تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : "احذروا الغيبة والنميمة"



بشرى
09-06-2003, 12:35 PM
قال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) الحجرات:12، وقال تعالى (ويل لكل همزة لمزة) الهمزة:1
فاحذروا إخواني من النميمة والغيبة، إن النميمة تفسد الدين والدنيا، وتغير القلوب، وتولد البغضاء، وسفك الدماء والشتات، وقال الله العظيم (ولا تطع كل حلاف مهين* هماز مشاء بنميم* مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم) القلم :10-13

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، وتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك: فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا"
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه"
وسُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الغيبة ما هي؟ قال: "أن تذكر أخاك بما فيه وهو غائب عنك، وإن ذكرته بما ليس فيه، فقد بهته" .

قال -صلى الله عليه وسلم-: "من مشى بين اثنين بالنميمة، سلط عليه ناراً فى قبره تحرقه إلى يوم القيامة، وحية تنهشه حتى يدخل النار".
قال بعض الحكماء: النميمة تهدي إلى القلوب البغضاء، ومن واجهك فقد شتمك، ومن نقل إليك، فقد نقل عنك، والساعي بالنميمة كاذب لمن يسعى إليه، وخائن لمن يسعى به.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة "يا أبا هريرة، إن أحببت أن يفشي لك الله الثناء الحسن الجميل فى الدنيا، فكف لسانك عن المسلمين".
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظافرهم، فقيل لي: هؤلاء الذين يغتابون الناس"

وحكي أن مريم عليها السلام لما نذرت أن لا تتكلم، وحبست لسانها لأجل الله تعالى، أطلق الله سبحانه وتعالى لسان صبي لا يعرف الخطاب، أنطقه الله لأجلها.
فمن حفظ لسانه لأجل الله تعالى فى الدنيا، أطلق الله لسانه بالشهادة عند الموت ولقاء الله تعالى. ومن سرح لسانه في أعراض المسلمين، واتبع عوراتهم أمسك الله لسانه عن الشهادة عند الموت.

فلذلك كان الصديق رضي الله عنه يضع في فمه حجراً ليمنع به نفسه عن الكلام.
إياك وأن تعير أحداً بما فيه *** فإني أخشى أن يبتليك الله ويعافيه،

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد يعطى كتابه يوم القيامة، فيرى فيه حسنات لم يكن عملها قط فيقول: يا رب، من أين هذه الحسنات؟ فيقول: باغتياب الناس فيك وأنت لا تعلم".
وسأل معاذ رضي الله عنه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل، فأخرج لسانه، ووضع عليه يده.

إلى كل من يشغل نفسه بعيوب الناس.. فاتق الله، واشتغل بعيوبك عن عيوب الناس، ولا تكن كمثل الذباب الذي لا يعرج على المواضع السليمة من الجسد، ولا ينزل عليها، وإنما يقع على القروح فيُدميها.
وأوصى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولده الحسن، فقال له: أمسك عليك لسانك، فإن تلاف المرء فى منطقه.

وذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوماً، فقال: إن ربكم تعالى يقول: يا ابن آدم، لم تحرض الناس على الخير، وتدع ذلك من نفسك؟ يا ابن آدم، لم تذكر الناس وتنسى نفسك؟ يا ابن آدم، لم تدعوني وتفر مني؟ إن كان كما تقول، فاحبس لسانك، واذكر خطيئتك، واقعد في بيتك.

وعن مالك بن دينار رحمه الله تعالى أنه كان يقول: إذا رأيت قساوةً في قلبك، أو وهناً في بدنك، أو حرماناً في رزقك، فاعلم أنك تكلمت بما لا يعنيك...
وقال لقمان لابنه: يا بني، من يرحم يُرحم، ومن يصمت يُسلم، ومن يفعل الخير يغنم، ومن يفعل الشر يأثم، ومن لا يملك لسانه يندم.

احفظ لســانك أيها الأنسان *** لا يلدغنك إنه ثعبــــان
كم في المقابر من قتيل لسانه *** كانت تهاب بقاءه الشجعان

وقال بعض الحكماء: احبس لسانك قبل أن يطول حبسك، وتتلف نفسك، فلا شيء أولى بطول حبس اللسان لقصر على الصواب ويسرع إلى الجواب. وقال بعض الحكماء: ترك فضول الكلام يثمر النطق بالحكمة، وترك فضول النظر يثمر الخشوع والخشية، وترك فضول الطعام يثمر حلاوة العبادة، وترك الضحك يثمر حلاوة الهيبة، وترك الرغبة في الحرام يثمر المحبة، وترك التجسس عن عيوب الناس يثمر صلاح العيوب، وترك التوهم فى الله ينفي الشك والشرك والنفاق.

إخواني: إن التجسس على عيوب الناس، والتطلع لمساوئهم، يبدي العورات، ويكشف المخبآت. وقد نهى الله عز وجل عن ذلك فى كتابه العزيز بقوله تعالى (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعض) الحجرات :12
فمن يبحث عن مساوئ الناس، واتبع عوراتهم، واشتغل بعيب غيره وترك عيبه، سلط الله عليه من يبحث فى عيبه ومساوئه ليشهرها، ويتبع عورته ويبديها وينشرها.

فالعاقل السعيد من نظر إلى عيبه، وشغل بذلك عن عيوب غيره، وعن كل شيء سوى الله تعالى.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا يرى امرؤ من أخيه عورة، فيسترها عليه إلا أدخله الله الجنة".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من أقال مسلماً عثرته، أقال الله عثرته يوم القيامة"
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من ألقى بين اثنين عداوة، فليتبوأ مقعده من النار، ومن أصلح بينهما، فقد وجبت له على الله الجنة".

الصمت نفع والكلام مضرة *** فلرب صمت في الكلام شفاء
فإذا أردت من الكلام شفاء *** لسقام قلبك فالقــــــــرآن دواء

قال الأصمعي: شاهدت أعرابية وهي توصى ابنها، فقالت: " يا بني، أمنحك وصيتي وبالله التوفيق، فإياك والنميمة، فإنها تورث العداوة بين الأهلين، وتفرق بين المحبين، وإياك والتعرض للعيوب، فتصير لها أهلاً، وإياك والجود بدينك، والبخل بمالك، ومثل لنفسك مثالاً من غيرك، فما استحسنته من الناس فافعله، وما استقبحته منهم فاجتنبه، فإن المرء لا يرى عيب نفسه. ثم أمسكت، فقلت: يا أعرابية بالله ألا زدتيه؟؟، فقالت: يا حضري، أعجبك كلام العرب؟ فقلت: إي والله.
فقالت: يا بني، إياك والغدر، فإنه أقبح ما تعامل به الناس، واجمع بين السخاء والعلم، والتواضع والحياء، وأستودعك الله، وعليك السلام.

وقال بعض أهل العلم أن الغيبة تنقض الوضوء، وتفطر الصائم، وكان بعض الفقهاء يعيد الوضوء من الغيبة.
وقيل:مثل صاحب الغيبة كمثل من نصب منجنيقاً، فهو يرمي به حسناته يميناً وشمالا، شرقاً وغرباً.
وأوحى الله تعالى إلى موسى -صلى الله عليه وسلم-: أتحب أن أنصرك على عدوك؟ قال: بم؟ قال: بردك الغيبة عن المسلمين.

فإياك يا أخي والتعرض للأقدار، وأن تغتاب أحداً بما أودع فيه الجبار، فإن المولى جل جلاله أعلم به وأحكم، ولو شاء لأهلكه وانتقم. ويروى أن عيسى-صلى الله عليه وسلم- مر ببعض الأنهار، فإذا بصبيان يلعبون فى ذلك النهر، ومعهم صبي أعمى قد كف بصره، وهم يغمسونه في الماء، ويفرون منه يميناً وشمالاً، وهو يطلبهم ولا يظفر بهم. ففكر عيسى-صلى الله عليه وسلم- في أمره، ودعا ربه أن يرد عليه بصره، وأن يساوي بينه وبين أصحابه، فرد عليه بصره، فلما فتح عينيه ورآهم وثب وثبة على واحد منهم، فتعلق به، ولم يزل يغمسه فى الماء حتى قتله، وطلب آخر فتعلق به كذلك حتى مات، وهرب الباقون..

فلنعلم أنه لا يجري فى هذا العالم أمراً إلا وللمولى فيه حكم وتدبير. وقال الفقيه أبو الحسن علي بن فرحون القبطي رحمه الله في كتابه المعروف بالزاهر، كان لي عم ، وتوفي فى مدينة فاس، فرأيته بعد ذلك في المنام وهو داخل علي في داري، فقمت إليه ولاقيته بقرب الباب، وسلمت عليه، ودخل ودخلت خلفه، فلما توسط فى البيت، قعد واستند بظهره إلى الجدار، فقعدت بين يديه، فرأيته شاحب اللون متغيراً، فقلت له: يا عماه، ماذا لقيت من ربك؟ قال: ما يلقى من الكريم يا بني، سمح لي في كل شيء إلا الغيبة، فإني منذ فارقت الدنيا إلى الآن محبوس فيها، ما سمح لي بعد فيها، فأنا أوصيك يا بني: إياك والغيبة والنميمة، فما رأيت فى هذه الدار شيئاً أشد بطشاً وطلباً من الغيبة.

يموت كل الأنام طراً *** من صالح كان أو خبيث
فمستريح ومستراح *** منه كما جاء فى الحديث

وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه: يؤتى بالعبد يوم القيامة فيدفع له كتابه، فلا يرى فيه صلاته ولا صيامه، ويرى أعماله الصالحة، فيقول: يا رب، هذا كتاب غيري، وكانت لي حسنات ليس في هذا الكتاب، فيقال له إن ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتيابك الناس.

إخواني: إياكم والغيبة والنميمة، فإنهما يضران بالدين، ويحبطان عمل العاملين، وتورث العداوة بين المسلمين، أعاذنا الله تعالى منهم. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى حرم من المسلم دمه وماله وعرضه"

فالغيبة بالقلب حرام كما هي باللسان، وحرام إلا أن يضطر لمعرفته، بحيث لا يمكنه التجاهل، فحد الغيبة كما بينه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أن تذكر أخاك بما يكرهه إن بلغه أو سمعه، وإن كنت صادقاً سواء ذكرت نقصاناً فى نفسه، أو عقله، أو ثوبه، أو في فعله، أو في قوله أو في دينه، أو في داره، أو في دابته، أو في ولده، أو في عبده، أو في أمته، أو بشيء ما يتعلق به، حتى قولك: أنه واسع الكم، طويل الذيل.

وقد ذكر رجل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقيل: ما أعجزه!! فقال:" اغتبتموه"
وأشارت عائشة رضي الله عنها، إلى صفية، وقالت لها كذا وكذا وأشارت بيدها، تعني قصرها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اغتبتيها يا عائشة"، فقالت: يا رسول الله، أليست هي قصيرة؟ قال: " إنك ذكرت أقبح شيء فيها".

والغيبة لا تقتصر على اللسان، بل كل ما يفهم منه عرض يكرهه المذكور فيه إن بلغه أو سمعه، باليد، أو بالرجل، أو بالإشارة، أو بالحركة، أو بالتعريض أو بالمحكاة، فهي غيبة. وقد عظم الله تعالى أمر الغيبة، فقال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)الحجرات:12 وقال تعالى (ويل لكل همزة لمزة) الهمزة:1

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة فى حسنات العبد"
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أبغض عباد الله إلى الله كل طعان لعان.

نعيب زمننا والعيب فينا *** وما لزمننا عيب سوانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب *** ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

قال معاذ بن جبل: قلت: يا رسول الله، أنت رسول الله، وأنا معاذ. قال " اقتد بي، وإن كان فى عملك نقص يا معاذ، احفظ لسانك من الوقيعة في إخوانك من حملة القرآن، واحمل ذنوبك، ولا تحملها عنهم، ولا تزك نفسك بذمهم، ولا توقع نفسك عليهم، ولا تدخل الدنيا في عمل الآخرة، ولا تتكبر في مجلسك لكي يحذر الناس من سوء خلقك، ولا تمازح رجلاً وعندك آخر، ولا تتعاظم على الناس، فتقطع عنك خيرات الدنيا والآخرة، ولا تمزق لحوم الناس بلسانك، فتمزقك كلاب النار يوم القيامة فى النار، قال الله تعالى: (والناشطات نشطاً) النازعات:2... " وقال معاذ رضي الله عنه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول؟ فقال "ثكلتك أمك يا ابن جبل، وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟!"

وقيل لعيسى -صلى الله عليه وسلم-: دلنا على عمل ندخل به الجنة. قال: فلا تنطقوا أبداً. قالوا: لا بد لنا من ذلك. قال: فلا تنطقوا إلا بخير. وقال -صلى الله عليه وسلم- " إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يرفعه الله تعالى بها إلى الجنة "

فعلنا الخطايا وسترك مُسبل *** وليس لشئ أنت ساتره كشف
إذا نحن لم نخطئ وتعفو تكرماً *** فمن غيرنا يهفو ومن غيرك يعفو

اللهم اهدنا إلى سواء السبيل.. وأصلح نفوسنا.. وأصلح ذات بيننا.. إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.. وأنت نعم المولى ونعم النصير.. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة.. ونعوذ بك من سخطك والنار..