تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الفارس الأنيق!!



شيركوه
11-11-2008, 07:40 AM
من دروس السيرة في احترام الخصوصية الشخصية
فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدا أحداً وما بعدها ، وله عدة أحاديث، كان في مقتبل شبابه ، مشغولاً بنضارة وجهه ، وحسن مظهره ..
وكان يعتني بشعره خاصة يحافظ على تسريحة معينة ، ويخشى أن تمس ، حتى عندما يصلي يبعد شعره عن السجود حتى لا تخرب تسريحته ( فعن محمد بن سيرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أبا قتادة يصلي ، وينقي شعره ، فأراد أن يجزه [ أي : يقصه ]، فقال : يا رسول الله إن تركته لأرضينك ، فتركه.
ومضت المرة الأولى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يود أن يربي جنديه على عدم العبودية لشيء ويصبح هم المرء مظهره وأناقته.
أما المرة الثانية : فكانت أخطر ( فعن أيوب عن محمد بن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أبي قتادة فقيل يترجل – يمشط شعره- ..) وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة وشعره ، وكيف وعده بإرضائه ، فغض طرفه عن هذه الخطيئة الثانية ، فهل يؤخر الفارس الفتى استجابته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه مشغول بتسريح شعره ؟
وانتظره بعد لأي ( ثم أرسل إليه ، فقيل : يترجل – يمشط شعره) وكانت الخطيئة الكبرى الثالثة ، فبعد مرتين يستدعيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعتذر عن إجابته بأنه يترجل ، وهل يأخذ تسريح الشعر كل هذا الوقت إلا لشاب لا هم له إلا مظهره وأناقته وجمال شعره . وكاد عليه الصلاة والسلام أن يؤذنه بالعقوبة المناسبة ، لكن ترك له الفسحة الأخيرة ، وانتظر ملياً عليه ( ثم أرسل إليه فقيل: يترجل) إنها الدعوة النبوية الثالثة له ولا يزال منهمكاً بترجيل شعره ، وهذا نموذج خطأ لا يجوز أن يوجد في المجتمع الإسلامي ، وفي صف المجاهدين فيه ، لقد بلغ السيل الزبى ، وصدرت الأوامر بالعقوبة النبوية ، والعقوبة من جنس الذنب ، فقال : "احلقوا رأسه".
وما كاد ينتهي من ضبط تسريحته ، ويرضي عنها ، حتى استعد ليلبي نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقد استحيا كثيراً من التلكؤ ، وفوجئ برسل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرة الرابعة لكنهم الآن ليسوا قادمين لدعوته ، إنما هم قادمون وبيدهم الموسى لحلق شعره كله ، حتى يكون الزلزال الذي يغيره من جذوره ويعيده إلى الحظيرة النبوية بعيداً عن هذه العبودية ، وأحس بروحه سوف ترافق حلق شعره ، فاستأذنهم ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل التنفيذ لعله يتدارك هذا الشعر الحبيب الغالي على قلبه ونفسه ( فجاءه فقال : يا رسول الله : دعني يا رسول الله هذه المرة فو الله لأعتبنك) [ أي : أزيل عتبك عليّ ]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ، وما طلب منه أحد شيئاً فقال : لا ، وأخفض رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره الشريف مؤذناً بالموافقة على مضض.
وجاءنا النداء وهو يغتسل :
إذا كان قد تلكأ ثلاثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرجل شعره فكيف إذا كان يغتسل ؟ لا بد أنه يحتاج إلى نهار كامل ، ليتناسب الأمر مع تسريح شعره.
ومثل هذه النماذج التي نشهدها في مجتمعنا ، والتي يمكن أن تسميها تجاوزاً أنها مصابة بعقدة النرجسية وهي عبادة الذات ، ونراها في مجتمعنا خوارة ، جبانة ، متخلفة ، همها جمال منظرها ، وحسن هندامها ، لا تحمل خصلة إيجابية واحدة ، همها أن تراها الصبايا الجميلات ، فيفتن فيهم. ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم)... فهل كان شابنا الظريف الأنيق واحداً من هؤلاء ، أم كان يحمل عزيمة سبع وبطولة أسد في ثوب حمل وديع ؟؟؟
ندع الجواب له :
( قال أبو قتادة : إني لأغسل رأسي ، قد غسلت أحد شقيه ، إذ سمعت فرسي جروة [ جروة : اسم الفرس ] تصهل وتبحث بحوافرها ، فقلت : هذه حرب قد حضرت) إنه لم يسمع نداء لحرب إنما سمع همهمة فرسه وصهيلها ، فلم تفعل ذلك إلا لأنه تناهى إلى مسامعها خيول تصهل وتستعد للحرب ، وفاتنا أن الشاب الظريف قد عاهد خليله أن يرضيه في أي حدث جلل يقع وهذه حرب ( فقلت : هذه حرب قد حضرت ، فقمت ولم أغسل شق رأسي الآخر ، فركبت وعلي بردة ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح : الفزع ، الفزع).
أليس في عنقه عهداً لرسوله الحبيب أن يقر عينه بموقف يمسح كل ما في قلبه من وجد عليه ؟ وامتطى فرسه يسابق الريح.. ( قال : فأُدرك المقداد ، فسايرته ساعة ، ثم تقدمه فرسي وكان أجود من فرسه) وكان العدو من غطفان قد أخذ لقاح ( النوق ذات الألبان) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومضى هرباً يشتد لولا أن شغله سلمة بن الأكوع برمي النبال عليه حتى يبطئ مسيره ، ويحاولون اللحاق به فيسبق الخيل ثم يعودون فيعود إلى رميهم بالنبل ، وكان مسعدة بن بدر فارس غطفان هو حامي حمى العدو في الخلف ، وهو الذي قتل الفارس المسلم محرزة بن نضلة ( فأدرك المقداد ثم تقدمه فرسي ، وكان أجود من فراسه ، وأخبرني المقداد بقتل مسعدة محرزاً ، يعني ابن نضلة ، فقلت للمقداد : إما أن أموت أو أقتل قاتل محرز ، فضرب فرسه فلحقه أبو قتادة ، فوقف له مسعدة ).
وتحققت دعوة أبي قتادة :
لم يكن هذا أول لقاء بين أبي قتادة ومسعدة ( ففي رواية أن أبا قتادة اشترى فرساً فلقيه مسعدة الفزاري ، فتفاوض معه ، فقال له أبو قتادة : أما إني أسأل الله أن ألقاك وأنا عليها ، قال : آمين ، فلما أخذت اللقاح [ جمع لقحة وهي النوق ذوات الألبان ] ركب تلك الفرس وسار فلقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : امض أبا قتادة صحبك الله ).
قال : فسرت حتى هجمت على القوم فرُميت بسهم في جبهتي ، فنزعت قدحه ، وأنا أظن أني نزعت الحديدة ، فطلع علي فارس وقال : لقد ألقانيك الله يا أبا قتادة ، وكشف عن وجهه فإذا هو مسعدة الفزاري ).. إنه هو قاتل محرز بن نضلة ، وهو الذي دعا الله أن يجمع بينهما في الحرب ، واستجيبت دعوته .
فقال : أيهما أحب إليك : مجالدة [ أي : مبارزة بالسيف ] أو مطاعنة [ أي : طعناً بالرماح ] أو مصارعة ؟ فقلت : ذلك إليك ، فقال صراع. فنزل وعلق سيفه في شجرة ، وعلقت سيفي في شجرة ، وتواثبنا فرزقني الله الظفر عليه ، فإذا أنا على صدره وإذا شيء مس رأسي ، فإذا سيف مسعدة قد وصلت إليه في المعالجة ، فضربت بيدي على سيفه وجردت السيف ، فلما رأى السيف قد وقع بيدي ، قال : يا أبا قتادة ، استحيني [ أي : أبقني حياً ] ، قلت : لا والله ، قال : فمن للصبية ؟ قلت : النار. ثم قتلته وأدرجته في بردي [ أي : غطيته ]، ثم أخذت ثيابه فلبستها ).
ألم يعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرضيه في أول لقاء مع العدو ، مقابل السماح له بإلقاء شعره ، وإعفاءه من الحلق ؟ لقد تم له ذلك ، وقتل قاتل محرز بن نضلة ، أفلا يكفيه ذلك ؟
لنستمع إليه : ( ثم استوليت على فرسه " فرس محرز " فإن فرسي نفرت حين تعالجنا وذهبت للقوم فعرقبوها [ عرقبوها : أسروها وأخذوها ، ومنعوها عن العدو بقطع عرقوبها ] ، ثم ذهبت خلف القوم فحملت على ابن أخيه ، فدققت صلبه) ، وهذا قتيل ثان لأبي قتادة ، فماذا وراء ذلك ؟
( فانكشف من معه من اللقاح ، فحبست اللقاح برمحي ، وجئت أحرسها).. لقد استنقذ نصف اللقاح المسروقة إضافة إلى قتل الفارسين الخطيرين .
وكان اللقاء العظيم مع القائد الحبيب :
( فلما مر الناس تلاحقوا ، ونظروا إلى بردي ، فعرفوها ، وقالوا : أبو قتادة قتل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ولكنه قتيل أبي قتادة وعليه برده " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفلح وجهك يا أبا قتادة ". فقلت : ووجهك يا رسول الله " ، قال : " قتلت مسعدة " قلت : نعم ).. فقد وفى بعهده ..
لكن هذا الأنيق ، قد شوه وجهه ذلك السهم الغائر في جبهته . ( قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما هذا الذي بوجهك ؟ " قلت : " سهم أصابني " فقال : " ادن مني " فنزع السهم نزعاً رقيقاً ثم بزق فيه ووضع راحته عليه).. وكانت أعظم عملية تجميل لهذا الفارس الأنيق ، ولم لا يحافظ على أناقة فارسه العظيم ، وقد قتل الفارسين ، واستنقذ نصف اللقاح !.
يصف أبو قتادة عملية التجميل هذه بقوله : ( فوالذي أكرمه بالنبوة ، ما ضرب على ساحة ، ولا قاح علي) فقد كانت أعظم عملية جراحية وتجميلية مستها يد النبوة .
( اللهم بارك له في شعره وبشره ) [ البشرة : الجلد ]، وما أخبار شعر أبي قتادة الذي صدر الأمر بحلقه ، هل أرجئ حتى انتهاء الحرب ؟ أبداً لقد صدرت الأوامر النبوية بتربيته ليكون أجمل وأحسن ، ودعا لأبي قتادة قائلاً : " اللهم بارك له في شعره وبشره " وماذا كانت ثمرة هذه الدعوة ؟
( فمات أبو قتادة رضي الله عنه وهو ابن سبعين سنة ، وكأنه ابن خمس عشرة سنة!) وذلك ببركة الدعاء النبوي العظيم ، أن يبارك الله في شعره وجلده .
خير فرساننا أبو قتادة :
لقد نال ثلاث جوائز نبوية غير ما أعد الله له من النعيم:
الأولى : اعتباره الفائز الأول في هذه المعركة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خير رجالاتنا سلمة بن الأكوع ، وخير فرساننا أبو قتادة )".
الثانية : الدعوة الخالدة التي أبقته بنضارته وشبابه وهو ابن السبعين " اللهم بارك له في شعره وبشره ".
الثالثة : وأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم فرس مسعدة وسلاحه .
فهل عندكم مثل هذا الفارس الأنيق؟
مجلة المنار ، العدد 62 ، رمضان 1423هـ.

خفقات قلب
11-11-2008, 10:05 AM
مقالة مميزة ذكرتني بـ(القاضي الأنيق)، أتدري من هو يا شيركوه؟
إن شاء الله أكتبه لاحقا..بارك الله فيك