تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : زعماء العرب بين جاسوستين يهوديتين



مقاوم
01-10-2009, 05:01 PM
زعماء العرب بين جاسوستين يهوديتين
د. محمد الأحمري


منذ زمن وجدت على رف إحدى المكتبات مذكرات جولدا مائير: "حياتي"، بدأت أتصفح الكتاب، وما كدت أصدق بصري وهي تذكر زيارتها لملك الأردن آنذاك عبد الله بن الحسين، في أزمة حرب 1947-1948م، من ذلك ما تحدثت به عن رحلتها بسيارة الجيب عبر الجبهة، إذ لبست ملابس إمرأة عربية بين يهوديين متعربين، واخترقت الجيش العربي، وأعرض عنها الجنود العرب تقديرا لاحترام العرب للمرأة، ثم قصة لقائها مع الملك عبد الله في البيت الذي لقيته سرا فيه، وأخبار ربة البيت والمطبخ وخلافه، الطريف أنها استوثقت منه أن لا يكون غره تكاثر الجيوش العربية بجواره، فتغير موقفه، وينقض وعده السابق لها، وينضم إلى الموقف العربي، ولكنه كما تقول أكد لها وفاءه لها، وعدم نقظه لما وعدها، لأنه عربي لا يخيس بعهده، ولأنه قطع العهد لامرأة، ولسبب ثالث من هذا القبيل نسيته، فليست لدي المذكرات الآن، والكتاب متوفر من منشورات دار الجليل. (قُتل الملك عبد الله بيد أحد الفلسطينيين انتقاما 1951م)

ثم كانت هناك مناقشات عن حفيد الملك عبد الله، أي الملك حسين، وعلاقته بجولدا، والزعم أنه أخبرها بحرب 1973م، وقد خرج أخيرا كتابان مهمان عن الملك حسين، أولهما لقي اهتماما في الأردن، ونشرت بعض الصحف العربية أطرافا منه، وهو كتاب ألفه: "آفي شلايم" عن الملك حسين: (أسد الأردن، حياة الملك حسين في الحرب والسلام)، ولعله في الطريق للنشر بالعربية، ثم كتاب نايجل أشتون (ملك الأردن حسين، حياة سياسية)، ثم أخيرا كتاب معرب لـ"إفرائيم هاليفي"، رئيس الموساد السابق، بعنوان: "رجل في الظلال"، وفيه يسوق قصة طريفة للملك حسين مع شامير رئيس وزراء الصهاينة، كما رتب اللقاء "هاليفي"، ففي ذروة التعاضد الأردني مع العراق، كانت الاتفاقات الودية واللقاءات الخاصة تتم في لندن ضد العراق، ثم يعود للاحتفال بالتضامن مع صدام، ثم تنطلق التهديدات العربية الصارخة للصهاينة من الأردن، انظر الصفحات 35-53 من كتاب هاليفي، رئيس الاستخبارات الصهيونية. وقد ذكر أنه أحيانا يبقى هو وزوجته ضيوفا على الملك حسين في القصر أربعة أيام متواصلة، يجرون محادثات مكثفة معه، وأحيانا مع بعض الضباط الأردنيين، ص 15-17.

قبل حملة الإرهاب والإبادة الصهيونية على غزة بيوم أو يومين، كانت صهيونية أخرى تسير على خطى "جولدا مائير"، ترتب العلاقة مع مبارك حاكم مصر، وفي وضح النهار، ومن قصر الحكومة المصرية، أصدرت تهديدها للفلسطينيين، ونفذت التهديد، ولم تعط قيمة لا للحكومة المصرية ولا للحاكم، ولا للبلاد، أما وزير خارجيته، العامي المتعلثم البائس، فقد بدا حنونا على ضيفته مشفقا محبا يمسك بيدها ويرفعها فوق صدره، كما تناقلت الصور، وانتهى الموقف كما رأيتم وسمعتم إلى موقف للحكومة المصرية، قيل عنه أشياء كثيرة، ويكفي منها كلام القرضاوي في مظاهرة عصر الجمعة، لوصف موقف بعض الحكام العرب، فقد أعلن بأنهم: "خذلونا، خانونا، باعونا بأرخص الأثمان، بل بلا ثمن".

ستمر سنين قبل أن تكتب ليفني عن احتقارها لمن تعاملت معه من العرب، وقبل أن تنشر أسرار اتفاقها مع مبارك بشأن حماس، ولن تكون كتابتها شرا من اتفاقات سابقاتها وسابقيها مع عرب ضد قضيتهم وضد شعوبهم، فالمعلن من أخبار القرارات والزيارات كثيرا ما يكون بخلاف الواقع، فقد كتب مرة السفير السابق في حكومة عربية في مجلة فورن أفيرز الشهيرة مقالا عن سياسة العرب وحقيقة مواقفهم، وكان مما ذكره إن الحكومات العربية تقول للإعلام ولشعبها شيئا وهي في الحقيقة ضده، وضرب مثالين طريفين، قال يوم اقتحمت إسرائيل لبنان ودخلت بيروت اشتغلت تلفازات العرب بأخبار الرياضة، (التاريخ يكاد أن يعيد نفسه، فشعب ينحر بجوارنا وحكومات وشعوب الخليج مشغولة بكأس الخليج للكرة)، لتصرف الناس عن احتلال عاصمة عربية! وأذكر أن صديقي مشيط النايف رحمه الله، قال لي وكان قد عاد من الدراسة في أمريكا وقتها، إن أخبار أمريكا ملتهبة لخبر اقتحام عاصمة عربية (بيروت)، ولكن لما جئت لم أسمع ولم أر، وكأن هذا يحدث في أقصى العالم!

وفي المقال نفسه، قال السفير إنه حين ضربت أمريكا العاصمة الليبية عام 1986م، استنكرت الحكومات العربية وأعلنت شجبها لضرب عاصمة عربية ودكّ مقر زعيم عربي، ولكنهم كما يقول الكاتب اتصلوا بالحكومة الأمريكية يشكرونها على ما فعلت! فالكاتب يحذر من تصديق الكلام المعلن للحكومات العربية، فقد يعني عكسه!

الحكام العرب يوادون أعداءهم بلا مقابل لأمتهم، ولا يبخلون عليهم بشيء، فهدايا العرب لا تحد للصهاينة والأمريكان، من مثل الجواهر التي جاوز ثمن عقدين منها ثلاثمائة ألف دولار، أهديث لجارية بوش "كونداليزا رايس"، ثم لم تمنعها المودة والهدايا من ممارسة أحقادها ولم تخفف من عدائها للعرب واحتقارها لهم، واستهانتها بدمائهم، ومن سمع كلمتها في جلسة الأمم المتحدة الأخيرة فقد شهد امتهانا لدماء العرب ولوجودهم، ومن قبل استنكر عليها ممثلوا الاتحاد الأوربي عام 2003م واتهموها بأنها تريد "تصفية الإسلام" وكأننا لم نقرأ ولم نسمع، ثم إن رقصات العرب مع المدبر بوش، والهدايا الكثيرة، المعلنة والخفية، وعقود الطاعة والولاء التامة لبوش ولفريقه في المنشط والمكره وإيثاره على كل شيء وكل ناس، لم يعط هذه القيادات أي قيمة، وأهان بوش الحكام العرب وتجاهل كل النداءات، ولكني بعد تأمل قصة جولدا وربما إعلانات ليفني فهل نشك في أن تكون هناك أي نداءات فعلية طالبت بكف الذبح للفلسطينيين!

ليفني وعلاقاتها وبيريز وتقربه وتلطفه الخبيث للحكام العرب من المصابين بعقد النقص أمام الصهاينة، ونظامها، يوحي بأن الحرب على غزة حرب صهيونية بتأييد أو رغبة عربية، وتمت باتفاق، فطلب الحكومة المصرية تأجيل القرار، مما يصب في استمرار الإبادة، ومنع الأطباء من الدخول لغزة، والحصار المصري الصهيوني المديد من قبل وخطبة مبارك لتأييد الحصار، والخبر الذي نشرته جريدة "ها أرتس" بأن مبارك قال لزعيم غربي "يجب ألا تخرج حماس من هذه الحرب منتصرة" ـ وقد كذّبت مصر الخبر لاحقا ـ لا يجعلنا نذهب بعيدا في أن مستقبل الحكومات العربية وقرارت زعمائها قد خرج إلى مكان آخر، وأن الصهاينة سيكافئون أنصارهم في الحكومات العربية بتصفية معارضي استبدادهم، وأن مصالحات الصهاينة لعواصم عربية أصبحت أشبه بنكاح كاثوليكي لا يسع من عقده أن يخرج منه مهما أهين ودمر وأخرج من التاريخ!


كم شعوبنا محرومة من قيادات تستحق الاحترام، فتنصرها وتشعر تجاهها بالثقة والمسؤلية، إن هذا لا يمكن أن يحدث من دون مشاركة معروفة ومكشوفة للشعب في صياغة مصيره، واختيار قادته، فإن غاب شعب عن حكم نفسه فسيحكمه شعب آخر، عبر وسطائه وجواسيسه وسفرائه أو بنوازع المتسلطين، فالمتسلط لن يعلم بأنه أخطأ أو أصاب، لأنه هو من يصنع الدعاية التي تخدعه وتغويه، وتنشر كراهيته بين الناس بكثرة مدحه، ولو أحسن لم يعلم أحد، لفقد الثقة به، ولو أجرم فهو عند نفسه وجوقته معصوم. ذلك لأن نقد تصرفاته محرم إما بالشرع أو بالقمع، ومن كانت هذه طريقته فلا مناص له من أن تحكمه أو توجهه أمثال جولدا وليفني وساركوزي وميلباند ورثة كيسنجر، ومن نساء الصهاينة قبل رجالهم من وراء ستار كما تم قديما، أما اليوم فأصبح الأمر علنا، وللمعترض الصمت أو السجن أو الموت!!

عزام
01-10-2009, 06:21 PM
بارك الله فيك اخي مقاوم
مقال مؤلم الحقيقة ولكنه صحيح
عزام

مقاوم
01-11-2009, 05:03 AM
وفيكم بارك الله أخي الفاضل
وشكرا للمرور والتعليق.

الألم بأنواعه أصبح العنوان العريض لهذه الأمة.