تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تعلم...فقه النصيحة



خفقات قلب
12-11-2008, 04:06 PM
تَعَـلَّـم فقه النصيحة
http://forum.shamsawy.net/index.php?showtopic=1124360286 (http://forum.shamsawy.net/index.php?showtopic=1124360286)



فما كل ذي نصح بمؤتيك نصحه .. ولا كل مؤتٍ نصحه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند واحد .. فحق له من طـاعةٍ بنصيب


" الدين النصيحة"
هكذا اخبرنا حبيب الرحمن (صلى الله عليه وسلم.
فالمسلم في قانون الاسلام شخص إيجابي مؤثر في مجتمعه ، يقوم الاعوجاج، وينقد مايراه من عيب أو خلل.
وتكون النصيحة و اجبة إذا كان مستحقها شخصا قريبا منا، عزيزا علينا، نرتجي كماله، ونخشى وقوعه في الزلل .
الامام بن تيمية –رحمه الله- يخبرنا أن المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى.
فإسداء النصح في دين الله فرض ، ومكاشفة الغافل، وتنبيه الساهي وتذكير الناس من أصل دعوة الإسلام.
والمشكلة التي تواجهنا أن النصيحة غالبا ما تكون شديدة على النفس،
وكثيرا مايرفض الناس النصح أو النقد.
وينظر معظمهم إلى ذواتهم على أنها شيء مصون مقدس لا يجب المساس به!!!.
يقول أبو العلاء المعري:


سَمعي موَقَّيً سالمٌ فقل..الصوابَ ولا تَصِح
والمرء في تركيبه .. غَضَبٌ يَهيجُ إذا نُصِح


لهذا فإن هناك إشكالية لكل من يطمح في كسب قلوب الآخرين.
هل أنصحه أم لا؟؟؟
فإن نصحنا أرضينا ربنا ، وربما أغضبنا المنصوح، وإن كنا تاركين النصح، أرضينا الناس وأغضبنا ربنا !!!
فهل هناك حل وسط، وطريقة نرضي بها الله، بدون أن نغضب الناس ؟؟
والإجابة هي : نعم ؛
إن للنقد أسسا ومباديء وآدابا تستطيع أن تتبعها وتمارسها، فترضي ربك دون أن تُغضِب أحدا،
وهذه أهمها:


1- اذكر المحاسن اولاً:
قال تعالى:{ولا تبخسو الناس أشياءهم} الأعراف:85
فإذا كان للمنقود مزايا؛ فلما لا نثني عليه أولا؟
وإذا كان له حسنات؛ فلما لا نبرزها قبل أن نتعرض للسيئات!!!؟
لا يجب أن نهجم على المرء هجوماً كاسحاً، فنظهر سيئاته فقط، ونبينه كأنه قد غُمِس في بحر الإساءة والخطأ غمساً؟
بل يجب أن نثني على الجانب الخير لديه ثم نتعرض وبلطف إلى الشيء محل النقد.
كما يجب أن نُشعِر الشخص المنقود أن هذه النقطة – محل النقد – لاتقلل أبداً من الصورة الجميلة الكلية، وأن نقدنا له غايته أن تراه فوق النقد.
ولقد حدث، وأن أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يلفت نظر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- إلى قيام الليل؛
فقال لأخته السيدة حفصة – رضي الله عنها: "نِعمَ الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل" فلما وصلت الكلمة إلى الصحابي الجليل، لم يترك قيام الليل أبداً ؛


فانظر أخي لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "نعم الرجل عبد الله" ؛ ففيها ثناء وتعريف بفضل الرجل ثم بعد ذلك جاء التنبيه النبوي كأجمل ما يكون.


2- ركز نقدك على إيجاد الحلول:
لا يكفي أن تنقض فقط،
وليس من المسوغ أن تكشف العيوب وتفردها ثم لا تعطي المنقود رأياً إيجابياً،
إن تركيزك على الحل يُشعِر الطرف المقابل بصدق نيتك، وبرغبتك في تميزه وإرتقاءه.


3- حافظ على إحترام الشخص لذاته:
تجنب التعليقات التي تحط من قدر الشخص المنقود،
حاول أن تقول: (رأيي، وجهة نظري، رؤيتي) بدلاً من: (من الخطأ، ليس صحيح، يجب أن)،
ويجب أن تعلم أخي الكريم أن كلماتنا هي السبب الأول في تقبل الطرف الآخر للنقد أو رفضه،
فاختر الكلمات التي ليس فيها جرح له ولا لكرامته.


4- اجعل الطرف الاخر يشاركك عملية النقد:
قل له: ما رأيك في هذا الشي؟ ألا ترى معي أن هذا ربما يكون أفضل؟ شيء جميل لكنك تمتلك أفضل من ذلك، ألست معي؟
تلك المشاركة تجعل النقد شيئاً أشبه بالإقتراح، وتجعل تقبله أسرع وأيسر.


5- اذكر المزايا دون ذكر "لكن":
لكن تنفي ماقبلها !!!!
والعقل الانساني مبرمج أن ينتبه عند كلمة لكن ويستعد لسماع الرسائل السلبية،
وكما أسلفنا في النقطة الأولى يجب ذكر المحاسن أولاً، وبدلاً من أن نقول "لكن"، ونذكر النقد نستبدل تلك الكلمة بـ (و) أو (سؤال).
مثال: مقالك رائع ماشاء الله، ألا ترى معي أن الإحصائيات الحديثة ستزيده عمقاً ؟
بدلاً من: مقال جميل ، لكن تنقصه الإحصائيات الحديثة.
أو: لقد وُفِقت في عرض سلعتك ، وأرى أن تذكر له مميزات الضمان؛ فربما تشجعه على الشراء.
بدلاً من: جميل طريقة عرضك، لكنك أغفلت مسألة الضمان رغم أهميتها.


والشاهد: أن كلمة "لكن" غير محببة للأذن ؛ فحاول أن تخفف منها قدر الإمكان.


6- تخيَّر الوقت المناسب:
هنا أوقات لايُستحب فيها النقد، كوقت الغضب، أو التوتر، أو إنشغال الذهن في أمرٍ هام،
واختيار الوقت الملائم الذي تتوسم فيه قبولاً من الطرف الآخر من الأهمية بمكان،
فربما ثار الشخص المنقود وهاج ليس من شدة النقد ولا بالنقد أصلاً بقدر ماهو من الوقت السيء الذي ألقيت بنقدك فيه.


7- تجنب النصيحة على الملأ:
فإنها فضيحة،
فليكن نصحك له بينك وبينه؛ فإن النصيحة على الملأ مؤذية،
يقول الشافعي – رحمه الله: "من وعظ أخاه سراً ؛ فقد نصحه وزانه، ومن وعظ علانية؛ فقد فضحه وشانه".
ونصيحة العلانية فيها استفزاز للمنصوح، وقد يفهمها على أن المقصود منها فضحه، وإظهار عيبه وخطأه، مما يجعله يغلق قلبه وأذنه عنك.
ولله در أمير الشعراء إذ يقول:
آفة النصح أن يكون لجاجاً .. وأذى النصح أن يكون جِهاراً
ويقول الإمام الشافعي كذلك لناصحه:


تَعَمَّدني بنُصحِك في انفرادِ .. وجَنِّبني النصيحةَ في الجماعه
فإن النصحَ بين الناسِ نوعٌ .. من التوبيخ لا أرضى إستماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي .. فلا تجزَع إذا لم تُعطَ طاعه


8- لا تنصح من برج عاجي:
فلا تنصح باستعلاء، أو غرور ، ولا تؤنب وتوبخ،
فأنت لست بمأمن من الخطأ، ولست فوق النقد ،
فليكن أسلوبك هيناً ، ونصيحتك حارة صادقة،
واعلم أن أسلوب النقد يقع عليه العامل الأكبر في تقبله،
وكثر هم من رفضوا النقد لا لشيء إلا للأسلوب الذي استخدمه الناقد.
ويُحكى أن واعظاً قال للخليفة المأمون: إني واعظك، فمغلظ لك القول،
فقال المأمون: مهلاً .. فإن الله قد أرسل من خير منك، وهو موسى (عليه السلام)
وأخاه هارون لمن هو شرٌّ مني ، وهو فرعون، وقال لهما: (فقولا له قولاً هيناً لعله يتذكر أو يخشى).


9- لا تنصح على شرط القبول منك:
وإلا أصبحت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة لا مؤدي حقوق الأخوة.


10- قف مكان المنقود:
أي: تفهم مشاعره، وتقبل تصرفه، بل واشرح له لماذا فعل ما فعل،
وبين له أنك لو كنت مكانه ولديك نفس المعطيات المتوفرة لديه فإنك حتماً كنت ستفعل مافعله،
فأنت بذلك ترفع عن كاهله العبء النفسي الذي يثقله كشخص مخطيء ،
وفي المثل الاسكتلندي: (حينما تستطيع أن تضع قدميك في حذائي ، تستطيع أن تفهمني).


11- دعه يبرر وجهة نظره:
لا تحجرعليه ، ولا تتعصب لوجهة نظرك،
دعه يقول ويشرح ويبرر، واستمع له في حب وإنصاف.
حتى لو أيقنت أن كلامه تبرير لن يقدم شيئاً، لا بأس دعه يقول واسمعه في هدوء،
فمصادرتك لحقه في تبرير وجهة نظره هو بمثابة الحكم على المتهم بدون سماع شهادته.
وهذا مما يراه المنقود ظلماً وتجنياً منك، ويحملانه إلى الإعتقاد بأنك تريد إلصاق الأخطاء به،
وقد يدفعه هذا إلى بغضك والبعد عنك.


12- ليكن لك نظرة في الشخص:
هناك من يفهم مرادك ونقدك إذا لمحت؛ فلا تصرح به.
وهناك من يجب أن تصارحه، بل وهناك من سيجادلك ،
ليكن.. لكل نفس اسلوبها، ولكل رجل مفتاحه.
كذلك حاذر أن تنقد الخاصة كنقد أصحابك،
فأباك وأمك ومن هم في مقام مرتفع لهم أسلوب خاص جداً في التعامل،
ويجب أن يكون رصيدك من الإحترام والتأدب والروية والصبر لا محدود
مع تلك الفئة ونقدك لهم مغلف بغلاف من المودة والعطف، بل والتذلل والخنوع.


13- لا تنس أن نصحك حق لله:
فلا تتشفى .. ولا تنقد كي يقال: فلان له رأي مختلف،
ولا تجادل الطرف الآخر جدال عقيم؛ لتكن نصيحتك بالتي هي أحسن ،
ولسان حالك قول أحمد شوقي – رحمه الله:
لك نُصحي وما عليك جِدالي .. آفة النصح ان يكون جدالا
يقول الامام بن قيم الجوزية:
(إن النصيحة إحسان الى من تنصحه ، بصورة الرحمة له ، والشفقة عليه؛
فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة، ومراد الناصح بها: وجه الله ورضاه، والإحسان إلى خلقه،
فليتلطف في بذلها غاية التلطف، ويحتمل أذى المنصوح ولائمته، ويعامله معاملة الطبيب العالم المشفق على المريض المشبع مرضاً،
وهو يحتمل سوء خلقه وشراسته ونفرته، ويتلطف في وصول الدواء إليه بكل ممكن؛ فهذا شأن الناصح).
وأما التأنيب؛ فالقصد منه التعيير والإهانة، وذم من أنَّبه، وشتمه في صورة ناصح مشفق.
ومن الفروق بين الناصح والمؤَنِّب
أن الناصح لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته،
قال لك: قد وقع أجري على الله، قبلت أو لم تقبل، ويدعو لك بظهر الغيب، ولا يذكر عيوبك، ولا يبينها للناس،
والمؤّنِّب عكس ذلك.


وفي الأخير هناك من لا يقبل النقد، لكبر في النفس، وغرور في الطبع، وحماقة جبلت العقول عليها،
فلا تحزن؛ فالرجال يعرفون حق الرجال..
ولله در الأصمعي حين قال:
إن النصائح لا تخفى مناهِجُها .. على الرجالِ ذوي الألبابِ والفهمِ
أما الحمقى رافضي النصيحة، فلا تعبأ بحمقهم، يكفي أن أطعت الله فيهم..
وإن لم يحفظوا لك جميل نصحهم، فلا عليك يكفيك أن الله ناصرك ومؤيدك.
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-"من أرضى الناس بسخط الله؛ وَكَّله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله؛ كفاه الله مؤنة الناس"
وليكن حالك كحال نبي الله صالح (عليه السلام): { فتولى عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لاتحبون الناصحين} الاعراف:79


قصة في أدب النقد
ألّف الدكتور طه حسين كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" وقد أحدث دوياً، واختلفت الآراء بين مادح وقادح،
وقد دُعيَ الأستاذ المرشد حسن البنا ليدلي بدلوه حول الكتاب
وحُدِد الموعد، ووُزِّعَـت الدعوات،
وقبل الموعد بخمسة أيام، قرأ الأستاذ الكتاب في الترام أثناء ذهابه وإيابه من المدرسة،
وذهب إلى دار الشبان المسلمين في الموعد المحدد؛ فإذا بها ممتلئة برجالات العلم والأدب والتربية،
ووقف الإمام على المنصة، واستفتح بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم بدأ ينتقد الكتاب بكلام من داخل الكتاب،
فأخذ يأتي بفقرات ويشير إلى رقم الصفحات والحاضرون يتعجبون من هذه الذاكرة، وتلك العبقرية،
وفي الختام أبلغ السكرتير العام للشبان المسلمين الأستاذ المرشد بوجود الدكتور طه حسين في مكان خفي،
وفي اليوم التالى طلب الدكتور طه مقابلة الاستاذ المرشد،فقابله،
ودار حديث أكبر فيه الدكتور طه الاستاذ المرشد،
ثم قال الدكتور طه: " ليت أعدائي مثل حسن البنا، إذن لمددت لهم يدي من أول يوم،
يا أستاذ حسن، لقد كنت أستمع إلى نقدك لي وأطرب، وهذا النوع من النقد لا يستطيعه غيرك".