تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : غزة من منظور (السنن الشرعية، والكونية القدرية)



عبد الله بوراي
02-04-2009, 03:27 PM
غزة
رؤية واقعية مستقبلية
(السنن الشرعية، والكونية القدرية)


ابتداء بتاريخ بني إسرائيل مع الأنبياء والمرسلين ومروراً بموقفهم من نبينا - محمد صلى الله عليه وسلم - إلى تاريخهم المعاصر، ومن المسلمات في ذلك:

أ- قتلهم لعدد من الأنبياء، قال تعالى: {وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَق ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}

ب- محاولة قتلهم لنبي الله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ}

ج- محاولة قتلهم لنبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم عدة محاولات، حتى مات عليه الصلاة والسلام من أثر السم التي وضعتها له يهودية في طعامه.

د- نقضهم للعهود مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مراراً، وتحالفهم مع سائر الكفار، كما في الغزوة المشهودة غزوة الخندق.

هذه وأمثالها مما يعرفه المسلم الذي يتأمل القرآن الكريم، وشيئاً من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لا مجال لتفصيله أكثر هنا.

المنطلق النفسي، وهذه لا تحتاج إلى بيان كثير، فمن المسلمات أن دراسة نفسية أي خصم تساعد في بيان كيفية التعامل معه.

والدراسات أكثر من أن تحصر في الاجماع على معرفة نفسية اليهود، مما بينه الله تعالى في القرآن الكريم، ومن ذلك:

أ- اعتقادهم الأفضلية على العالم كله، إذ انهم يعتقدون أنهم أبناء الله وأحباؤه، فوصفوا أنفسهم انه شعب الله المختار، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}، ولكن الله تعالى رد عليهم: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم}

ب- أنهم أهل حيل، ومكر، وخداع، كما قص الله تعالى قصتهم في قضية تحايلهم على الصيد، قال تعالى: {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}(166)

ج- أنهم يحبون إشاعة الفساد في الأرض، قال تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}

د- أنهم أهل إثم وعدوان، وأكل للحرام، قال تعالى {وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}

هـ- أنهم أهل حروب واعتداء: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ}

وغيرها مما يتعلق في نفسية هؤلاء اليهود، والتي ينطلقون منها لتحقيق مآربهم وأهدافهم.

منطلق السنن الشرعية، والسنن الكونية القدرية وهذه من أعظم المنطلقات التي تعين المسلمين جميعا لتحديد مواقفهم من الأحداث، وصياغة المنهج الذي يتعاملون به في وقت الحدث، وما بعده، بل وما قبله، وأسرد نماذج لهذه السنن العظيمة:

أ- ما سبق في بيان سنة الصراع بيان الحق والباطل.

ب- سنة الابتلاء على مستوى الفرد، وعلى مستوى المجتمعات والدول، وهذه سنة، كثر الحديث عنها هذه الأيام.

ج- سنة التغيير نحو الأفضل أو الأسوأ، وانها مصدر التغيير على أرض الواقع، ومن ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}

د- ومن السنن ان بداية التغيير من الفرد نفسه، قال تعالى عن المسلمين في غزوة أحد لما تساءلوا عمّ حصل لهم: {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}، وقال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، وهذه السنة تجعل المسلم في أي مكان من العالم يبدأ بتغيير نفسه، حتى ينتصر المسلمون على اليهود، وغير اليهود وحتى ترفع راية الإسلام في كل مكان.

هـ- ومنها: أن المعاصي هي سبب الابتلاءات، والعقوبات، والمحن، قص الله - سبحانه وتعالى - علينا قصص أقوام الأنبياء الذين عذبوا، فكان ذلك العذاب بسبب عصيانهم لله - سبحانه - وعدم طاعتهم له ولرسله، فعذب قوم نوح بالغرق، وعاد بالريح، وثمود بالصيحة، وقوم لوط بقلب الديار.. وغير ذلك.

وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث أكثر من أن تحصى شيئا عن عقوبات المعاصي الجماعية والفردية.

إن من المؤسف حقا التغافل عن هذه السنة العظيمة، التي يجب أن تشاع في أنحاء المعمورة كلها.

و- ومنها أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للعن الأمم، وقد لعن الله تعالى اليهود بهذا السبب، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (79).

ز- ومنها: أن الله تعالى قيّد نصره للمؤمنين بنصره تعالى، قال تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، ونصر الله تعالى يكون بالعمل بدينه، وبما جاء به رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم -.

ح- ومنها: أن الظلم عاقبته وخيمة، وهو ظلمات في الدنيا والآخرة، حتى ولو كان الظالم من المؤمنين الخلص، ولو كان المظلوم من الفساق والكفار، قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ}، وقال - عليه الصلاة والسلام -: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات)، وقال - عليه الصلاة والسلام - لحبيبه معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، وفي رواية حسّنها الحافظ ابن حجر: (واتق دعوة المظلوم ولو كان فاجرا ففجوره على نفسه).

ط- ومنها ان الناس ثلاثة أقسام: كفار، ومؤمنين، ومنافقين، وهذه الأقسام الثلاثة موجودة منذ أن بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة، ولذلك قص الله تعالى أخبار هؤلاء، وهؤلاء، وأولئك، في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، بل في مطلع سورة البقرة.

وإدراك هذا الأمر يتضمن تحذيرا شديدا للمؤمنين من المنافقين، لأنهم يظهرون ما لا يبطنون، ويدعون ما لا يعتقدون، فهم أشد خرابا على المؤمنين من الكفار الظاهرين، لإجادتهم حسن الكلام، والقدرة على الكتابة والتلبيس والتدليس، ويظهرون بمظهر الإصلاح، قال تعالى: {وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}، قال - سبحانه -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}

ك- ومنها الأمر بالتفاؤل، والنهي عن اليأس، مع اصطحاب العمل والاستمرار فيه.

وهذه السنة العظيمة تجلت بوضوح في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في أول دعوته، وفي قصة الهجرة، وفي غزواته، وخاصة في غزوة الأحزاب، التي تشبهها أحداث غزة، فقد كان - عليه الصلاة والسلام - يضرب الصخرة في الخندق، ويقول لأحد أصحابه: (ابشر فقد جاءكم النصر).

ل- ومنها ان الله تعالى علمنا أن النصر ليس له وجه واحد، منحصر في كثرة القتلى والجرحى، وإشاعة التدمير، وهدم الممتلكات، وإفساد المقدرات، من دور العلم، والصحة، والوقود، وغيرها.

بل يأخذ أشكالاً، وأنماطاً متعددة، دلّ على ذلك ان ما قصه الله - سبحانه وتعالى - عن معركة أحد واعتبره نصراً كبيراً، مع ان القتلى في جيش النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر، وجرح فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وكسرت رباعيته، فلنقرأ ما ذكر الله تعالى في سورة آل عمران.

كما اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ما جرى يوم الحديبية فتحا ونصرا، بل اخبر الله تعالى عن ذلك، مع ما في بعض شروطه من إجحاف بالمسلمين في الظاهر.

إن اعتقاد مثل هذا يبعث في النفوس الطمأنينة والثقة بموعود الله - سبحانه وتعالى -، والعمل المتواصل المستمر في مختلف المجالات، وعلى مختلف المستويات، وفي مناحي الحياة كلها.

م- ومن أعظم السنن أن العواقب والنتائج حتماً للمؤمنين، إذا حققوا التوكل على الله، والاستعانة به، والثقة بنصره وموعوده، وفي الوقت نفسه إذا عملوا بالأسباب الشرعية، والمقدور عليها، كل بحسبه، دولاً، ومجتمعات، وأفراداً.

ن- ومن السنن: سنة التدافع بين الناس، وهي سنة جارية في هذا الكون لتتم عمارته: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}

هذه جملة من السنن العظيمة التي يعين استصحابها حال الإجابة على الأسئلة: لكي تكون أجوبة مطمئنة، مبرئة للذمة، بعيدة عن الشطط، وتحكم العواطف، والانسياق وراء صوت قوي، أو جلبة إعلامية، أو رؤى نفعية.


د. فالح بن محمد الصغير