عزام
02-10-2009, 01:12 PM
لا نعرف مدى صحة هذا الكلام
عزام
ساحة طرابلس ستكون معركة اللوائح المخروقة
■ ماكينة المستقبل تقارن بماكينة البعريني لا بماكينات الكبار
■ الجميع ينتظر نتائج المصالحة السعودية ـ السورية
ليس بالمال وحده تُجتذب الأصوات، فللسلاح أيضاً دوره. حتى لو بقي السلاح في غمده وغرق في الصدأ، فإن تأثيراته يمكن أن تفعل في الحلفاء السابقين المتردّدين في الانضواء تحت لواء تيار المستقبل، والطامحين إلى أدوار أكبر
فداء عيتاني وغسان سعود
أنهى تيار المستقبل تغييراته الداخلية منذ زمن بعيد. شركات الأمن تحوّل معظمها إلى شركات معروضة للبيع، وبعضها مثل شركة سيكور بلاس تحولت شركة مركزية، كما جرى تنشيط شركة أخرى موازية، تدفع للمناصرين من تيار المستقبل رواتبهم الشهرية في مراكز عديدة، وكل مرة في مكان.
على الصعيد الأمني ـــــ العسكري، لا يزال تيار المستقبل يصرّ، في شخص رئيسه، على نفي امتلاكه أي نوع من الأسلحة، عدا تلك الفردية التي اشتراها بعض أنصاره من باب الدفاع عن النفس، لأن القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي لم تقم ـــــ في رأي أنصار المستقبل ـــــ بواجبها في الدفاع عنهم، وها قد عاد الحديث عن مرحلة السابع من أيار، ليذكّر الناس بما يمكن أن يتعرضوا له إن لم ينزلوا بأعدادهم الكبيرة إلى الشارع في يوم 14 شباط، وهو المرحلة الاختبارية الأولى للانتخابات النيابية.
من بضعة أيام فقط، انتهت الجولة العسكرية والأمنية لمسؤولين في تيار المستقبل، ولا سيما في الشمال، حيث وُزّع ما قيمته 10 ملايين دولار من بنادق آلية حديثة، وأُبلغ المناصرون المحظوظون الذين حصلوا على هذه البنادق أنها هبة من دولة خليجية لدعم أمنهم الذاتي، وأن قيمة البندقية الواحدة 6 آلاف دولار، وأنها ستردف في مرحلة «الساعة الصفر» بأسلحة نوعية متوسطة، وستكون جاهزة للاستعمال.
تكثر في الشمال أقاويل عن تسلح أكبر حجماً، ومنها عن أسلحة متوسطة، إلا أن هذا الكلام قد يكون مجرد محاولات من الفريق الآخر للحصول على دعم مقابل ما يحصل عليه أنصار المستقبل من أسلحة، هي في النهاية عملية توزيع مالية بطريقة غير مباشرة.
المستقبل اختار لتوزيع البنادق من اعتبرهم الصفوة بين عناصره ومناصريه، ومن «صمدوا في مرحلة السابع من أيار»، أو الذين لم يفرّوا أو يبيعوا بنادقهم قبل الاشتباكات ممّن أوصلها في النهاية إلى حزب الله تحديداً. وتقليص عدد المستفيدين من توزيع البنادق الآلية الحديثة مقصود طبعاً، كما أن من أعيد تشكيلهم في وحدات قتالية جديدة، لن يشاركوا في يوم 14 شباط المقبل، إذ إنّهم سيبقون كل في منطقته، تحسباً لمشكلات قد تحصل.
التحليل الأول لهذه المعلومات، وهو التحليل الذي يقدمه من يهمه أمر التتبّع والتحليل، هو أنها «ليست أبعد من الانتخابات النيابية، ولا أكثر من رفع معنويات، وليست بعيدة عن البحث عن أساليب صرف أموال والحصول على صفقات تجارية لبعض المحيطين بقيادة تيار المستقبل».
لا شيء يدعو إلى القلق حتى الساعة، ولم تحاول الجهات التي اعتادت سحب السلاح عبر شرائه، سحب هذه الأسلحة من الشمال، أو من بيروت. وإن اعتاد حزب الله الحصول على عيّنات من هذه الأسلحة ثم سحبها من التداول، فإنه هذه المرة يبدو كمن يراقب من بعيد، هذا إن لم نصدق أن حزب الله لا يتابع أصلاً حركة التسلّح هذه.
إلا أن السلاح في الشمال يفترض أن وضع تيار المستقبل هناك في حاجة إلى دعم جدي، وإن كان في بيروت لتحميس الناس على المشاركة في مهرجان 14 شباط، وتطمين من في نفوسهم خوف، من أن أي اعتداء من أنصار حركة أمل (ويذكر في الاجتماعات اسم حركة أمل تحديداً)، فلن يكون تساهل حياله هذه المرة، وإن على الناس النزول باطمئنان إلى مهرجان الوسط التجاري، كما إلى صناديق الاقتراع في المرحلة المقبلة.
■ الشمال ورئاسة الحكومة
رغم أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يعتبر أو يتصرف كأنه رئيس الحكومة إلى الأبد، وأنه باقٍ سواء ربحت الأكثرية المعركة الانتخابية أو خسرتها، وأنه موجود بفعل تقاطعات دولية هي في ثقلها السياسي أكبر من كل أطراف اللعبة الداخلية مجتمعين، فإن هناك طموحات لدى العديد من الأطراف السنّة، ولا سيما في الشمال، لاحتلال الموقع الأعلى لدى هذه الطائفة: مقعد الرئاسة الثالثة، الذي يسعى كل من الرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي للعودة إليه، كما يطمح الوزير محمد الصفدي للدخول إلى ناديه الضيق.
وفي حركة كل من هؤلاء، سواء عبر اتصالاتهم الدولية أو الإقليمية، أو تحالفاتهم الداخلية، وإصرار بعضهم على عدم الظهور إلى جانب حزب الله بصورة مباشرة، سعيٌ للوصول الى هذا الكرسي، إضافة إلى أن إصرار كل منهم على ترؤس لائحة، أو بالحد الأدنى الإتيان بعدد من النواب، ما هو إلا للوصول إلى الكرسي الثالث والحكم بقليل من الراحة والتأييد البرلمانيين، والمشروعية التمثيلية لأهل السنة.
ومن بين كل دوائر الشمال تبدو طرابلس هي المعركة الأعقد، وخاصة أن التحول الذي أحدثته الحرب على غزة لم يُتدارك بعد كله لدى تيار المستقبل، فضلاً عن حالة التآكل التي أصابت هذا التيار منذ ما قبل أحداث السابع من أيار، وبعدها اشتباكات باب التبانة ـــــ جبل محسن، وصولاً إلى اليوم، ولم يعد من المجدي التذكير بأن طرابلس (والشمال عامة) هي من أعطت الزعامة لسعد الحريري، قبل أن تكتشف هذه المناطق أن الابن ليس كأبيه، وهو في كل الأحوال ما لمسته جميع المناطق التي عمل فيها تيار المستقبل. فإن كانت ميزة الحريري الأب هي الكَرَم فإن ميزة الحريري الابن هي التقطير الذي يطاول أحياناً بعض القطاعات الحساسة، ودائماً هناك من يسمع من فم سعد أو المحيطين به: «لا تنسوا أن الثروة قد وُزّعت على أفراد العائلة»، وهو كلام يتناسى التقديمات السعودية في هذا الإطار.
في كل الأحوال فإن المعركة المعقدة التي تنتظر طرابلس ستكون عناوينها الأبرز هي تقارب القدرات لدى المرشحين الطامحين إلى رئاسة مجلس الوزراء، فميزة نجيب ميقاتي هي في امتلاكه الشارع كفرد، ولكن تعوزه القدرة على التجيير، مقابل قدرة كرامي العالية على التجيير وهي الأولى في الشمال، ولكنه هو كفرد ليس الأول بل غريمه ميقاتي يتفوّق عليه. والصفدي، الذي يمتلك خبرة عالية في المعارك الانتخابية، ويمتلك رصيداً كبيراً بين المواطنين ولديه قدرة مقبولة على التجيير، يتعرّض طوال الوقت لحملات الضغط والتجريح من الأقربين إلى حلفاء الماضي القريب، ومن أنصار المستقبل، التيار نفسه الذي إن أراد الفوز في الشمال فلن يجد حليفاً يضمن له الفوز إلّا الصفدي نفسه، الذي يعمل على دفعه بعيداً في هذه المرحلة. والصفدي يدرك وزنه وقيمته بالنسبة إلى تيار المستقبل، وقد يتصرف لاحقاً وفق قاعدة أن وجوده ضرورة لانتصار التيار، ويفرض على التيار تعديلات جوهرية في اللائحة المزمع تأليفها في عاصمة الشمال.
الواضح أن أي جمع بين ميقاتي وكرامي والصفدي يمكن أن يغيّر صورة المجلس النيابي المقبل، وينتزع صفة التمثيل السني المطلق من سعد الدين الحريري. فإذا تحالف أيّ من الأسماء الثلاثة مع اسم آخر منها يمكننا أن نشاهد طرابلس تنتخب «المعارضة» ومن يتحالف معها.
طبعاً يصر كل من هذه الأطراف على ترؤس لائحة، كما سبق القول، لتسهيل مجيئه إلى رئاسة الحكومة، إضافةً إلى محاولة فرض أسماء أخرى إلى جانب كل منهم.
■ الصورة على ضفة المستقبل
إلا أن الصورة على ضفة المستقبل ليست أقل تعقيداً، فزعيم التيار لديه من المرشحين الاضطراريين ما يفوق عدد المقاعد في طرابلس، فهو ملتزم سمير الجسر، كذلك مصطفى علوش، فضلاً عن محمد كبارة الذي قدم إليه خدمات جلّى وتخلّى عن الصفدي واستطاع إخراج الأخير من ثيابه في نزاعات يومية لا تهدأ، والتحق بتيار المستقبل بعد ضرب التكتل الطرابلسي، إضافة إلى مصباح الأحدب الذي يستمد نفوذه في اللائحة من خارج البلاد، ومن وراء البحار، أضف إلى ذلك أنّ من الخطأ الجسيم اليوم تجاهل نفوذ الجماعة الإسلامية في الشمال وترشيحاتها، ولا سيما في طرابلس، وهي التي قدمت 6 مرشحين في كل لبنان على أساس برنامج انتخابي، والتي عقدت لقاءات مع تيار المستقبل أخيراً، وأرست خلالها ـــــ بحسب ما فهم المشاركون في الاجتماعات ـــــ اتفاقات مبدئية على التحالف في الانتخابات بين الجانبين، وهنا ستكون لائحة المستقبل، على مستوى المقاعد السنية الخمسة في طرابلس، قد أُغلقت بالكامل، ولكن... تبقى ترشيحات لشخصيات في التيار مثل توفيق سلطان ورشيد درباس، اللذين باتا يتصرفان على أساس أنهما يمتلكان اللوحة الزرقاء لسياراتهما. وإذا قرر الحريري مواصلة التحالف الانتخابي مع الصفدي فإنه طبعاً سيتخلّى عن مرشح الجماعة الإسلامية، إضافة إلى عدد آخر من المرشحين في الشمال. ومن استطلاعات الرأي الخاصة، فإن الأضعف حظاً بين مرشحي المستقبل هم درباس وتوفيق سلطان ومصطفى علوش الذي حل بعد محمد الجسر في المرتبة الـ11 على صعيد أسماء السنّة.
وفيما لم يتسرب شيء من أطراف المستقبل والصفدي عن المرشحين على لوائحهما، فإن بعض الكلام الشمالي يدور حول ترك ميقاتي الانتخابات لمصلحة شقيقه طه، الذي على عكسه، لا يزال يحظى برضى سوري كبير، مقابل العتب السوري على الشقيق الأصغر نجيب الذي لم يقدّم إلى دمشق، وفق وجهة نظرها، أي وفاء بعدما فَتحت له كل الأبواب.
على جبهة الرئيس كرامي لم يتسرّب الكثير من المعلومات عن المعركة حتى الآن، ولم يعرف ما إذا كان الأفندي سيترشح منفرداً أو ضمن لائحة، إلا أنه من المؤكد أنه سيترشح هو ولن يرشح ابنه فيصل، كما راجت شائعات في الأيام الماضية، وسيكون إلى جانبه خلدون الشريف، الاسم الوحيد المعروف إلى جانب كرامي اليوم.
ويربط متتبعو الملف السني الترشيحات، ولا سيما لدى تيار المستقبل، بنهاية شهر شباط، وربما ليس قبل منتصف آذار، حيث سيكون لانعقاد القمة العربية في الدوحة أثره على الملف الانتخابي الداخلي، وإن لم تكن التسويات العربية «في غاية الإيجابية» كما يسهل التكهن، فإن الصراع السوري ـــــ السعودي من ناحية، وتدخلات مصر في اللعبة اللبنانية المحلية، سيبرزان على لوائح تيار المستقبل، فحدة الصراع هي التي ستدفع إلى الأمام بأسماء من المستقبل دون غيرها.
ولن تنحصر موجة النزاع الانتخابي بتأثيراتها على طرابلس دون باقي مناطق الشمال، إذ إن ما سيحصل في طرابلس سيمتد تأثيره على باقي دوائر المنطقة الشمالية، ولا سيما على المنية والضنية وعكار، وما تحققه المعارضة من نجاحات أو تراجعات هناك سيكون له صداه في باقي المناطق ذات الأغلبية السنية.
وإن كانت معركة طرابلس تستحق أن تسمى أعقد المعارك، فذلك أيضا لأنها لن تكون محصورة بين الأقلية والأكثرية، بل ستشهد التحالفات مزجاً بين القوى، وخاصة من كان يقف إلى زمن قريب بعيداً عن «المعارضة» وقد يسعى اليوم إلى المشاركة على لوائحها الانتخابية، وإن لم يحصل التحالف بين الأطراف الشماليين من خارج تيار المستقبل، فإن المعركة أيضاً لن تكون محسومة للتيار، بل ستكون معركة اللوائح المخروقة، حيث سيحقق كل طرف خرقاً في اللوائح المقابلة له.
ويشير من يراقبون يوماً بيوم التغيرات الشمالية إلى أن مشاركة الصفدي في مهرجان 14 شباط ستكون الدليل على تفاهمه الانتخابي مع الحريري في الشمال، وبالتالي فإنه سيكون قد حسم أمره واتجاهه، وإن لدى ميقاتي نقاطاً عديدة قبل حسم أمره نهائياً، وهي نقاط في مجال الحصص والتحالفات لا أكثر، بينما قيادة «المعارضة» ولا سيما حزب الله والتيار الوطني الحر لم تقدم أي تصور أو أفكار بشأن الشمال عموماً وطرابلس خصوصاً، لا ضمناً ولا بطريقة مباشرة، مما لا يوحي أن هناك تنسيقاً لتقريب وجهات النظر ودعم لائحة موحدة للأقلية في الشمال.
علماً بأن من كان يمكن أن يمثّل رافعة لقوى 14 آذار في الشمال، وخاصة التيار السلفي، قد انقسم على نفسه بحدّة، على غرار كل الشارع الإسلامي، بعد كل ما حل بقطاع غزة، وبعد مراقبة تعثر المستقبل، وتراجعه وامتناعه عن تقديم أي عون أو التعبير عن حالة الغضب التي أبقاها هذا التيار حبيسة في صدور كل من يعمل على تمثيلهم في الانتخابات المقبلة.
وفي هذه الأثناء فإن «المعارضة» تتجه إلى فتح معركة في دائرتي بيروت الأولى والثالثة التي لم يشملها اتفاق الدوحة، حيث جرى التوافق على تجنيب الدائرة الثانية في بيروت المعركة وتقاسمها ما بين الموالاة والمعارضة.
■ أحزاب وماكينات ونفوذ
بعدما حيّد الرئيس ميقاتي نفسه عام 2005 واعتكف الرئيس كرامي وأنصاره في منازلهم، وغاب نائب رئيس الحكومة الأسبق عصام فارس عن سمع العكاريين ونظرهم، وتنازلت الجماعة الإسلامية عن «الحقوق المتكسبة» في دورات سابقة، يبدو المشهد الانتخابي مختلفاً.
يعود معظم من سبق ذكرهم إلى الساحة ساعين إلى استعادة ما خسروه. وفي حضرة هؤلاء، أشخاصاً وماكينات، لا يمكن المقارنة بنتائج الـ 2005 وإنما بنتائج الألفين حين كان تيار المستقبل في أوج أيامه الانتخابية، قبل أن تجرف العاطفة كل الشارع إلى جانبه بعد استشهاد مؤسسه، فتمكّن في انتخابات عام 2000 من تأليف أكبر كتلة نيابيّة في ذلك المجلس (25 مقعداً)، بعدما حصد مقاعد بيروت التسعة عشر. ولكن رغم الفوز الساحق، لم يستطع المستقبل بقيادة رفيق الحريري يومها أن يفوز إلا بمقعدين من أصل 28 في دائرتي الشمال الأولى والثانية، فتمثل بنائب الضنيّة أحمد فتفت ونائب الكورة فريد مكاري. فيما توزعت مقاعد المستقبل السنيّة الخمسة على كل من نجيب ميقاتي (74493 صوتاً) ومحمد الصفدي (71383 صوتاً) ومحمد كبارة (56870 صوتاً) وعمر كرامي (54310 أصوات) ومصباح الأحدب (49624 صوتاً). وكاد يكون مكاري ـــــ صديق الحريري يومها ـــــ آخر الفائزين في دائرة الشمال الثانية، فيما خسر نقولا غصن المحسوب أيضاً على تيار المستقبل.
وهكذا يكون المستقبل قد أقصي بالكامل عن منطقتي طرابلس وعكار، قبل أن تتغير الحال كثيراً عام 2005، فيحصد المستقبل وحلفاؤه مقاعد الشمال الثمانية والعشرين معوّضاً تقصير الحلفاء في دوائر جبل لبنان ذات الغالبية المسيحية، حيث فاز التيار الوطني الحر وحلفاؤه عكس توقعات الحلف الرباعي.
وانتمى نصف نواب الشمال الجدد الفائزين إلى تيار المستقبل (14 من أصل 28): مصطفى هاشم، عزام دندشي، محمود مراد، رياض رحال، عبدالله حنا، هادي حبيش، مصطفى علي حسين عن عكار (الدائرة تمثل بسبعة نواب، والسبعة ينتمون إلى تيار المستقبل). وأحمد فتفت عن الضنية. وسمير الجسر ومصطفى علوش وبدر ونوس عن طرابلس (الدائرة تمثل بثمانية نواب، ثلاثة منهم انتموا إلى تيار المستقبل وثلاثة إلى التكتل الطرابلسي، وواحد إلى كل من الحركتين الديموقراطيتين التجدد واليسار)، النائب هاشم علم الدين عن المنية، والنائبان فريد مكاري ونقولا غصن عن الكورة.
مع العلم أن تقسيم الدائرتين اللتين تضمان الغالبية السنية الساحقة سابقاً (دائرة أولى تضم عكار ــ بشري ــ الضنية، ودائرة ثانية تضم طرابلس ــ المنية ــ البترون ــ الكورة ــ زغرتا) إلى 7 دوائر هي عكار (7 نواب)، المنية ــ الضنية (3 نواب)، بشري (نائبان)، طرابلس (8 نواب )، زغرتا (3 نواب)، الكورة (3 نواب)، والبترون (نائبان). يعطي المناوئون للأكثرية، وخصوصاً في الأقضية ذات الغالبية المسيحية، فرصة كبيرة للفوز بثلث عدد المقاعد الثمانية والعشرين التي حصدتها الأكثرية في الانتخابات السابقة.
أما في طرابلس، المنية ـــــ الضنية، وعكار، فإن عودة كرامي وميقاتي والجماعة الإسلاميّة ومؤسسة فارس والوزير محمد الصفدي الاستقلالي المستجدّ جميعها تفتح الباب أمام تغييرات تجعل توقع نتائج الألفين، بحسب بعض المتابعين الشماليين، أقرب إلى المنطق بكثير من تجربة 2005، وخصوصاً أن المستقبل شُغل، خلال 3 سنوات من الحكم باسم غالبية الشماليين، بالسياسة، فلم يبنِ أسس حزب يعرف كيف يؤطر التعاطف الشعبي ضمن أسس حزبية، تماماً كما لم يبنِ تلك الماكينة الجدية التي يمكنها خوض الانتخابات بثقة.
وفي هذا السياق، تضع غالبية المراقبين ماكينة المستقبل في موازاة ماكينة الصفدي في طرابلس ووجيه البعريني في عكار، ولا يمكن أبداً مقارنتها بماكينات كرامي وميقاتي وعصام فارس.
عزام
ساحة طرابلس ستكون معركة اللوائح المخروقة
■ ماكينة المستقبل تقارن بماكينة البعريني لا بماكينات الكبار
■ الجميع ينتظر نتائج المصالحة السعودية ـ السورية
ليس بالمال وحده تُجتذب الأصوات، فللسلاح أيضاً دوره. حتى لو بقي السلاح في غمده وغرق في الصدأ، فإن تأثيراته يمكن أن تفعل في الحلفاء السابقين المتردّدين في الانضواء تحت لواء تيار المستقبل، والطامحين إلى أدوار أكبر
فداء عيتاني وغسان سعود
أنهى تيار المستقبل تغييراته الداخلية منذ زمن بعيد. شركات الأمن تحوّل معظمها إلى شركات معروضة للبيع، وبعضها مثل شركة سيكور بلاس تحولت شركة مركزية، كما جرى تنشيط شركة أخرى موازية، تدفع للمناصرين من تيار المستقبل رواتبهم الشهرية في مراكز عديدة، وكل مرة في مكان.
على الصعيد الأمني ـــــ العسكري، لا يزال تيار المستقبل يصرّ، في شخص رئيسه، على نفي امتلاكه أي نوع من الأسلحة، عدا تلك الفردية التي اشتراها بعض أنصاره من باب الدفاع عن النفس، لأن القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي لم تقم ـــــ في رأي أنصار المستقبل ـــــ بواجبها في الدفاع عنهم، وها قد عاد الحديث عن مرحلة السابع من أيار، ليذكّر الناس بما يمكن أن يتعرضوا له إن لم ينزلوا بأعدادهم الكبيرة إلى الشارع في يوم 14 شباط، وهو المرحلة الاختبارية الأولى للانتخابات النيابية.
من بضعة أيام فقط، انتهت الجولة العسكرية والأمنية لمسؤولين في تيار المستقبل، ولا سيما في الشمال، حيث وُزّع ما قيمته 10 ملايين دولار من بنادق آلية حديثة، وأُبلغ المناصرون المحظوظون الذين حصلوا على هذه البنادق أنها هبة من دولة خليجية لدعم أمنهم الذاتي، وأن قيمة البندقية الواحدة 6 آلاف دولار، وأنها ستردف في مرحلة «الساعة الصفر» بأسلحة نوعية متوسطة، وستكون جاهزة للاستعمال.
تكثر في الشمال أقاويل عن تسلح أكبر حجماً، ومنها عن أسلحة متوسطة، إلا أن هذا الكلام قد يكون مجرد محاولات من الفريق الآخر للحصول على دعم مقابل ما يحصل عليه أنصار المستقبل من أسلحة، هي في النهاية عملية توزيع مالية بطريقة غير مباشرة.
المستقبل اختار لتوزيع البنادق من اعتبرهم الصفوة بين عناصره ومناصريه، ومن «صمدوا في مرحلة السابع من أيار»، أو الذين لم يفرّوا أو يبيعوا بنادقهم قبل الاشتباكات ممّن أوصلها في النهاية إلى حزب الله تحديداً. وتقليص عدد المستفيدين من توزيع البنادق الآلية الحديثة مقصود طبعاً، كما أن من أعيد تشكيلهم في وحدات قتالية جديدة، لن يشاركوا في يوم 14 شباط المقبل، إذ إنّهم سيبقون كل في منطقته، تحسباً لمشكلات قد تحصل.
التحليل الأول لهذه المعلومات، وهو التحليل الذي يقدمه من يهمه أمر التتبّع والتحليل، هو أنها «ليست أبعد من الانتخابات النيابية، ولا أكثر من رفع معنويات، وليست بعيدة عن البحث عن أساليب صرف أموال والحصول على صفقات تجارية لبعض المحيطين بقيادة تيار المستقبل».
لا شيء يدعو إلى القلق حتى الساعة، ولم تحاول الجهات التي اعتادت سحب السلاح عبر شرائه، سحب هذه الأسلحة من الشمال، أو من بيروت. وإن اعتاد حزب الله الحصول على عيّنات من هذه الأسلحة ثم سحبها من التداول، فإنه هذه المرة يبدو كمن يراقب من بعيد، هذا إن لم نصدق أن حزب الله لا يتابع أصلاً حركة التسلّح هذه.
إلا أن السلاح في الشمال يفترض أن وضع تيار المستقبل هناك في حاجة إلى دعم جدي، وإن كان في بيروت لتحميس الناس على المشاركة في مهرجان 14 شباط، وتطمين من في نفوسهم خوف، من أن أي اعتداء من أنصار حركة أمل (ويذكر في الاجتماعات اسم حركة أمل تحديداً)، فلن يكون تساهل حياله هذه المرة، وإن على الناس النزول باطمئنان إلى مهرجان الوسط التجاري، كما إلى صناديق الاقتراع في المرحلة المقبلة.
■ الشمال ورئاسة الحكومة
رغم أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يعتبر أو يتصرف كأنه رئيس الحكومة إلى الأبد، وأنه باقٍ سواء ربحت الأكثرية المعركة الانتخابية أو خسرتها، وأنه موجود بفعل تقاطعات دولية هي في ثقلها السياسي أكبر من كل أطراف اللعبة الداخلية مجتمعين، فإن هناك طموحات لدى العديد من الأطراف السنّة، ولا سيما في الشمال، لاحتلال الموقع الأعلى لدى هذه الطائفة: مقعد الرئاسة الثالثة، الذي يسعى كل من الرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي للعودة إليه، كما يطمح الوزير محمد الصفدي للدخول إلى ناديه الضيق.
وفي حركة كل من هؤلاء، سواء عبر اتصالاتهم الدولية أو الإقليمية، أو تحالفاتهم الداخلية، وإصرار بعضهم على عدم الظهور إلى جانب حزب الله بصورة مباشرة، سعيٌ للوصول الى هذا الكرسي، إضافة إلى أن إصرار كل منهم على ترؤس لائحة، أو بالحد الأدنى الإتيان بعدد من النواب، ما هو إلا للوصول إلى الكرسي الثالث والحكم بقليل من الراحة والتأييد البرلمانيين، والمشروعية التمثيلية لأهل السنة.
ومن بين كل دوائر الشمال تبدو طرابلس هي المعركة الأعقد، وخاصة أن التحول الذي أحدثته الحرب على غزة لم يُتدارك بعد كله لدى تيار المستقبل، فضلاً عن حالة التآكل التي أصابت هذا التيار منذ ما قبل أحداث السابع من أيار، وبعدها اشتباكات باب التبانة ـــــ جبل محسن، وصولاً إلى اليوم، ولم يعد من المجدي التذكير بأن طرابلس (والشمال عامة) هي من أعطت الزعامة لسعد الحريري، قبل أن تكتشف هذه المناطق أن الابن ليس كأبيه، وهو في كل الأحوال ما لمسته جميع المناطق التي عمل فيها تيار المستقبل. فإن كانت ميزة الحريري الأب هي الكَرَم فإن ميزة الحريري الابن هي التقطير الذي يطاول أحياناً بعض القطاعات الحساسة، ودائماً هناك من يسمع من فم سعد أو المحيطين به: «لا تنسوا أن الثروة قد وُزّعت على أفراد العائلة»، وهو كلام يتناسى التقديمات السعودية في هذا الإطار.
في كل الأحوال فإن المعركة المعقدة التي تنتظر طرابلس ستكون عناوينها الأبرز هي تقارب القدرات لدى المرشحين الطامحين إلى رئاسة مجلس الوزراء، فميزة نجيب ميقاتي هي في امتلاكه الشارع كفرد، ولكن تعوزه القدرة على التجيير، مقابل قدرة كرامي العالية على التجيير وهي الأولى في الشمال، ولكنه هو كفرد ليس الأول بل غريمه ميقاتي يتفوّق عليه. والصفدي، الذي يمتلك خبرة عالية في المعارك الانتخابية، ويمتلك رصيداً كبيراً بين المواطنين ولديه قدرة مقبولة على التجيير، يتعرّض طوال الوقت لحملات الضغط والتجريح من الأقربين إلى حلفاء الماضي القريب، ومن أنصار المستقبل، التيار نفسه الذي إن أراد الفوز في الشمال فلن يجد حليفاً يضمن له الفوز إلّا الصفدي نفسه، الذي يعمل على دفعه بعيداً في هذه المرحلة. والصفدي يدرك وزنه وقيمته بالنسبة إلى تيار المستقبل، وقد يتصرف لاحقاً وفق قاعدة أن وجوده ضرورة لانتصار التيار، ويفرض على التيار تعديلات جوهرية في اللائحة المزمع تأليفها في عاصمة الشمال.
الواضح أن أي جمع بين ميقاتي وكرامي والصفدي يمكن أن يغيّر صورة المجلس النيابي المقبل، وينتزع صفة التمثيل السني المطلق من سعد الدين الحريري. فإذا تحالف أيّ من الأسماء الثلاثة مع اسم آخر منها يمكننا أن نشاهد طرابلس تنتخب «المعارضة» ومن يتحالف معها.
طبعاً يصر كل من هذه الأطراف على ترؤس لائحة، كما سبق القول، لتسهيل مجيئه إلى رئاسة الحكومة، إضافةً إلى محاولة فرض أسماء أخرى إلى جانب كل منهم.
■ الصورة على ضفة المستقبل
إلا أن الصورة على ضفة المستقبل ليست أقل تعقيداً، فزعيم التيار لديه من المرشحين الاضطراريين ما يفوق عدد المقاعد في طرابلس، فهو ملتزم سمير الجسر، كذلك مصطفى علوش، فضلاً عن محمد كبارة الذي قدم إليه خدمات جلّى وتخلّى عن الصفدي واستطاع إخراج الأخير من ثيابه في نزاعات يومية لا تهدأ، والتحق بتيار المستقبل بعد ضرب التكتل الطرابلسي، إضافة إلى مصباح الأحدب الذي يستمد نفوذه في اللائحة من خارج البلاد، ومن وراء البحار، أضف إلى ذلك أنّ من الخطأ الجسيم اليوم تجاهل نفوذ الجماعة الإسلامية في الشمال وترشيحاتها، ولا سيما في طرابلس، وهي التي قدمت 6 مرشحين في كل لبنان على أساس برنامج انتخابي، والتي عقدت لقاءات مع تيار المستقبل أخيراً، وأرست خلالها ـــــ بحسب ما فهم المشاركون في الاجتماعات ـــــ اتفاقات مبدئية على التحالف في الانتخابات بين الجانبين، وهنا ستكون لائحة المستقبل، على مستوى المقاعد السنية الخمسة في طرابلس، قد أُغلقت بالكامل، ولكن... تبقى ترشيحات لشخصيات في التيار مثل توفيق سلطان ورشيد درباس، اللذين باتا يتصرفان على أساس أنهما يمتلكان اللوحة الزرقاء لسياراتهما. وإذا قرر الحريري مواصلة التحالف الانتخابي مع الصفدي فإنه طبعاً سيتخلّى عن مرشح الجماعة الإسلامية، إضافة إلى عدد آخر من المرشحين في الشمال. ومن استطلاعات الرأي الخاصة، فإن الأضعف حظاً بين مرشحي المستقبل هم درباس وتوفيق سلطان ومصطفى علوش الذي حل بعد محمد الجسر في المرتبة الـ11 على صعيد أسماء السنّة.
وفيما لم يتسرب شيء من أطراف المستقبل والصفدي عن المرشحين على لوائحهما، فإن بعض الكلام الشمالي يدور حول ترك ميقاتي الانتخابات لمصلحة شقيقه طه، الذي على عكسه، لا يزال يحظى برضى سوري كبير، مقابل العتب السوري على الشقيق الأصغر نجيب الذي لم يقدّم إلى دمشق، وفق وجهة نظرها، أي وفاء بعدما فَتحت له كل الأبواب.
على جبهة الرئيس كرامي لم يتسرّب الكثير من المعلومات عن المعركة حتى الآن، ولم يعرف ما إذا كان الأفندي سيترشح منفرداً أو ضمن لائحة، إلا أنه من المؤكد أنه سيترشح هو ولن يرشح ابنه فيصل، كما راجت شائعات في الأيام الماضية، وسيكون إلى جانبه خلدون الشريف، الاسم الوحيد المعروف إلى جانب كرامي اليوم.
ويربط متتبعو الملف السني الترشيحات، ولا سيما لدى تيار المستقبل، بنهاية شهر شباط، وربما ليس قبل منتصف آذار، حيث سيكون لانعقاد القمة العربية في الدوحة أثره على الملف الانتخابي الداخلي، وإن لم تكن التسويات العربية «في غاية الإيجابية» كما يسهل التكهن، فإن الصراع السوري ـــــ السعودي من ناحية، وتدخلات مصر في اللعبة اللبنانية المحلية، سيبرزان على لوائح تيار المستقبل، فحدة الصراع هي التي ستدفع إلى الأمام بأسماء من المستقبل دون غيرها.
ولن تنحصر موجة النزاع الانتخابي بتأثيراتها على طرابلس دون باقي مناطق الشمال، إذ إن ما سيحصل في طرابلس سيمتد تأثيره على باقي دوائر المنطقة الشمالية، ولا سيما على المنية والضنية وعكار، وما تحققه المعارضة من نجاحات أو تراجعات هناك سيكون له صداه في باقي المناطق ذات الأغلبية السنية.
وإن كانت معركة طرابلس تستحق أن تسمى أعقد المعارك، فذلك أيضا لأنها لن تكون محصورة بين الأقلية والأكثرية، بل ستشهد التحالفات مزجاً بين القوى، وخاصة من كان يقف إلى زمن قريب بعيداً عن «المعارضة» وقد يسعى اليوم إلى المشاركة على لوائحها الانتخابية، وإن لم يحصل التحالف بين الأطراف الشماليين من خارج تيار المستقبل، فإن المعركة أيضاً لن تكون محسومة للتيار، بل ستكون معركة اللوائح المخروقة، حيث سيحقق كل طرف خرقاً في اللوائح المقابلة له.
ويشير من يراقبون يوماً بيوم التغيرات الشمالية إلى أن مشاركة الصفدي في مهرجان 14 شباط ستكون الدليل على تفاهمه الانتخابي مع الحريري في الشمال، وبالتالي فإنه سيكون قد حسم أمره واتجاهه، وإن لدى ميقاتي نقاطاً عديدة قبل حسم أمره نهائياً، وهي نقاط في مجال الحصص والتحالفات لا أكثر، بينما قيادة «المعارضة» ولا سيما حزب الله والتيار الوطني الحر لم تقدم أي تصور أو أفكار بشأن الشمال عموماً وطرابلس خصوصاً، لا ضمناً ولا بطريقة مباشرة، مما لا يوحي أن هناك تنسيقاً لتقريب وجهات النظر ودعم لائحة موحدة للأقلية في الشمال.
علماً بأن من كان يمكن أن يمثّل رافعة لقوى 14 آذار في الشمال، وخاصة التيار السلفي، قد انقسم على نفسه بحدّة، على غرار كل الشارع الإسلامي، بعد كل ما حل بقطاع غزة، وبعد مراقبة تعثر المستقبل، وتراجعه وامتناعه عن تقديم أي عون أو التعبير عن حالة الغضب التي أبقاها هذا التيار حبيسة في صدور كل من يعمل على تمثيلهم في الانتخابات المقبلة.
وفي هذه الأثناء فإن «المعارضة» تتجه إلى فتح معركة في دائرتي بيروت الأولى والثالثة التي لم يشملها اتفاق الدوحة، حيث جرى التوافق على تجنيب الدائرة الثانية في بيروت المعركة وتقاسمها ما بين الموالاة والمعارضة.
■ أحزاب وماكينات ونفوذ
بعدما حيّد الرئيس ميقاتي نفسه عام 2005 واعتكف الرئيس كرامي وأنصاره في منازلهم، وغاب نائب رئيس الحكومة الأسبق عصام فارس عن سمع العكاريين ونظرهم، وتنازلت الجماعة الإسلامية عن «الحقوق المتكسبة» في دورات سابقة، يبدو المشهد الانتخابي مختلفاً.
يعود معظم من سبق ذكرهم إلى الساحة ساعين إلى استعادة ما خسروه. وفي حضرة هؤلاء، أشخاصاً وماكينات، لا يمكن المقارنة بنتائج الـ 2005 وإنما بنتائج الألفين حين كان تيار المستقبل في أوج أيامه الانتخابية، قبل أن تجرف العاطفة كل الشارع إلى جانبه بعد استشهاد مؤسسه، فتمكّن في انتخابات عام 2000 من تأليف أكبر كتلة نيابيّة في ذلك المجلس (25 مقعداً)، بعدما حصد مقاعد بيروت التسعة عشر. ولكن رغم الفوز الساحق، لم يستطع المستقبل بقيادة رفيق الحريري يومها أن يفوز إلا بمقعدين من أصل 28 في دائرتي الشمال الأولى والثانية، فتمثل بنائب الضنيّة أحمد فتفت ونائب الكورة فريد مكاري. فيما توزعت مقاعد المستقبل السنيّة الخمسة على كل من نجيب ميقاتي (74493 صوتاً) ومحمد الصفدي (71383 صوتاً) ومحمد كبارة (56870 صوتاً) وعمر كرامي (54310 أصوات) ومصباح الأحدب (49624 صوتاً). وكاد يكون مكاري ـــــ صديق الحريري يومها ـــــ آخر الفائزين في دائرة الشمال الثانية، فيما خسر نقولا غصن المحسوب أيضاً على تيار المستقبل.
وهكذا يكون المستقبل قد أقصي بالكامل عن منطقتي طرابلس وعكار، قبل أن تتغير الحال كثيراً عام 2005، فيحصد المستقبل وحلفاؤه مقاعد الشمال الثمانية والعشرين معوّضاً تقصير الحلفاء في دوائر جبل لبنان ذات الغالبية المسيحية، حيث فاز التيار الوطني الحر وحلفاؤه عكس توقعات الحلف الرباعي.
وانتمى نصف نواب الشمال الجدد الفائزين إلى تيار المستقبل (14 من أصل 28): مصطفى هاشم، عزام دندشي، محمود مراد، رياض رحال، عبدالله حنا، هادي حبيش، مصطفى علي حسين عن عكار (الدائرة تمثل بسبعة نواب، والسبعة ينتمون إلى تيار المستقبل). وأحمد فتفت عن الضنية. وسمير الجسر ومصطفى علوش وبدر ونوس عن طرابلس (الدائرة تمثل بثمانية نواب، ثلاثة منهم انتموا إلى تيار المستقبل وثلاثة إلى التكتل الطرابلسي، وواحد إلى كل من الحركتين الديموقراطيتين التجدد واليسار)، النائب هاشم علم الدين عن المنية، والنائبان فريد مكاري ونقولا غصن عن الكورة.
مع العلم أن تقسيم الدائرتين اللتين تضمان الغالبية السنية الساحقة سابقاً (دائرة أولى تضم عكار ــ بشري ــ الضنية، ودائرة ثانية تضم طرابلس ــ المنية ــ البترون ــ الكورة ــ زغرتا) إلى 7 دوائر هي عكار (7 نواب)، المنية ــ الضنية (3 نواب)، بشري (نائبان)، طرابلس (8 نواب )، زغرتا (3 نواب)، الكورة (3 نواب)، والبترون (نائبان). يعطي المناوئون للأكثرية، وخصوصاً في الأقضية ذات الغالبية المسيحية، فرصة كبيرة للفوز بثلث عدد المقاعد الثمانية والعشرين التي حصدتها الأكثرية في الانتخابات السابقة.
أما في طرابلس، المنية ـــــ الضنية، وعكار، فإن عودة كرامي وميقاتي والجماعة الإسلاميّة ومؤسسة فارس والوزير محمد الصفدي الاستقلالي المستجدّ جميعها تفتح الباب أمام تغييرات تجعل توقع نتائج الألفين، بحسب بعض المتابعين الشماليين، أقرب إلى المنطق بكثير من تجربة 2005، وخصوصاً أن المستقبل شُغل، خلال 3 سنوات من الحكم باسم غالبية الشماليين، بالسياسة، فلم يبنِ أسس حزب يعرف كيف يؤطر التعاطف الشعبي ضمن أسس حزبية، تماماً كما لم يبنِ تلك الماكينة الجدية التي يمكنها خوض الانتخابات بثقة.
وفي هذا السياق، تضع غالبية المراقبين ماكينة المستقبل في موازاة ماكينة الصفدي في طرابلس ووجيه البعريني في عكار، ولا يمكن أبداً مقارنتها بماكينات كرامي وميقاتي وعصام فارس.