تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الانتخابات عند أعلام السلفية



libremed
04-02-2009, 01:48 PM
الانتخابات عند أعلام السلفية


كم هي المقولات التي تشيع وتنتشر بين العوام و لا قيمة لها عند العلماء الأعلام؟ ! و كم هي الأحكام التي تصير في مصاف القطعيات التي لا يخالطها شك و لا يمازجها ريب، و هي عند التحقيق حديث خرافة ؟ ! و كم هي الفتاوى التي تذل لها عقول كثيرين و لا نصيب لها من الصحة إلا الرواج، و لا دليل عليها إلا الانتشار ؟؟ و عليه فإن انتشار القول و اشتهار الفتوى لا يعطيها صدقية، و لا يكسبها حجية؛ حتى ينظر على أي أساس بنيت و على أي دليل استندت؛ و هذا يوجب على العلماء و الباحثين الاهتمام بما يروج من فتاوى و أقوال و أحكام بين العوام و توضيح الصواب فيها من الخطأ. و قبل ذلك أن يخرجوا من قيد التقليد إلى رحاب الاجتهاد. . و إلا فإن الثقة العمياء في العلماء أو أدعياء العلم تجعل الإنسان يتقبل كل ما يسمع، و تضع على عينيه غشاوة، و قد تصل به إلى رد الحق من حيث يظن أنه على حق؛ و المعصوم من عصمه الله تعالى.


و من بين المسائل التي شاع الخطأ فيها بين العوام حتى صار عقيدة عند بعضهم يقاتل في سبيلها، و يقسم بالأيمان المغلظة عليها مسألة تحريم الاشتغال بالسياسة و تحريم الانتخاب عند علماء السلفية. و قبل نقل بعض فتاوى المعاصرين منهم في هذه المسألة لا بأس أن نبدأ من عند شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – الذي يعد بحق المرجع الأولى لكل الدعوات الإصلاحية و التيارات السلفية المعاصرة؛ و معلوم أن لابن تيمية اجتهادات رائدة و مؤلفات ماتعة في كل فنون العلم و قد أفرد للسياسة الشرعية مؤلفا جدير بكل باحث أن يقف عند تقريراته فيه حيث تعتبر آراؤه فيه تطبيقا نموذجيا لفقه المقاصد و الموازنات و الأولويات. و أجتزئ من كلامه هذه الفقرة عن تولي الولاية تقليلا للمنكر قال: " فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله و إقامة ما يمكنه من واجبات و اجتناب ما يمكنه من المحرمات لم يؤاخذ بما يعجز عنه فإن تولية الأبرار للأمة خير من تولية الفجار حتى و إن لم يستطيعوا أن يحكموا بكل ما أنزل الله إذا عجزوا عن ذلك " [ مجموع الفتاوى 28 / 369 ].


و هذا الكلام أصدق ما يصدق عن التجربة السياسية للحركة الإسلامية فإني أحسب أنه لم يخطر على بال أحد من رجالاتها أنهم يقصدون منها القضاء النهائي على المنكر و التحكيم التام لشرع الله، و لكنه التدرج و الإصلاح بحسب المستطاع، و ما هذا إلا إضاءة خاطفة و إلا فإن التتبع و البحث سيوقفنا على سيل من مثل هذه التقريرات.


و قد يفجأ كثيرون حين يقرأون هذه الفتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – و التي أجاب فيها عن سؤال وجه إليه حول شرعية الترشح للبرلمان و حكم الشرع في استخراج بطاقة الناخب بنية انتخاب الإسلاميين فقال – رحمه الله - :" إن النبي – صلى الله عليه و سلم – قال :" أنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرء ما نوى " لذا فلا حرج من الالتحاق بمجلس الشعب إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق و عدم الموافقة على الباطل لما في ذلك من نصرة الحق و الانضمام على الدعاة إلى الله، كما أنه لا حرج في استخراج البطاقة التي يستعان بها على انتخاب الدعاة الصالحين و تأييد الحق و أهله... و الله ولي التوفيق [ نشرت بمجلة المجتمع الكويتية الصادرة بتاريخ 23 / 05 / 1989 م ] و كلام الشيخ – رحمه الله – صريح – كما هو واضح – في اعتبار الدخول للبرلمان من الدعوة إلى الله و في جواز الانتخاب و هو لا يحتمل تشكيكا و لا تأويلا.


و هذا ليس رأي الشيخ ابن باز – رحمه الله – وحده من أعلام السلفية بل هو رأي جميعهم إذ لم يعرف عن علم من أعلامها المشهود له بالعلم قول يخالف قول ابن باز بل على العكس نجدهم يفتون بالجواز بكلام صريح، فهذا الشيخ ناصر الدين الألباني – رحمه الله – يقول إجابة عن أسئلة وجهت إليه من الجزائر ما يلي : " و لكن لا أرى ما يمنع الشعب المسلم إذا كان في المرشحين من يعادي الإسلام و فيهم مرشحون إسلاميون من أحزاب مختلفة المناهج فتصح – و الحالة هذه – كل مسلم أن ينتخب من الإسلاميين و من هو أقرب إلى المنهج العلمي الصحيح " [ المجلة السلفية الصادرة بالسعودية . العدد 03 لسنة 1418 هـ . ص 29 ] نعم الشيخ الألباني يعتقد أن طريق الترشح و الانتخاب لا يحقق الهدف المنشود، و لكنه من باب تقليل الشر و دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى [ المرجع السابق . نفس الموضع ] و هذا رأيه و اجتهاده المحترم. و لكن صريح قوله يفيد جواز المشاركة في الانتخابات كما هو بين في جوابه عن السؤال الذي وجه إليه: ما حكم خروج النساء للانتخابات ؟ فأجاب رحمه الله بقوله:" يجوز لهن الخروج بالشرط المعروف في حقهن ... – يقصد الستر و عدم الاختلاط - ... ثم أن ينتخبن من هو أقرب إلى المنهج العلمي الصحيح من باب دفع المفسدة الكبرى بالصغرى " [ مجلة السلفية بالبيانات نفسها . و لا بأس التنويه إلى أن هذه الأسئلة هي أسئلة جبهة الإنقاذ و هي منشورة كاملة في جريدة المنقذ و مجلة الأصالة التي أصدرتها جمعية الأصالة و يرأس تحريرها د/ موسى نصر أما مجلة السلفية المذكورة أعلاه فقد انتقت بعضها منها فقط ] فالشيخ الألباني كما هو واضح من كلامه ينصح السلفيين بضرورة الانتخاب لصالح الإسلاميين و يحرض حتى النساء على فعل ذلك و كلامه صريح لا يحتمل أي تأويل و لا تشكيك.


أما الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق – حفظه الله – فرأيه أشهر من أن يشهر و ناهيك بكتبه : " المسلمون و العمل السياسي " و " فصول في السياسة الشرعية " و " مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية و قبول الولايات العامة في ظل الأنظمة المعاصرة " ففيها ما يروي كل ظمي و يهدي كل عمي و مع ذلك تظل أوضح و أصرح فتوى له هو مشاركة الحركة السلفية في الكويت في الانتخابات و دخولها مجلس الأمة الكويتي فليس بعد الفعل قول و ليس بعد التطبيق نظر.


و أجاب الشيخ عبد الله الجبرين – حفظه الله – عن سؤال وجه إليه بمناسبة إجراء الانتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية جاء في آخره :" ... فكيف يرى فضيلتكم المشاركة في هذه الانتخابات بالتسجيل أو الترشيح ؟ فقال:" نظرا لأهمية هذه الانتخابات و أثارها المنتظرة في تحسين وضع البلاد و اختيار ماله أهمية و مصلحة في البلاد و العباد فإننا نرى أهمية المشاركة في هذه الانتخابات و اختيار الأفضل من المرشحين من أهل الخبرة و المعرفة و الصلاحية لخدمة المشاريع البلدية، و رجاء أن يكون المرشحون من أهل الصلاح و الإصلاح، و العمل فيما يكون سببا في الاستقامة و اختيار ما يناسب البلاد و اختيار الأشخاص الصالحين المصلحين ممن يرجون الله و الدار الآخرة و ينصحون لولاة الأمر و للمواطنين فمتى تقدم أهل الخبرة و أهل المعرفة و أهل الاستقامة لاختيار من لهم صلاح و معرفة فإن ذلك خير في الحال و المآل و الله أعلم ". [ موقع الانتخابات البلدية لحكومة المملكة العربية السعوديةhttp://www.alriyadh.gov.sa/election/Comments-1.asp (http://www.alriyadh.gov.sa/election/Comments-1.asp) ] كما ذكر الدكتور ناصر العمر أن للجنة الدائمة للإفتاء فتوى في الموضوع ستنشر قريبا و قوله هذا موجود في الموقع المذكور و ما هذه النقول إلا جنى عجالة و إلا فإن الباحث المتلبث سيقع على الكثير.
و قبل أن أختم لا بأس أن أثبت هذه الكلمة للشيخ العلامة المحدث الكبير أحمد شاكر – رحمه الله – و هو إلى السلفيين اقرب منه إلى غيرهم قال:" .... و إذ ذاك سيكون السبيل إلى ما ينبغي من نصرة الشريعة السبيل الدستوري السلمي: أن نبث في الأمة دعوتنا و نجاهد بها و نجاهر ثم ( نصاولهم ) عليها في الانتخابات . و نحتكم فيها إلى الأمة و لئن فشلنا مرة فسنفوز مرارا بل سنجعل من إخفاقنا في أول أمرنا مقدمة لنجاحنا بما يحفز الهمم و يوقظ العزم ... " [ الكتاب و السنة يجب أن يكون مصدر القوانين في مصر: لأحمد شاكر ص 40 – 41 ] و الله الموفق لكل خير و الهادي إلى سواء السبيل.














أدلة أهل العلم على جواز المشاركة في الأنتخابات من السنة:


1- قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) .[أحمد ومسلم والترمذي والنسائي].
فما دام التغيير في مقدورنا، فعلينا القيام به، وهذه المجالس لا يتيسر إزالة أو إنكار المنكر الذي يعلن فيها إلا لمن دخلها، فكيف نترك الأمر والنهي في هذه المجالس مع عظيم تأثيرها في الأمة. قال الإمام النووي ثم إنه قد يتعين - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كما إذا كان [المنكر] في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو).[شرح النووي على مسلم:2/24].


2- قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، يَقْدِرون على أن يُغيِّروا ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يَعُمَّهم الله منه بعقاب). [أبو داود]. قال الإمام النووي: ( وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله - تعالى - بعقابه). [شرح النووي على مسلم:2/24].
هذا والجميع يرى أن للنواب في هذه المجالس حق الكلام والمناقشة لكل مسؤول في الدولة، وحق الاعتراض على كل ما تقوم به الحكومة، وهذا تغيير للمنكر باللسان. وإذا كان النواب الملتزمون بالشرع لهم اليد العليا في المجلس، أمكنهم حينئذ تغير المنكر باليد.


3- فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -: حيث عمد إلى الاستفادة من نظم المجتمع الجاهلي التي كان يتحاكم إليها أهل الجاهلية في إفادة الدعوة الإسلامية، والأمثلة على ذلك كثيرة نقتصر على أهمها:
1- إجارة أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم :حيث ظل النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإسلام تحت حماية عمه دون أن تمسه قريش بسوء قرابة عشر سنوات، ولم يتخل أبو طالب عن ابن أخيه، أو يرفض ابن أخيه حمايته.[سيرة ابن هشام:1/264].
2- حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوة السلاح الجاهلي في شعب أبي طالب:
فعندما رأت قريش إصرار أبي طالب مع بني هاشم وبني المطلب على حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - عمدت إلى مقاطعتهم، وتمالأ على ذلك الأحلاف وهم: بنو عبد الدار وبنو جمح وبنو مخزوم وبنو سهم وبنو عدي، وحصروا بني هاشم وبنو المطلب جميعا مسلمهم وكافرهم في الشعب، مطالبينهم بتسليم النبي لهم ليقتلوه. وكان أبو طالب في الشعب يحتاط لحفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يأمر أحد بنيه بالنوم في فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رآه الناس يستلقي فيه تمويها عليهم.[سيرة ابن هشام:1/351].[الرحيق المختوم/98].
3- دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة في جوار المطعم بن عدي عندما عاد من الطائف:
حيث إن قريشاً منعت النبي - صلى الله عليه وسلم - من دخول مكة بعد عودته من الطائف، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الأخنس بن شريق وسهيل بن عمرو والمطعم بن عدي تباعا ليدخل في حماية أحدهم، فرفض الأخنس وسهيل لأسباب تتعلق بقانون الإجارة الجاهلي، وأجاب المطعم بن عدي، حيث أمر بنيه وقومه بني نوفل بحمل السلاح وقال لهم: أني قد أجرت محمداً، فكونوا عند أركان البيت بسلاحكم، ثم نادى في قريش يعلمهم إجارته للنبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فطاف بالبيت وصلى ركعتين ثم دخل منزله.[سيرة ابن هشام:1/381]. كل ذلك وسيوف المشركين من بني نوفل مشرعة تحميه من مشركي قريش.


وتعقيبا على كل ذلك نقول: إن واقع الحركات الإسلامية يتطلب منها حسن الاستفادة من النظم القائمة لتحقيق بعض المنجزات لدعوة الإسلام ودعاته، أو حماية الدعوة من الفناء والهلاك، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يسمى هذا العمل من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - رضىً بأحكام الكفر، أو رضىً بما يشرعونه من دون الله، أو ركونا ومساندة للذين ظلموا. وإن دخول المجالس التشريعية لا يخرج عن هذا المعنى، فلا يقال لمن عمد إلى الاستفادة من نظم لا تحكم بالإسلام دون الرضى بها: إنه رضي بالكفر وقوانين الكفر، وأن هذا كفر.


4- توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بالهجرة إلى الحبشة:
حيث قال لهم موجهاً: ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه).[سيرة ابن هشام:1/321].
والنجاشي ملك الحبشة كان نصرانيا، وحكمه قائم على أسس من التوراة والإنجيل، غير أن هذا لم يمنع من الاستفادة من ميزة العدل في نظام حكمه الجاهلي.


ومما يذكر في تاريخ الدعوة المعاصر، أن الحكومة المصرية لما اعتقلت الداعية الكبير محمد قطب عام 1966م، أقام الشهيد سيد قطب دعوى على الحكومة المصرية لخرقها قانون الدولة أثناء اعتقال أخيه. والشهيد سيد هو من هو في تحرره من فكرة الاحتكام إلى الجاهلية وقوانينها. وهذا هو الفقه العظيم للشهيد حين يفرق بين القناعة بنظام حكم كافر، وبين الاستفادة من نظام حكم كافر لحماية الدعوة وشبابها ورجالها.[المنهج الحركي للسيرة النبوية/73].

فـاروق
04-02-2009, 04:42 PM
السلام عليكم

جزاك الله خيرا على الموضوع... وكم نحتاج في هذا الزمن الى قلوب مؤمنة وعقول نيرة تقرأ وتبحث وتقف عند حدود الله وليس عند حدود اخرى ولو كانت من صياغة " اعلام الموقعين" دون ان يعني ذلك ان يفتي كل واحد على هواه وان يتخذ مصلحته وفهمه القاصر وقلة علمه مطية يفتي وفقها يمنة ويسرة.


الكلام اعلاه جميل روحا ومعنى ولكنه ايضا بحاجة الى تفكر وتدارس...

ولعله يحضرني هنا اول ما يحضرني هو كلام الشيخ محمد قطب نفسه عن الديمقراطية والانتخابات... ورغم انه ليس من عادتي القص واللصق ولكن الكلام ادناه يكتب بماء الذهب..يقول حفظه الله:

"

واليوم- فى غربة الإسلام الثانية- تواجه الدعوة ضرورة بذل الجهد فى الأمرين معاً: التعريف والتربية.
فالتعريف بالإسلام لقوم يعرفون بعضه ويجهلون بعضه، ويظنون فى الوقت ذاته أنهم يعرفونه كله، مشكلة تحتاج إلى جهد ليس بالقليل. أما التربية- بالنسبة للقاعدة على الأقل- فمشكلة تحتاج إلى جهد أكبر؛ لتعدد مجالات التربية المطلوبة من جهة، ولأن النفوس لا تتخلى عن مألوفاتها بسهولة، ولا تستجيب استجابة فورية لكل ما يطلب منها من تكاليف.. فضلاً عن كون المطلوب ليس مجرد بناء نفوس مؤمنة، بل إعداد شخصيات فائقة التكوين، تصلح لحمل المهمة الضخمة التى تواحهها.

ونقرر كذلك أن التعريف بلا إله إلا الله – فضلاً عن التربية على مقتضياتها – ليس مجرد معلومات تلقى، وليس مجرد خطبة أو درس أو موعظة، إنما هو جهد حقيقى دائب، يحتاج إلى متابعة ومثابرة، ويحتاج إلى تتبع مسارب النفس ومداخلها، لتنقيتها من الغبش الذى أحدثه الفكر الإرجائى، فضلا عن الغبش الذى أحدثه الفكر العلمانى المستحدث، وكلاهما حمض أكال يوهن بناء العقيدة، ويفرغها من محتواها الحى، ويفقدها قوتها الفاعلة التى كانت لها يوم أن كانت على حقيقتها كما أنزلها الله .


حقيقة إنه لا يمكن فى عالم الواقع أن يحكم الإسلام ما لم يكن هناك مؤمنون، يصرون على تحكيم شريعة الله، ويرفضون أى شريعة سواها، يقيناً منهم أن الرضى بشرع غير شرع الله كفر مخرج من الملة. . وأن هذه العينة من المؤمنين هى الآن قلة فى المجتمع تستضعفهم الجاهلية وتعصف بهم .. هذه حقيقة، ولكن مقتضاها هو أن نظل ندعو، ونظل نبين للناس هذه الحقيقة، أنه لا إيمان لأحد إذا رضى بشرع غير شرع الله، ونظل نربى الناس على مقتضيات هذه الحقيقة، حتى تصبح القاعدة المؤمنة من القوة بحيث يصبح فى يدها مقاليد الأمور، وهذه هى مهمة الدعوة فى وقتها الحاضر، مهما طال بها الأمر لتحقيقها، وليست مهمتها أن تستفتى الناس عن طريق صناديق الانتخاب: هل يريدون أن يكونوا مسلمين أم لا يريدون!
ولسنا نقول: إن الحركة لو استقامت على منهج صحيح كانت ستنجو من الأذى الذى يمكن أن يصل إلى حد التعذيب والقتل، فإن الجماعة الأولى التى رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عينه، وسارت على أعظم منهج يمكن لحركة أن تسير عليه، إذ كان الوحى الربانى هو الذى يتولى توجيهها خطوة بخطوة، لم تسلم من الأذى، الذى وصل إلى حد التعذيب والتشريد والتجويع والقتل.. فليس السير على المنهج الصحيح مطلوباً من أجل حماية الأشخاص القائمين بالدعوة! إنما هو مطلوب من أجل الدعوة ذاتها، من أجل أن تؤتى ثمارها كاملة، وتؤدى رسالتها على الوجه الأكمل0




وكذلك حين ندخل فى لعبة (الديمقراطية) ، فإننا نخسر كثيراً فى قضية لا إله إلا الله..
أول ما نخسره هو تحويل الإلزام إلى قضية خيار تختاره الجماهير، والله سبحانه وتعالى يقول: ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))(الأحزاب:36).


وحين ندخل فى لعبة الديمقراطية، فأول ما نفعله هو تحويل هذا الإلزام الربانى إلى قضية يستفتى فيها النساء، وتوخذ عليها الأصوات بالموافقة أو الرفقض، مع إتاحة الفرصة لمن شاء أن يقول: إنكم أقلية، والأقلية لا يجوز لها أن تفرض رأيها على الأغلبية .. وإذن فهى مسألة رأى، وليست مسألة إلزام، مسألة تنتظر أن يصل عدد أصوات الموافقين عليها مبلغاً حتى تتقرر0


ومهما قلنا فى سرنا وعلننا: إننا لا نوافق على التشريع بغير ما أنزل الله، فإنه يلزمنا أن نخضع لقانون اللعبة، مادمنا قد ارتضينا أن نلعبها، بل طالبنا فى كثير من الأحايين أن يسمح لنا باللعب فيها، واحتججنا حينما حرمنا من هذا الحق..


ومع ذلك فما دمنا قد دخلنا اللعبة فلا مناص لنا من أن نقبل قانونها، لأن هذا هو مقتضى المنطق . إنما يحق لنا أن نرفض القانون حين لا نشارك فى اللعبة أصلاً، فنكون منطقيين مع أنفسنا ومع الناس حين نقول لهم : إننا لم نشارك فى اللعبة الآن قانونها مخالف لما قرره الله وألزم به عباده"

مقاوم
04-02-2009, 04:52 PM
موضوع مهم وشيق. لي عودة إن شاء الله بعد قراءة متأنية.



فاروق بيك ، لو كنا عارفين إنو هيك مواضيع تستدر كنوزك كنا كتبنا فيها من زمان :)

طرابلسي
04-02-2009, 05:00 PM
حقيقة إنه لا يمكن فى عالم الواقع أن يحكم الإسلام ما لم يكن هناك مؤمنون، يصرون على تحكيم شريعة الله، ويرفضون أى شريعة سواها، يقيناً منهم أن الرضى بشرع غير شرع الله كفر مخرج من الملة. . وأن هذه العينة من المؤمنين هى الآن قلة فى المجتمع تستضعفهم الجاهلية وتعصف بهم .. هذه حقيقة، ولكن مقتضاها هو أن نظل ندعو، ونظل نبين للناس هذه الحقيقة، أنه لا إيمان لأحد إذا رضى بشرع غير شرع الله، ونظل نربى الناس على مقتضيات هذه الحقيقة، حتى تصبح القاعدة المؤمنة من القوة بحيث يصبح فى يدها مقاليد الأمور، وهذه هى مهمة الدعوة فى وقتها الحاضر، مهما طال بها الأمر لتحقيقها، وليست مهمتها أن تستفتى الناس عن طريق صناديق الانتخاب: هل يريدون أن يكونوا مسلمين أم لا يريدون!



وكذلك حين ندخل فى لعبة (الديمقراطية) ، فإننا نخسر كثيراً فى قضية لا إله إلا الله..
أول ما نخسره هو تحويل الإلزام إلى قضية خيار تختاره الجماهير، والله سبحانه وتعالى يقول: ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))(الأحزاب:36).