تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الزوجية والإختلاف



no saowt
09-17-2003, 11:07 AM
الزواج هو المرآة التي تساعدنا على رؤية الاختلاف اذ يصهر
بين عائلتين مقيماً صلة رحم بينهما تذكرهما بوحدة الأصل



الزوجية ظاهرة كونية وانسانية·

ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون

يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها·

اصل الخلق هو من نفس واحدة، تفرع منها زوج ذكر وانثى· ومن الزوجين كانت الحياة المشتركة وكانت المسؤولية المشتركة· فالزوجية تُخضع الاختلاف الظاهري بين الزوجين لجعل الحياة ممكنة· واي محاولة لضرب هذا الاختلاف او عدم احترامه هي محاولة معادية للحياة، كما ان استغلال الاختلاف لتأكيد تفوق طرف ودونية آخر هو مدعاة للنزاع والصراع·

الاختلاف هو جزء من الخلق والتحدي امام الانسان يكمن في وعيه بضرورة الاختلاف من اجل الحياة وفي كيفية التعامل معه من اجل الاضافة، واغناء التجربة· ان احترام الاختلاف هو جزء من احترام الخلق· والتوجه لا يكون بالتدخل في عملية الخلق بل معرفة كيفية التعامل مع مقتضيات هذا الخلق·

وكل من يحاول ان يقف في وجه الاختلاف سيرى ان الاختلاف سيتفلت منه لأن اللقطة الفوتوغرافية الاولى للخلق تعطي الزوجية ومعها الاختلاف· ان المطلوب هو الارتفاع بنوعية الاختلاف ليولد حياة نوعية تتميز بالبهجة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج·

يعيش الانسان تجربة نوعية للاختلاف عند الزواج

ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها·

فاذا حميت بالمودة والرحمة مكنت من الحياة "وجعل بينكم مودة ورحمة"· وهكذا نرى ان الانسان قد وضع في منظومة تعارف منذ اللحظة الاولى لهذه التجربة تنبهه ان الاختلاف المدفوع باتجاه التكامل يمكن من مقاومة الموت وانشاء حياة افضل·

ان التعارف هو المنظومة التي يتعامل الانسان من خلالها مع الآخر كتجربة قادرة على انضاج واكمال ما تملك وتقدم نفسها لا كتفوق وانما كاضافة تساعد الآخر على تحقيق تجربته واكمالها· هذه المنظومة هي قدرة متواصلة تجعل من تعدد الوجهات وتعدد الاختلاف طريقاً إلى هدف اسمى واعلى· تبدأ بين الذكر والانثى ثم تتسع لتشمل الشعوب والامم، حيث تبادل التجارب والخبرات سيؤدي إلى حياة افضل·

وحين يعتمد الاسلام الزواج اصلاً ومبدأ يرتفع بنوعيته ويفرض عليه حداً لا يهبط دونه ليقيم تعاملاً اعلى مع الاختلاف فينتج الصهر·

وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً·

ان الزواج هو المرأة التي تساعدنا على رؤية الاختلاف، اذ يصهر بين عائلتين مقيماً صلة رحم بينهم تذكرهم بوحدة الاصل·

فاتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام·

لا نريد زوجية تطغى عليها الفردية وانما حالة الوسط والتوازن، ولحظة حضور للطرفين وتفنن في جعل الاختلاف متكاملاً ودون تغييب لخصوصية طرف على حساب الطرف الآخر·

وما اروع جبران عندما قال: قد ولدتم معاً، وستظلون معاً إلى الابد·

احبوا بعضكم بعضاً، ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود، بل لتكن المحبة بحراً متموجاً بين شواطئ نفوسكم، قفوا معاً ولكن لا يقرب احدكم من الآخر كثيراً: لأن عمودي الهيكل يقفان منفصلين، والسنديانة والسروة لا تنمو الواحدة منهما في ظل رفيقتها·

اذن البشرية تملك وحدة الاصل المتكاملة مع وحدة المصير· يدخل الاختلاف الذي نراه في "بث منهما رجالاً كثيراً ونساءً" في منظومة ارحم الراحمين ليجعل من الحمل الثقيل، حمل الاستخلاف في الارض، حملاً سهلاً وخفيفاً· فترى الآخر مخلوقاً من اجل تسهيل وتخفيف الحمل عليك· فالتعارف معه ينطلق من توجه غيره ومن اجل الاضافة·

وقد بين القرآن الكريم ان المجتمعات التي تعادي الاختلاف وتواجهه بنفي الآخر أو مساواته بالموت "وان يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم" أو وأده جسدياً أو فكرياً أو اجتماعياً، هي مجتمعات عقيمة وميتة ومعادية للحياة· وعلى المستوى الاجتماعي، نتعامل مع العائلة كاللحظة الاولى للمهداة مجاناً· ومن خلالها نتعلم كيف ننشئ عائلة اكبر "الخلق كلهم عيال الله"· ينطلق من العائلة الصغيرة إلى الاقارب، ومن ثم إلى الامم والشعوب، إلى ان ينتهي إلى البشرية قاطبة· نتعامل مع اللحظات الاولى كبداية لا كنهاية· تلك اللحظات التي تعطينا الاشارة من اين نبدأ وإلى اي مدى نريد ان نكبر· ونستطيع ان نرى ذلك في الكون· فالثمار التي تعطيها الشجرة هي افق اعلى للطين· والانسان ينطلق إلى الثمار ليأكلها وليس إلى الطين الذي اذا استهلكه انهاه·

فالموقع الذي يبدأ منه الانسان هو الثمار وليس الطين· واذا تنبه الانسان إلى معرفة موقعه كأعلى مستويات الحياة انطلق منه· وأي هبوط من هذا الموقع هو خروج على انسانيته· والبشرية في عمقها تتقزز من اي عمل يهبط بالانسان من موقعه ولا تصفق له "اولئك كالانعام بل هم اضل"· ضاعت منهم الخارطة فضلوا الطريق·

والذين ينشدون الوحدة عن طريق انهاء الاختلاف سوف يمنون بالفشل، لأن الوسيلة التي يستخدمونها هي بالدرجة الاولى معادية ومناقضة للخلق، وتجعل تبعاً لذلك منهجيتهم خاطئة· ان الوحدة لن تتحقق الا بمنظومة تملك القدرة على التعامل مع الاختلاف حيث يؤدي الاختلاف النوعي إلى وحدة وإلى الحياة·

وعلى المستوى العالمي، تمثل الشعوب المختلفة في الامم المتحدة ثم تؤخذ القرارات التي تصدر عن الدول السبع الصناعية وتغيب فيها البقية· هذه لحظة طغيان لا تعارف·

ان الرؤية القرآنية تخرجنا من اشكالية ذكر/ أنثى أو رجل/ إمرأة وتتوجه بالطاقات من اجل الارتفاع بهذا الاختلاف وبنوعية الحياة اذ الحياة تمر منه وبشكل معادل ومشترك ومع الأمل بمستقبل افضل وتأثير نوعي في مستوى أعلى فلما اثقلت دعوا الله ربهما لئن اتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين، ان الاجتماع يبحث دائماً عن الصلاح وهو غائية الخلق ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون·

ان معرفة الموقع تدل الاجتماع على معرفة غايته· هل يمر الاجتماع في حالة رهبة أو خروج من العالم، أم في حالة حضارة وطغيان عالم الاشياء؟ وما هي الممارسات الاجتماعية التي تمارس في أي من الحالتين؟·

فاذا كانت الممارسة في مجتمع ما هو تنشئة ابنائه في الحلية والراحة ودون تحديات فلا يجوز له اغفالها وهو يحاول معالجتها· يدرس الواقع كما هو ثم يتخلص منه كما ينبغي· يعتمد الكون مرجعاً في دراسة الواقع وما هو كائن قل سيروا في الارض، والوحي - مرجع الهداية - يعينه على تغيير الواقع إلى ما يجب ان يكون· ان المرأة ليست ضعيفة خلقة وجبلة· وإنما المجتمعات الابوية هي التي انشأتها ضعيفة· والمعالجة تكون في صياغة بيئة جديدة ينشأ فيها الذكور والاناث مشاركين في المسؤولية ومواجهة التحديات على حد سواء· فلا مجال عندها لأحدهما او كليهما ان ينشأ ضعيفاً وفي الخصام غير مبين أو من ينشئ في الحلية وهو في الخصام غير مبين·

ان التحدي الكبير في مواجهة الممارسات الاجتماعية الخاطئة يكمن في عدم اغفالها أو تحريفها، وفي نفس الوقت عدم التسليم لها، وإنما في اعتماد الكون مرجعاً للفعل والحركة واعتماد الوحي مرجعاً لمواجهة الفعل والحركة·

ــ د· وليد فائز خير ــ