تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة العبادة



عزام
01-21-2009, 01:08 PM
حقيقة العبادة

مقتبس بتصرف
الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، وأمرنا بالتمسك به إلى الممات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].
وتلك وصية إبراهيم ويعقوب لبنيه: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة:132].
خلق الله الجن والإنس لعبادته كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. وفي ذلك شرفهم وعزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، لأنهم بحاجة إلى ربهم، ولا غنى لهم عنه طرفة عين، وهو غنى عنهم وعن عبادتهم كما قال تعالى: إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ [الزمر:7] وقال تعالى: وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [ابراهيم:8].
والعبادة هي: التقرب إلى الله تعالى بما شرعه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، وهي حق الله على خلقه وفائدتها تعود إليهم، فمن أبى أن يعبد الله فهو مستكبر، ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو مشرك، ومن عبد الله وحده بغير ما شرع فهو مبتدع، ومن عبد الله وحده بما شرع فهو المؤمن الموحد.
ولما كان العباد في ضرورة إلى العبادة، ولا يمكنهم أن يعرفوا بأنفسهم حقيقتها التي ترضي الله سبحانه وتوافق دينه لم يكلهم إلى أنفسهم، بل أرسل إليهم الرسل، وأنزل الكتب لبيان حقيقة تلك العبادة، كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]. وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]. فمن حاد عما بينته الرسل ونزلت به الكتب من عبادة الله، وعبَدَ الله بما يملي عليه ذوقه، وما تهواه نفسه وما زينته له شياطين الإنس والجن، فلقد ضل عن سبيل الله ولم تكن عبادته في الحقيقة عبادةً لله بل هي عبادة لهواه وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ [القصص:50]. وهذا الجنس كثير في البشر وفي طليعتهم النصارى ومن ضل من فرق هذه الأمة، فإنهم اختطوا لأنفسهم خطة في العبادة مخالفة لما شرعه الله في كثير من شعاراتهم، وهذا يتضح ببيان حقيقة العبادة التي شرعها الله على لسان رسول الله ليتبين أن كل ما خالفها فهو باطل، وإن زعم من أتى به أنه يقربه إلى الله فهو يبعده عن الله.
إن العبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى تنبني على أصول وأسس ثابته تتلخص فيما يلي:
أولاً: أنها توقيفية
بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها بل لابد أن يكون المشرع لها هو الله سبحانه وتعالى أو رسول الله كما قال تعالى لنبيه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا [هود:112]، وقال تعالى: ثُمّ جَعَلنَاكَ عَلَى شَريعَةٍ مِنَ الأمرِ فاتّبِعها ولا تَتّبعِ أهَواءَ الذينَ لا يَعلمُون [الجاثية:18]. وقال عن نبيه: إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام: 50].
ثانياً: لا بد أن تكون العبادة خالصة لله تعالى من شوائب الشرك
كما قال تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110].
فإن خالط العبادة شيء من الشرك أبطلها، كما قال تعالى: وَلَو أشرَكُوا لَحَبِط عَنهُم مَا كانُوا يَعَملُون [الأنعام:88]، وقال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)
ثالثاً: لا بد أن يكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله
كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:20]، وقال تعالى: ومَا ءَاتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُم عَنهُ فانَتّهُوا [الحشر:7]. وقال النبي : { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رده }. وقوله : { صلوا كما رأيتموني أصلي }. وقوله: { خذوا عني مناسككم } إلى غير ذلك من النصوص الدالة على وجوب الاقتداء برسول الله دون سواه.
رابعاً: أن العبادة محدودة بمواقيت ومقادير لا يجوز تعديها وتجاوزها
كالصلاة مثلاً، قال تعالى: إن الصّلاةَ كانَتَ على المُؤمِنِينَ كِتاباً مَوقُوتاً [النساء:103]. وكالحج، قال تعالى: الحَجُ أشهُرٌ مَعلومَاتٌ [البقرة:197]. وكالصوم، قال تعالى: شََهرُ رمَضَانَ الّذي أنزلَ فيهِ القُرءَانُ هُدًى للنّاسِ وبَيناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقان فَمنَ شَهدَ مِنكُمُ الشَهرَ فليَصُمهُ [البقرة:185]. فلا تصح هذه العبادات في غير مواقيتها.
خامساً: لابد أن تكون العبادة قائمة على محبة الله تعالى، والذل له، وخوفه ورجائه
قال تعالى: أولئِكَ الّذِينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إلى رَبِهِمُ الوَسِيلَةَ أيّهُم أقرَبُ وَيَرجُونَ رَحمَتَهُ ويًخافُونَ عَذابَهُ [الإسراء:57]. وقال تعالى عن أنبيائه: إنّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ في الخَيَراتِ ويَدَعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وكانُوا لنا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]. وقال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:32،31].
فذكر سبحانه علامات محبة الله وثمراتها.
أما علاماتها: فاتباع الرسول وطاعة الله، وطاعة الرسول.
أما ثمراتها: فنيل محبة الله سبحانه ومغفرة الذنوب، والرحمة منه سبحانه وتعالى.
سادساً: أن العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه عاقلاً إلى وفاته
قال تعالى: وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وقال: واعَبدَ ربَكَ حتَى يأتِيك الَيقِين [الحجر:99].
انواع العبادة
والعبادة لها أنواع كثيرة فهي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
فالصلاة والزكاة والصيام والحج من أعظم أنواع العبادة وهي أركان الإسلام، وكذلك الصفات الحميدة، والأخلاق الفاضلة هي من أنواع العبادة، كصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهد، والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد والإحسان إلى الجار واليتيم، والمسكين والمماليك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأعمال القلوب من حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه، فالدين كله داخل في العبادة، وأعظم أنواع العبادة أداء ما فرضه الله وتجنب ما حرمه الله تعالى، قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: { وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه }.
اداء الفرائض افضل الاعمال
فأداء الفرائض أفضل الأعمال كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أفضل الأعمال أداء ما افترض الله، والورع عما حرم الله وصدق الرغبة فيما عند الله )، وذلك أن الله تعالى إنما افترض على عبده الفرائض ليقربهم عنده، ويوجد لهم رضوانه ورحمته، وأعظم فرائض البدن التي تقرب إليه الصلاة كما قال تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، وقال النبي : { أقرب ما يكون العبد من ربه هو ساجد }.
وقال: { إذا كان أحدكم يصلي فإنما يناجي ربه }، ولكن هذه الصلاة خف ميزانها اليوم عند كثير من الناس كما قال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً [مريم:60،59].
والعجب أن بعضهم يأتي ببعض النوافل أو كثير منها، وهو مضيع للصلاة فتراه يحج ويعتمر وهو مضيع للصلاة، ومنهم من يكثر من الصدقات والتبرعات وهو لا يؤدي الزكاة المفروضة، ومنهم من يحسن أخلاقه مع الناس وهو عاق لوالديه قاطع لرحمه سيء الخلق مع زوجه، ولاشك أن العدل في الرعية من الفرائض الواجبة سواء كانت رعيته رعية عامة كالحاكم أو رعية خاصة كالرجل مع أهل بيته، قال : { كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته }، وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: { إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا }.
معنى العبادة الشامل
وبعد أن تقرر أن العبادة هي الوظيفة الأولى والأساسية للإنسان في هذه الحياة بأتي تقرير معنى العبادة التي شرعها الله لنا ، وتحديد مجالاتها وصفاتها. ذلك أن العبادة ليست في حياة الإنسان أمراً هامشياً ، أو قضية ثانوية ، بل إنها هي المبدأ الأول لوجوده ، والغاية الأصلية لحياته. وقد ساد بين الناس مفاهيم خاطئة للعبادة ، صرفت عقولهم وقلوبهم وأعمالهم عن هذه الوظيفة التشريفية التي خلق الله الإنسان من أجلها ، وسخر له كل شيء في نفسه وفي الكون حوله ، ليقوم بها وفق أمر خالقه ، وعند تأمل القرآن الكريم والسنة النبوية وما تحويه من أخبار وأوامر ونواهي ووعد ووعيد ، نجد أنها كلها تدور حول تقرير ألوهية الله – سبحانه وتعالى – وعبودية الإنسان له.
إن عباد الله حقاً هم الذين يعمرون بيوتهم بطاعة الله، ويربون أولادهم ونساءهم على عبادة الله والذّينَ يَبِيتُونَ لِرَبّهِم سُجّداً وقَياماً (64) والذّينَ يَََقُولُونَ رَبّنَا اصرِفَ عَنّا عَذَابَ جَهَنّمَ إن عَذابَها كَانَ غَرَاماً (65) إنّها سَاءَت مستَقَراً ومُقَاماَ [الفرقان:64-66]. إن عباد الله هم الذين يدعون الله أن يصلح أزواجهم وذريتهم والذّينَ يَقُولُون رَبّنا هِبَ لنا مِن أزوَاجِنَا وذُرِيَاتنَا قُرّة أعيّن واجَعَلنَا للمُتَقِين إمَامَا [الفرقان:74]. إن العبادة لا تنحصر في حد ضيق، ولكنها تشمل كل ما شرعه الله من الأقوال والأعمال والنيات فهي تشمل أقوال اللسان، وحركات الجوارح، ومقاصد القلوب، بل تشكل كل حياة المسلم حتى أكله وشربه ونومه، إذا نوى بذلك التقوى على طاعة الله بل حتى معاشرته لزوجته إذا نوى بها التعفف عن الحرام. كما قال النبي : { إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة }. قالوا: يارسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: { أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزره فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر }.
وفي حديث أبي هريرة عن النبي قال: { كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته صدقة فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعة صدقة والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة } [رواه البخاري ومسلم].
وبهذا المعنى الشامل ، فهم السلف الصالح عبادة الإنسان فرداً كان أو جماعة .
وقد لخص العلماء هذا المعنى الشامل للعبادة فقالوا هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. وبهذا التعريف الجامع لا يمكن أن يخرج أي شيء من نشاطات الإنسان و أعماله، سواء كان في ذلك العبادات المحضة ، أو في المعاملات المشروعة ، أو في العاديات التي طبع الإنسان على فعلها. أما في العبادات والمعاملات المشروعة فإنها مما يحبه الله ويرضاه ، وهذا أمره الشرعي الدائر بين الأحكام الخمسة التي اصطلح عليها الفقهاء . أما في العاديات فالذي لم يحد منها بأوامر الشرع ، ولم يقيد بأحكامه على وجه الخصوص ، فإنه لا يخرج عن كونه داخلاً تحت عمومات الشرع باعتبار عبودية الإنسان في كل أحواله لله سبحانه.
و إن كان ينبغي لنا هنا الإشارة في العبادات المحضة المنع ،حتى يرد ما يدل على مشروعيتها ، وأن أصل العادات العفو حتى يرد ما يدل على منعها ، وذلك مبنى على ( أن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان : عبادات يصلح بها دينهم ، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم ) . فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله ، أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع. و أما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه ، والأصل فيه عدم الحظر ،فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى . وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله ، والعبادة لا بد أن تكون مأموراً بها ، فما لم يثبت أنه مأمور به ، كيف يحكم عليه بأنه عبادة ؟!. ومالم يثبت من العبادات أنه منهي عنه ، كيف يحكم عليه بأنه محظور ؟! .
العادات تتحول لعبادات
والعادات الأصل فيها العفو ، فلا يحظر منها إلا ما حرم. وهذا التقسيم في الحظر والإباحة لا يخرج شيئاً من أفعال الإنسان العادية من دائرة العبادة لله فكما قال ابن حجر ( ... المباحات يؤجر عليها بالنية إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة ، أو المندوبة أو تكميلاً لشيء منهما ) . وقال النووي في شرحه لحديث :" وفي بضع أحدكم صدقة " ، " وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات ".
فالدين على ذلك كله داخل في العبادة ، والدين منهج الله جاء ليسع الحياة كلها ، وينظم جميع أمورها من أدب الأكل والشرب ، وقضاء الحاجة ، إلى بناء الدولة ، وسياسة الحكم ، وسياسة المال ، وشؤون المعاملات ، والعقوبات وأصول العلاقات الدولية في السلم والحرب ...
إن الشعائر التعبدية من صلاة وصوم ، وزكاة لها أهميتها ، ومكانتها، ولكنها ليست العبادة كلها بل هي جزء من العبادة التي يريدها الله تعالى .
إن مقتضي العبادة المطالب بها الإنسان ، أن يجعل المسلم أقواله وافعاله وتصرفاته وسلوكه وعلاقاته مع الناس ، وفق المناهج والأوضاع التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ، يفعل ذلك طاعة لله واستسلاماً لأمره .... ) .
ادلة من القرآن والحديث
والدليل على هذا المفهوم الشامل للعبادة ، من الكتاب والسنة وفعل الصحابة رضوان الله عليهم :
فأما من القرآن الكريم فقوله – تعالى :
( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .
( وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) .
( فل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) لا شريك له وبذلك أمرت و أنا أول المسلمين ) .
( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) .
ومن السنة أحاديث كثيرة ، بعضها في عموم العادات بدون تخصيص ، وبعضها الآخر في أفراد السلوك العادي ، وفي هذا الأخير دليل وتنبيه على المعنى العام المقصود إثباته هنا .... فمن ذلك:
· قوله – صلى الله عليه وسلم :" خير الكسب كسب يد العامل ".
· وقوله – صلى الله عليه وسلم :" خيركم من أطعم الطعام ورد السلام ".

· وقوله – صلى الله عليه وسلم :" إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقه ، وهو يحتسبها كانت له صدقة ".
· وأيضاً ما رواه أحمد من حديث عمرو بن أمية الضمري ، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :" ما أعطى الرجل إمرأته فهو صدقة ".
· ومثله قوله – صلى الله عليه وسلم :" ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة ، وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ".
· وبمعناه قوله – صلى الله عليه وسلم :" كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم".
· وبمعناه في مسلم من حديث ابي هريرة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم :" دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا ًالذي أنفقته على أهلك ".
· وفي المسند من حديث جابر قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : " من غرس غرساً فأكل منه إنسان أو طير أو سبع أو دابة فهو له صدقة ".
· وفيه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من من رجل يغرس غرساً إلا كتب الله عز وجل له من الاجر ، قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغراس ".
· وبمعناهما قوله – صلى الله عليه وسلم :" من غرس غرساً لم يأكل منه آدمي ولا خلق من خلق الله غلا كان له صدقة ".
· وعن جابر – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كل معروف صدقة ، وإن من المعروف أن تلقي أخاك ووجهك إليه منبسط , و أن تصب من دلوك في إناء جارك ".
· وقوله – صلى الله عليه وسلم : " دخلت إمرأة النار في هرة ، ربطتها فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت ".
وأما الاستدلال على عموم العبادة وشمولها لحياة الإنسان بفعل السلف وفهمهم .. ففيما رواه البخاري في صحيحه أن أبي بردة في قصة بعث ابي موسى ومعاذ إلى اليمن ، وفي آخره وقال أبو موسى لمعاذ : فكيف تقرأ أنت يا معاذ ؟ قال ( أنام أول الليل فاقوم وقد قضيت جزئي من النوم ، فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ) .
وفي لفظ آخر أن معاذاً قال : ( ... أما أنا فأقوم و أنام ، و أرجو في نومتي ما أرجو في قومتي ) .
قال ابن حجر : ( ومعناه أن يطلب الثواب في الراحة ، كما يطلبه في التعب " .
و"وأنه يرجو الأجر في ترويح نفسه بالنوم ... وأن المباحات يؤجر عليها بالنية ...".