تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من الأندلس إلى العراق:هل التاريخ يُعيد نفسه؟



أحمد الظرافي
01-13-2009, 11:22 PM
من الأندلس إلى العراق:هل التاريخ يُعيد نفسه؟



في عام897هـ- 1492 سقطت غرناطة، آخر معاقل المسلمين في الأندلس، وغادرها ملكها المخلوع أبو عبد الله الصغير، باكيا حزينا جريح الفؤاد إلى غير رجعة، تاركا خلفه مئات الآلاف من المسلمين لمصيرهم المجهول، تحت رحمة ملوك الأسبان النصارى، الذين انتهى إليهم الجنوب الأندلسي كله، بموجب معاهدة استسلام مكونة من 60 بندا، قضت بتأمين المسلمين في أنفسهم وأموالهم واحترام دينهم وشعائرهم ومساجدهم، ولغتهم وتراثهم وعاداتهم، وجميع حقوقهم ..

مرسوم بتنصير المسلمين
ولكن – مع ذلك – سرعان ما كشف الأسبان عن خبثهم وأنانيتهم وسوء طويتهم، وبدؤوا مسلسل الغدر المبيت برعاياهم المسلمين المعاهدَين، فاستطالوا عليهم، ولم يذكروا إلا ولا ذمة " قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر " ( آل عمران:118).
وفي عام 1501 أصدر الملك الغادر فرناندو وزوجته الملكة المتعصبة إيزابيلا، مرسوما ملكيا يقضي بضرورة تنصير المسلمين، فحاول بعض مسلمي غرناطة المقاومة والتصدي لهذا المشروع الخطير، فسُحق المعارضون بشدة، وتم إعدام مائتين من علماء المسلمين حرقاً في الساحة الرئيسة حتى يكونوا عبرة لغيرهم. وفرض التنصير على عموم من بقي من المسلمين فرضا، وأغلقت مساجدهم، وحولت إلى كنائس، وجمعت كتبهم ومصاحفهم وأحرقت أمام الملأ، وتم تجريدهم من سلاحهم، وأجبروا على تغيير أسمائهم العربية إلى أسماء نصرانية.. وصدق الله العظيم " كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ" [التوبة 8-9].
وأطلق الأسبان على تلك الطائفة المسلمة التي غلبت على أمرها، منذ ذلك التاريخ اسم الموريسكيين (Moriscos) ومعناه الأندلسيين القادمين من المغرب العربي والساكنين في أسبانيا. وحظر على هؤلاء الموريسكيين كل شيء له علاقة بالإسلام والعروبة، فحظروا عليهم التخاطب أو الكتابة بالعربية، وحظروا عليهم استعمال الأسماء والألقاب العربية. وحظروا عليهم ارتداء الثياب العربية الإسلامية، وحظروا التحجب على نسائهم، وأجبروهن على السفور.. وحظروا عليهم حمل السلاح أو حيازته، وقد عنيت السياسة الأسبانية منذ البداية بتجريد الموريسكيين من السلاح، حتى يسهل القضاء عليهم وسحقهم، دون أن يجدوا ما يدفعون به عن أنفسهم، وألزموا بدفع أنواع كثيرة من الضرائب التي لم يخضع لها النصارى، وأجبروا على تغيير أسمائهم العربية إلى أسماء نصرانية. وحظروا عليهم الاغتسال من الجنابة، وحظروا عليهم استعمال الحمامات وأمروهم بهدم المقامة منها، سواء كانت عامة أم خاصة.وحظروا عليهم إقامة الحفلات على الطريقة الإسلامية، وأن تجرى الحفلات طبقا لعرف النصارى والكنيسة الكاثوليكية.وحظروا عليهم إغلاق المنازل أثناء الاحتفال وفي أيام الجمع وأيام الأعياد، والزموهم بإبقائها مفتوحة ليستطيع القسس ورجال السلطة أن يروا ما يقع في داخلها من المظاهر والرسوم المحرمة( أي الإسلامية ).. وحظروا عليهم قائمة طويلة من الأشياء يصعب استقصاؤها." وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد "

وحشية محاكم التفتيش
ثم جاءت ثالثة الأثافي، وأم البلاوي، محاكم التفتيش الكنسية، فقد سلطوها عليهم بوحشيتها وهمجيتها، وفظاعتها التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا. فألفت في هذه الفئة المستضعفة أخصب ميدان لنشاطها، فأخضعتهم لرقابتها الدائمة، فصادرت أموالهم، وانتهكت أعراضهم، وسامتهم سوء العذاب.وأقامت لهم المحارق الجماعية، وامتلأت منهم سجونها المظلمة والعفنة، وتفننت في أساليب تعذيبهم وإرهاقهم جسديا ومعنويا، وكانت تنظر لهم كعنصر دخيل وكورم خبيث ينبغي استئصاله. وقامت في إرهاقهم وإبادتهم بأعظم دور، وتركت في مأساتهم أعمق الأثر، وأسبغت عليها صبغتها الأليمة المفجعة.
ومن الأساليب الوحشية التي كانت تتبعها محاكم التفتيش في تعذيب المسلمين: الجلد علنا, والكي بالنار، وحرق الأقدام بالفحم المشتعل, وربط أطراف المتهم في إطار مثلث الشكل, والتجويع التدريجي، وتعذيب الأسياخ المحمية للبطن والعجز، وسحق العظام بالآت ضاغطة، وتمزيق الأرجل وفسخ الفك وغيرها من الوسائل الهمجية المثيرة.
وكان من صلاحيات محاكم التفتيش القبض على الأبرياء دون حرج، ومطاردتهم، لأدنى شبهة وتقديمهم للتحقيق والتعذيب والمحاكمة، دونما حاجة لتوافر البيّنة أو الأدلة القاطعة، واقتحام منازلهم للتفتيش فيها على مصحف مخبأ أو أي أثر من شعائر المسلمين مع استجواب الأطفال وسؤالهم إن كانوا يرون آباءهم أو أمهاتهم يصلون أو يقرؤون القرآن، وكان إحراز الكتب والأوراق العربية ولاسيما القرآن الكريم، يعتبر في نظر المحققين من أقوى الأدلة على الردة، ويعرض المتهم لأقسى أنواع العذاب والعقاب. وتابعوهم متابعة دقيقة، حتى إنهم كانوا يفتشون عن عورة الصبي، أو الرجل فإن وجدوه مختونا علموا أنه مسلم، فبطشوا بأهله وبزوجته وبأبنائه بأشد أنواع البطش والفتك. وكان بعض المحققين في بعض الأحيان يقرون اغتصاب البنات والزوجات وغير ذلك من وسائل الضغط والظلم الفظيع الذي يجري باسم التحقيق المقدس وبماركته وفي ظله.
وكانت دستور محاكم التفتيش يجيز محاكمة الموتى والغائبين، وتصدر الأحكام في حقهم، وتوقع العقوبات عليهم وتصادر أموالهم، وتعمل لهم تماثيل تنفذ فيها عقوبة الحرق، أو تنبش قبورهم وتستخرج رفاتهم، لتحرق كما يحرق الأحياء.وكان يشترط في المحققين في هذه المحاكم أن يكونوا متقدين حماسة لسحق طائفة محمد. وأن يتمتعوا بقلوبٍ متحجرة وأفئدة قاسية بحيث لا تضعف أمام التوسلات والتضرعات التي يظهرها بعض المتهمين بالهرطقة.

من الاستكانة إلى الثورة الشاملة
وطوال سبعين عاما عجافا نحسات، ورغم المصائب التي أصابتهم والنكبات التي أوقعتها بهم محاكم التفتيش فقد ظل الموريسكيون قابضين على دينهم مثل القابض على الجمرة، حتى أتي الملك فيليب (1555-1598 )، فكان عهده بحق كابوسا مرعبا بالنسبة للموريسكيين، وفيه تم تجديد وتعزيز معظم القوانين المجحفة التي صدرت في عهد أسلافه، وأظهر هذا الملك إصرارا منقطع النظير على وضع كل تلك القوانين دفعة واحدة، موضع التنفيذ، وبشكل حازم وجازم وشديد الصرامة ودون أية هوادة فيها أو رحمة. وقد تم الإشعار بذلك في أول يناير1567وهو اليوم الذي سقطت فيه غرناطة، واتخذته أسبانيا عيدا قوميا لها تحتفل به كل عام.
وفي غضون ذلك بلغ اليأس بالموريسكيين في غرناطة ذروته، ولم يعد بمقدورهم الصبر على الظلم الفادح، وما يلقونه من الحيف والجور، فتذامروا وتداعوا إلى الثورة والمقاومة ذبا عن دينهم وأنفسهم وكرامتهم، إزاء هذا العسف والتعنت المضني، الذي لم يُعرف له مثيل. ونشبت الثورة في غرناطة في ليلة عيد الميلاد، ديسمبر1568، واضطرمت في أنحاء منطقة البشرات، ووثبت الجموع المسلحة من الموريسكيين الثوار على الحاميات الأسبانية وعلى النصارى القاطنين بين أظهرهم ففتكوا بهم ومزقوهم شر ممزق. وصبوا جام غضبهم بصفة خاصة على القسس لكونهم سبب بلائهم ومصائبهم، وما لبث أن عم لهيب الثورة معظم أنحاء الأندلس، ودوت بصيحة الحرب القديمة، وأعلن الموريسكيون استقلالهم، واستعدوا لخوض معركة الحياة والموت، واختاروا فتى وسيما نبيل المحتد في سن العشرين من أهل البيازين يدعى الدون فرناندو دي كردوبا فالور أميرا لهم، وكان هذا الفتى في الواقع من بقايا أحفاد ملوك بني أمية الذين سطعت في ظلهم الدولة الإسلامية في الأندلس، وهرعت الوفود والجموع من كل ناحية، إلى معسكره في الجبال، واحتفل الموريسكيون بتتويجة في 29ديسمبر1568 في احتفال بسيط مؤثر، فرشت فيه على الأرض أعلام إسلامية ذات أهلّة، فصلى عليها الأمير متجها نحو مكة، وأقسم الأمير أن يموت في سبيل دينه وأمته، وتسمى باسم ملوكي عربي هو محمد بن أمية صاحب الأندلس وغرناطة.وتسامع المسلمون وراء البحار بهذه الثورة فهرعت إلى نصرة المنكوبين، ونجدتهم جموع مجاهدة جريئة من بلدان المغرب العربي – ووفدت معهم فرقة من المجاهدين الترك – وهذه الجموع خاطرت بنفسها وعبرت البحر إلى الشواطئ الأسبانية.
وبمقدم هؤلاء تفاقمت الثورة وتعاظم شأنها، فجرد الأسبان الحملة تلو الحملة للقضاء عليها فلم يستطيعوا، ومني الطرفان بخسائر فادحة في الأرواح وفتك الأسبان بالنساء والأطفال فتكا ذريعا. وهدموا مدن الموريسكيين فوق رءوس أهلها ، لإجبار الثوار على وضع السلاح. بيد أن حملاتهم الطائشة تلك فشلت في تحقيق أهدافها، وتراخت قبضة الأسبان على جنوب الأندلس نتيجة لضربات الثوار، وأدى ذلك إلى ضجة كبيرة في مدريد، كما سادت أجواء الذعر الشديد في بلاط الملك فيليب من أمكانية وصول القوات العثمانية النظامية وأسطولها، وتدخلها في الحرب لصالح الموريسكيين، وأثناء حوار مع الرسول البابوي، أعلن المسئولون الأسبان أنه إذا حصل تدخل من جانب العثمانيين، فإن أسبانيا قد تسقط في أيدي المسلمين. وأرسلت مدريد أفضل وحدات الجيش الإسباني بقيادة دون خوان النمساوي ( 1547-1578) أبناء عم الملك، لقمع الانتفاضة وإخمادها بأسرع ما يمكن، قبل أن يتمكن السلطان العثماني من جمع قواته.

بداية الفرز
وبرغم ذلك رأت السلطات الأسبانية أن الحل العسكري غير ناجع بمفرده للقضاء على الثورة - وهو ما ثبت بالفعل بعد ذلك- ولذا فقد لجأت بجانبه إلى السياسة والدهاء والحيلة، فقسموا المجتمع الموريسكي إلى قسمين: فئة الموريسكيين المحاربين: وهم الذين حملوا السلاح وقاموا بالثورة دفاعا عن دينهم وأنفسهم وأعراضهم. وفئة الموريسكيين المسالمين: وهم الذين لم يحملوا السلاح، ولم يشتركوا في الثورة وفضلوا البقاء على ما هم عليه من مهانةٍ وخضوع ومن حياةٍ ذليلة تعيسة.
كما قسموا فئة المحاربين إلى مواطنين يجوز للحكومة التفاهم معهم، وإلى غرباء طرّاء لا يجوز التفاهم معهم. ويجب طردهم. وعلى هذه الأوتار الحساسة بدؤوا يعزفون.فجاءوا بزعماء ممن سموهم "الموريسكيين المسالمين" ودفعوا بهم للذهاب إلى الثوار ليدعوهم إلى إلقاء السلاح، وليناشدوهم وقف الحرب وليحبذوا لهم التفاهم مع الحكومة، وانبرى أحد هؤلاء الزعماء " المسالمين" واسمه الدون ألونسوا فنيجاس، وهو عربي أجبر على تغيير اسمه ودينه وهويته، فكتب إلى محمد بن أمية يعاتبه، ويتهمه بمجانبة العقل والحزم وتعريض أمته للهلاك.. وهذا في الواقع ما يفلح فيه القاعدون والمتخاذلون دوما، التنظير، والانحناء للأعداء ليركبوا على ظهورهم وليجعلوا منها مطايا للضغط على إخوانهم، وللتشويش على جهادهم، والإيقاع بينهم. وهل هناك هلاكا أشد مما كان فيه أولئك الثوار؟ وماذا عساهم أن يخسروا أكثر مما قد خسروا؟ وأين كان هذا الدون فنيجاس وغيره من الزعماء ممن برزوا دعاة للسلام والمصالحة، أين كانوا عندما كان هؤلاء المستضعفون يُطحنون تحت رحى محاكم التفتيش؟
والمهم أن تدخل هؤلاء " المسالمين" المشبوهين، - وإن رفض في بداية الأمر - إلا أنه كان مقدمة لسوء التفاهم بين الأمير محمد بن أمية، والمتطوعين الترك والمغاربة. لقبول الأول بالتفاهم، ولرفضه من قبل المتطوعين وكثير من الموريسكيين، فظل أولئك الزعماء "المسالمين" يضغطون على أعصاب محمد بن أمية، ويمنونه ويعدونه الوعود على لسان أسيادهم النصارى، ويحرضونه في السر على طرد الترك والمغاربة حتى يتحقق التفاهم مع الحكومة ويفوز بشروط أفضل، باعتبار أن هؤلاء دخلاء وافدين على الأندلس، وليسوا مواطنين أسبان مثلهم.. ومما لاشك فيه أن هؤلاء الزعماء " المسالمين" لم يكونوا يتحركون، من تلقاء أنفسهم، وخوفا على مصالح الجماعة كما كانوا يزعمون، بل الأكيد أن الأصابع السياسية الأسبانية، هي التي كانت تحركهم وتوجه مسارهم، طبقا لخططها وأهدافها الشريرة. وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء عملاء للحكومة الأسبانية، بل أنهم قد يندفعون في خطتها تلك بسبب نزعة الخوف التي في قلوبهم منها أو حبا للظهور، أو لنفي تهم السلبية عن أنفسهم، أو ليقال عنهم أنهم مسالمون أو معتدلون، أو لأي مصلحة دنيوية أخرى. ومن الطبيعي أن يتقمص هؤلاء وأشباههم- أيا كانت دوافعهم أو نواياهم- دور الحكماء والمصلحين، وأن يتشدقوا باسم السلام والمصلحة العامة، وباسم الأمن والاستقرار، حتى يبرروا جبنهم وتخاذلهم، وليمرروا سوء أفعالهم وتصرفاتهم، وحتى يلبسوا على الناس أمرهم الواضح الجلي، ويغرروا بهم ويشككوهم في أنفسهم، وحتى ينخدع بقولهم قليلو الفهم أو عديمو الخبرة. والمهم أن سوء التفاهم أخذ يتضخم شيئا فشيئا، ولم تنته هذه المسألة إلا بحادثٍ دمويٍ مؤسفٍ وهو مقتل الأمير محمد بن أمية زعيم الثوار على يد المتطوعين الترك، نتيجة لمكيدة دبرت بليلٍ وأوقعت بينهم وبينه.

المرجفون وفشل الثورة
ولكن بالرغم من هذا الحادث المؤسف فقد وقى الله الثوار المسلمين الفتنة التي كان يسعى إليها الأسبان، من خلال إزلامهم " المسالمين" فقد كان الثوار الموريسكيون يثقون بالمتطوعين الترك والمغاربة ويقدرون لهم هبتهم لنجدتهم، وتم طي هذه الصفحة بسرعة، وأجتمع الزعماء في الحال، واختاروا ملكا جديدا هو ابن عم الملك القتيل فتسمى بمولاي عبد الله محمد. وكان هذا الأمير أكثر فطنة وروية وتدبرا، فحمل الجميع على احترامه، وشغل حينا بتنظيم الجيش واستقدم السلاح والذخيرة من ثغور المغرب، وألتف حوله جيشا مدربا قوامه زهاء عشرة آلاف مقاتل، بمن فيهم المتطوعون المغاربة والترك.
ولكن مع ذلك لم يستكين الأسبان ولم يهدأ لهم بال. ومع حربهم الشعواء على الثورة وضربهم لها بيد من حديد وبشكل متواصلٍ، فقد ظلوا في الوقت ذاته يراهنون على أولئك الزعماء "المسالمين" في شق العصى بين الثوار، وفي القضاء على الثورة. وظل هؤلاء الزعماء " المسالمون" يواصلون الإرجاف، ويضغطون على الثوار، ويشوشون على جهادهم، ويخذلونهم ويشيعون في أنفسهم اليأس والهزيمة. ويروجون بينهم للمشاريع الاستسلامية الوهمية- كما يحدث اليوم مع السلطة الفلسطينية – كل ذلك والنصارى الأسبان يتفرجون لهم مسرورين، وينظرون إلى حماستهم فيبتسمون، وأرسل الدون فنيجاس لأبي عبد الله زعيم الثوار رسالة كتلك التي أرسلها من قبل للأمير القتيل محمد بن أميه، ولكن لم يكن لها أي صدى لدى أبي عبد الله. ولكن جانب الثوار لم يكن يخلو من طامحين، ومن هم مستعدون من القادة والزعماء لبيع أنفسهم وللتضحية بالمبادئ، مقابل تحقيق مصالحهم الشخصية، وهذا ما حدث بالفعل، فقد استطاع الأسبان استمالة أحد القادة الميدانيين واسمه ( الحبقي )، مقابل بعض الإغراءات والتسهيلات التي لوحوا بها له، فأنشق عن الثوار بمن كان معه، وأعلن وأياهم ، الاستسلام للسلطات الأسبانية، بعد مفاوضات سرية مع وفدها، وكان لذلك أثر خطير على معنويات الثوار.
وفي ظل المصاعب الجسام التي كانت تواجهها الثورة، وتجهم الأجواء أمامها، وافتقادها للدعم الخارجي، وما كان فيه الثوار وذويهم من متاعب ومجاعة وسوء حال، فقد استجاب لدعوة أولئك الزعماء" المسالمين" الآلاف تلو الآلاف، فكان الثوار ينقصون ولا يزيدون، ويفت في عضدهم انفضاض إخوانهم من حولهم وتخليهم عنهم ..وشيئا فشيئا أصبح المنخرطون في سلك الثورة أقلية يحاصرهم الجيش الأسباني في الجبال، ويطاردهم في كل مكان، وتلاحقهم سراياه أينما ذهبوا، ويتتبع آثارهم جيش من الجواسيس والخونة، وصاروا وجبة دسمة للوشاة والعيون، ممن كانوا بالأمس أعوانهم وأنصارهم.
وفي نهاية المطاف – ومع وجود أسباب أخرى- فشلت الثورة وسهل القضاء على بقية الثوار، بعد حوالي عامين من بداية الثورة، وبعد الآلاف من الشهداء وأضعاف أضعافهم من الجرحى والأسرى.. وبعدها لم يتحركوا قط ولم تقم للإسلام والمسلمين قائمة في هذه البلاد، وانتهى أمرهما تماما.. فيا ترى ماذا استفاد أولئك " المسالمون" غير الخزي والعار؟ وماذا قدموا لأمتهم سوى الموت والدمار؟ وهل أغنوا عن مجتمعهم شيئا أم أنهم فقط أفادوا أعداءهم؟ وهل أفادهم ثناء الكفار عليهم أو أفاد دينهم وأمتهم في شيء؟
فتأملوا يا أولي الأبصار. تأملوا كيف يجني القاعدون والمتخاذلون على الجهاد والمجاهدين؟ وانظروا أي دور يلعبون في الحرب على دين الله وفي التمكين لأعداء الله؟

ما أشبه الليلة بالبارحة
وهؤلاء " المسالمين" رأينا من أمثالهم وأشباههم، الكثير والكثير فقد تكرر ظهورهم مرات ومرات في تاريخنا الإسلامي، المتوسط والحديث والمعاصر، وإن بأسماء مختلفة، وتحت عناوين شتى، فرأينا مثلهم في ثورة عمر المختار، وفي ثورة الإمام محمد بن عبد الوهاب ورأيناهم في معركة جرزوني عام 2000، وفي معركة سراييفو عام 1995، وفي معركة الفلوجة عام 2004. ولا زلنا نراهم في كل يوم سواء في العراق، أو أفغانستان أو فلسطين.
فهؤلاء هم الداء العضال بالنسبة للمجاهدين، وهم من أسباب البلاء الذي تعاني منه أمة الإسلام. ثم أليس نفس هذا هو ما يحدث اليوم في العراق المحتل الجريح، الذي تكالب على أهله الشرفاء الصليبيون الأشرار والروافض اللئام؟ - طبعا مع الفارق- فما المشاركة السياسية؟ وما الانتخابات النيابية؟ وما المجالس المحلية؟ وما الصحوات العشائرية؟ وما الحزب الإسلامي؟ وما جبهة التوافق؟ إلا مشاريع مشبوهة للتمكين للاحتلال الأجنبي في أرض العراق، وما هي إلا خناجر مشرعة لطعن المجاهدين في ظهورهم وبطونهم..فيا أيها المخدوعون المدجنون، ويا أيها المغرر بهم، استفيقوا قبل فوات الأوان ..فلن يلحقكم من وراء هؤلاء الأذناب سوى البوار والوبال والخسران، أوليس أمثال هؤلاء من قالوا أنهم يريدون إنقاذ الفلوجة؟ فأين هي الفلوجة؟ أوليس أمثال هؤلاء قالوا أنهم يريدون إنقاذ بغداد من التشيع؟ فانظروا ماذا حل ببغداد وكيف اكتسح أحياءها الشيعة؟ أوليس أمثال هؤلاء من قالوا أن هدفهم هو الخير لأهل السنة؟ فكيف هو حال أهل السنة اليوم؟ وهل استطاعوا أن يحموا أنفسهم حتى يحموا غيرهم؟ فحذار منهم ثم حذار، فهؤلاء أعداؤكم وأعداء أنفسهم " قاتلهم الله أنى يؤفكون". وعلموا أن الصليبيين والرافضة فئتان خبيثتان وكلاهما أنجس من بعض، ولا يجمع بينهما سوى الحقد على أهل التوحيد، وكل منهما لا أمان له ولا عهد..
وإذا كان الأسبان قد أصدروا قديما المراسيم الملكية بتنصير المسلمين في الأندلس، وصادروا أموالهم، فالرافضة قد آلوا على أنفسهم تشييع بغداد..وسامراء وموصل وكل بلاد العراق.. والأمريكيون قد بيتوا تأميم ومصادرة نفطكم، نفط كركوك لصالحهم. مقابل تأميم نفط البصرة لصالح الرافضة.
وإذا كان الأسبان قد حظروا على المسلمين تغيير أسمائهم العربية، وقتلوا كل من استمر على اسمه العربي فهاهم الرافضة يذبحون كل من اسمه عمر أو أبو بكر أو عثمان أو زبير أو طلحة أو معاوية أو يزيد، وينتهكون عرض كل إمرأة حرة أبية اسمها عائشة أو حفصة أو هند، والأمريكيون يشجعون ويؤيدون، فهم مثلهم " تشابهت قلوبهم" وهم من نفس طينتهم وعجينتهم.
وهل تختلف أساليب تعذيب محاكم التفتيش الأسبانية عما حدث في أبي غريب وبوكا وفي أقبية السجون السرية التابعة لحكومة الرافضة في المنطقة الخضراء..
أفيقوا يا قوم، فوالله لا خلاص لكم من الصليبيين والرافضة سوى بالجهاد فقط؟ ونعم " الإسلام هو الحل" ولكن ليس بالكلام والشعارات ولكن بالجهاد. وخسئ القائلون " الإسلام هو الحل" وهم قاعدون مع الخوالف.
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد..

منير الليل
01-14-2009, 01:55 AM
جزاك الله خيرا....

أما آن لنا أن نستيقظ من غفلتنا...

أما آن أن ننهض ونرتقي..

لسنا إلا تابعين..

أسأل الله أن يغيّر حالنا إلى أحسن حال..

احمد عبد العزيز محمد
07-09-2009, 04:40 PM
اللهم انصر الاسلام والمسلمين