تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لنكن صرحاء – عن واقعنا الجاهليّ



من هناك
03-28-2009, 04:47 PM
لنكن صرحاء – عن واقعنا الجاهليّ



لنكن صرحاء، فالصراحة هي الأمل الوحيد الباقي لفهم أبعاد الأزمة الإسلامية الراهنة ومن ثم إيجاد الحل الأمثل لها. فإن غبش الصورة التي عليها الواقع وعدم فهم ابعادها هي العائق الرئيس وراء ذهاب الجهد هباءاً، وليس أدل على ذلك مما رأيناه في منهج الإخوان المسلمين الذي لا زال يتخبط في عشوائية مهلكة على مدى العقود الخمسة الماضية، وما ذلك إلا لعدم فهم الواقع الذي تتعامل معه الحركة، ومن ثم عدم معرفة الممكن والمطلوب.


يكاد يُجمع الناس أنّ الأزمة الحالية هي أزمة بين الحاكم والشعب، فالحاكم ظالم مستبد، وفي غالب الأحيان مرتد موالٍ لليهود والنصارى، معادياً للإسلام والمسلمين، والشعب، من ثم، مغلوب على أمره. وهي صورة وإن كانت صحيحة إلى درجة ما، إلا أن الأمر ليس بهذه الثنائية البسيطة، فالمعادلة أعمق وأبعد غوراً.


الصورة الحقيقية التي تنعكس على صفحات حاضرنا، في كافة بقاع الإسلام من أفغانستان إلى المغرب، تكشف مواجهة شرسة بين قطاعين من المجتمع، قطاع إنخلع دين الله الحق، ونبذ الإسلام وراء ظهره، وتخلق بخلق الجاهلية وإرتدى ثيابها وتحدث بلسانها ولم يترك جحر صبّ دخلوه إلا ولجه وراءهم. ولا علينا إن كان من هذا القطاع من لا يزال يستعمل كلمات موهمة في حديثه، كأن تقول تلك "الراقصة" سأنتج رقصة جديدة في القريب إن شاء الله! أو يقول "الفنان" الحمد لله كانت حفلة رأس السنة ناجحة للغاية!! فهذه الكلمات إنما تعكس عادات تربي عليها الناس في بلادنا بل تجد كثيرا من النصارى من يستعملها، فهي أقرب إلى الثقافة العامة للأمة منها إلى الدين. ومعظم هذا القطاع هو من أهل الفنون والتمثيل و"الثقافة" المعاصرة كما يسمونها، على إختلاف درجاتهم فيها.


ومنهم من أظهر العداء للإسلام صراحة وأقام مراكزا للهجوم على الإسلام ومبادئه واصوله سواء من الناحية السياسية أو الإجتماعية أو الخلقية، كصاحب مركز بن خلدون الذي سيبرأ منه بن خلدون يوم التلاق. وهذه المراكز تعمل باسم نشر الديموقراطية أو تحرير المرأة أو حقوق الإنسان، أو تطوير المجتمع، أو ما شئت مما يجعل مركز ثقلها خارج البلاد، في أمريكا أو أوروبا، ومن هناك تأتي أوامرها وتستلهم إتجاهاتها.


ثم من هذا القطاع من ترك الإسلام لخواء روحه وسوء منشئه، فإنخرط في السيئات وفعل المحرمات، وتطلع إلى الفنانين والفنانات كمثل أعلى يحتذيه، وهو الجزء الأكبر من هذا القطاع، وتجده في كلّ مكان، في الجيش والبوليس، والمكاتب الحكومية، والشركات الخاصة، وفي المنازل والإدارات، وهؤلاء هم القاعدة الأساسية التي تمثل وجه المجتمع الجاهليّ.


وعلى رأس هذا القطاع يرسخ الحاكم متمطياً على ظهور هذه الطبقة، يعمل على نشر الفساد والفحشاء، ويعاونه في هذا من هم على شاكلته، وما أكثرهم، في البوليس والجيش لقمع الناس، ومن هم في الإدارات والمكاتب الحكومية بتنفيذ ورعاية النظم الجاهلية، بل وفي الدعوة لها، وفي ترسيخ الإنتهازية والعمالة والسرقة والنهب والكسب الحرام بالربا في قطاع "رجال الأعمال" والبنوك، بل وفي المؤسسات الدينية كمشيخة الأزهر التي بات رأسها "ملطشة" للسلطة، يخرج لهم الفتاوى "المعلّبة" متى شاؤوا، وينخرس لسانه حين يعتدى الصهاينة الخبثاء على أبناء فلسطين، وحين يغلق النظام العلماني المصريّ معبر رفح في وجه متطلبات الحياة لهم، ثم اسوأ منه "المفتى" الذي نحسب أن لقبه الآن أقرب إشتقاقاً من "الفتـّة" لا من "الفتوى"!. وهكذا في كلّ منحى من مناحى الحياة.


وهذا القطاع يمثل الكمّ الأكبر من الشعب، وإن ماطل في ذلك من إبتلاه الله بالإرجاء، وهذه هي القوى الحقيقية من بين يديّ الحاكم ومن خلفه، تحفظه من السقوط. وهذا الواقع "الجاهليّ" هو ما أشار اليه العلامة المودوديّ، وما فصله سيد قطب في ظلاله ومعالمه، وهو ما لم تفهمه القوى العاملة في الساحة الإسلامية أنذاك، ولا آنياً. فالمجتمع الجاهليّ هو مجتمع له مقوماته ومبادؤه ومناصروه وأحباره ورهبانه الذين يحلون الحرام كما حرموا الربا، ويحرمون الحلال كما حرّموا الجهاد في سبيل الله. هو مجتمع كامل لا يتصدى له إلا من عصم الله من أهل الفرقة الناجية.


ثم القطاع الآخر هو قطاع من تمسك بدينه وعمل به، على تفاوت كبير في درجات هؤلاء، فمنهم من حضر الجمعة وصلى صلواته، على تراخ منه، ولكن حبّ الله ورسوله، ومن ثم التمسك بمفردات دينه وعدم ردّ أي منها، والإعتراف بالضعف عند الزلل، حَجَبَه عن الخروج من دائرة الإسلام، ومنهم من عمل لله ورسوله ونشْر دينه سواء فرداً أو جماعة، على إختلاف هؤلاء في فهمهم للدين، وللفرق بين السنة والبدعة ولتقييم الواقع، فكان ما نراه من "لخبطة" في واقع العمل الإسلاميّ وفشل في تحقيق أية نتائج ملموسة على أرض الواقع. ولكنهم، على تباعد مواقفهم، يمثلون "القطاع المضاد" في هذا الخضم الجاهليّ" المتسع، وهو الأقل حجماً وتأثيراً في الواقع.


ونحن نعلن أن البعض سيقول، بجهل، ما قاله أسلافهم، إنّ هذا هو المنهج التكفيريّ، وأن ذلك هو ما زرعه سيد قطب من تكفير للناس، ونقول، نحن لا نكفر معيناّ إلا إن ثبت كفره العينيّ بدليل من الكتاب والسنة، فمن رفض الحجاب وقال إنه "موضة قديمة" فقد خرج عن الملة بلا خلاف عند أهل الفقه، ومن حكّم غير شرع الله راضياً به ومدافعاً عنه، فقد خلع الربقة، ولكن يبقى آحاد الناس وكلّ على مناطه الخاص. وهذا لا يمنع أن نقيّم الواقع ونرى أن القطاع الجاهليّ فيه هو القاعدة الرئيسة التي يرتكز عليها الحاكم لتمرير أفعاله وإطباق يد العلمانية الجاهلية على المجتمع كله. فالأمر ليس أمر حكومة سيئة أو ظالمة، الأمر أمر برنامج ممنهج للقضاء على الإسلام، وتصفية القوى الإسلامية، حتى من يسمون أنفسهم "المعتدلين" كالإخوان، والعقود الخمسة السالفة شاهد على ذلك، بعد أن انبطح الإخوان كلية أمام النظام، ليكون لهم ولو دور سياسيّ بسيط في الحياة السياسية، فما أفلحوا، فإن كلّ ما يمتّ للإسلام بصلة من بعيد أو قريب ليس له مكان في هذه المنظومة الجاهلية الحديثة.
لنكن صرحاء، ولتكن فينا الشجاعة والحمية أن نرى الواقع على حقيقته، ثم أن نفكر ونقدر ماذا يمكن أن نعد له لنعود به إلى رحاب الإسلام، وهو ما سنحاول تناوله في المقال القادم إن شاء الله تعالى.


http://www.tariqabdelhaleem.com/coldetails.php?id=360