تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حلف الفضول



أبو نوح
11-22-2008, 05:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

حلف الفضول

{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال:25]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
لقد أصيبت الأمة المحمدية عامة في هذا الزمان والمجتمع الفلسطيني خاصة بنكبات وأزمات بعضها أعظم من بعض، وأعظم هذه النكبات بإطلاق البعد عن الحق والجهل به إلى حد كبير، ثم تأتي بعدها نكبة التفرق والتمزق والتنازع والاقتتال، والأزمة الأولى ليست مجال حديثنا هنا لا لقلة أهميتها بل هي أهم القضايا الممكن أو اللازم طرحها، ولكن لها مقام آخر حيث إن الدين لا ولن يتحقق في النفوس ولن يقام إلا بالرغبة والاختيار والرضا والتسليم، وأما الإكراه فلا يصح اتخاذه طريقًا إليه، فالكل يختار دينه بمطلق حريته، وهذا ما جاءنا به أكرم كتاب وأجل كلام، فقال تعالى{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:256]،وقال{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}[الكهف:29]، ونحن لم يكلفنا الله تعالى بقهر العباد على دينه بل بدعوتهم إليه وتذكيرهم به وترك القرار إليهم وأمرهم إلى الله تعالى، فقال عز وجل{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ . لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ . إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ . فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ . إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}[الغاشية:21-26]، وبعد ذلك كلفنا باتقاء فتنتهم حتى لا نؤخذ بذنوبهم ولا نقتل مسيرة إقامة الدين، واتقاء الفتنة في مرحلة الاستضعاف وكلنا اليوم لاشك مستضعفون له طرق وأشكال أرشدنا إليها القرآن الكريم ورسمها لنا بسلوكهم المعصوم القويم الرسل الكرام وعلى رأسهم رسولنا الأعظم وأئمة الهدى وسفن النجاة من بعده صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين، وأولى خطوات الطريق ووعاؤه الدائم هي الخلق الكريم والرفق واللين في التعامل مع المخالفين، يقول تعالى موجهًا مرشدًا{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:43-44]، وثانيها الصبر الذي لا ينفد على أذى من رفقنا بهم وألنا لهم القول وأهديناهم الخير بحيث لا نغير من أخلاقنا ولا نبدل أهدافنا ولا نتخلى عن دعوتنا، يقول تعالى{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ}[ص:17]،ويقول{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}[الروم:60]، ويقول{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}[الأحقاف:35]، وثالثها إعانتهم على الحياة بصلة مقطوعيهم وإعطاء محروميهم ونصرة مظلوميهم وذلك بنصح الظالم وإلزامه بعقود تجبره على عدم الظلم ورد المظالم إلى أهلها، وهذا ما أحياه فينا رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بسلوكه المتألق وأخلاقه العالية الرفيعة، فقد كان أوصل قومه الذين آذوه أشد الإيذاء للرحم ولمن قطعه وأنصرهم لمظلوميهم وأحفظهم لأماناتهم وأبعدهم عن الانتقام لنفسه منهم، وأعونهم لهم على كل خير، وأرفقهم بأصحابه وحتى المنافقين الذي تخللوهم، وما العلم بتأييده لحلف الفضول منا ببعيد القائم على نصرة مظلومي مكة وإلزام أهلها بهذا العقد، وما أحوجنا اليوم ونحن أمة متفرقة متمزقة متعددة الأحزاب والأفكار والرؤى والانتماءات والولاءات، إلى هذه الخطوات، إلى هذه الأخلاق، إلى هذا الحلف حلف الفضول، الذي لا يقهر الناس على دين ويرفع الظلم عن المظلومين ويعطي المحرومين، ويرد الظالم ويلزمه بالكف عن ظلمه الآخرين مهما علا وتجبر، ما أحوجنا إلى هذا الحلف الذي يجنب المجتمع ويلات الاقتتال ونيران الحروب الداخلية وأزمات الظلم والقهر والتجبر، ما أحوجنا إلى هذا الحلف الداعي إلى الإحسان إلى المسيء حتى ولو بلغت إساءته ذروتها، والصبر على الظالم حتى يرعوي عن ظلمه، ما أحوجنا إلى هذا الحلف الموحد للجهود والطاقات مهما اختلفت آراء أهلها في وجه الظالم المتكبر المتغطرس، وليس عيبًا أن نتفق على هذه القواعد والقواسم المشتركة التي يقر بها الجميع ولا يعارضها فكر أو دين، ونقيم حلف الفضول من جديد بل ونحيي حلفًا أقره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وارتضاه وقال فيه"لو دعيت به في الإسلام لأجبت"، وإنما العيب الذي عابه الله وأنكره أن نجعل من أنفسنا لقمة سائغة لأعدائنا يتلاعبون بنا كيف يشاءون مقابل نزغات وابتغاء شهوات، فلنترفع عن إقامة الذات ولنتجه اتجاهًا صادقًا على إقامة الحق حتى ولو على حساب أنفسنا. وكتبه أخوكم الشيخ محمود جودة. الثلاثاء 19من ذي القعدة1429.