تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شافيز، النفط والتوتر الأمريكي



دار الاسلام
01-22-2009, 03:59 PM
التعليق السياسي
شافيز، النفط والتوتر الأمريكي

مرة أخرى يشتد التوتر بين هوغو شافيز رئيس فنـزويلا وإدارة بوش. في وسط ظهور إشاعات عن خطة أمريكية للإطاحة بالرئاسة الفنـزويلية، يظهر شافيز مرة أخرى للهجوم على أمريكا. في عشرة يوليو 2006 قال الرئيس شافيز بأن الادارة الأمريكية هي مصدر التهديد الرئيسي ضد فنـزويلا اليوم. كما ذكر بأنه إذا حصل اجتياح أمريكي اليوم "فإن ذلك سيكون في غاية الجنون، فإنهم سيهزمون حتماً". هذه التصريحات العدائية تعرف العلاقات المتردية بين حكومة شافيز وإدارة بوش".

يقع البترول في خضم الاختلاف بين البلدين، والتي يستخدمها شافيز كسلاح للحصول على استقلال اكبر من أمريكا ولرسم طريق جديد لعلاقات فنـزويلا مع أمريكا اللاتينية وسائر العالم.

لقد حاولت أمريكا دوماً التحكم بالبترول الفنـزويلي الذي يمثل 14% من إيرادات أمريكا النفطية (مليون ونصف برميل يومياً، جاعلة فنزويلا رابع أكبر مصدر للبترول لأمريكا). هذا الاعتماد على البترول الفنزويلي دفع عدة إدارات أمريكية للتدخل المتتكر في سياسات البلد لضمان حصول الشركات الأمريكية على تموين ثابت من النفط بسعر زهيد. ولكن اعتلاء شافيز السلطة سنة 1999 عبر صناديق الاقتراع هدد مصالح أمريكا النفطية. حصل على الرئاسة بسبب اعتراضه لحرية التجارة والامبريالية الأمريكية الاقتصادية.

هذا الاسلوب الصدامي أبرز ما يصف رئاسته. يرفض حتى ذكر أي مساعدة أمريكية. عام 1999 رفض مساعدة أمريكا لتقديم الشاحنات وعمال إغاثة لعمليات الإغاثة للفياضانات القاتلة. واعترف صراحة وقتذاك بأن رفضه كان بسبب خوفه من نوايا أمريكية خفية. في نفس السنة أعاد صايغة الدستور لمنع خصخصة شركة النفط الوطنية (شركة بترول فينيزويلا) بشكل أكبر وقبض عمولة أكبر من الشركات الأمريكية لدعم برامج اجتماعية ضرورية. في محاولة منه للتحكم بشكل أكبر بموارد النفط الفنزويلية، شرع قانون الهديروكربون عام 2001. هذا القرار ضاعف تقريباً من العمولات المدفوعة من الشركات الأجنبية من 16.7% إلى 30%. باستثناء شركة إكسون موبيل التي احتجت على القرار، التزمت بقية الشركات الأجنبية، وأبرزها شل، بالصمت. حينها قال رئيس شل الجديد في فينيزويلا: "لقد بقينا في فينيزويلا لتسعين سنة، وسنبقى هنا لتسعين سنة أخرى".

القانون الجديد حصر تصدير النفط بالشركات التي تملك الحكومة غالبية أسهمها. المهملة التي يسمح بها للشركات بتحويل عملياتهم إلى عمليات مشتركة حيث تملك شركة النفط الوطنية القسم الأكبر من العمليات انتهت في منتصف ليل ديسمبر 31، 2005.

في أول ينانير 2006، أعلن وزير نفط فنزويلا رافايل راميرز بأن 32 من حقول النفط المدارة بشركات خاصة أصبحت تحت إدارة الدولة. هذه الحقول لديها القدرة على تصدير 500,000 برميل من إجمالي الإصدارت النفطية الفنزويلية والمقدرة ب3.2 مليون برميل يومياً. بمقدور الحكومة الفنزويلية ملك ما يبلغ 90% في بعض العمليات الجديدة، حسب حجم استثمار الشركات الخاصة في الحقل. على الرغم من الطرد المؤقت الذي مني به شافيز سنة 2002، حاول شافيز بشكل مستمر على التقليل من النفوذ الأمريكي على نفط الدولة والمسائل الاقتصادية. الأموال الناتجة عن أسعار النفط المرتفعة والضرائب التي جمعت ساعدت الحكومة على نيل ميزانية فائضة و في نفس الوقت الحفاظ على مستوى عالي من النفقات الاجتماعية والخدماتية. ضبط العملة عام 2003 سببت في استثمار رؤوس الأموال بالخارج بشكل كبير، والآن بعد الموافقة على استعمال اليورو، يتقدم شافيز خطوة أخرى نحو الاستقلال والسيادة التي تسعى إليها وتستحقها فنزويلا. بسبب هذه الجهود، فإن ديون الدولة المحلية والأجنبية معتدلة، ولديها أكثر من 30 بليون دولارفي خزائن الدولة، وهي في ازدياد.

عبراستخدامه لهذه المعايير لم ينجح شافيز في استعادة بعض السيطرة على نفط الدولة وحسب بل ضخ البلايين من الدولارات في الخدمات الاجتماعية مما زاد من شعبيته لدى الشعب. في الثمانية وعشرون سنة التي سبقت انتخاب شافيز سقط الدخل الفردي الفنزويلي بنسبة 38%، الأسوأ انحطاطاً في المنطقة وواحدة من الأسوأ في العالم. منذ تولي حكومة شافيز زمام الأمورعام 1999 اوقف الانحدار وظل دخل الفرد على نفس المستوى في بداية عام 2004.

في الوقت الذي ضايقت فيه سياسات شافيز المحلية أمريكا، سببت سياساته الاقليمية ضيقاً مماثلاً للسلطة الأمريكية. هنا أيضاً حاول شافيز فصل سياسة فنزويلا الخارجية عن السياسة الأمريكية للمنطقة. في الوقت الذي تنشغل فيه أمريكا بحربها على الإرهاب وانتفاع فنزويلا من ازدياد أسعار النفط ونسب العمولة، تعمد شافيز في تصدير ثورته البوليفية إلى بقية المنطقة. يسمي هذه ال"ألبا" بديلاً لأمثال المنظمة العالمية للتجارة والنافتا. هدف ألبا هو انشاء "الدولة الاشتراكية" لمساعدة عموم الناس، وليس الطبقة الغنية.

في قلبها يوجد احترام استقلالية كل دولة بعيدا عن تحكم الدول الأخرى والشركات الكبرى. لتحقيق ألبا، استخدم شافيز نفط فنزويلا لمساعدة عدة دول في المنطقة. تقدم دولته 200,000 برميل يومياً إلى كوبا و12 دولة أخرى في أمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي.

ويحاول شافيز الفوز بيبوليفيا لدعم خطته. في يناير 6/ 2004، صرح شافيز في مؤتمر صحفي مشترك بأنه سيقدم 150,000 برميل من الديزل شهرياً لدعم موارد الدولة الفقيرة. حينها قال: "لن أقبل منكم بأن تدفعوا لي سنتاً واحداً، بل ستدفعوا لي منتوجات زراعية"، مضيفا بأن العرض يقدر ب180 مليون سنوياً. يبدو بأن شافيز نجح في اقناع إيفو موراليز رئيس بوليفيا لتبني بعض سياساته. في 11 يناير 2006 قال إيفو ماروليز للصحفيين بأن حكومته تسعى لامتلاك الاحتياطات النفطية والغازية التي تقتنيها الشركات الدولية، تاركاً ممتلكات أخرى مثل الأنابيب ومحطات التكرير في أيدي الشركات الأجنبية. حينها صرح:"الدولة ستمارس حقها في التملك، وهذا يعني أنها ستقرر كيفية استعمال هذه الموارد". شافيز أيضاً اقترح فكرة انشاء بنك استثماري في أمريكا الجنوبية لفك الخناق الأمريكي المتمثل بصندوق النقد الدولي على دول أمريكا الجنوبية. لقد صرح شافيز مؤخراً بأن على دول أمريكا الجنوبية أن توقف استثمارها من الدول الغنية والتي "تقرض وتحول وتصنع الكثير من المال بواسطة مواردنا". كما شجع الدول في المنطقة على أن تكون أكثر استقلالية من صندوق النقد الدولي. فقد قال حديثاً:"فنزويلا تساعد الأرجنتين في تحريرها من قرض صندوق النقد الدولي، وسنستمر، على قدر الإمكان، في مساعدة الأرجنتين من تحريرها من قرض صندوق النقد". عام 2005 اشترت فينيزويلا أكثر من بليوناً من البندات من الأرجنتين، ومن المحتمل أن تشتري بليونين آخرين. الاستثمار الفنزويلي مكن رئيس الأرجنتين من دفع كامل قروضه البالغة 9.8 بليوناً إلى صندوق النقد.

حلم شافيز الكبير بتحرير أمريكا اللاتينية من السيطرة الأمريكية تتضمن على بتيروساور- منظمة لشركات النفطالحكومية الإقليمية. كما تحتوي على إنشاء نادي إقليمي للطاقة الذرية.

على المستوى الدولي، استخدم شافيز النفط لتطوير العلاقات مع الصين ودول ناشئة أخرى. لوقف اعتماد فنزويلا على أمريكا والتي تستهلك 60% من اصدارات النفط، وقع شافيز على اتفاقية لبيع 120,000 برميلاً شهرياً من النفط الوقودي إلى الصين ويبحث الآن على طرق لنقل كميات أكبر من البترول إلى موانئ في المحيط الهادي.الاتفاقية وقعت عام 2004 لبناء أنابيب نفط وغاز بين بحر الماراكيبوا في فنزويلا والشواطئ الكاريبية وشواطئ في المحيط الهادي قد تمكن فنزويلا على شحن البترول إلى الصين بدون العبور عبر قناة بناما.

عام 2000 أصبح شافيز أول رئيس أمريكي لاتيني يزور العراق بعد انتهاء حرب الخليج الأولى. ساند طموحات إيران النووية بشكل علني واتخذ موقفاً قوياً ضد أمريكا في اجتماع IAEA في الخريف الفائت، والتي صوت بها بلده ضد رفع ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن.

مقاومة شافيز الشرسة للمصالح الأمريكية سواء أكانت محلية أو بالخارج دعت الإدارة الأمريكية لخلق معايير لإزالته من سدة الحكم. بعد ذلك تريد الإدارة خصحصة الPDVSA (شركة البترول الفنزويلية الوطنية)، زيادة العمولات لشركاتها ووقف الكثير من سياسات شافيز الخارجية. بالنسبة لأمريكة ليست خسارة فنزويلا على المحك فحسب، ولكن خسارة أمريكا الجنوبية كلها. تصور شافيز للمنطقة، والشعور المعادي لأمريكا المستشري، وتردد الدول اللاتينية للتصدي لشافيز تشكل خطراً جسيماً على مصالح أمريكا في المنطقة.

حتى قبل انتخاب بوش رئيساً سنة 2000 خطط الحزب الجمهوري على طرد شافيز من الحكومة. حسب مقالة صدرت في مجلة النيويورك تايمز في 28 ديسمبر 2000 أصبح الجمهوريين في حالة توتر من ازدياد نفوذ شافيز وكانوا يخططون لاستهدافه. مستشهدة بأقوال "مسؤولين جمهوريين ومحللين للسياسة الخارجية" ذكرت التايمز بأن "هناك اعتقاد في ازدياد في دوائر الجمهوريين بأن السيد شافيز يضر بالسياسة الخارجية الأمريكية من خلال توفيره للنفط لكوبا، ومن خلال معارضته "لخطة كولومبيا"، والتي تتضمن 1.3 بليون دولار مساعدات أمريكية لمكافحة المخدرات في أمريكا الجنوبية، ومن خلال دعمه السياسي للثوار والقوات المناوئة للحكومات في الدول المجاورة الواقعة على جبال الأنديز. يتوقع من الإدارة الجديدة أن تقوي روابطها مع الجيش الفنزولي، والتي هي في تضايق مستمر من السيد شافيز، حسب الخبراء الديمقراطيين. بخلاف السيد شافيز، الكثير من الضباط الفنزويليين تعلموا وتدربوا في أمريكا ولا يشاركون شافيز شكوكه حسب التقرير." استطاع الأمريكيين بأن يعزلوا شافيز عام 2002 أخيراً. ولكن الانقلاب خطط بشكل سيء جداً لدرجة أنه استمر لمدة 48 ساعة فقط، بعدها رجع شافيز إلى الحكم. منذ ذلك الحين وشافيز وأتباعه يتهموا أمريكا علناً بمحاولة إزالته وحكومته من الحكم. حوالت أمريكا خلع شافيز مرة أخرى سنة 2004 من خلال دعمها للمعارضة ولكنها فشلت في ذلك أيضاً. ومؤخراً اتهم نائب الرئيس الفنزويلي هوسي فيسنتي رانغل السفير الأمريكي في كاراكاس ويليام براونفيلد بالضلوع في مؤامرات ضد الحكومة. الخلاصة أن شافيز منذ بداية توليه السلطة وهو يعارض السياسة الأمريكية قلباً وقالباً. في الوقت الذي تئن فيه أمريكا من حروبها في العراق وأفغانستان، وانشغالها بحربها على الإرهاب، سبب فشلها في خلع شافيز في خلق مصدر للعجز الساخط لدى السياسيين الأمريكيين. بلا شك ستحاول أمريكا للانقلاب عليه ولكنه أثبت أنه صعب المنال و نجح في تعدي عدة محاولات انقلاب. هذا بحد ذاته يدل على تمسك شافيز بزمام الأمور بشكل قوي وشامل.

مغامرات شافيز ضد أقوى دولة في العالم تحتوي على دروس مهمة للعالم الإسلامي. الدول القائمة في البلاد الإسلامية، خاصة تلك التي تملك الكثير من ثروات النفط والغاز عليها أن تستخدم تلك الموارد كأسلحة.

إذا كان بمقدور دولة منفردة كفنزويلا بأن تأثير تأثراً ضخماً على السياسة الخارجية الأمريكية إذن فإن عدة دول من الدول القائمة في العالم الإسلامي مجمعة مواردها تستطيع أن تسدي ضربة مميتة للهيمنة الأمريكية في العالم.

فعلاً إن هذه الحقيقة التي تهرع أمريكا لمنعها. التحذيرات بخصوص إعادة إقامة الخلافة هي الآن جزء من الخطاب المعتاد للحكومة الأمريكية، إلى درجة أن التعامل مع مقاومة شافيز للسياسة الأمريكية في أمريكا اللاتينية أصبحت أولوية ثانوية لإدارة بوش. هل يمكن أن تكون أمريكا على وشك خسارة كلا من العالم الإسلامي وأمريكا الجنوبية في نفس الوقت؟ لم يكن من الممكن أن يتصور شخص حدوث مثل هذا قبل خمس سنين. ولكن يبدوا الآن أن هذا التكهن أصبح أقرب للحدوث على أرض الواقع.

كتبه بالإنجليزية: عابد مصطفى



18/01/2006م