تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : غزة المحاصرة ورسائلها المعبرة



من هناك
12-10-2008, 10:45 AM
ليس سراً أن هدف حصار غزة والتضييق على أهلها هو إسقاط حكومتها، ومعاقبة الفلسطينيين على اختيارهم لممثلين يأبون أن يعقدوا الصفقات السياسية على حساب حقوق شعبهم. الانتخابات الفلسطينية والتي أفرزت حكومة المقاومة، بدت نقطة فاصلة في المزاعم الأميركية بتشجيع الديمقراطية في المنطقة، والتي كانت شعارا رئيسيا لإدارة بوش ثم ما لبثت أن توارت، خشية أن تكون تلك الديمقراطية سبيلا لصعود التيارات الرافضة للسياسة الأميركية غير المتوازنة.
صمود غزة في وجه الحصار والعقوبات الجماعية وجرائم حرب، كما وصفها جيمي كارتر والقس ديزموند توتو وغيرهما، أدت وستؤدي إلى نتائج عكسية تماما لأهداف الحصار وغاياته. فالفلسطينيون والذين يتميزون بوعي سياسي رفيع، مدركون تماما أن حماس ليست المستهدف الأساسي في التضييق على غزة ومحاولات خنقها. فبمجرد أن تعلن الحركة عن قبولها بالتنازلات السياسية، سيتم الاعتراف بها، وسيفرش لقادتها السجاد الأحمر، وتفتح لهم المعابر والأبواب. الفلسطينيون مقتنعون بأن مقاومتهم وتمسكهم بحقوقهم هو ما يستهدفه الحصار عليهم، وبالتالي فقد ازدادوا التفافا حول حكومة هنية برغم الظروف المعيشية البائسة وغير الإنسانية والحملات الإعلامية.
حصار غزة والذي دفع بناشطين وبرلمانيين غربيين للإبحار إليها في ظاهرة تتنامى يوما بعد آخر، وإلى اهتمام منظمات دولية بالأحوال المتردية في القطاع، أمور تكشف غربيا الوجه الحقيقي للكيان الإسرائيلي والقائم على الاحتلال والعدوان.
الأوضاع في القطاع والتي تشارك في نسج مأساتها السلطة الفلسطينية بوسائل مباشرة وغير مباشرة، ستؤدي حال فشل الحصار، إلى إحراج كبير للسلطة والتي يتآكل رصيدها الشعبي لفشل خيارها التفاوضي واستنادها لدعم إسرائيلي لا يمكنها الاستغناء عنه. ولأن بقاءها يعتمد إلى حد كبير على المساعدات المالية والأمنية والتي يقدمها مجتمع دولي سعى دائما للتجاوز على حقوق الفلسطينيين.
صمود غزة أحرج النظام العربي الرسمي ليس لعجزه فحسب، بل ولإفلاسه السياسي والاستراتيجي. فكم هو محرج ومزعج للذين يتحدثون عن التمسك بمبادرة السلام ونشر ثقافته، في حين يصارع أطفال غزة وعجائزها الموت جوعا وقهرا ويمنع مرضاها وحجاجها من السفر. غزة والتي حركت الشارع العربي عبر اعتصامات وتظاهرات بعد سبات عميق، ستساهم في نقل أزمتها إلى أنظمة عربية مأزومة وقد تدفعها للتحرك قبل فوات الأوان.
غزة كشفت بجلاء الانحياز الغربي لإسرائيل، فرغم جرائمها فقد اتخذ الاتحاد الأوروبي مؤخرا قرارا بتعزيز علاقاته معها، مشددا على ضرورة أن يتم في موازاة ذلك تعزيز الحوار بينها من جهة والفلسطينيين والدول العربية من جهة أخرى، بغية عدم التأثير سلبا على «التوازن» في عملية السلام. وقرر وزراء خارجية الاتحاد، تكثيف الاتصالات على مستوى عال مع إسرائيل في إطار اتفاق معها سيتم إقراره في أبريل القادم. الموقف الأوروبي غير المتوازن والمتستر بالحوار الفلسطيني والعربي مع الاحتلال يكشف عن الدور التطبيعي المؤذي والذي يقوم به الساسة الفلسطينيون وبعض العرب مجانا مع إسرائيل.
ما يحدث في غزة ستكون له تداعيات على العالم العربي ما بين سيادة ثقافة المقاومة والتمسك بالحقوق أو تعميم ثقافة التسليم بالأمر الواقع والاستسلام له!
[email protected]