تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هـــل يُــعطـــى "الجنرال" مـــا لـــم يُعطَ لغيره ؟



عزام
11-26-2008, 09:57 AM
هـــل يُــعطـــى "الجنرال" مـــا لـــم يُعطَ لغيره ؟
سمير منصور
"الضّيف" ساهم في تضخيم النتائج المطلوبة من زيارة قدّمها أنها "تاريخية"
هـــل يُــعطـــى "الجنرال" مـــا لـــم يُعطَ لغيره ؟
سمير منصور - النهار

يتوزع زوار دمشق من اللبنانيين، بين مؤيدين في المطلق يرددون ما يسمعونه من المسؤولين السوريين ويتبنون مواقفهم أياً تكن، وحلفاء واصدقاء، وناقلي اخبار او باحثين عنها، وعارضي خدمات او طامحين، ومستقلين باتوا "عملة نادرة"، وزوار للتعارف يمكن ان ينطبق عليهم حال "طالبين القرب" و"سيّاح" لا علاقة لهم بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد، وتجار صغار وكبار يقصدون دمشق للتبضع او للبيع والشراء، و"دراويش" قد تكون الشام "السفرة" الوحيدة في حياتهم خارج "القطر" وقوميين عروبيين يشعرون بالانتماء الى كل عاصمة عربية، واخيرا لا آخراً، مسؤولين يزورونها تنفيذاً لقرار حكومي او تكليف رسمي. يا لقلّة هؤلاء!
وايا يكن الموقف في لبنان من "النظام السوري"، فان اصدقاءه وخصومه لا يستطيعون تجاهل حقيقة، هي ان اهل هذا النظام، وإن "ما بينهم وبين انفسهم"، يحترمون من يحترم نفسه، بل ان حامل هذه الصفة يفرض احترامه على كل "الأنظمة". ومن هؤلاء، من سمع اكثر من مرة، ومن مسؤولين سوريين تحديداً، حديثهم عن "غلو" كثيرين والذهاب ابعد بكثير مما هو مطلوب او مما هم يريدون منهم!
رحم الله الرئيس الياس الهراوي الذي يُروى عنه انه عندما كان يريد عرض مسألة ملحة من خارج جدول اعمال مجلس الوزراء، كان يرد على من يبدي اعتراضاً من الوزراء بغمزة على طريقته ومن وراء ملف امامه، ان "الاخوان" – ويقصد السوريين – يريدون ذلك. وغالبا ما كان ينسب الاقتراح في عرض المسألة، الى الوزير البعثي الدائم في الحكومة، وكان في تلك الحقبة الوزير عبدالله الامين "الامين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان" والذي كان يُفاجأ بدوره!
وهذه الطرفة لا تعني ان "الأخوان" ما كانوا يطلبون او "يتمنون". فقد كانوا يفعلونها باستمرار، مما اتاح لـ"الأخوان" اللبنانيين، ان يمرّروا و"يهرّبوا" الكثير، باسم "اخوانهم" السوريين. وهكذا دواليك، كان جميع ابناء "الخط" – وفق تسمية الوزير السابق سليمان فرنجيه لمؤيدي سوريا من السياسيين اللبنانيين – يفعلون ما يريدون، "مدعومين" من "الخط"... ومن كان منهم بلا خطيئة فليتجرأ على رجمها بحجر!
و"الخطيئة" في هذا المسار، لم تكن مقتصرة على واحد من طرفي "الاخوّة" بل كان "الخط" "شغّالا" في الاتجاهين، فكان "العصر الذهبي" لمن عُرفوا بـ"المدعومين"، والزمن الرديء او عصر الانحطاط بالنسبة الى سائر عباد الله، لبنانيين وسوريين ممن لم تكن لهم الحظوة في هذا "الدعم"، او ممن لم يسعوا اليه، حفاظا على الحد الأدنى من الاستقلالية وحرية الحركة واحترام النفس. ومن هؤلاء يمكن ايجاد الخلّص من الاصدقاء او الحلفاء الحقيقيين، بعيدا من اي تبعية او ارتهان. ولم تخلُ العلاقات اللبنانية – السورية يوماً من وجود بعضهم، حتى في "زمن الوصاية".
ولعل ما استحضر هذه "الذكريات"، الزيارة – الحدث لرئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون قريباً الى دمشق في "زيارة تعارف الى اناس كانوا خصومي وكنت خصمهم"، وبعدما كان "الجنرال المتصهين" وفق الاعلام السوري، زمن ما سماه "حرب تحرير لبنان من الاحتلال السوري". لا بأس، فالمصالحة تكون عادة بين الخصوم والمتحاربين في ما يسمى "سلام الشجعان"...
وكان يمكن ادراج هذه الزيارة ضمن احد انواع الزيارات "الروتينية" الآنفة الذكر لسياسيين لبنانيين للعاصمة السورية، لو ان صاحبها اعتمد بعض التواضع في حديثه عنها، ولو لم يشبّهها بزيارة الجنرال شارل ديغول لألمانيا عام 1958 بعد حرب 1945، او لو لم يضعها ضمن اطار "مسيحي مشرقي"، واصفاً الشام بـ"مهد المسيحية" وقائلاً: "نحن طائفة مسيحية مارونية جذورها موجودة في سوريا حيث عاش مار مارون وانتقل منها الى كفرحي"، أوَلم يقل: "انا اقوم بمراجعة لسياسة عمرها 900 عام"! وأن "المسيحيين الذين ينتقدون زيارتي لم يقرأوا الإرشاد الرسولي" وما شابه من عبارات بلغت ذروتها بقوله "أفتتح عهداً جديداً" او إن "خياراتنا اثبتت انها ناجحة مئة في المئة" رغم بعض التواضع في مكان ما: "اذا قلت انني دوما على حق فسيظهر ذلك نوعا من العجرفة" ("النهار" السبت الماضي).
هذه العبارات التي تضفي على الزيارة طابع "القداسة" و"التاريخية" من شأنها ايضاً ان تفرض "تداعيات" لجهة النتائج المرجوة منها في ما يتعلق بالملفات العالقة بين لبنان وسوريا، اقله في الشأن الإنساني ذي الصلة بالمفقودين والمعتقلين والمخطوفين من الطرفين، وان منذ بداية ما سمي "حرب التحرير" عام 1989، وصولا الى "13 تشرين" 1990، وكذلك بمعرفة مصير "المجهولي المصير" من خيرة الضباط والجنود الذين سقطوا بنتيجتها منذ بدايتها وحتى نهايتها.
وأقل ما يمكن ان يقال عشية الزيارة "التاريخية": ما كان اغنانا عن هذه الحرب والأثمان الباهظة التي تكبدتها البلاد، ودفع ثمنها المواطن وحده، دماً ودموعاً وممتلكات!
وللإنصاف، كل ذلك، وعلى ثقله واثمانه الباهظة، لا يعني ان هذه الزيارة يجب الا تتم. بل على العكس، قد تكون مفيدة على الصعيد الانساني والوطني اذا تمكن "الجنرال" من توظيف علاقاته لمساعدة الدولة على معالجة بعض الملفات العالقة، أو إذا أراد، وان يكن هذا الامل يتضاءل بقوله: "لكي اطرح ملفات يجب ان اكون في موقع السلطة، وانا لست فيه". ومع ذلك، من يدري؟ فقد تحصل المفاجأة، كي لا يقال "المعجزة" ويُعطى "الجنرال" ما لم يعط لغيره؟
وللإنصاف ايضا، ينبغي تسجيل موقف جريء عبر عنه الرجل الذي حرص على الإشارة إلى "لبنانية" زيارته، بقوله لمن يعارضونها من المسيحيين: "يستطيع هؤلاء ان يحجبوا اصواتهم عني، فأنا لا ألومهم"، ضاربا مثل الطبيب الذي يصف الدواء "للمريض الذي لا يعرف مصلحته وحده".
وفي النهاية، وكما قال "الجنرال" نفسه: "السلام يستحق الزيارة" فعلاً، ولكن بشرط ان يكون هذا السلام، الموجود في وجدان الناس العاديين بعيداً من السياسة، وان يتحول حقيقة واقعة، تترجم علاقات لبنانية – سورية طبيعية صادقة ونقية وصافية و"آمنة"، بعيداً من اي اتهامات متبادلة في شأن "فتح اسلام" او "نصارى" وعلاقات لا بأس "ندّية" بين دولة ودولة!