تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ابراهيم نزار ريان ... ذرية بعضها من بعض



شيركوه
01-02-2009, 12:54 AM
قصة إبراهيم الشهيد

علمت من أين أبدأ في إجابة أسئلة الأعضاء، لكنني في قصة إبراهيم الشهيد، لا أعلم من أين أبدأ!

وكنت إذا تحدثت عن شهيد بدأت بأول موقف رأيته فيه، وتعرفت عليه من خلاله، لكن إبراهيم الشهيد –رحمه الله تعالى- لا أذكر كيف التقيت به، إذ أنني فتحت عيني في هذه الدنيا لأجده يقاسمني الفراش الواحد، ثم الغرفة الواحدة، ثم الشقة الواحدة، إلى أن رحل.

في الواقع لم يكن إبراهيم الشهيد إلا شقيقي .. الذي يكبرني بأحد عشر شهرا.

ولد رحمه الله، لأسرة ملتزمة في وقت كان الالتزام فيه نادرا، لوالد ووالدة زرعا فينا حب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله منذ اللحظة الأولى التي بدأنا نفهم فيها الكلام، وننطق بالحروف، بل قبل ذلك.
علمنا والدي ألا ننطق بكلمة إسرائيل، بل "فلسطين المحتلة" وكان جدي رحمه الله يحدثنا عن والده وشقيقه الشهيدين، الذين قضيا سنة 48، وكان يبكي بكاء الأطفال كلما حدثنا عن ذلك.. وكنا نبكي والله لبكائه.
علمنا أن الذي بيننا وبين اليهود دماء وعقيدة، فانغرس هذا في وجداننا جميعا، وأصبح غاية كل منا أن يكون مجاهدا في كتائب القسام. يقتل اليهود ثم يلقى ربه شهيدا. كانت هذه أحلاما حتى هلت بركات انتفاضة الأقصى.
في سنوات الطفولة، كنا –نحن الثلاثة الكبار- جيلا واحدا، فبين كل منا والآخر أحد عشر شهرا فقط.. وكان أخي الأكبر يتميز بقوة شخصيته ورجولته المبكرة، بينما كان يتميز الشهيد بعاطفته الجياشة وطيبة قلبه وحبه للخير ورقته، وكان أخي رحمه الله شهما، بينما كان أخوكم يتميز بذكائه وتفوقه وبراءته.

في الانتفاضة الأولى، كنا وإبراهيم صغارا، رجمنا اليهود بالحجارة ونحن دون السادسة من العمر، لكن ذلك لم يكن ليشفي غليل ضعاف الهمة مثلي، فكيف يشفي غليل إبراهيم رحمه الله.

كانت انتفاضة الأقصى فرصة ذهبية، ولم يكن والدنا يمنعنا –كما كان الكثيرون- من الخروج إلى المواجهات، فطفنا على جميع مواطن المواجهات من إيريز إلى نتساريم، لم يقدر لأحد فينا أن يستشهد، وقدر لشقيقي الذي يصغرني مباشرة أن يكون أول مصاب في بيتنا.

كانت الانتفاضة تتطور بسرعة، ورغم أن حماس لم تكن تمتلك في بداية الانتفاضة إلا ثلاث قنابل ومسدس، إلا أنها بعد أشهر كانت قادرة على تجنيد بعض العساكر، فكان إبراهيم الشهيد رحمه الله في الفوج ما قبل الأول من جيل قساميي انتفاضة الأقصى. لم يكن قد بلغ السادسة عشرة بعد، لكنه كان قويا شديد البأس شجاعا فارسا.



شخصية إبراهيم الشهيد


كان رحمه الله رقيق القلب، طيبا جدا، أديبا يحب الشعر والقراءة، صادق النفس، زكي النفس، قد أحسن والداه تربيته، وأحسن الإفادة منهما، وكان يحب الحياة من كل قلبه، لم يكن والله عاشقا للموت، كان يخطط للدراسة والزواج، وكان حتى آخر يوم في حياته يعيش طبيعته، قبل يومين من استشهاده اتفق مع إخوانه على حلقة دراسة، وفي آخر يوم في حياته ذهب إلى مدرسته والتزم بحصص الدراسة الأولى، إلى أن جاءه الاتصال فخرج بإذن رسمي. لم يكن إبراهيم الشهيد إلا إنسانا، لم يدفعه إلى الموت إلا رغبته في رضى ربه، والانتصار لقضية فلسطين العادلة.
لقد عايشت اللحظات الأخيرة في حياة كثير من الاستشهاديين الأحياء، وكنت والله أعلم أنهم يخرجون للموت، كنت أستهلك كل ذرة في عقلي وتفكيري لأحاول أن أفهم ما يدور في خلد كل منهم في ساعاته الأخيرة، لكن ذلك صعب جدا، لكنني لم يصعب علي أن أفهم أنهم يحبون الحياة، ولا يكرهون أن يتم أحدهم دراسته ويتزوج وينجب الأطفال، لكن الشهادة كانت فوق كل شيء، إنها أكبر مكسب حقا. وكان يعجبني والله ذلك منهم.


قصة الاستشهاد


لم تكن الشهادة مجرد حلم عند إبراهيم الشهيد، بل كان رحمه الله عمليا في كل شيء، نشيطا متميزا، فذرع ثغور القطاع طولا وعرضا، لم يترك مستوطنة إلا رصدها وفكر فيها، ورفع إلى إخوانه فكرة اقتحامها، وأذكر هنا قصة حدثت معي.
أخبرت إبراهيم الشهيد رحمه الله عن هدف أعجبني أفكر فيه، إذ أنني شاهدت في منطقة "المنطار" قافلة من ثماني سيارات، بعضها مدني، يمكن استهدافها بسهولة؛ إذ أن الأشجار كانت تصل إلى الخط الذي تمشي عليه القافلة. لم يكن معنا نقود فطلبنا من الوالدة وأخبرناها الخبر، فسعدت بذلك جدا وأعطتنا ودعت لنا بالتوفيق. كنت في الخامسة عشرة، وكان إبراهيم في السادسة عشرة.
ليست هنا القصة، بل القصة أننا في طريقنا صادفنا حماة المستوطنات.. ممن سموا زورا بالأمن الوطني، أمسكوا بنا وقالوا: ماذا تفعلون هنا؟
فأجبت أنا: "بدنا نطبش حجار". لا أخفيكم أنني ارتبكت قليلا.
فسألانا عن أسمائنا: فأجاب إبراهيم رحمه الله، باسمين من تأليفه، عني وعنه. وكان يومها قوي الشخصية، ظهرت رجولته الحقة عند الامتحان.
فقالوا له: "انخمد"، وطلبوا مني أن أجيب على الأسئلة. لقد استهملوني.. فشعرت حينها بالمسئولية، وصرت أجيب بقوة.. وخرجنا من ذلك الامتحان سالمين.
وأكملنا طريقنا.. أعطاني إبراهيم رحمه الله حينها درسا في ضرورة التماسك وسرعة البديهة، درسا عمليا أتبعه بدرس نظري.
المهم.. أنا نمت على روحي، وهو بقي يبحث، كان الأمر بالنسبة له فوق الجدّيّ، وأرسل لإخوانه يرجوهم بكل وسيلة، يستحلفهم بالله، ويبكي لهم. لم يكن أمامهم إلا الاستجابة له، بعد تدخل والدي حفظه الله لصالحه.
لم يطل الأمر على إبراهيم حتى وُجِد الهدف، فأُخذ ودُرِّب، وتم التجهيز لعملية كانت أول عملية اقتحام لمستوطنة في انتفاضة الأقصى. كان ثمة غموض يكتنف الأمر حينها بالنسبة لقيادة الكتائب، وأخبرني الشيخ صلاح شحادة رحمه الله بذلك شخصيا.

كان كل من في بيتنا يعلم أن إبراهيم خارج لعملية استشهادية، كنا جميعا تيقنا من ذلك، بما في ذلك الوالدة، التي كانت مشجعة له ولغيره، وكانت –حفظها الله- أول خنساء في تاريخ فلسطين، ترسل ابنها إلى الموت وهي به عالمة. ولم يسبقها إلى ذلك أحد فيما أعلم.
خرج إبراهيم إلى عمليته ثلاث مرات، المرة الأولى ذهب ولم يكن الوضع مناسبا، أما الثانية فلها قصة أذكرها في الكرامات، والثالثة كانت نابتة، كما يقول أهلنا.
في المرتين الأوليين كان رحمه الله يعود ويحدثنا عما حدث معه، وعندما عاد في المرة الثانية، كنت قد بت ليلتها مهموما.. وسهرت بانتظار خبر شقيقي. لكنه لم يستشهد .. بل عاد عند الفجر، وحين رأيته.. أقسم بالله أنني قلت كلمة لا أشعر إلا وكأنها ألقيت في فمي، قلت له: "لسة مش مستشهد.. بديش أسلم عليك" فلما سمعها إبراهيم.. أشرق وجهه، وارتفعت معنوياته إلى أعلى مستوى، وابتسم ابتسامة ساحرة، رغم ما كان يبدو عليه من مشقة وتعب.
لم يلبث إلا أن خرج في اليوم الذي يليه، وفي ذلك اليوم كان موعده مع الشهادة، كنت يومها في حفل لتكريم حفظة القرآن، عدت من هذا الحفل ومعي شقيقي الأصغر حينها عبد القادر، فسمعت في الطريق أخبار عملية اقتحام عسكرية، فأسرعت إلى المنزل، فوجدت على باب دارنا صديقي الشهيد المقتحم: بلال فايز شحادة، فسألني بلهفة: أين إبراهيم؟ فقلت له: ليس بالبيت، فضرب بيده على جبينه، وكاد يبكي.
ودخلت منزلنا بخطوات متثاقلة، فوجدت أهل بيتنا يحتشدون، صعدنا جميعا إلى السطح وجلسنا نرقب العملية، كانت أصوات الانفجارات والاشتباكات تطربنا حقا، وكانت الإذاعات تعلن عن القتلى والجرحى تباعا، وكنا نستبشر عند كل قتيل وجريح، كانت معركة حقيقية، استمرت أربعة ساعات ونصف على الأقل، ثم بدأت المعركة تهدأ شيئا فشيئا، وتكثف تحليق طائرات الأباتشي، فنزلنا إلى التلفاز، وفتحنا على الجزيرة، لم يكد كل منا يجلس في مكانه، إلا وشريط الجزيرة يكتب خبرا عاجلا، باستشهاد منفذي العملية، إذ كان مع إبراهيم استشهادي آخر استشهد معه.
لم أكد أقرأ الشريط، حتى سمعت زغرودة مدوية، لم أكن أسمعها فقط، بل والله لكأنني أنظر إليها تضرب الجدران ، وتطوف على آذاننا وتتردد، لا أكذب إن قلت: إن زغرودة والدتي لحظة استشهاد إبراهيم لا تزال ترن في أذني حتى الآن.
ثم علا البكاء والنحيب، وكلنا بكى سوى والدي كان يثبت القلوب ويجبر الكسور، جزاه الله عنا خير الجزاء. الغريب حينها أن عيني خذلتني فما أنزلت دمعة. بكيت بدون دموع، ودون أن يراني أحد.
كانت العملية ناجحة فوق الحدود، قتل فيها ثلاثة ثم لحقهم رابع، وجرح أكثر من عشرين، حسب اعتراف اليهود أنفسهم، وكان لها صدى كبيرا في مجتمعنا ومجتمعهم، وقال شارون يومها: إنها ليلة مرعبة.
في الصباح أعلن خبر استشهاد إبراهيم في مسجدنا، ولم يكن يبلغ حينها ستة عشر عاما وعشرة أشهر وسبعة عشر يوما، فكان أصغر استشهادي في تاريخ فلسطين حتى الآن.
واجتمع الناس على باب دارنا، فجاء شقيقي الأكبر، واشترى أكياس حلوى، وصار يرمي على رؤوس الناس، ثم أطلق النار في الجو فرحا باستشهاد إبراهيم.
تم تسليم جثمان الشهيد، وانطلق الأهل إلى المستشفى ليحضروه، لا أعلم كيف سبقوني، لكنني لحقت بهم، في السيارة عرفني نساء معسكرنا، فلما رأينني رمقنني بنظراتهن وبكين على الشهيد، وصرت في حال لا أحسد عليه.
في طريقي إلى المستشفى قابلت قافلة عائدة، كانت سيارات العائلة تحمل جثمانه، نزلت من السيارة، فلما رآني أعمامي، أوفقوا السيارة التي تحمل الشهيد، ودخلت السيارة. فوجئت بشقيقي، ممددا بينهم، جثمانا نهشه الرصاص نهشا، حينها بكيت.. بل أقسم أنه لو جمعت دموعي كلها قبل استشهاده ثم وزنت بما نزفته حينها لعادت ضئيلة. بكيت ومسحت على رأسه، فصادفت رصاصتين كانتا مختبئتين في مقدمة شعره. فازداد بكائي.
أشفق علي الحاضرون، فصاروا يذكرون من عبارات التصبير والتهوين، والتذكير بالله، فصحت بهم: "كل ما تقولونه أنا أخبر منكم به" فدعوني وشأني، حينها نظر إلي عمي أبو عبيدة رحمه الله –وقد استشهد فيما بعد- وقال لهم وهو يبكي: "اتركوه" .. لقد قرأ ما في قلبي.. ونعمّا فعل.
بكيت حينها كما يحلو لي، ثم لما أردنا أن ندخل المنزل، مسحت دموعي، ودخلنا .. فزغردت أمي أخرى، وقالت: "أهلا وسهلا يمّه". وقالت: "لا إله إلا الله .. محمد رسول الله.. عليها نحيا .. وعليها نموت.. وعليها نلقى الله".


كرامات إبراهيم الشهيد


حصلت له كرامات أربع:
الأولى: عندما استشهد، كانت يده على هيئة التشهد بشكل واضح جدا.
الثانية: في طريقه للعملية في المرة الثانية التي عاد فيها، نام هو ورفيقه على أعتاب المستوطنة أربع ساعات، حصلت للشهيدين إغفاءة، لا يعلمان كيف حصلت لهما سوية بالتزامن، ثم لما عادا في المرة الأخيرة التي نفذا العملية فيها، وجدا سرادقات منصوبة للاحتفال بذكرى إقامة المستوطنة، فكان نومهما يومها وعودتهما سببا في حصول العملية في أجواء أفضل بكثير.
الثالثة: عند تنفيذ العملية واجها في طريقهما مشكلة كبيرة، كانت عقدة العملية في نظر مخططيها، وهو وجود "قلبة" للصهاينة في طريق العملية، ووجود جرافة صهيونية تعترض الطريق، فقال لهما موصلهما: هذه تحتاج دعاء، فاتجه إبراهيم إلى شجرة فاستتر بها، وصلى ركعتين، ابتهل فيهما إلى الله ودعا وبكى، فإذا بالجندي الذي يقود الجرافة يتحرك بها، فيوقفها قبالة "القلبة" ثم ينزل منها ويذهب بعيدا، فصارت الجرافة خالية من الخطر، وصارت ساترا لهم من أن يراهم الحارس في "القلبة" فيؤذيهم، فسبحان الله رب العالمين.
الرابعة: عندما خرج إبراهيم للعملية، قال لوالدي: "والله لن أريهم ظهري"، فلم يصب رحمه الله –على كثرة ما أصابه من رصاص- بأي رصاصة في ظهره، بل عددته له في وجهه ورقبته ما يزيد عن اثني عشر رصاصة. فلله دره من رجل صدق الله فصدقه. إن شاء الله.

إلى هنا.. وقد مر على استشهاد إبراهيم ما يقرب من سنوات ست، إلا أنني حبيبي إبراهيم، لا زلت أذكرك كل يوم مرارا، لا تغيب عن ذهني أبدا..
إيه يا إبراهيم الحبيب، تحسست جرحي فإذا هو يثغب دما، وتفقدت عيني فإذا دمعي لا يرقأ...

بقي أن أذكر أن لإبراهيم الشهيد أربعة إخوة شباب غيره، كلهم أصيب في سبيل الله إلا أنا، أحدهم كاد يفقد رجله، وعانى من عدم المشي عليها أكثر من عامين، وثان أصيب أكثر من خمس مرات بالرصاص الحي، ويحتفظ بقطعة من البلاتين في يده بطول عشرين سم، والثالث الصغير فقد عينه في سبيل الله.

هذه قصة إبراهيم الشهيد.. كما حضرتها وشهدتها، وأكتبها على هذا النحو، لأول مرة من يوم استشهاده إلى الآن..
ولأن دم إبراهيم الشهيد هو زيت قنديلي، ومداد كلماتي، ووقود حماستي وعاطفتي، فقد آثرت أن أسجل باسمه في المنتديات..
أطلت عليكم يا أحباب، وإني كما أخبرني أعز أصدقائي، لأشتهي الحديث عن إبراهيم الشهيد، ولو كان لي الأمر لكتبت كل لحظة عايشتها له، من سنوات عمره القليلة..


========================منقول ====================

دار الاسلام
01-02-2009, 01:20 AM
ان العقيدة في قلوب رجالها ...من ذرة اقوى و الف مهند !!

الله اكبر

شيركوه
01-02-2009, 01:28 AM
http://www.s77.com/up/upp01/2fac94fc3b.jpg

شيركوه
01-02-2009, 01:29 AM
http://belal.shabab.ps/saheed.jpg

دار الاسلام
01-02-2009, 01:36 AM
يا الله اكثر من هذه النماذج في امتنا ...
اللهم اجعل كل نساءنا كأم ابراهيم و كل اباءنا كأبا ابراهيم ...و كل اخوتنا و اعمامنا و ذرياتنا و اسرنا و عائلاتنا امثالهم يا رب العالمين ....
والله بهؤلاء يشفي الله صدور قوم مؤمنين ...
بهذه النماذج نرى الاسلام حقيقة فعلية .... نرى القرآن يمشي و يحيى بيننا ....

اللهم هيئ لنا صدق الاخلاص ...و قوة اليقين و الهمة في العمل ....
اللهم سهل لنا الاهل و البيئة الصالحة ....يا رب العالمين .

شيركوه
01-02-2009, 01:39 AM
اللهم آمين
.................