تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الصد عن منهج السلف الثقات ... بالإشاعات والاتهامات



أبو يونس العباسي
11-10-2008, 12:40 PM
الصد عن منهج السلف الثقات ... بالإشاعات والاتهامات



أبو يونس العباسي



الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .



سبب المقال



أيها الأحبة : بينما كنت جالسا في بيتي أطالع بعض الكتب , وإذا بالجوال يصدر صوتا , فنظرت إليه فإذا رسالة يطلب صاحبها مني أن أدعو له , ويخبرني أنه في كرب شديد , ثم توالت الرسائل من هذا النوع , فاستفسرت من أحد المرسلين , فأخبرني أن بعض المنتمين إلى حركة حماس , يذهبون إلى أهاليهم , ويقولون لهم بأن أبناءهم يمشون مع التكفيرين , وأن هؤلاء التكفيريون , لهم علاقة بالموساد الإسرائيلي , وأن أبناءهم ينتهجون طريق التفجير والتدمير , مما دفع أهالي الموحدين إلى أن يكونوا قساة مع أبناءهم , ولا حول ولا قوة إلا بالله , فكان هذا الحدث دافعا لي أن أكتب هذا المقال , والذي عنونته بعنوان :" الصد عن منهج السلف الثقات ... بالإشاعات والاتهامات"



الاتهامات والإشاعات ديدن الصادين عن دين رب العالمين



أيها الأحبة : إن الصد عن سبيل الله بالإشاعات والاتهامات , غير المستندة إلى دليل , ليس وليد العصر , بل هو أسلوب قديم حديث للطواغيت , فانظر إلى عاد كيف تتهم هودا – عليه السلام – بأنه سفيه , دون حجة ولا برهان , قال الله تعالى :"وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُون *** قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ "(الأعراف:66,65) , وانظر إلى فرعون - لعنه الله - , كيف يرمي موسى – عليه السلام – بالكذب والجنون , دون حجة ولا برهان , قال الله تعالى :"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ*** إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّاب "(غافر:24,23) , بل إن كل من أرسلت إليهم الرسل , اتهموا رسلهم بأنهم سحرة , واتهموهم بالجنون كذلك , قال الله تعالى :"كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ "(الذاريات:52) , ونبينا – صلى الله عليه وسلم – ليس بمنأى عن ذلك , فقد أورد البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما :أنه حين اجتمع الوليد بن المغيرة , و نفر من قريش , و قد حضر الموسم , ليجتمعوا على رأي واحد فيما يقولون في محمد - صلى الله عليه وسلم - لوفود العرب , فقالوا



فأنت يا أبا عبد شمس ! فقل و أقم رأيا نقوم به



فقال : بل أنتم فقولوا أسمع



فقالوا : نقول كاهن



فقال : ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان , فما هو بزمزمة الكاهن , ولا سحره



فقالوا : نقول : هو مجنون



فقال : ما هو بمجنون , و لقد رأينا الجنون , وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخالجه و لا وسوسته.



فقالوا : نقول : شاعر



قال : ما هو بشاعر , ولقد عرفنا الشعر برجزه و هزجه و قريضه



ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر



قالوا : فنقول : هو ساحر



قال : فما هو ساحر , لقد رأينا السحار و سحرهم فما هو بنفثه ولا عقده.



فقالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟



قال : و الله إن لقوله لحلاوة , وإن أصله لمغدق , وإن فرعه لجنى , فما أنتم بقائلين من هذا شيئا , إلا عرف أنه باطل , وإن أقرب القول أن تقولوا : ساحر يفرق بين المرء و أبيه , وبين المرء وبين أخيه , وبين المرء و بين زوجه , وبين المرء و بين عشيرته , فتفرقوا عنه بذلك , فأنزل الله عز وجل في الوليد بن المغيرة: "ذرني ومن خلقت وحيدا" إلى قوله:" سأصليه سقر"



ولقد نجحت جهود الكفار , في بعض الأحيان , وإلى أمد محدود , بصد الناس عن دين الله تعالى , بالإشاعات والاتهامات , ولكن يأبى الله أن يتم نوره , ولوكره الكافرون .



لا بد أن يظهر الحق ولو بعد حين



أيها الأحبة : ومهما حاول أعداء منهج السلف " منهج محمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه" أن ينفروا الناس عنه بالإشاعات والاتهامات , فإن الحق لا بد سيظهر ولو بعد حين , لأن هذا الدين , هو دين الله , والله هو من تكفل بحفظه وإظهاره , رغم أنوف الحاقدين , قال الله تعالى :"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "(الحجر:9) , وهو القائل :" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون"(التوبة:32) , سيظهر المنهج السلفي الجهادي " منهج محمد –صلى الله عليه وسلم – وأصحابه" لأنه هو المنهج الحق , الذي لا قدرة على الباطل في أن يجاريه , أو أن يقف في وجهه , قال الله تعالى :"وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا " (الإسراء:81) , وقال جلت قدرته :"بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ "(الأنبياء:18) , وقال العليم الحكيم :"لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِه المجرمونَ "(الأنفال:8) , ومسألة انتصار هذا المنهج , هي مسألة وقت ليس إلا , وهنا أقول لأصحاب الإشاعات والاتهامات : إن استطعتم أن تكذبوا على الناس , فلن تستطيعوا أن تكذبوا على الله رب الناس , والله – عز وجل – يعلم حقيقة أمرنا , فهاهم النصارى كذبوا على عيسى , واتهموه أنه أمرهم بعبادته , فعل يخفى على الله حقيقة اتهامهم , قال الله تعالى :"وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ"(المائدة:116), وها هم كفار قريش ومن نحا نحوهم , اتهموا إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام – أنهما كانا يستقسمان بالأزلام , فهل يخفى على الله حقيقة اتهامهم , أخرج البخاري في صحيحه , من حديث ابن عباس :" أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال : قاتلهم الله والله إن استقسما بالأزلام قط " , وها هم اليهود اتهموا مريم بالفاحشة , فهل يخفى على الله حقيقة اتهامهم , قال الله تعالى :" وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا "(النساء:156) , والله غالب على أمره , ولكن أكثر الناس لا يعلمون .



عندما تسمى الأشياء بغير اسمها



أيها الأحبة : نحن في زمن تسمى به الأشياء بغير اسمها , فالمجاهد بات إرهابيا , والخائن صار وطنيا , والملتزم بالنصوص صار متشددا , والمفرط صار وسطيا , وصار من يحارب الظلم وينكره , خارجيا تكفيريا , أما أهل المداهنة والتمييع , فهم أتباع منهج السلف !!! , وهذا ليس عجيبا , فإن فرعون أعتى أهل الأرض , جعل من نفسه مصلحا , ومن موسى – عليه السلام – مفسدا للدنيا والدين , قال الله تعالى :"وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ" (غافر:26) , إن هذا الواقع تحدث عنه الرسول – صلى الله عليه وسلم – بقوله كما عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة "سيأتي على الناس سنوات خداعات , يصدق فيها الكاذب , ويكذب فيها الصادق , ويؤتمن فيها الخائن , ويخون فيها الأمين , وينطق فيها الرويبضة , قيل وما الرويبضة ؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة .", إنه زمن صار المفسدون فيه هم أهل الصلاح والإصلاح , أما الموحدون فألصق فيهم ما شئت من ذميم التهم , وروج ما شئت عليهم من مرذول الإشاعات , وادع أنك أنت المصلح , وهم المفسدون الساقطون المنحلون عن كل ما هو مقدس , وهذا ما يفعله الإعلام الصهيو عرب أمريكي , قال الله تعالى :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ *** أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ "(البقرة :12,11) , ولا حول ولا قوة إلا بالله .



لأنه منهج محمد – صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أأا, إنه زمن



أيها الأحبة : لأنه منهج محمد – صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أأا, إنه زمن



فأنت تراه ينتشر , انتشار النار في الهشيم , هذا الانتشار جعل كثيرا من الأحزاب تخاف منه على أبنائها , بل في كثير من الأحيان تحسده على انتشاره , وثباته على التركة التى خلفها لنا محمد – صلى الله عليه وسلم – , ولعل هذه الإشاعات والاتهامات , تخرج من باب الحسد , , قال الله تعالى :"وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة:109) , وقال سبحانه وتعالى :" أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا"(النساء:54) , ولكننا نقول : كل ما قدر الرحمن محمود , والأمر كما قال الشاعر:وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت *** أتاح لها لسان حسود , فعلى الحساد إثم صنيعهم , ولنا خيره ومغنمه , لذلك فهذه دعوة للحساد , أن يرجعوا إلى رشدهم , ويتقوا الله في ألسنتهم , ويخلصوا لله في طلب الحق , لعلهم يصلون إليه , قال الله تعالى :"وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ"(البقرة :42)



عقوبة المروجين للإشاعات , والمتهمين للموحدين



أيها الأحبة : ولا يحسبن الذين يروجون الإشاعات والاتهامات , أنهم بمنأى عن عقاب الله تعالى , والله ليُعاقبُنّ على ما اقترفته أيديهم , قال الله تعالى :"وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا"(الأحزاب:58), ويقول العلي العظيم :"وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا"(النساء :112) , وعند مسلم من حديث عبادة بن الصامت أنه قال :"أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم , كما أخذ على النساء , أن لا نشرك بالله شيئا , ولا نسرق ولا نزني , ولا نقتل أولادنا , ولا يعضه بعضا بعضا , فمن وفى منكم فأجره على الله , ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارته , ومن ستر الله عليه , فأمره إلى الله إن شاء عذبه , وإن شاء غفر له" والمقصود ب" ولا يعضه بعضنا بعضا " أي : لا يرميه بالعضيهة وهي البهتان والكذب , والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول كما عند أبي داوود , وصححه الألباني , من حديث سعيد بن زيد :"من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق " , وهنا أحب أن أوجه رسالة إلى أبناء هذه الأمة : ألا يصدقوا ما يشاع عنا , حتى يتحققوا مما أشيع , وألا يقبلوا الإشاعات مجردة هكذا عن الدلائل , كالإشاعات التي يبثها إعلام الكفر العربي والأجنبي , عن الجهاد والمجاهدين , إن كان في أفغانستان أم في العراق , أم في أي مكان , قال الله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات:6) , ويقول المولى سبحانه وتعالى :"لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ "(النور :12) , والله المستعان على ما يصفون .



لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم



أيها الأحبة : إن ما تتعرضون له اليوم من ابتلاءات وإشاعات , يصب في الجانب الإيجابي لا السلبي , وانظر إلى الشائعة التي نشرها المنافقون في حق عائشة – رضي الله عنها - , كيف يعلق الله عليها في كتابه إذ يقول :" إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ"(النور:11) , أيها الأحبة : يكفينا من الابتلاءات أنها ترفع درجاتنا عند رب الأرض والسموات , فقد أخرج ابن ماجه من حديث أنس أنه قال : قال الرسول– صلى الله عليه وسلم - :"إن عظم الجزاء مع عظم البلاء" , وعند ابن ماجه أيضا , من حديث أبي سعيد الخدري قال :" دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك . فوضعت يدي عليه , فوجدت حرة بين يدي فوق اللحاف , فقلت : يا رسول الله ما أشدها عليك !!! قال : إنا كذلك , يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجر , قلت: يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء قال ( الأنبياء ) قلت يا رسول الله ثم من ؟ قال ( ثم الصالحون) , إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر , حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها , وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء " , وإن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يقول لعائشة :"أجرك على قدر نصبك" , وأختم بكلام جميل لابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة يقول :"فإذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وتأملت سيرته مع قومه وصبره في الله , واحتماله مالم يحتمله نبي قبله , وتلون الأحوال عليه , من سلم وخوف , وغني وفقر , وأمن وإقامة في وطنه وظعن عنه , وتركه لله , وقتل أحبابه وأوليائه بين يديه , وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى , من القول والفعل والسحر والكذب والافتراء عليه والبهتان , وهو مع ذلك كله صابر على أمر الله يدعو الى الله , فلم يؤذ نبي ما أوذي , ولم يحتمل في الله ما احتمله , ولم يعط نبي ما أعطيه , فرفع الله له ذكره , وقرن اسمه باسمه , وجعله سيد الناس كلهم , وجعله أقرب الخلق اليه وسيلة , وأعظمهم عنده جاها , وأسمعهم عنده شفاعة , وكانت تلك المحن والابتلاءات عين كرامته , وهي مما زاده الله بها شرفا وفضلا , وساقه بها الى أعلا المقامات , وهذا حال ورثته من بعده الامثل فالأمثل , كل له نصيب من المحنة , يسوقه الله به إلى كماله بحسب متابعته له , ومن لا نصيب له من ذلك , فحظه من الدنيا حظ من خلق لها وخلقت له , وجعل خَلاقه ونصيبه فيها , فهو يأكل منها رغدا ويتمتع فيها , حتى يناله نصيبه من الكتاب , يُمتحن أولياء الله وهو في دَعة وخفض عيش , ويخافون وهو آمن , ويحزنون وهو في أهله مسرور , له شأن ولهم شأن , وهو في واد وهم في واد , همُّه ما يقيم به جاهه , ويسلم به ماله , وتُسمع به كلمته , لزم من ذلك ما لزم , ورضى من رضى , وسخط من سخط , وهم المؤمنين إقامة دين الله وإعلاء كلمته , وإعزاز أوليائه وأن تكون الدعوة له وحده , فيكون هو وحده المعبود لا غيره , ورسوله المطاع لا سواه , فلله سبحانه من الحكم في ابتلائه أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين , ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته , وهل وصل من وصل إلى المقامات المحمودة والنهايات الفاضلة , إلا على جسر المحنة والابتلاء , قال الشاعر:كذا المعالي إذا ما رمت ندركها *** فاعبر اليها على جسر من التعب . "أ.ه



حتى يميز الله الخبيث من الطيب



أيها الأحبة : لا بد أن يكون بين الموحدين , الأدعياء الكاذبون في انتمائهم وولائهم لهذا الدين , وهؤلاء لا يَكشف حقيقتهم إلا الابتلاءات والمحن , لذلك فإن من أعظم حكم الله في ابتلائه لخلقه , أنه يكشف عن بواطن الرجال فيميز صادقهم في الانتماء من كاذبهم , قال الله تعالى :" أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ *** وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ "(العنكبوت:3,2) , وقال سبحانه وتعالى:" مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ "(آل عمران:197) , وقال سبحانه:"وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ *** وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ "(آل عمران:167,166) , فنسأله تعالى أن يثبتنا على الحق إلى يوم نلقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه .



البلاء والعناء ضريبة الالتزام بدين رب الأرض والسماء



أيها الإخوة : إنه لا بد لمن يلتزم بهذا الدين أن يدفع ضريبة من راحته , ضريبة من ماله , ضريبة من عياله وأهل داره , ضريبة من جهده ووقته ودمه , والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري من حديث عائشة أن ورقة بن نوفل قال للرسول: "ما جاء رجل بمثل ما جئت به إلا عودي" , وعند ابن ماجه من حديث معاوية قال :سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول :"لم يبق من الدنيا إلا الابتلاء والفتنة" , فيا إخواني أذكركم : دينكم دينكم لحمكم ودمكم , قال الله تعالى :" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " (التوبة:111) , ويقول سبحانه :"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"(البقرة:207) , ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم – كما عند ابن ماجه وحسنه الألباني من حديث أبي الدرداء : "لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت" , ورحم الله أصحاب الأخدود الذي فضلوا القتل حرقا , ولا أن يمس دينهم بأذى , قال الله تعالى :" قتل أصحاب الأخدود (4) النار ذات الوقود (5) إذ هم عليها قعود (6) وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود (7) وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد (8) الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد (9) إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق(10) "البروج".



وصية هامة في زمن الصراع والغربة



أيها الأحبة : وأخيرا وفي وقت الصراع والغربة , أوصيكم بالصبر على طاعة ربكم , وعن معصيته , وعلى أقداره , لأن الله سبحانه وتعالى جعل الصبر جواداً لا يكبو , وجنداً لا يهزم , وحصناً حصينا لا يهدم ، فهو والنصر أخوان شقيقان ، فالنصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، والعسر مع اليسر ، وأن الصبر أنصر لصاحبه من الرجال ، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد .



وأخبر: أنه مع الصابرين بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين ، فقال تعالى : ( واصبروا إن الله مع الصابرين ) .



وجعل سبحانه : الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين ، فقال تعالى :( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) .



وأخبر: أن الصبر خير لصاحبه , وأكد ذلك بلام التأكيد , فقال تعالى : ( ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) .



وأخبر: أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو , ولو كان ذا قوة ومنعة ، فقال تعالى :( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعلمون محيط ) .



وأخبر عن نبيه يوسف الصديق: أن صبره وتقواه أوصلاه إلى محل العز والتمكين فقال :(إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) .



وعلق الفلاح بالصبر والتقوى: فقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"



وأخبر عن محبته لأهل الصبر: فقال تعالى : ( والله يحب الصابرين ) .



ولقد بشر الصابرين بثلاث :كل منها خير من الدنيا وما فيها ، فقال تعالى :( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون *** أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )



وأوصى عباده:بالاستعانة بالصبر والصلاة , على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى :( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) .وجعل: الفوز بالجنة والنجاة من النار , لا يكون إلا بالصبر ، فقال تعالى :( إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون)



وأخبر سبحانه مؤكدا بالقسم:( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .



وخص: بالانتفاع بآياته , أهل الصبر وأهل الشكر , تمييزاً لهم عن غيرهم ، فقال: ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) .



وأخبر: أن الصبر صفة أهل العزم , والعزم يحبه الله فقال : ( ولمن صبر وغفر إن ذلكل من عزم الأمور ) .



إخواني الموحدين : هذه كلمات آمنت بها , واعتقدت أن الحق في قولها ونشرها, ولا أدعي العصمة , فهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمنهج الذي جاء به من عند ربه حال حياته ومن بعده , ما كان في هذا المقال من صواب فمن الله وحده , ما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان , وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء,إلا ما رحم ربي , وأستغفر الله إنه كان غفارا, وأما الخطأ فأرجع عنه ولا أتعصب له , إذا دل الدليل الساطع عليه , وأسأله تعالى أن يلهمني رشدي والمسلمين , وأن يثبتني على الحق إلى ان ألقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .



أخوكم : أبو يونس العباسي



مدينة العزة غزة