تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحفر تحت أساسات السودان .. من المستفيد منه؟



مقاوم
03-12-2009, 04:31 AM
الحفر تحت أساسات السودان .. من المستفيد منه؟

بقلم الطاهر إبراهيم

عندما تضرب الهزيمة الداخلية أطنابها في ربوع قوم، فإن كل فريق من هؤلاء القوم يكون رد فعله تجاه هذه الهزيمة بشكل أو بآخر، أو إن مجموع هذه الأعراض تتآلف وتتكاتف علينا، حتى تصبح واقعا ملموسا يغري كل مستأسد أو متوحش كي يتقدم لينهش جزءاً من كياننا المتداعي، كأننا أصبحنا مشاعا، "ومن استولى على أرض مشاع فهي له".

أحد أهم هذه الأعراض أننا بتنا نعوّل على عدالة دولية مشكوك فيها لتنصفنا ممن يعتدي علينا، في الوقت الذي يوكل فيه أمر تطبيق هذه العدالة إلى الدول المعتدية نفسها. ويكون التصرف الوحيد الذي نجيده أن نشكل وفودا تذهب إلى نيويورك ـ وقد يأتي يوم لا يكون ذلك متاحا لنا ـ لنستجدي الأقوياء كي يفرجوا عن جزء من حقنا، ما يعني أننا سلمنا لهم بباقي حقوقنا.

بعض الكتاب والصحفيين العرب عبروا عن الهزيمة بأن استنكروا على الرئيس البشير إغلاق "خِيَم" التجسس في دارفور التي سميت زورا وبهتانا خيم توزيع المساعدات. بعضٌ آخر يعتقد أن الرئيس السوداني ربما يكون تأخر كثيرا في إغلاقها، وهو الآن يدفع الثمن. وكان الأولى به أن يطلب من جامعة الدول العربية إرسال المساعدات الإغاثية التي يجب أن يدفعها الأغنياء العرب من فوائض الثروات النفطية. فربما لو دفعوا هذه المساعدات لاستبقوا بها النهب المنظم والسرقات البليونية التي تكبدها هؤلاء العرب في أسواق الأسهم العالمية في نيويورك، وسميت ـ زورا وبهتانا ـ خسائر بورصات، بل كانت سرقات مكشوفة لَُعِب فيها على ذقون العرب.

الخبير المصري في القانون الدولي الدكتور "عبد الله الأشعل"، ما فتئ يكتب ويستنبط كيف يمكن للسودان أن يحبط المشروع العدواني الذي يتعرض له من هذه التي سموها "المحكمة الجنائية"، وما هي إلا "مصيدة محبوكة" لإيقاع البشير على غرار محكمة طائرة لوكوربي. ثم متى كانت قوى الاستكبار العالمي تضع اعتبارا للقانون الدولي عندما تريد أن تنقض على فريستها؟

أسوأ ما أصابنا، ليس عدوان أمريكا ولا نفاق أوروبا لها وتكاتفهما ضدنا، بل نظرات الشماتة التي تلمع في عيون بعض العرب الذين يصنفون البشير مع معسكر الممانعة، فتراهم يسلطون صحفييهم وكتابهم ليقولوا فيه ما لم يقولوه في واشنطن التي دمرت العراق وأخرجته خارج معادلة الصف العربي.

فإذا تحسر أحد هؤلاء الكتاب وذكّر بما آل إليه أمر العراق، فهو لا يلقي باللائمة على واشنطن التي احتلت العراق ودمرته، بل يلوم الرئيس العراقي "صدام حسين"، لأنه استبد بالحكم فأعطى بذلك ذريعة للرئيس الأمريكي "جورج بوش" حتى يحتل العراق ليقيم فيها ديمقراطيته الموعودة بعد أن انكشفت كذبته الكبرى عن وجود أسلحة "دمار شامل" في العراق. وبالمناسبة فإن هؤلاء ما يزالون يحملون صدام كل ما يحل بنا، حتى بعدما أصبحت "عظامه مكاحل".

من المؤكد ـ وليس من شبهه ـ أن أحد أسباب فشل الأنظمة العربية في كبح استفراد واشنطن ببعض الأنظمة العربية (العراق أولا والسودان ثانيا والحبل على الجرار) هو القبول بتصنيف هذه الأنظمة إلى دول اعتدال ودول ممانعة. ولأن الممانعة التصقت دائما بالأنظمة ذات الحكم الشمولي، فقد وجد هذا الاستفراد الأمريكي قبولا عند بعض دول الاعتدال.

الجماهير العربية ترفض هذا التقسيم، وتقف بشكل تلقائي إلى جانب أي نظام عربي تستهدفه أمريكا. استطرادا ـ وعلى السريع ـ أذكّر بحالة معروفة ومشهورة، تؤكد ما قلناه. فالرئيس الراحل صدام حسين كان بينه وبين الإخوان المسلمين في الأردن ما صنع الحداد، قبل اجتياح الكويت. بطبيعة الحال، فقد رفض الإخوان الأردنيون الاجتياح العراقي للكويت. لكن، وبمجرد بدء التحضيرات الأمريكية لغزو العراق في عام 1991، استدار الإخوان الأردنيون بمواقفهم 180 درجة، وأعلنوا تنديدهم بالحشود الأمريكية لمحاربة العراق. هذا الموقف أصاب إخوان الكويت بالإحباط من موقف إخوان الأردن، وقد احتاج الأمر سنوات كي تندمل الجروح. ولعل ما ساهم في شفاء الجراح أن "إخوان" الكويت أدركوا كم كانت الخسارة باهظة التكاليف عندما عملت واشنطن على اقتلاع نظام صدام حسين، لا حبا للكويت به، وإنما لأنه كان سدا منيعا في وجه محاولات الهيمنة الإيرانية على العراق، التي أصبحت اليوم واقعا ملموسا.

على أننا نرفض تقسيم الدول العربية إلى دول ممانعة وأخرى معتدلة، ولنا تفسير آخر للممانعة والاعتدال. فنحن نعتقد أن كل دولة عربية تمد يدها للتفاوض مع إسرائيل بواسطة واشنطن، أو بعيدا عنها، فإن ذلك سيكون على حساب ثوابت وطنية سيتم التفريط بها. واشنطن سوف تكافئ من يفاوض إسرائيل بأن تغمض عينها عن انتهاكات النظام المفاوض لمواطنيه. نحن نعتقد أن أي دولة عربية تفاوض إسرائيل ستخرج من دائرة الممانعة لأن إسرائيل لا تفاوض لوجه الله. فالعبرة بالنتائج والممارسات، لا بالتوصيف والمسميات.

الأمر الآخر، فإن الدول العربية، حسب قناعاتنا أيضا، تكون معتدلة بمقدار ما تكون علاقتها مع جيرانها العرب بعيدة عن العدوانية والانتهازية، لا بمقدار ما تقدم من تنازلات إلى إسرائيل لتحقيق سلام مطعون بشرعيته من جهة المصلحة الحقيقية لفلسطين والعرب.

بالمناسبة، فقد سجل سلوك مقلق لبعض المنظمات العربية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، لا يمكن المرور عليها مرور الكرام. فقد نقلت جريدة "بر مصر" أن (المرصد المدني لحقوق الإنسان انتقد تضامن بعض خطباء المساجد في مصر مع الرئيس السوداني عمر البشير بشأن قرار الاعتقال الذي صدر من المحكمة الجنائية الدولية، وأن الخطاب الإعلامي العربي يعاني من ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين). يأتي هذا الموقف المخزي من المرصد في الوقت الذي رأينا فيه النائب البريطاني "جالاوي" يأتي متضامنا مع أهل غزة، بينما يريد منا نشطاء "المرصد" العتيد أن نتضامن مع "أوكامبوا" وقضاة المحكمة الجنائية.

كما أن دعاة حقوق الإنسان وناشطو منظمة "العفو الدولية" العرب الذين يعملون في أوروبا، لم يخيبوا أملَ منظمةَ العفو الأوروبية التي تغطي نفقات هؤلاء الناشطين. حتى أن أحد المراكز رفض نشر المقالات التي أرسلت إليه تضامنا مع السودان ورئيسه.

على أنه لا بد أن ننوه هنا بمواقف فرقاء لبنانيين في الموالاة، رفض معظمهم قرار المحكمة في ملاحقة الرئيس "البشير"، في الوقت الذي يخوضون فيه معركة حامية لمحكمة دولية أخرى، نحسبها محكمة تسعى في كشف قتلة حقيقيين.

وإن كنا نسجل أسفنا أن بعض الصحفيين الذين يعملون في صحف محسوبة على لبنان، لكنها تصدر من خارجه، ظهروا وكأنهم "أوكامبيون" أكثر من "أوكامبو" نفسه. هذا الأمر لا يقتصر على صحافيين لبنانيين فحسب، بل تعداهم إلى صحفيين عرب آخرين، كل واحد منهم يغني على ليلاه، أو على ليلى من يدفع له الأجر.