تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قال: أبشر... وصلاة جماعة أيضا



Saowt
12-29-2008, 02:09 PM
ركبنا أنا وخالي سيارتنا وأخذنا طريق العودة بعد أن صلينا الجمعة في مكة.. وبعد قليل، ظهر لنا مسجد مهجور كنا قد مررنا به سابقا أثناء قدومنا إلى مكة وكل من يمر بالخط السريع يستطيع أن يراه، مررت بجانب المسجد وأمعنت النظر فيه... ولفت انتباهي شيئ ما... سيارة فورد زرقاء اللون تقف بجانبه. مرّت ثواني وأنا أفكر ما الذي أوقف هذه السيارة هنا؟ ثم اتخذت قراري سريعا... خففت السرعة ودخلت على الخط الترابي ناحية المسجد وسط ذهول خالي وهو يسألني: ما الأمر؟ ماذا حدث؟

أوقفنا السيارة في الأسفل ودخلنا المسجد وإذا بصوت عال يرتل القرآن باكيا ويقرأ بعضا من سورة الرحمن. فخطر لي أن ننتظر في الخارج وأن نستمع لهذه القراءة لكنّ الفضول قد بلغ بي مبلغه لأرى ماذا يحدث داخل هذا المسجد المهدوم ثلثه والذي - حتى الطير لا تمرّ به-.. دخلنا المسجد وإذا بشاب وضع سجادة صلاة على الأرض وفي يده مصحف صغير يقرأ فيه ولم يكن هناك أحدا غيره.... وأؤكد لم يكن هناك أحدا غيره

قلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. فنظر إلينا وكأننا أفزعناه مستغربا حضورنا.. ثم قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...
سألته: صليت العصر؟
قال: لا
قلت: لقد دخل وقت صلاة العصر ونريد أن نصلي

ولما هممت بإقام الصلاة وجدت الشاب ينظر ناحية القبلة ويبتسم.. لمن؟؟ ولماذا؟؟ لا أدري.. وفجأة سمعت الشاب يقول جملة أفقدتني صوابي تماما قال بالحرف الواحد: أبشر.. وصلاة جماعة أيضا.
نظر إليّ خالي متعجبا... فتجاهلت ذلك ثم كبّرت للصلاة وعقلي مشغول بهذه الجملة: "أبشر.. وصلاة جماعة أيضا".. من يكلّم وليس معنا أحد؟ المسجد كان فارغا مهجورا.. هل هو مجنون؟

بعد الصلاة.... أدرت وجهي لهم ونظرت للشاب وكان ما زال مستغرقا في التسبيح..
ثم سألته: كيف حالك يا أخي؟
فقال: بخير ولله الحمد...
قلت له: سامحك الله... شغلتني عن الصلاة!!
سألني: لماذا؟
قلت: وأنا أقيم الصلاة سمعتك تقول أبشر.. وصلاة جماعة أيضا..
ضحك وردّ قائلا: وماذا في ذلك؟
قلت: لا شيىء ولكن مع من كنت تتكلم؟
ابتسم ثم نظر للأرض وسكت لحظات وكأنه يفكر.. هل يخبرني أم لا؟
تابعت قائلا: ما أعتقد أنك مجنون... شكلك هادئ جدا... وصليت معانا وما شاء الله..
نظر لي... ثم قال: كنت أكلم المسجد

كلماته نزلت عليّ كالقنبلة. جعلتني أفكر فعلا .. هل هذا الشخص مجنون!
قلت له: نعم؟ كنت تكلم المسجد؟ وهل ردّ عليك المسجد؟
تبسّم ثم قال: ألم أقل لك أنك ستتّهمني بالجنون؟ وهل الحجارة تتكلم؟ هذه مجرد حجارة..
تبسّمت وقلت: كلامك صحيح وطالما أنها لا ترد ولا تتكلم... لم تكلمها؟

نظر إلى الأرض فترة وكأنه ما زال يفكر... ثم قال دون أن يرفع عينيه: أنا إنسان أحب المساجد. كلما عثرت على مسجد قديم أو مهدم أو مهجور أفكر فيه... أفكر عندما كان الناس يصلون فيه وأقول لنفسي: يا الله كم هذا المسجد مشتاق لأن يصلي فيه أحد!! كم يحنّ لذكر الله.. أحسّ به.. أحسّ أنه مشتاق للتسبيح والتهليل... يتمنّى لو آية واحدة تهزّ جدرانه.. وأحسّ أن المسجد يشعر أنه غريب بين المساجد.. يتمنّى ركعة.. سجدة.. ولو عابر سبيل يقول الله اكبر... فأقول في نفسي والله لأطفئنّ شوقك.. والله لأعيدنّ لك بعض أيامك.. أدخل وأصلي ركعتين لله.. ثم أقرأ فيه جزء كاملا من القرآن الكريم.. لا تقل إن هذا فعل غريب.. لكني والله أحب المساجد..

دمعت عيناي... نظرت في الأرض مثله لكي لا يلحظ دموعي... من كلامه، من إحساسه، من أسلوبه، من فعله العجيب، من رجل تعلق قلبه بالمساجد... ولم أدري ما أقول له واكتفيت بكلمة: جزاك الله كل خير، سلّمت عليه وقلت له: لا تنسني من صالح دعائك.. ثم كانت المفاجاة المذهلة
وأنا أهمّ بالخروج من المسجد.. قال وعينه ما زالت في الأرض: أتدري بماذا أدعو دائما وأنا أغادر هذه المساجد المهجورة بعد أن اصلي فيها؟
نظرت إليه مذهولا... إلا أنه تابع قائلا: اللهم يا رب.. اللهم إن كنت تعلم أني آنست وحشة هذا المسجد بذكرك العظيم وقرآنك الكريم لوجهك يا رحيم فآنس وحشة أبي في قبره وأنت أرحم الراحمين.
حينها شعرت بالقشعريرة تجتاح جسدي وبكيت وبكيت كطفل صغير..

اختي الحبيبة.. أخي الغالي.. أيّ فتى هذا؟ وأيّ بر بالوالدين هذا؟ كيف ربّاه أبواه؟ وأيّ تربية؟ على أيّ شبئ نربّي نحن أبناءنا؟ كم من المقصّرين بيننا مع والديهم سواء كانوا أحياء أو أمواتا؟ هل سأل أحدنا نفسه يوما: ماذا بعد الموت؟ نعم ماذا بعد الموت؟ حفرة ضيقة.. ظلمة دامسة.. غربة موحشة.. سؤال وعقاب... وعذاب.. وإما جنة.. وإما نار

نسأل الله حسن العمل وحسن الخاتمة . اللهم آمين

مقاوم
12-29-2008, 02:46 PM
درر!!

زيدينا زادك الله من فضله.