تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مريم والمدرسة



سـمـاح
11-19-2008, 04:12 PM
مريم والمدرسة
نبيلة غصين


مريم اليوم في الثانية عشرة من عمرها. تركت المدرسة وهي في الثامنة من عمرها بسبب ظروف أهلها الاقتصادية، فما عاد والدها قادراً على تحمّل أعباء التسجيل والكتب وتكلفة المواصلات، وبقيت في المنزل برفقة حلم العودة الى مقعدها الدراسي: »كل سنة كنت قلّو لبيي بدي اتسجل، يقلي بعدين«.
كانت تردد أنها ستكبر وتتزوج ولن يعيدها أبوها الى المدرسة. أحلامها كبيرة جداً: »بحب اطلع دكتورة أو مهندسة، شي يحكوا الناس فيي، وهيك شوف حالي«، تقولها بحماسة. نسيت مريم نصف أحرف الأبجدية على قلة الممارسة والقراءة، لكنها لم تيأس: »إن شاء الله بيصير عمري قديه، بدي ارجع على المدرسة وإتعلم«.
بعد انقطاع دام أربع سنوات، عادت مريم الى الصف الذي تركته: »مريم رجعت على المدرسة«، يبشرني والدها أبو علي: »سجّلتها السنة، حرام بدها ترجع«. وقد ساهــمت الإجراءات التي اتخذتها الوزارة في تخفــيف العبء عن كاهل الأهل، إذ أن التسجيل رمزي والكــتب مجانية الى حد ما. وكان أبو علي يخاف من عدم قـدرة مريم على الاستيعاب بعدما تركــت المدرســة طول هذه المدة، إلا أن مريم لاحقته بمطلب منحها معلمة خصوصية لتعوض ما فاتها.
بدأ العام الدراسي الجديد وأشرق بصيص أمل في عيون مريم. ازدادت ثقتها بنفسها، وباتت تمشي وتتمختر في مشيتها. لقد نالت كل ما تريده من الحياة، استعادت حيويتها فأصبحت تستيقظ باكراً، تنتظر الباص، تصفف شعرها كتلميذة، وتواظب على اتمام دروسها: »بلاقي صعوبة بالانكليزي، والمعلمة ما بتطول بالها عليي«. تحولت من جديد الى فتاة حالمة، تطمح بمستقبل زاهر.
بعد مضي شهرين على العودة إلى صفوف الدراسة، قررت مريم ترك المدرسة مجدداً... ولكن هذه المرة بسبب المعلمة التي تبرحها ضرباً: »لو بتموتيني ما بقى ارجع ع المدرسة«. وعندما طلبت منها مريم الكف عن ضــربها، ازداد غـضب المعلمة وراحت تضرب رأس الطفلة بالحائط وبالطاولة.
لم تستطع مريم تحمل الضرب، فتركت المدرسة للمعلمة ورحلت. اشتكت مريم للناظرة مراراً قبلها، ولكنها بالطبع لم تلق آذاناً صاغية. وتحركت والدة مريم مطالبةً المدرسة بمعاقبة هذه الأستاذة، ولكن ذلك كله لم يقنع مريم بالعودة الى المدرسة: »خلص، تعقّدت منها. بدل ما المعلمة تطول بالها عليي لأتعلم، خلص«.
نعم، صحيح، ربما أصبح من واجب التلميذ أن يتحمل الأستاذة التي أثقلتها هموم الحياة، فجاءت تفش خلقها بالتلاميذ.