تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العملة الخضراء تسقط عن عرشها



عمر البيروتي
03-10-2009, 01:55 PM
العملة الخضراء تسقط عن عرشها




ورق بلا رصيد

وصلت بريطانيا إلى درجة عالية في التفوق العالمي بحلول عام 1815، بدمجها البارع بين السيادة البحرية، والاستقرار المالي، والخبرة التجارية، ودبلوماسية التحالفات[1] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn1)، لكن ذروتها الحقيقية كانت بين عامي 1845 و1870، حين كانت تحوز أكثر من 30% من الإنتاج العالمي، وكان استهلاكها للطاقة أكثر بخمس مرات من استهلاك الولايات المتحدة وأكثر بـ155 مرة من استهلاك روسيا. وكانت أيضاً تمثّل خمس التجارة العالمية وخمسي تجارة المواد المصنعة، وكل هذا وسكانها لا يعدّون سوى 2% من مجموع العالم!
لكن الإمبراطورية البريطانية انتهت أخيراً بسبب ضعفها الاقتصادي النسبي إزاء صعود القوى المنافسة الأخرى، ولا سيما الولايات المتحدة، فكانت قوة عظمى سياسياً وعسكرياً لزمن طويل، لكن لم تكن قوة عظمى اقتصادياً سوى لأكثر بقليل من جيل واحد[2] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn2).
أما الولايات المتحدة التي ورثت بريطانيا وزادت عليها قوة في البحر والجو، فقد بنت نفوذها الحقيقي على دولار ورقي لا رصيد له تقريباً، سوى حاملات الطائرات المنتشرة في أعالي البحار، والقواعد العسكرية المبثوثة على طرق الإمداد الحيوية ومنابع الطاقة. فهي إمبراطورية الدولار التي بدأت تتزعزع أخيراً، ليس بسبب الأزمة المالية الحادة وغير المسبوقة في عمقها ومداها وحسب، بل لأن تلك الأزمة لم تكن لتصبح بهذه الخطورة لولا غزوة 11 أيلول/سبتمبر 2001، التي كانت مجرد البداية لحرب استنزاف طويلة ومؤلمة ومربكة ومكلفة في آن.
لقد وصلت أمريكا إلى ذروة القوة العسكرية والاقتصادية، بنهاية الحرب العالمية الثانية حين كان اقتصادها يعادل 50% من الإنتاج العالمي الإجمالي، وتتخطى قدرة التصنيع فيها هذه النسبة عالمياً، كنتيجة متوقعة لدمار القدرة الصناعية لأوروبا واليابان خلال الحرب. لكن في عام 1960، انخفضت حصة الولايات المتحدة إلى 30%، وتصل اليوم إلى حدود 21%، في مسار لا يُردّ من الانحدار الاقتصادي التدريجي للإمبريالية الأمريكية. أما نقطة التحول فكانت بين عامي 1968 و1971، حين بدأ يظهر التحدي الأوروبي على هيئة سوق أوروبية مشتركة، ثم التخلي عن ربط سعر الدولار بالذهب. وكان بروز اليابان كمنافس صناعي ومالي ومصدّر رئيسي للرأسمال، في الثمانينات، نقطة تحول أخرى. لكن ما يحدث اليوم هو أوسع أثراً بكثير وأكثر مباغتة، أي صعود الصين كقوة اقتصادية صاعدة وجيوبوليتيكية منافسة في العالم الإمبريالي. ففي عام 1976، أُطيح بالاشتراكية فيها وأُعيدت الرأسمالية (الاقتصادية) بعد موت ماوتسي تونغ وإزاحة عصابة الأربعة التي جاءت بعده. فحجم الاقتصاد الصيني متسارع في نموه، ويبرز مركز الصين الرئيسي في المسار العالمي لتراكم الرأسمال الإمبريالي وكمحور للعالم المصنّع، حيث أسهمت عائدات التصدير المكثف في رفد مصرفها المركزي،فجعلت من الصين أكبر بلد أجنبي حامل للدولار، بل إنها تملك 10% من سندات الخزينة الأمريكية، مع ما يعني ذلك من مؤثرات متبادلة. ويضاف إلى ذلك نفوذها الإقليمي في شرقي آسيا وامتداد أثرها العالمي إلى إفريقيا وجنوبي أمريكا، مع التوسع السريع في قدراتها العسكرية، وكل هذا له انعكاسات عميقة على العلاقات الاقتصادية والجيوبوليتيكية في العالم[3] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn3).
دولار ونفط
ومع انتهاء الحرب الباردة بين عامي 1989 و1991، انتهى التوسع الأمريكي تجارياً، وبدأت سلسلة متتابعة من فُقاعات الدَّين المبنية على هيمنة الدولار في أسواق غير منضبطة، في سياق العولمة التي رعاها الرئيس السابق بيل كلينتون خلال ولايتيه (1992-2000) كعنصر أساسي من استراتيجية القوة الناعمة. وتعود هيمنة الدولار إلى أن جملة من السلع الحيوية وعلى رأسها النفط باتت تُسعّر بالدولار غير المدعوم بالذهب أو بأي نوع آخر من المعادن النفيسة، منذ أن فكّ الرئيس السابق ريتشارد نيكسون الارتباط بين العملة الخضراء والذهب عام 1971. وهكذا برزت ظاهرة الكتلة النقدية السيالة المسماة بـ"البترودولار" والتي يتم تحويل قسم كبير منها إلى دولارات من نوع آخر، كسندات خزينة، وهي ثمن التسامح الأمريكي إزاء كارتل النفط الذي تأسس عام 1973 تحت اسم الأوبك. فالنفط يسّعر بالدولار، وكل العالم ارتضى الدولار كعملة عالمية لا منازع لها، لأنه بالعملة الخضراء يمكن شراء النفط، والنفط تحتاجه كل دول العالم[4] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn4).
إن قوة الاقتصاد الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية أتاح للدولار مدعوماً بالذهب، التحول إلى العملة الاحتياطية العالمية، وعندما تخلت أمريكا عن الارتباط بالذهب، حافظ الدولار على تفوقه بل ازداد قوة عندما توصلت إلى اتفاق مع السعودية عام 1974 على حصر بيع النفط بالدولار، وبما أن معظم الدول تستورد النفط فكان من الطبيعي بالنسبة إليها مراكمة الدولار من أجل اتقاء صدمات النفط، فيما سعت دول العالم الثالث إلى اكتساب مخزون من الدولارات لحماية اقتصاداتها وعملاتها الهشة من الانهيارات المفاجئة. ومع هذا الواقع، لم يكن على أمريكا أن تفعل سوى طبع الدولار دون حساب ما دامت الدول الأخرى ستقبل بيع منتجاتها مقابل الحصول عليه. ثم عادت الكتل النقدية إلى أمريكا للاستثمار في سندات الخزينة وفي أدوات مالية أخرى. وكعملة احتياط بات الدولار يغطي حاجات العالم إضافة إلى وظيفته كعملة وطنية، وبات هذا البلد المحظوظ قادراً على مراكمة دين طويل الأجل من شأنه في ظروف عادية يمكن أن يحطّم أي اقتصاد آخر، لكن موقع الدولار لم يكن عادياً، علماًأن هذه الأفضلية هي سيف ذو حدين، إذ تسمح للاقتصاد الأمريكي بالانحدار دون أن يلحظ أحد ذلك، كما أن معدلات العجز المالي والتجاري راحت تتصاعد باطراد[5] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn5).
وسيلة ابتزاز
آلية الهيمنة تحولت إلى وسيلة ابتزاز، إذ تُفصل القيمة التداولية لعملة ما عن القدرة الإنتاجية لبلد المنشأ، لتصبح مرتبطة بحجم الاحتياط من الدولار في البنك المصرفي لأي بلد آخر، ما سمح للولايات المتحدة بامتلاك الاقتصاد العالمي بطريقة غير مباشرة من خلال طبع الدولار دون حدود أو عواقب. فإذا كانت العملة الوطنية هي أساس التسعير وأداة التبادل ومعيار صحة الاقتصاد وقوته إزاء الاقتصادات الأخرى، وتعكس مدى حاجة الاقتصاد إلى سلع وخدمات من الخارج بالمقارنة مع ما ينتجه البلد من سلع وخدمات. لكنها من جهة ثانية هي كأي سلعة أخرى، فمتى تضخّم حجمها بالمقارنة مع الإنتاج الحقيقي، تراجعت قيمتها كمثل أي سلعة فاض حجمها إزاء الطلب عليها.
وعليه، تحوّلت التجارة العالمية إلى لعبة أمريكية، فالولايات المتحدة تنتج الدولار مقابل سعر تبادلي غير أكيد، وقيمة حقيقية تقارب الصفر، فيما بقية العالم تنتج السلع والخدمات، والتي تشتريها أمريكا بأسعار السوق التي لم تعد تعتمد في تقييمها على تكاليف الإنتاج بحسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية للبلدان المُنتِجة، بل إن كلفة الإنتاج تميل إلى الانخفاض بشكل مصطنع للتعويض عن القدرة الفائضة على الإنتاج في الاقتصاد العالمي والاستثمار الفائض في الإنتاج تعويضاً على الطلب الضعيف، فيما تدفع الأسعار المنخفضة نحو خفض تكاليف الإنتاج أي خفض الرواتب في حركة لولبية نحو القاع. وكلما زاد الإنتاج فوق قدرة السوق على الطلب انخفض سعر وحدة الإنتاج وذلك تجنباً لانخفاض العائدات الإجمالية ما يؤدي إلى سلسلة مترابطة من العمليات المؤدية إلى انخفاض الطلب، كما يحدث لمادة النفط مثلاً. ثم إن خفض الرواتب وأسعار العملة الوطنية يؤديان إلى ارتفاع أسعار السلع وهو ما يعوّض عنه بخفض الرواتب أكثر فأكثر، ولا ينعكس ذلك على الاقتصادات المحلية لبقية العالم المصدّر نحو الولايات المتحدة فقط، بل هو ينسحب أيضاً على الاقتصاد الأمريكي المستورِد، ما يعني أن العمال في كل مكان هم ضحايا هيمنة الدولار.
إن هيمنة الدولار هي الأساس المساعد لقيام دولار قوي وهو ما أجبر البنوك المركزية في العالم على التمسك باحتياطات من الدولار واكتساب المزيد منه، ما أدى إلى دولار أقوى، نافخاً الهواء في فقاعة عالمية من الديون بالدولار حيث أصبحت الدولة المَدينة الأكبر في العالم. ويُنظر إلى الدولار القوي من السلطات الأمريكية على أنه جزء من الأمن القومي، وعندما يتراجع أمام اليورو فلا يعني ذلك أن اليورو قد ارتفعت قيمته الشرائية، بل يعني أن الدولار يخسر من قيمته الشرائية أسرع من اليورو. ودولار قوي لا يعني معدلاً عالياً من سعر التبادل، بل يعني فقط أن الدولار سيبقى كعملة احتياط للتجارة العالمية حتى عندما تتراجع قيمته الشرائية إزاء بقية العملات. ففي العقود الماضية كانت البنوك المركزية بقيادة الاحتياط الأمريكي المركزي تحت رقابة آلان غرينسبان (يهودي من أصل مجري) تشتري النمو الاقتصادي لتغذية فقاعات الدين واحتواء التضخم ببطالة متحكم بها والتي تتجاوز 6% من القوة العاملة حتى يتجنب سوق العمل أعراض التضخم. وتبدلت مهام المصارف المركزية من الحفاظ على قيمة العملة إلى مهمة غريبة وهي الحفاظ على هيمنة الدولار وترويج هذا الوضع، بإطلاق فقاعات الديون المسعّرة بالدولار.
ورغم الكلام عن العولمة كاتجاه غير قابل لمقاومته، فإن الأولوية الأمريكية بالدرجة الأولى هي تحقيق الأهداف الاستراتيجية للقوة الاقتصادية العظمى وليست التزاماتها كمركز النظام النقدي العالمي. وهدف هذه القوة العظمى هو انتشار السيطرة الاقتصادية عالمياً من خلال هيمنة الدولار وتحجيم كل الاقتصادات المحلية بما فيها الاقتصاد الأمريكي نفسه، لتصبح كلها مجرد وحدات محلية لاقتصاد إمبراطوري. وعندما تؤكد الولايات المتحدة أن الاقتصاد الصحيح والقوي لأوروبا واليابان وحتى لروسيا والصين أعدائها السابقين هو جزء من السلام الأمريكي Pax Americanaفإن ذلك لا يعني سوىإعلانالاستعمار الجديد على هذه الاقتصادات.
ومن أجل الحفاظ على هيمنة الدولار، فإن الاقتصادات المصدّرة التي تراكم احتياطات من الدولار عبر العرض الزائد من السلع هي مجبرة من الولايات المتحدة على إعادة تقييم عملاتها ليس لاستعادة التوازن التجاري، لكن لخفض قيمة الدين الأمريكي والمقدّر في فترة سابقة وفق دولار قوي. وعندما ترتفع أسعار المواد الأساسية من غذاء وغيره، فإنما تعكس التشويه الحاصل لكل العملات المرتبطة بالدولار كمرجع لها. وعندما يرتفع سعر عملة ما بمقابل الدولار، فلا يعني ذلك أن هذه العملة يمكن أن تشتري سلعاً أكثر بل تعني أن الدولار يشتري سلعاً أقل من العملة السابق التنويه عنها، وهذا يفسّر ارتفاع أسعار السلع بكل العملات رغم اختلاف معدلاتها[6] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn6).
إمبراطورية الدولار المقدسة
إن التصدير بات الوسيلة الوحيدة للنمو في نظام عالمي يضم الدول ذات السيادة التي نشأت منذ معاهدة وستفاليا عام 1648، لكن حالياً لا يمكن لأي اقتصاد محلي أن يزدهر من دون زيادة ازدهار الاقتصاد العالمي المهيمن عليه أمريكياً وبالدولار. وكانعكاس لما كان يسمى بالإمبراطورية الرومانية المقدسة، فإن الاقتصاد العالمي يعمل وكأنه إمبراطورية الدولار المقدسة. وتحت هيمنة الدولار، فإن الدول المصدّرة تتنافس فيما بينها في السوق العالمية لالتقاط ما تحتاجه من دولارات لخدمة الديون بالدولار ولاستيراد الطاقة المهمة والمواد الخام، ودفع تكاليف الحقوق الفكرية وتكاليف تكنولوجيا المعلومات. وإضافة إلى ذلك، تقوم المصارف المركزية بمراكمة احتيطات من الدولار لرد هجمات المضاربين على العملة المحلية في أسواق النقد. وكلما ازدادت ضغوط السوق على العملة الوطنية لتجريدها من قيمتها الاسمية عملت المصارف المركزية على زيادة احتياطاتها بالدولار. فقط الاحتياط المركزي الأمريكي لا يخضع لهذه الضغوط ولا يلتزم بأي قيود، لأن بمقدوره نظرياً إصدار كميات إضافية من الدولارات متى يشاء ذلك. وإن نظام المصارف المركزية في دعمه لهيمنة الدولار، إنما يعمل دولياً بالتعارض مع المصالح الاقتصادية للدول ذات السيادة، بل يعمل داخلياً ضد مصلحة الطبقة العاملة الفقيرة[7] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn7).
إن قدرة الولايات المتحدة على متابعة فتوحاتها الإمبريالية تعتمد بوضوح على تفوقها العسكري، وهذا يستند في نهاية المطاف على استخدام الدولار كمخزون احتياطي للعالم.ثم إن هيمنة الدولار هي التي ترسي الهيمنة المالية الأمريكية ككل، وبالقدر نفسه يمنح أمريكا ظاهرياً الطاقة على الإنفاق العسكري دون حدود، ما يتيح نشر مئات الآلاف من الجنود في أرجاء العالم، لذلك المعادلة بسيطة: دمّروا هيمنة الدولار وستسقط الإمبراطورية‍‍‍‍‍‌‍!
لقد نشأت الإمبراطورية الأمريكية في وقت كان فيه الاستعمار القديم ينحسر، والإمبراطوريات الأخرى تتفكك، ولم يكن للإمبريالية الأمريكية أن تدّعي لنفسها هذا الوصف، لذلك أخفت نفسها بشعار الدفاع عن الديمقراطية ضد الشيوعية، ولما انتهى الخطر الشيوعي أصبحت الذريعة الحرب على الإرهاب، وأضحى مفهوم الأمن القومي والمصلحة القومية التبرير العقلاني للهيمنة العالمية.
وثمة خداع في الداخل الأمريكي، تقوم به الدولة بتواطؤ من الإعلام، ما يمنع الأمريكيين من رؤية الواقع الإمبريالي لبلادهم، رغم أن الآخرين يرون ذلك بكل وضوح. ومن المؤكد أن هذه الإمبراطورية لن تنتهي حتى تنكشف حقيقتها والتكاليف التي تجيء بها أمام الأمريكيين. فلو كان دافعو الضرائب والناخبون الأمريكيون هم وحدهم من يدفعون كل التكاليف، لاكتشفوا الحقيقة الإمبراطورية ولعارضوها. لكن بقية العالم هي من تدفع تكاليف الإمبراطورية الأمريكية لذلك هي غير مرئية تقريباً داخل أمريكا. ولأن الدولار هو عملة الاحتياط في العالم، فقد كانت أمريكا قادرة على احتواء العجز الضريبي والعجز التجاري اعتماداً على الكرم العالمي، إذ تحتاج كل يوم إلى 1,2 مليار دولار على الأقل يومياً للحفاظ على مستوى الإنفاق. إن التفوق العسكري يجعل من غير المحتمل أبداً أن تقع الولايات المتحدة تحت الحصار، لكن الأكثر أهمية أنها تستطيع العيش خارج نطاق الإمكانيات الذاتية بفضل هيمنة الدولار.
أما كيف تدمّر الإمبراطورية فهي عندما تصبح ظاهرة للرأي العام الأمريكي أي عندما يكون الأمريكيون ملزمين وحدهم بدفع تلك الأعباء، وهذا لن يحدث إلا حينتتوقف الدول المساندة عن تمويل المغامرات الإمبريالية، وأن يفقد الدولار دوره كعملة احتياطية للعالم. فإضعاف الدولار قد لا يؤثر على دوره كعملة عالمية وهو ما هو واقع حتى الآن، بل يمكن أن يساعد الإمبريالية الأمريكية على التخفيف من معدلات العجز في ميزانها المالي والتجاري، ورمي المشكلات على الآخرين. ولن يحدث الأثر المطلوب إلا عندما تتخلى دول كثيرة عن استخدام الدولار والتوقف عن دفع أعباء الإمبراطورية[8] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn8).
دور القاعدة
من الممكن اللجوء إلى سلسلة طويلة من الأرقام والتحليلات لتبيان أسباب الأزمة المالية التي انطلقت من أمريكا وتضرب العالم كله، في أسوأ موجة من الإفلاسات التي أسقطت أسماء عملاقة في عالم المصارف والتأمين والصناعة وغيرها. لكن الواقع أن الآلية التقليدية في مواجهة التورمات في الاقتصاد الأمريكي منذ الثلاثينات من القرن العشرين، كان بإمكانها تجاوز المشكلة وتصحيح الاختلال على حساب بقية العالم، فواشنطن هي مركز طبع العملة السحرية، وبإمكانها تنشيط الإنتاج والائتمان بمزيد من أوراق البنكتوت، بعكس الآخرين. لكن ما كاد الاقتصاد يتعافى من صدمة شركات الإنترنت في 2001، حتى عاجلته القاعدة بعاصفة الطائرات في شهر أيلول/سبتمبر من ذلك العام.
إن بن برنانكي (من أصل يهودي نمساوي) الذي يتحمل عبء الأزمة المالية الهائلة سار على درب غرينسبان الذي ظل في منصبه منذ عام 1987، أي الاكتفاء بالتفرج على الورم وهو ينفجر ثم معالجة الآثار بعد ذلك، والأولوية هي لمكافحة التضخم وتجنب الركود ولو بمزيد من الديون. أما أطروحة الدكتوراه لبرنانكي فهي بحث رياضي في أسباب التقلبات الاقتصادية. وفي صيف 1999، وفي ذروة طفرة شركات الإنترنت، شارك في مؤتمر نظمه الاحتياط المركزي، وكان النقاش على أشده بين الخبراء حول دور المصارف المركزية في رفع معدلات الفوائد لمواجهة فقاعات المضاربات، أي بزيادة تكاليف الاقتراض، لكبح النشاط المضارب نظرياً ومنع ارتفاع الأسهم والعقارات.لكن برنانكي اعتبر حينها أن على الاحتياط المركزي تجاهل الفقاعات والتركيز على دوره التقليدي في مواجهة التضخم، وأنه حين تنفجر الفقاعة يقوم الاحتياط بخفض الفوائد للتخفيف من الأضرار، وكان هذا موافقاً لرأي غرينسبان الذي كان في كانون الأول/ديسمبر 1996 حذّر من أن المستثمرين قد يقعون ضحايا للتوسع غير العقلاني، لكنه تبنى سياسة التجاهل إزاء بروز فقاعة الشركات التكنولوجية وأسهم شركات الإنترنت. وكانت ورقة برنانكي في ذلك المؤتمر السند النظري لسياساته. برنانكي وفي خطاب له عام 2005، أكد أن السبب الرئيسي لعدم التوازن في الاقتصاد العالمي لا يعود إلى الإنفاق المفرط في الولايات المتحدة بل إلى التوفير المفرط في الصين وبلدان نامية أخرى، حيث الاستهلاك منخفض بشكل اصطناعي[9] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn9).
وعندما استلم برنانكي الاحتياط المركزي عام 2006، كان ما يزال يصارع لإحياء الاقتصاد بعد انهيار مؤشر ناسداك عامي 2000 و2001، وإثر هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. فبين ذلك الشهر وحزيران/يونيو 2003، قام ألان غرينسبان وزملاؤه بخفض مستوى الفوائد من 3,5% إلى 1%. وهذه الآلية معتمدة تقليدياً لدى الاحتياط المركزي خلال فترات التراجع الاقتصادي منذ الخمسينات، لكن الفوائد المنخفضة للقروض شجعت مالكي المساكن والمستثمرين على إنفاق المزيد. والأهم من ذلك أن تخفيضات غرينسبان كانت غير معهودة من قبل، في حجمها ومداها الزمني، وقد بدأ سياسة معاكسة منذ صيف 2004 ولو ببطء مضيفاً ربع نقطة في كل مرة. وفي هذه الفترة بالذات، نشأت فقاعة السكن، حيث اشترت العائلات المنازل التي لم يكن بمقدورها شراؤها في فترة الفوائد المرتفعة. واشترى المضاربون العقارات لبيعها لاحقاً، أما أصحاب المداخيل المتواضعة أو الفقراء فقد لجأوا إلى الرهون العقارية المصممة للشارين الهامشيين. وهكذا نشأت سوق كبيرة في وال ستريت متخصصة بمشتقات الرهون العقارية، وأقدمت البنوك ومانحي الرهون على تسهيل معايير الائتمان لعلمها أن كثيراً من هذه الرهون ستغطى بتأمينات وتباع إلى المستثمرين.
ومنذ عام 2005، زاد معدل الاستيراد على التصدير بأكثر من 700 مليار دولار أو أكثر من 5% من الإنتاج المحلي الإجمالي. ولتمويل الفجوة في العجز التجاري، كان الأمريكيون يبيعون سندات الخزينة وضمانات أخرى، إلى الأجانب ومن ضمنهم مصرف الشعب في الصين، ومصارف مركزية أخرى. وحتى ما قبل الأزمة المالية الراهنة، كانت المصارف والمتعاملين بالتأمينات، مثل سيتي بنك وميريل لينش، يحولون الأموال الأجنبية إلى المستهلكين الأمريكيين. والمستهلكون يقترضون مبالغ أكبر للعيش خارج إمكانياتهم من خلال الرهون غير المعهودة، وقروض السيارات المشكوك بها والقواعد المتراخية لبطاقات الائتمان.
وبعبارة أسهل، فإن العجز التجاري بأكثر من 5% من الإنتاج المحلي الإجمالي يتطلب من الأمريكيين إنفاق أكثر من 105% مما يكسبونه للحفاظ على مستوى الطلب على السلع والخدمات المنتجة محلياً وللإبقاء على نسبة نمو الاقتصاد الكلي ومستوى العمالة. وحتى إذا استمر الأجانب في شراء السندات الأمريكية لتمويل الاستهلاك عند هذا المستوى، فإن هذا يتطلب من المصارف ومؤسسات التمويل الاكتتاب في قروض ذات مخاطر أكبر كما فعلت في التوسع الاقتصادي الأخير إلى أن يصبح متعذراً تسديد الديون، وهو ما سينتهي بأزمة مصرفية أخرى وقصور في الائتمان[10] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn10).
كل هذا، وإدارة جورج بوش تخفي الأرقام الحقيقية للأزمة المتنطحة برأسها فضلاً عن تهريب النفقات المتزايدة في العراق وأفغانستان خارج موازنة الدولة، لكن تكاليف المغامرة الإمبراطورية التي طالت ما لبثت أن انكشفت، حتى إن الاقتصادي جون ويليامز وبعد رصد المؤشرات الرسمية على مدى أكثر من 25 سنة، اكتشف تلاعباً رسمياً في النسب والأرقام[11] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn11)، وبحسب ما توصل إليه ويليامز فإن الاقتصاد الأمريكي دخل في مرحلة الركود بنهاية عام 2006، ومنذ ذلك الحين تعمقت أكثر حالة الركود بشكل دراماتيكي، وخصوصاً عام 2008. وما يعرفه قليل من الأمريكيين أن وزارة العمل نشرت ستة إحصاءات مختلفة عن مستوى البطالة، يتراوح بين 5,5% و9,7% حيث يرى ويليامز أن الرقم الأخير هو الأصح، وأنه ثمة 13,7% من القوة العاملة حالياً في الولايات المتحدة بلا عمل أو تبحث عنه[12] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftn12).



منقول

[1] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref1) بول كينيدي، نشوء وسقوط القوى العظمى، دار الأهلية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1994، ص 225.

[2] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref2) The Future of American Power How America Can Survive the Rise of the Rest, Fareed Zakaria,
From Foreign Affairs, May/June 2008.

[3] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref3) World Economy and Great Power Rivalry: The challenge to U.S. Global Dominance Shifts and Faultlines: What Is Happening and What It Might Mean , by Raymond Lotta Global Research, August 5, 2008.

[4] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref4) CHINA'S DOLLAR MILLSTONE, Breaking free from dollar hegemony, By Henry C K Liu, atimes.com, Jul 30, 2008.



[5] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref5) US DOLLAR HEGEMONY:THE SOFT UNDERBELLY OF EMPIRE (AND WHAT CAN BE DONE TO USE IT!) by Rohini Hensman and Marinella Correggia, January 30, 2005, www.sacw.net (http://www.sacw.net/)

[6] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref6) CHINA'S DOLLAR MILLSTONE, Breaking free from dollar hegemony, By Henry C K Liu, atimes.com, Jul 30, 2008.



[7] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref7) Ibid.

[8] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref8) US DOLLAR HEGEMONY:THE SOFT UNDERBELLY OF EMPIRE (AND WHAT CAN BE DONE TO USE IT!) by Rohini Hensman and Marinella Correggia, January 30, 2005, www.sacw.net (http://www.sacw.net/)

[9] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref9)Anatomy of a Meltdown,Ben Bernanke and the financial crisis,
by John Cassidy,The Neworker,December1,2008.

[10] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref10) The US economy is in a funk,By Peter Morici, Asia Times, Aug 19, 2008.

[11] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref11) نصح بمطالعة الموقع الآتي للحصول على الأرقام الحقيقية: http://www.shadowstats.com (http://www.shadowstats.comهو/)

[12] (http://al-faloja.info/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=159173#_ftnref12) The Real State of the US Economy Henry Paulson has lost the control over US finance by William F. Engdahl, Global Research, August 2, 2008.

عبد الله بوراي
03-10-2009, 02:31 PM
هو سؤال محيرني
هل تتبع التوابع الزوابع
أى
هل الدول المرتبطة بالأخضر " بنكياً " ( في وجد وشغف) ستتبعه الى الهاوية ...........؟
عبدالله

عمر البيروتي
03-10-2009, 03:29 PM
بالطبع
التوابع تلحق بالزوابع حتى تتردى من الهاوية إلا إذا اتعظت وانتبهت من غفلتها..

من هناك
03-10-2009, 03:51 PM
مقالة مميزة ولكنها مفرطة في إشتراكيتها المالية الواقعية. لعل الكاتب اشتراكي فرنسي

إن الحقائق المعروضة حقيقة ولكن تفسيرها بهذا الشكل تبسيطي جداً والمشكلة اكبر من اي حكومة لأن الشركات الضخمة هي التي ادارت اللعبة املاً في ارباح هائلة تدفعها الحكومة والمستثمر الصيني ولكن بعد فترة افلست الحكومة وتوقف الصينيون والعربان عن الدفع.

ما حدا بتلك الفقاعة للإنفجار

عمر البيروتي
03-12-2009, 04:21 PM
كيف عرفت أخي بلال أن المقالة اشتراكية فرنسية او أن كاتبها اشتراكي فرنسي؟
لو تتبعت بعض مصادر المقالة لوجدتها ببساطة ليساريين أمريكيين معادين للنهج الإمبراطوري؟

من هناك
03-13-2009, 12:13 AM
كيف عرفت أخي بلال أن المقالة اشتراكية فرنسية او أن كاتبها اشتراكي فرنسي؟
لو تتبعت بعض مصادر المقالة لوجدتها ببساطة ليساريين أمريكيين معادين للنهج الإمبراطوري؟
معك حق في هذه ولكنهم من نفس المدرسة تقريباً