أصيبت بدأ الماء يتدفق من بطنها، وماتت. تظاهرت بالموت، وبعد خروجهم بقليل - لا أدري بكم من الوقت - بدأت أتفقد الجميع. فهمست لي أمي : ارتمي وتظاهري بالموت قد يعودون.

أجبتها لا آبه، فليعودوا ! عندها خرج اخي ماهر - وإسماعيل في ما بعد. كنت أظنهما ميتين. ما إن رأيت ماهر ارتميت على الأرض، فقال : لا تخافي أنا ماهر. عندها اطمأننت أنا ووالدتي، وقمنا لحمل أختي سعاد ومساعدتها على النهوض فلم نستطع. لقد كانت مشلولة. طلبت من ماهر وإسماعيل أن يهربا إلى خارج المخيم وأن يركضا بأقصى سرعة حتى لو أضعنا بعضنا. لم يكن معنا مال، إذ أخذوا كل مالنا. كان لدينا عشرون ألف ليرة خبأناها في "كيس حفاضات" أختي الصغيرة، رغم أني تظاهرت أنه مجرد كيس حفاضات ! كان المسلحون يتكلمون بالعربية، لكن البعض منهم لم يتكلم على الإطلاق، كانوا شقرا، وعينوهم زرقاء، عندما هربنا، أضعنا ماهر وإسماعيل وبقيت مع أمي على أمل أن نذهب إلى مستشفى غزة لإحضار إسعاف إلى سعاد. أخذنا نتنقل من بيت إلى آخر ونحن ننزف. كثيرون لم يصدقوا في البداية أن مجزرة تحدث في المخيم، إلا عندما رأونا مصابين والدم يغطينا. وصلنا إلى مستشفى غزة فوجدنا أخواي الكبيرين أحمد ومحمد هناك أمام المستشفى. كانت الناس تتجمع عند مدخل المستشفى. كانوا يصرخون والرعب يسيطر عليهم.

كان الصراخ رهيبا، كأنه يوم القيامة، تركنا المستشفى بعد أن نزعوا منا الرصاصات وهربنا إلى منطقة رمل الظريف. أمي تعبت كثيرا من انتفاخ صدرها بالحليب، فأختي الصغيرة كانت ما تزال ترضع قبل أن تقتل، ومع موتها بدأت أمي تعيش حالة الفطام ! كان فطاما نفسيا وجسديا لم تستطع تحمله فمرضت كثيرا". سألتها عن أختها سعاد التي بقيت في البيت، قالت إنهم عادوا إلى البيت وضربوها "بجالون المياه" وأطلقوا عليها النار مجددا ! "بعد الحادثة، لم نعد نتكلم مع بعضنا عما جرى. كنا نخاف على بعضنا من الكلام. لذا، لم أسأل سعاد شيئا ! ! ".

عندما أذهب أحيانا لأنام عند والدتي، أذهب إلى بيتها في الروشة - الذي تسكنه كمهجرة منذ المجزرة. لا أحب أن أنام في بيتها في المخيم، - حيث جرت المجزرة لأني عندما أذهب إلى هناك لا أنام أبدا. قليلا ما تأتي أمي إلى بيت المخيم. بل هي لا تهدأ في مكان منذ حادثة المجزرة، وتتنقل باستمرار بين بيوت الأقارب والأصدقاء. لم نعد كما كنا أبدا. تصوري أننا عدنا وفقدنا أخي إسماعيل في حرب إقليم التفاح".

نهاد التي نجت من المجزرة، لا تجد اليوم ما تطعم به أطفالها، رغم تردادها كلمتي "الحمد الله" زوجها عاطل عن العمل منذ سنوات، هو يعمل في البناء، لكن الأجور المتدنية التي يتقاضاها العمال الآخرون تقضي على إمكانية إيجاد أي عمل، حتى لو قبل أن يعمل بأجر زهيد، فإن ذلك الأجر لا يكفيه، بسبب الغلاء الفاحش في لبنان، وهو لا يستطيع إيجاد أي عمل آخر بسبب التقييدات المفروضة على عمل الفلسطينيين في لبنان.

بدأت حديثي بماركيز وأتساءل بحرقة ، ماذا على الأديب العربي أن يتذكر الآن ..؟؟؟ وماذا عليه أن يسجل وعلى أي بيان يوقع .. ؟؟؟ ومن أي جرح يمسك قلمه أو يضغط على كي بورد كمبيوتره لكي يكتب عن معاناة شعب مشرد يُباد بوحشية في كل لحظة وثانية منذ ما يزيد عن نصف قرن .. ؟؟؟ وكيف على المبدع العربي أن يأتي بعوالم إبداعية من معين فكره و قلبه ونفسه وروحه المحترقة ليضيف جديدا أو يقدم نموذجا من روائعه لتقرأه الآجيال عبر كل المجتمعات عن هاجس الموت الذي يهمين على حياة شعب ما عاد يعرف طعم الحياة منذ أمد بعيد جدا ، وها هو التاريخ يعيد نفسه منذ ذلك العام وعبر تقنيات وسائل الاتصال الحديثة تقرب لنا البعيد كصور حية ناطقة عن كل تفاصيل تلك المؤامرة التي يتجدد عهدها فترة بعد فترة كالأفعى الرقطاء عندما ترغب بتجديد سيرتها تعيد دورتها المعهودة متعطشة للقتل بطاقة تدميرية ..؟؟ ماذا بوسع المبدع العربي أن يتذكر ويتذكر من ويلات التاريخ العربي الممتد وجعه وجرحه وموته كي يخط بقلمه أو بريشته ما يخط على الصعيد الإبداعي أو الكتابة الأدبية ـ الثقافية من جانب آخر، وهو المثقل بالجراحات لما يمتلك من رهافة الحس ولعاطفته ولعقله الممسك بجمر الحقيقة العربية المرّة ..!!

نحن بحاجة لإبداعات حقيقية تعيش داخل التوتر الكبير ، توجهها محمولات معرفية استنتاجية تحليلية نقدية ، وثمة فارق كبير بين الحزن المرضي ( ميلانخوليا ) والحزن الذي تبتعثه المعرفة ، ثمة فارق بين بث روح الأمل واستعادة العقل المغيب وبين التفاؤل الكاذب الذي يروح بالعقل في غياهب الانفعال ، نحتاج لإبداعات تفرط في التنبه وضبط الوعي لدفع آليات التفكير إلى درجاتها القصوى محركة الفعل والعمل المتوافق مع لحظته الراهنة القاسية ولكن بفعالية وبكثير من الصبر ..

تعود علينا ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا هذا العام في عامها الحادي والعشرين، وجزارها شارون رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي ، باذلا أقصى الجهود من حيث "الفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل والفعل .. !!!!" لمحاولة تكرار الجريمة ضد شعبنا الفلسطيني ولكن على نطاق أوسع بكثير الآن ، ونحن نردد المزيد من:

ص ر ا خ ي ا ع ر ب

....................

لقد تمكن الصهاينة من استغلال الايدولوجيا الدينية وتوظيف المحرقة النازية وحكايات ومسلسلات لا تنتهي من الأكاذيب بوثائق مزورة دخلت وتغلغلت الثقافة العالمية بشرقها وغربها بدعم واسع من اليهود من كافة اتجاهاتهم الفكرية والايدولوجية ماديا ومعنويا وبطرق خبيثة ذكية داهية وبميكانيكية عقلية ذهنية دقيقة للغاية ، مقابل شعب تعرض لآلاف ما يفوق حكاية الهولوكوست لكننا بضجيج الحناجر، و لم نتمكن من توظيف مأساتنا لإظهارها للعالم وبشكل يخاطب العقل والمنطق ولم نعرف كيف نوظف الوثائق المكدسة في مؤسساتنا ، لاعتمادنا دوما على الخطاب الفضفاض الانفعالي الّلامنهجي في الخطاب الفكري والثقافي العالمي وبكثير من نفاذ الصبر ..

كيف نقرأ المجزرة اليوم ؟ أنقرأها كمجرد ذكرى نستعيدها أم نقول "عفا الله عما مضى " فنحن في ويلات أشد وأصعب ..؟؟ هل نصرخ كعادتنا ونمضي إلى حياتنا متعثرين بالإنفعال المجنون ولا يسكن فاهنا سوى اللعنة والشتيمة على أنظمتنا ونحن بسلبيتنا أسوء منها بل مساهمين في إيجادها ..؟؟ هل نكرر المطالبة بمحاكمة الفاعلين اليوم ، أم ننتظر تغيير موازين القوى الدولية والمحلية ونقول للعدالة انتظري وعليكِ بالصبر ..؟؟ من يقرر العفو عن المجرمين وبأي حق يعفو..؟؟؟ وإذا قبلنا أن نعفو ونصمت عن مثل هذه الجرائم التي ترتكب كل لحظة في الأرض المحتلة فكيف نربي أطفالنا..؟؟ أنربيهم أن الحق للقوي ونحن لسنا بأقوياء ، أم نكذب عليهم ونقول بلى نحن أقوياء ولكنها أنظمة متخاذلة ليس إلاّ ..!! أم نربيهم على الخوف بحجة حمايتهم من القتلة..؟؟ أم نطلب منهم التغاضي عن دم الأبرياء، فينشأون "بلا دم وبلا ضمير " وفاقدي الحس والعدالة..؟؟؟

لماذا ندير ظهورنا للرموز الفكرية والإبداعية العالمية بحجج العداء للآخر الغربي أو الاختلاف الديني ومنهم من آمن بعدالة القضية الفلسطينية ، وحاول بجهوده الفردية صنع موقف ما لم تصنعه جماعات عربية ..؟؟ كالبروفيسور مارك ويبر الذي يدمي قلبي وقد أخفقنا في دعمه وهو العامل في مركزه التوثيقي للمراجعة التاريخية للمحرقة النازية في نيويورك ، والذي تعرض مرارا وتكرارا للهجمات والتحطيم من قبل ايادي اللوبي اليهودي هناك لمكاتبه وحرقه من قبل فاعلين سجلوا بدوائر الشرطة" مجهولين " وما هم بمجهولين ..!! وكلما اعتذرنا له ، يقول العرب ليس بوسعهم مساعدتي .. لماذا نرميهم على قارعة أرصفتنا الباردة كالفيلسوف رجاء جارودي الفرنسي- على الرغم انه يدين بديننا- لماذا أخفق دعمنا له أثناء وبعد محاكمته المهزلة قبل سنوات قليلة بسبب تهمته بمعاداة السامية ..!!

في لقاء شخصي أجريته مع مدير مؤسسة توثيقية معنية بتوثيق القضية الفلسطينية قال لي ردا على تساؤل حول الوعي العربي الشعبي لدور المؤسسات البحثية الخاصة بالوثائق والتوثيق للقضية الفلسطينية ، صمت للحظات محاولا مغالبة حشرجة صوته ومنع دموعه التي خانته فانهمرت وعلى الهواء ، للوجع بسبب انهم عبارة عن مناطق مجهولة حتى للمثقفين انفسهم ، بكى الرجل بسبب معاناة المراكز البحثية الجادة المستقلة العاملة بصمت وبلا قرع طبول ، بهدف خدمة وتوثيق القضية الفلسطينية ، التي تعاني أزمات مالية خانقة ومنذ سنوات ولا من داعم لها سوى أهل الخير وبشكل فردي متقطع ..!!

أتساءل ( غاضة الطرف ومهملة في حسابي الدعم الحكومي الرسمي لمثل هذه المراكز الثقافية البحثية العلمية ) وأتساءل متلفتة يمينا ويسارا : أين أصحاب الحناجر في دعم هذه المؤسسات الحيوية ولو ببضعة دراهم من راتبهم الشهري أو الكتابة عنهم ، أين هنّ نساءنا في خلع بضعة سلاسل يقيدن أعناقهن أو التخلي عن زجاجة عطر باريسية للتبرع بثمنها لمثل هذه المؤسسات وبشكل دوري كل عام ..!!

للجهاد والقتال و العمل والفعل ألف طريقة وطريقة إن أردنا التحرك شعبيا مدنيا وتقديم الدعم المادي والمعنوي للجهات والمؤسسات الخاصة العاملة بصمت وكبرياء حزين لخدمة القضية الفلسطينية بظروف قاسية جدا ورغم انف " الهيمنة الاستخباراتية الأمريكية على تحويلات البنوك حاليا" سواء على الصعيد الإنساني كدعم مركز الدفاع عن السجناء الأطفال في رام الله او المؤسسات الصحية الخاصة أو المؤسسات العاملة في خدمة المعاقين الذين ازدادت أعدادهم بشكل مأساوي كنتيجة للتنكيل الصهيوني اليومي بهم ، أو دعم المؤسسات الثقافية الفلسطينية كالمعنية مثلا بحماية التراث الفلسطيني الذي تسلبه اسرائيل في كل لحظة منتحلة إياه .. وغيرها وغيرها الكثير الثقافي والإنساني ، متجاوزين الإشكاليات الحالية من حصار الحوالات النقدية يمكننا مدّ جسور التعاون مع كل الجهات الإنسانية العالمية كالذين راحوا لرام الله أو بغداد مثلا ليكونوا جسرا لإيصال الدعم الشعبي العربي للفلسطينين فقط ... إن أردنا فعل شيء .. !!

وبمناسبة الذكرى الأليمة لصبرا وشاتيلا أود التنويه بأنه قد صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت كتاب جديد لبيان الحوت باسم صبرا وشاتيلا ـ أيلول 1982 الذي يعد أفضل وثيقة تاريخية تؤرخ للمجزرة عام 1982

ويضم الكتاب ثمانمائة صفحة من الحجم الكبير ، موثقا المجزرة التي ارتكبتها القوات الكتائبية بدعم من الكيان الاسرائيلي في 17 أيلول 1982 ضد أبناء مخيم شاتيلا ومنطقة صبرا من الفلسطينيين واللبنانيين . ويعتبر الكتاب وثيقة هامة نظرا لأنه يضم في صفحاته عشرات الشهادات والروايات التي رواها من نجوا من المجزرة .

على الراغبين شراء الكتاب - والذي سيكون شكلا من أشكال دعم المراكز التوثيقية – لأهمية دورها - يمكنه الإتصال بمؤسسة الدراسات الفلسطينية على العنوان التالي :

http://www.palestine-studies.org/data/item-565.html


مجازرصبرا وشاتيلا ومن قبلها دير ياسين وصولا الى مخيم جنين وما بينهما الكثير مما يندى له الجبين ، كالحادث الآن على الأرض الفلسطينية مدنها وقراها ومخيماتها ، يجب أن تشكل دافعا للتعبيرالعملي الفعلي السلوكي المجتمعي والإبداعي العربي للحث على تطوير أدواتنا المعرفية في إدراك عقلي لفعل شيء .. وللفعل ألف وجه ووجه ، ولكن من يقرع الجرس بدل أن يصرخ : إقرع يا جرس ..!!

المجد والخلود والرحمة لشهداء صبرا وشاتيلا ، ولكل من روى ويروي وسيروي بدمائة وعقله وقلبه وروحه القضية الفلسطينية التي لن يتهشّم ضوءها .، لطالما هناك أم بالدم والزيتون والزعتر، تطرز ثوبها ، تغني لوليد يرضع من ثديها الطاهر ..

يا وليدي راح ..طلع من الصبحية
مثل الغزال …متخفي بكوفية
واصحابه اسباع..ذكر الله عليهم
ما بدري كيف …هالهمة بتيجيهم
حلفوا أيمان…يحموا أراضيهم