تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : "سبحانك"



بشرى
09-06-2003, 12:19 PM
لماذا لا تقال كلمة "سبحانك" إلا لله؟ سبحانك لأنك حق وخلقت الأرض والسموات بالحق ووضعت لها قوانينها ونواميسها بالحق، فوجب أن نستقبل هذا الكون المخلوق بحق، بشكر الحق (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك) - آل عمران: 191- وسبحانك لا تقال إلا لله - سبحانه وتعالى- عند ذكر أي نعمة منسوبة إلى الله، لم يقلها "سبحانك" بشر لبشر، ولن يقولها بشر لبشر حتى قيام الساعة، وإنما تقال للحق الأعلى في كل نعمة وكل أمر خارق أو معجز.

تقول: (سبحان الله) هذه هي عظمة الحق فرغم أن الحق جعل الإنسان مختارا فإنه ليس اختيارا مطلقا فأنت مختار أن تتمرد على الله ولكن هناك أشياء أنت خاضع فيها لإرادة الحق ولا تستطيع أن تتمرد عليه فيها فمثلا اسم "الله" هل تجرأ أحد وأطلقه على أحد من أبنائه؟ لم يجرؤ أي كافر في أي عصر ولن يجرؤ كافر في العصور المقبلة إلى قيام الساعة أن يطلق اسم "الله" على إنسان لأنه يعرف أن الله حق مع أنه يعاند ويكابر.

ولو لم يعلم أن الله حق لتجرأ على اسمه وأطلقه على ولد من أولاده ولكن لأنه يعرف أن مصيبة سوف تقع له لم يفعلها كذلك كلمة "سبحانك" لم يقلها بشر لبشر "فسبحان في سبحان" كما قال أحد الصالحين فإن كلمة "سبحان" تتأملها وتقول فيها "سبحان الله" الذي لم يجعلها لأحد غيره فسبحانه وتعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. ولذلك لم يخلق شيئا باطلا قط فحق شكر الله قولا وعملا وتأملا وتفكرا في عظمة الخالق.

والتفكير والتأمل هما أساس الشكر وعين العبادة. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كما جاء في قول الحق لرسوله: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا* ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما)- الفتح: 1:2 رغم هذا فإنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في جوف الليل يبكي ويثني على الله وبحمده ويبكر حتى تبتل الأرض من بكائه فيجيئه "ابن أم مكتوم" ينبهه إلى وقت الصلاة قد حان فيراه وهو يبكي فيقول له: ما يبكيك يا رسول الله؟ ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول له صلى الله عليه وسلم: أفلا أكون عبدا شكورا؟...

وهذا أبو بكر الصديق الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم "إنه لو وضع إيمان أمة محمد في كفة ميزان ،ووضع إيمان أبي بكر في الكفة الأخرى, لرجحت كفة أبي بكر"؛ وأبوبكر في مكانته ومنزلته تلك يقول: والله لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون. أبو بكر يقول هذا متذكرا قدرة الله عليه غير مغتر أو راكن إلى شهادة رسول الله له. فما أجدرنا ألا تنسينا الصحة يوما نمرض فيه، وألا تنسينا النعمة يوما يصيبنا الفقر فيه، وما أجدرنا بالعودة إلى الحق نعيش في نعمه غير منفصلين عنه سبحانه.. لأنه المنعم الذي كما أعطى يأخذ وكما منح يمنع، فهو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء

فلا يظن أحد أنه خارج عن إرادة الله أبدا ولكن قد يسأل سائل: ولماذا يرزق الله الكافر؟ لأن الله خلق الناس جميعا كافرهم ومؤمنهم، وما دام الله قد استدعى الناس جميعا إلى الوجود، فهو متكفل برزقهم، لأنهم لم يستدعوا أنفسهم، وكون هذا إنسانا كافرا فكفره لنفسه، والمؤمن أيضا إيمانه لنفسه، والله قد خلق الأسباب ومن يأخذ بها ينفعل معها، تنفعل معه وتعطه.. بصرف النظر عن كفره أو إيمانه ولذلك حينما قال خليل الله إبراهيم فيما جاء في قول الحق: (وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر)- البقرة: 126- نجد أن الحق نبه إبراهيم إلى أنه لا يرزق المؤمن فقط ولكن أيضا يقول الحق: (ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير)- البقرة: 126-

فالكافر يستمتع بخيرات الله ونعم الدنيا، ولكنه متاع قليل بالقياس إلى ما أعده الله للمؤمنين به من نعم الآخرة، في جنة فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن متعة الدنيا مؤقتة ومتعة الآخرة أبدية، ومتعة الدنيا تكتنفها الآلام ولن تضمن استمرارها. أما متعة الآخرة فبلا آلام، والله يضمن لك استمرارها. وحتى يتحقق ذلك فإن الله يريد أن يعطيك مناعة بالإسلام إن جاءتك نعمة شكرتها، وإن زالت صبرت على زوالها، وهكذا يعلمك الله استدامة صلتك به.

من كتاب الشعراوي: في رحاب الكعبة