تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا لو امتلكت إيران سلاحاً نووياً ؟؟؟



FreeMuslim
02-15-2009, 05:47 AM
عبد المنعم منيب

تحذر التقارير الصحفية والتحليلات السياسية، سواء منها الغربية أو العربية، من امتلاك إيران للسلاح النووي، وتصوره كأنه مشكلة المشاكل المعاصرة، ذات الخطر على الأمن الدولي والإقليمي على حد سواء.
ورغم أن امتلاك إيران لأسلحة نووية، سيمنحها قوة وميزة إستراتيجية كبرى في المنطقة، إلا أن تصوير خطر السلاح النووي الإيراني على العالم وعلى المنطقة العربية، مبالغ فيه لأسباب كثيرة، وقبل أن نتعرض لها، لابد أن نعرض لأثر السلاح النووي الإيراني المرتقب على المنطقة العربية والعالم على حد سواء:
أولا ـ أثر السلاح النووي الإيراني على المنطقة والعالم:
أثر السلاح النووي الإيراني على المنطقة العربية: تصور التقارير المختلفة أن امتلاك إيران للسلاح النووي، معناه استباحتها للمنطقة العربية، سيما وأن الخليج المجاورة لها مباشرة، منطقة رخوة إستراتيجيا، وفي الحقيقة فإن امتلاك إيران للسلاح النووي وتسابقها في مجال التسلح لخلق توازن عسكري مع كل من اسرائيل والغرب، الذي تملأ قواعده مياه الخليج والبحر الحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، هذا التسابق سيؤدي على المدى المتوسط والبعيد إلى إضعاف إيران وانهيار نظامها السياسي الحالي، ما لم يطور نفسه ويوازن في سياساته العامة بين متطلبات التسلح ومتطلبات التنمية الاقتصادية والبشرية والتكنولوجية.
ولا شك أنه لا خطر على المنطقة العربية بعامة، والخليج بخاصة، من التسلح الإيراني، سواء على المدى القريب أو البعيد، ليس بسبب الوجود العسكري الدولي في المنطقة، ولا للأهمية الحيوية التي تمثلها المنطقة للعالم بأسره، بما في ذلك القوى الدولية النووية الكبرى الصاعدة مثل الهند والصين، ولا لهشاشة الدولة الإيرانية اقتصاديا وتكنولوجيا، ليس بسبب ذلك كله فقط، بل أيضا ـ وهو الأهم ـ لأن السلاح النووي ليس له التأثير الإستراتيجي أوالتكتيكي الذي يدعيه المنظرون الاستراتيجيون التقليديون، وبعيدا عن الدخول في تفاصيل استراتيجية متخصصة، فتكفينا الإشارة إلى أن إسرائيل المتفوقة عسكريا نوويا وتقليديا على جميع العرب، لم تستطع طوال سنوات عمرها الستين أن تفرض إرادتها السياسية على العرب، إلا بتخاذلهم، لم تستطع إسرائيل طوال كل هذه الفترة أن تستعبد العرب، كما تقتضي قوانين علم الإستراتيجية الكلاسيكية الخاصة بالتوازن العسكري والردع النووي ونحو ذلك.
ما الذي غلب وألغي هذه الكلاسيكات الإستراتيجية؟؟
إنها الإرادة العربية والاسلامية، التي دفعت عدة دول عربية كبرى، لتبني مبادئ إستراتيجية جديدة للردع، كي تحيد الرادع الإستراتيجي الإسرائيلي غير التقليدي، وتمثلت هذه الإستراتيجيات العربية في الرادع فوق التقليدي، وهو الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بواسطة الصواريخ أرض أرض متوسطة المدى، والتي يمكنها أن تنطلق من هذه الدول لتطال كل جزء من مساحة الكيان الصهيوني.
ثم أتت الحرب الأفغانية الروسية، لتهزم المقاومة الأفغانية (وبمساندة المجاهدين العرب) أكبر قوة عسكرية برية نووية في العالم عبر حرب غير نظامية، وتؤسس لمفاهيم إستراتيجية جديدة، سميت بـ"إستراتيجية الحرب غير المتماثلة".
ومن هنا، نخلص ببساطة إلى أن إيران المسلحة نوويا والمتفوقة عسكريا، لن تستعبد لا الخليج ولا المنطقة العربية، إذ يمكن لدول هذه المنطقة، ردع إيران بالاعتماد على إحدى إستراتيجيتين، أو حتى المزج بينهما، وهما:
إستراتيجية الرادع فوق التقليدي، أو إستراتيجية الحرب غير المتماثلة.
ونحن لا نحرض بهذا على إشعال حرب باردة بين العرب وإيران، كما هو الحال مع دول أخرى، أيا كانت الإستراتيجية التي ستعتمد عليها هذه الحرب، ولكننا أشرنا لهذا كله، كي نثبت أن ما يسمى بالخطر الإيراني، سواء النووي أو التقليدي، مبالغ فيه بشكل كبير.
* أثر السلاح النووي الإيراني على إسرائيل:
وإذا كان هذا حال العرب مع إسرائيل، وهم أضعف تسليحا منها، فهل سيؤثر التسلح النووي الإيراني على إسرائيل؟
في الواقع، إن تأثيره محدود، إلا على أحد الاتجاهات الإسترتيجية، الذي يرى أن التخلص من الخطر الإيراني غير ممكن إلا بضرب إيران بقنبلة نووية أو بضربة تقليدية ساحقة، تماثل في قوتها القنبلة النووية، أما غير ذلك، فإسرائيل حساسة جدا تجاه الردع التقليدي وحده، لأن مساحتها وعدد سكانها صغير لا يتحملان حربا حقيقة قوية تطال القلب الحيوي للكيان.
* أثر السلاح النووي الايراني على العالم:
توجد دول كثيرة مؤثرة، قد يكون لتسلح إيران نوويا، تأثير عليها، وسنذكر فيما يلي كلا منها على حدة:
ـ الهند: ستؤدي قوة إيران العسكرية بعامة والنووية بخاصة إلى إخلال التوازن العسكري في المنطقة لغير مصلحة الهند، لأن إيران ستمثل عامل كبح للنفوذ والمطامع الهندية في المنطقة، خاصة وأن الهند حليفة الغرب، وإسرائيل عدو لباكستان، التي هي بدورها حليفة لدول الخليج، وقوة إيران ستشكل واقعا إستراتيجيا جديدا، يعزز خيارات التحالف الإستراتيجي أمام العرب والباكستان، وهذا مفيد إستراتيجيا حتى ولو لم يتم استغلاله.
ـ باكستان: ما قيل سلبا للهند، ينقلب إيجابا بالنسبة لباكستان، سيما وأن عامل الدين ومحدودية المصالح الباكستانية هنا، يلعبان لصالح عدم التنافس بين ايران وباكستان إستراتيجيا، خاصة وأن الصين منافس الهند اللدود، هي حليف مهم لكل من باكستان وإيران، لكن أي توتر إستراتيجي أو حرب باردة خليجية ايرانية، قد تنعكس سلبا على العلاقات الإيرانية الباكستانية.
ـ الشرق الأقصى: ستكون القوة الإيرانية مقيدة لتمدد قوى الشرق الأقصى (كالهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية) إستراتيجيا نحو الخليج، ما لم تتحالف إيران مع أي من هذه القوى، وتتقاسم معها النفوذ في ظل غيبة إرادة عربية إستراتيجية، وخاصة في حالة الصين حليفة ايران.
ـ روسيا: لا يهمها كثيرا التسلح الإيراني، لأنها تعرف أسراره جيدا، ويمكنها التغلب عليه بسهولة.
ـ الاتحاد الأوروبي: هو أبعد عن التأثر بالقوة الإيرانية، باستثناء موضوع النفط الخليجي، لكن التأثر الأكبر هو خوفهم من تآكل الهيمنة الأمريكية والغربية على مقدرات المنطقة من ناحية، وهو أمر مستبعد، وكذلك خوفهم من الشعارات الإيرانية الجوفاء، التي تهدد بإزالة إسرائل من الوجود، وكل الإستراتيجيين يعلمون جيدا أن إيران لن تفعل ذلك، ليس فقط لأن النظام الإيراني برغماتي، وله جسور مفتوحة مع الغرب، بل ومع إسرائيل، ولكن أيضا لأن إيران متأكدة وخائفة من رد الفعل الإسرائيلي والأمريكي، بل والفرنسي، الذي سيكون رد فعل نووي ساحق.
ـ الولايات المتحدة: وما يقال عن أوروبا يقال عن الولايات المتحدة أيضا في هذا الشأن، لكن بقى أن نقول إن كل من إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد يلجآن للتفاهم مع ايران واقتسام النفوذ، لو وجدوا صيغة مناسبة لذلك مع إيران، أما لو لم ينفع هذا الطريق، فإن الاحتواء القائم على الحرب الباردة، سيكون هو سبيلهم مع إيران، تماما كما فعلوا مع الاتحاد السوفيتي السابق.
ثانيا: أسباب المبالغة في الخطر الإيراني الإستراتيجي:
ترجع ـ هذه الأسباب ـ إلى رغبة الولايات المتحدة والغرب في استغلال هذا التخويف، لدفع العرب لشراء الأسلحة الغربية، لامتصاص عائدات النفط الضخمة من جهة، وللضغط على العرب والإيرانيين نفسيا، والاستفادة من نتائج هذا الضغط في إستراتيجياتهم المقبلة في المنطقة، سواء إزاء الإيرانيين أو إزاء العرب على حد سواء. وعليه، فالخطر الإيراني موجود، لكنه يسهل التعامل معه.
المصدر: مجلة العصر