المهند
11-10-2008, 05:12 AM
لا شك أن التعدد والإختلاف حقيقة مرة تتلازم مع الحياة ولا شك أيضا أن التعصب مرض مصاحب للتعدد، التعصب مرض متفشي بين أوساط أمتنا الإسلامية و هناك الكثيرين من المتعصبين ينكرون كونهم متعصبين لشئ ما دون أن يشعروا بتعصبهم الجلي اتجاهه كنت أنا أحدهم، ببعض التأمل اكتشفت أن التعصب يضر صاحبه ومذهب صاحبه أكثر من أن ينفعهما ...
تخليت عن مذهبيتي سابقا في أحد مقالاتي واعتبرت نفس مسلما فقط رغم ميلوي "لمذهب معين" ...
أتذكر قصة حدثت بيني وبين شخص كان متعصبا مذهبي وبشكل أعمى .. كان يسألني عن لقبي "أبو من أنت" فقلت له أبو ناصر .. فتغيرت ملامح وجهه وتحدث بصوت ترتفع نبرته قليلا عما كان يتحدث به .. وقال لي أناصرالدين الألباني تقصد؟ أي يحاول التأكد هل أسميت نفسك بهذا تيمننا بناصر الدين الألباني ؟ صدمت أنا من سؤاله وقلت له كلا إنما هو خال لي أحبه كثيرا ..!! ، في تلك اللحظات لم أكن أعرف العلامة المحدث الألباني رحمه الله إلا بالأسم فقط من خلال ما أقرأه ببعض الكتب من صححه الألباني وضعفه الألباني وهكذا، ودارت الأيام لأسأل نفس الشخص عنه فنهال عليه بكم هائل من التهم لم ينزل الله بها من سلطان لماذا ؟ لأني في بداية سؤالي عنه أخبرته بأني سمعت بأن هذا الشيخ كان شوكة في حلوق متبعي مذهبكم، وهو إن أردت وصفه الآن فسأقول إنه رحمه الله كان كالزقوم في أفواه وبطون كل مبتدع.
دارت الأيام لأحدث هذا الشخص عن مفكر محايد لا علاقة له بالمذاهب ولا يبدي أي ميولا لأي مذهب ... فقال لي هذا الشخص إبتعد عنه لأن لديه فكر سلفي "على أساس أنه يعيبه" !!! ومن حسن حظي أنني أعرف من هذا الشخص ومن يكون قلت له كيف تحكم عليه ؟ هل قرأت له شيئا ؟ هل حضرت مجالس علمه فقال لا ... قلت إذن لا يحق لك الحكم، فصمت.
كان يقصد في كلامه فضيلة الدكتور عبدالكريم بكار...
وهنا أود تذكيركم بأننا معاتبين جميعا على ما نقول وبالذات إن كنا لا نعلم ما نتفوه به، قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) الإسراء : 36 وبهذه الحادثة بدأت الشك بأن ما تفوه به عن محدث ومجدد هذه الأمة كان زورا وبهتانا، أشكر هذا المتعصب الآن لسبب واحد، لأنه جعلني أبحث عن كتب الألباني وأقرائها لأحكم بنفسي ... وأشكره كثيرا لأنه دلني عليه.
عذرا على طول مقدمتي ولكني غضبي من اكتشاف الحقيقة مازال مشتعلا حتى اللحظة وأنا بكتابتي الآن أرتاح.
أريد أن أناقش هنا مسألة التعصب المذهبي وكيفية تقليصها في مجتمعاتنا الإسلامية:
- لا تعصب دون إنتماء:
لا يأتي التعصب إلا بسبب انتماء والإنتماء نوعين (إنتماء إختياري أو إنتماء جبري) أضرب مثلا عن الإنتماء الجبري بإنتمائك لعائلتك ... فأنت ولدت بينهم ولم تختارهم وهذا يؤثر عليك كثيرا ... فهم النموذج الأعلى بالنسبة لك.
أما الإنتماء الإختياري فهو أن تفكر فيما تريد الإنتماء له وتنتمي إليه بمحض إرادتك بعد أن حاكمت فكرك.
وسبب ذكري لنوعي الإنتماء هو محاولة توضيحي أن معظم المتعصبين مذهبيا لم يتعصبوا إلا بسبب إنتمائهم الإجباري فهم قلدوا آبائهم على ما كانوا فيه ولم يحاكموا عقولهم ولو لمرة واحده في حياتهم.قال تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) لقمان 21
- نظرة المتعصب المذهبي:
في محاولة للنظر بعيني المتعصب إلا الآخر كيف تعتقد أن المتعصب يرى الآخرين؟
يحمل المتعصب راية الكمال ويغالط كل من خالفه أو خالف شيخه دونما أن يتأكد أنه على صواب أم لا فقط لمجرد أنه شيخه أو مذهبه سيدافع عنه، قال تعالى: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) المؤمنون 53
ببساطة يمكنني القول أن المتعنصر مذهبيا لا نظرة له ... فهو مصاب بالعمى لا يرى أمامه إلا ما حفظته ذاكرته من أمور ماضية و أصم لن يسمع لك شيئا مهما نصحته.
أهدي هذه الآية لكل متعنصر مذهبي لعلها تحرك فيه شيئا من الخوف خشية أن يكون أئمته ممن قصدوا فيها.
قال تعالى : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) البقرة 206:204
- طرق تقليص التعصب و إلغائه من حياتنا:
هناك بعض الطرق والأساليب المتبعة التي قد تساعدك على تقليص التعصب من حياتك ومن ثم إلغائه .. وذكرت التقليص أولا .. لأنه من الصعب جدا أن تصبح محايدا بفكرك .. أي لابد بشكل من الأشكال أن تتعصب ولو بنسبة صغيرة جدا وبشكل لا شعوري ... أدعكم الآن مع الأساليب:
1- حاول تقديم الحق على الإنتماء والولاء ..ولا تجعل إيمانك يطغو على الحق رغم بطلان ما تنتمي إليه.
2- فهم الفرق بين التقليد والإتباع: هناك فرق كبير بين التقليد والإتباع فإذا عرفناهم نقول أن:التقليد : هو الذي يقلد شيخه أو مسلك مذهبه سواء كان صحيحا أو خاطئا، وكل حجته أنه إن كان شيخي على خطأ فهو من سيحمل وزري ... وهذا خطأ كبير هو له وزر باتباعك لفتواه ولكنه لايحمل وزرك .. فأنت مذنب أيضا لعدم تأكدك ... أما الإتباع : فهو اتباع رأي شيخ موثوق به مشهود له، حتى يثبت عدم صحة كلامه، فإن حدث يترك كلامه ويؤخذ بالصحيح. وبعد شرح التقليد والإتباع ... فأنا أوصيكم بالإتباع.وسأورد بعد هذه الطرق مقتطفات من كلام الألباني عن التقليد والإتباع.
3- المرونة الفكرية : بالتوقف عن استخدام قاعدة التعميم واستخدام التخصيص في كل شيئ.
4- الموضوعية في إبداء الرأي وكيف يكون النقد بناءا.
5- إلغاء فكر البترية : أي أن تبتر عالما أو مفكرا لأنه خالفك بموضوع صغير فلا تقرأ له شيئا ولا تحضر له درسا ... فيضيع عنك كل خيره، أو تلغي كل علماء الأمة الذين خالفوا شيئا من مذهبك لمجرد أنهم خالفوك وتختار عوضا عنهم بضع من العلماء لا يتجاوز عددهم الخمسة وتجعلهم مرجعيتك الوحيدة.
نعم هناك علماء أخطأوا في بعض فروع العلم ولكنهم أبدعوا بفروع أخرى وهناك تأتي حكمة تفاوت الخلق ... لا يوجد شخص عالم بكل شيئ ... وإن كان هناك من يدعي علمه بكل شئ فهو لا يعلم شيئا ... الشاهد: لا يحق لنا أن نلغي العالم وعلمه لمجرد بضع أخطاء ارتكبها في بعض فروع الدين إلا في فرع واحد وهو العقيدة ... فالبنسبة لي أنا لا أسمع أو أقرأ لأي عالم شهدت له بنفسي أخطائا جلية في العقيدة "علم التوحيد". ولا أرجع له حتى يرجع عن خطأه.
6- أن تعرف قدر نفسك ... من أنت حتى تطعن في العالم فلان والمفكر فلان ... ماذا أصبت مما أصابوا من أعطاك لقب محامي الحق ... أين أنت منهم ؟
7- كل عالم في هذا الكون يؤخذ ويرد عليه ولكن من علماء يماثلوه بالعلم لا من طلاب علم.
8- أحكم على الشخص بما يغلب عليه لا بما يندر فيه.
- قادة التعصب المذهبي:
وهل للتعصب قيادات ؟ نعم بالتأكي
د1- يمكن للعالم أن يكون قائدا للمذهب عندما يبدأ في مجلس علمه بقذف هذا و اغتياب ذاك واتهام هذا والتنكيل بذاك من دون أي ظلم ارتكبوه إلا أنهم خالفوه في يوم من الأيام ... "وهو قدوة" وعلى مسراه يسيروا طلابه ... ويحموه ويقدسوه على خطأه وقد يصلون إلى المرحلة التي يقال بها للإنسان ويعبدون من دون الله ما لاينفعهم.
2- كذلك من أصحاب السلطة عندما يقدموا مصلحة أحد على آخر بسبب عنصري مذهبي كان أو عرقي فهو بهذا يعزز من التعصب لدى الأفراد وبالذات الذين تأخرت مصالحهم على حساب مصالح مخالفيهم ... وهكذا تتركز العنصرية في الدم وعندما يصبح المظلوم بموقع مسئول لديه سلطه يبدأ بالظلم والتعسف رادا حقه وحق زملائه الذين ظلموا من قبل.
بدون الخوض في سلبيات التعصب فالجميع يعرفها ومع البت بنفس الوقت بأنه ليس هناك إيجابيات للتعصب ولا حتى واحدة ... أود التذكير بأن الوحدة مطلوبة فالمؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا تداعى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ... وهذا حال الأمة نحنا كثر ولكن لا تنفع كثرتنا لتفرقنا المذهبي والعرقي ... نسأل الله أن يلم شملنا وأن يهدي قيادات التعصب إلى خير ما يحبه ويرضاه.
ماذا قال أفقه الفقهاء عن هذه المسألة ؟ قال الشافعي : " كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا عنها في حياتي وبعد موتي"
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : " لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه " . " وفي رواية : حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا " .
وقال مالك رحمه الله تعالى : " إنما أنا بشر أخطئ و أصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة وكل مالم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه "
وقال أحمد : " لا تقلدني ولا تقلد مالكا والشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا "وقال السيوطي :" إن المقلد لا يسمى عالما لما نقله " وقال : " إن التقليد جهل وليس بعلم"
رحمهم الله كم كانوا متواضعين وكانوا كلهم متفهمين لمبدأ : أن كل شخص في هذه الدنيا يؤخذ منه ويرد عليه إلا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أقتطف لكم دررا من أعماق كتاب الحديث حجة بنفسه – للعلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله.
أخطار التقليد وآثاره السيئة على المسلمين :
أيها الأخوة الكرام إن خطر التقليد وآثاره السيئة في أمتنا لأكبر من أن يمكن لنا بيانه في مثل هذه العجالة وهناك كتب خاصة تولت تفصيل القول في ذلك فيمكن لمن شاء المزيد من البيان أن يرجع إليها وإنما كان الغرض فيها بيان أنه سبب أو لعله السبب الأكبر من الأسباب الكثيرة التي صرفت المسلمين عن اتباع الكتاب والسنة والتعصب لهما دون الرجال المقلدين فإن طوائف المقلدين جعلوا التقليد أمرا واجبا - كما سمعت - ودينا متبعا لا يجوز لأحد بعد القرن الرابع الخروج عنه ومن خرج عنه ينبز بشتى الألقاب وشنت عليه الحروب الشعواء ولم يسلم من اتهامه بما ليس فيه كما يعلم ذلك كل من اطلع على بعض الرسائل المؤلفة في هذا الصدد من الفريقين .
وإذا كان كثير من الناس اليوم لادراسة لهم في الفقه المسمى بالفقه المقارن تلك الدراسة التي تكشف للباحث فيها المتمكن منها مبلغ ابتعاد المقلدين عن اتباع الكتاب والسنة بل وعن تقليد الأئمة أنفسهم تعصبا منهم لمذهبهم وفيهم بعض الدكاترة الذين يتولون تدريس هذه المادة إذا كان الأمر كذلك فبحسب المرء منهم أن يتذكر تلك الأحاديث التي سبق أن ذكرتها في الفصلين الأولين وهي قل من جل من الأحاديث التي تبلغ الألوف يجد أن طوائف المقلدين قد أعرضوا عنها تدينا بالتقليد وتعصبا لغير المعصوم وقد ساق العلامة ابن القيم رحمه الله في ( إعلام الموقعين ) ثلثا وسبعين مثالا من السنن الصحيحة الصريح التي ردت من المقلدين مع الكلام عليها مفصلا ومناقشتهم فيها مناقشة علمية هادئة وفي أولها امثلة من السنن التي ردوها من العقيدة كمسألة علو الله تعالى على خلقه واستوائه على عرشه وتأكيدا لذلك أقول : جاء في كتاب ( إيقاظ الهمم ) للشيخ الفلاني رحمه الله تعالى ( ص 99 ) أن العلامة المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى قد جمع المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح انفرادا واجتماعا في مجلد ضخم وذكر في أوله : " أن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام وأنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم " .
واجب الشباب المسلم المثقف اليوم :
لست أريد من كلمتي هذه أن أحملكم على أن تكونوا جميعا أئمة مجتهدين وفقهاء محققين - وإن كان ذلك يسرني كما يسركم - إذ أن ذلك غير ممكن عادة لضرورة اختلاف الاختصاصات وتعاون المتخصصين بعضهم مع بعض وإنما أردت منها أمرين اثنين :
الأول : أن تنتبهوا لأمر خفي على كثير من الشباب المؤمن المثقف اليوم فضلا عن غيرهم وهو أنهم في الوقت الذي علموا فيه - بفضل جهود وكتابات بعض الكتاب الإسلاميين مثل السيد قطب رحمه الله تعالى والعلامة المودودي حفظه الله وغيرهما أن حق التشريع إنما هو لله تعالى وحده لا يشاركه فيه أحد من البشر أو الهيئات وهو ما عبروا عنه ب ( الحاكمية لله تعالى ) وذلك صريح تلك النصوص المتقدمة في أول هذه الكلمة من الكتاب والسنة . أقول : في الوقت هذا نفسه فإن كثيرا من هؤلاء الشباب لم يتنبه بعد أن المشاركة المنافية لمبدأ الحاكمية لله تعالى لا فرق فيها بين كون البشر المتسع من دون الله مسلمال أخطأ في حكم من أحكام الله أو كافر نصب نفسه مشرعا مع الله وبين كونه عالما أو جاهلا كل ذلك ينافي المبدأ المذكور الذي آمن به الشباب والحمد لله تعالى . فهذا الذي أردت لكم أن تتنبهوا له وأذكركم به [ فإن الذكرى تنفع المؤمنين ] . فقد سمعت كثيرا منهم يخطب بكل حماسة وغيرة إسلامية محمودة ليقرر أن الحاكمية لله وحده ويضرب بذلك النظم الحاكمة الكافرة وهذا شيء جميل وإن كنا الآن لا نستطيع تغييره بينما هناك في نفوس الكثيرين منا ما ينافي المبدأ المذكور ومن الميسور تغييره لا ننبه المسلمين عليه ولا نذكرهم به ألا وهو التدين بالتقليد ورد نصوص الكتاب والسنة فهذا الخطيب المتحمس نفسه لو نبهته إلى مخالفة منه وقعت لآية أو حديث ركن فورا إلى الاحتجاج بالمذهب دون أن ينتبه
- مع الأسف الشديد- أنه بعمله هذا ينقض ذلك المبدأ العظيم الذي دعا الناس إليه والله عز وجل يقول : [ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا : سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ] فكان عليه أن يبادر إلى التسليم بما سمع من الكر والدليل لأنه هو العلم ولا يلجأ إلى التقليد لأنه هو الجهل .
الأمر الآخر : أن تحققوا في نفوسكم مرتبة واجبة ممكنة ميسرة لكل مسلم ولو بقدر هي دون مرتبة الاجتهاد والتحقيق التي لا ينهض بها إلا خواص الرجال وهي مرتبة اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإفراده بذلك كل منكم حسب طاقته فكما أنكم توحدون الله تعالى في عبادتكم فكذلك تفردون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اتباعكم فمعبودكم واحد ومتبوعكم واحد وبذلك تحققون عملا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . أنتهى كلام الألباني رحمه الله.
وبالنهاية أنصحكم جميعا بأن لا تكونوا من المتذهبين الذين يقولون مذهبي صحيح يحتمل الخطأ ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب ... إنهل من الجميع وتذكر أن البشر يخطئ والكمال لله.
قال تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) التوبة : 31
يقول الإمام الرازي : " الأكثرون من المفسرون قالوا: ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم" ... وكذلك أرى أنا حال المتعصبين.
وأختم قولي بمسك الختام قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الروم 31:32
هذا والله أعلم والله الموفق
بقلم : المهند
تخليت عن مذهبيتي سابقا في أحد مقالاتي واعتبرت نفس مسلما فقط رغم ميلوي "لمذهب معين" ...
أتذكر قصة حدثت بيني وبين شخص كان متعصبا مذهبي وبشكل أعمى .. كان يسألني عن لقبي "أبو من أنت" فقلت له أبو ناصر .. فتغيرت ملامح وجهه وتحدث بصوت ترتفع نبرته قليلا عما كان يتحدث به .. وقال لي أناصرالدين الألباني تقصد؟ أي يحاول التأكد هل أسميت نفسك بهذا تيمننا بناصر الدين الألباني ؟ صدمت أنا من سؤاله وقلت له كلا إنما هو خال لي أحبه كثيرا ..!! ، في تلك اللحظات لم أكن أعرف العلامة المحدث الألباني رحمه الله إلا بالأسم فقط من خلال ما أقرأه ببعض الكتب من صححه الألباني وضعفه الألباني وهكذا، ودارت الأيام لأسأل نفس الشخص عنه فنهال عليه بكم هائل من التهم لم ينزل الله بها من سلطان لماذا ؟ لأني في بداية سؤالي عنه أخبرته بأني سمعت بأن هذا الشيخ كان شوكة في حلوق متبعي مذهبكم، وهو إن أردت وصفه الآن فسأقول إنه رحمه الله كان كالزقوم في أفواه وبطون كل مبتدع.
دارت الأيام لأحدث هذا الشخص عن مفكر محايد لا علاقة له بالمذاهب ولا يبدي أي ميولا لأي مذهب ... فقال لي هذا الشخص إبتعد عنه لأن لديه فكر سلفي "على أساس أنه يعيبه" !!! ومن حسن حظي أنني أعرف من هذا الشخص ومن يكون قلت له كيف تحكم عليه ؟ هل قرأت له شيئا ؟ هل حضرت مجالس علمه فقال لا ... قلت إذن لا يحق لك الحكم، فصمت.
كان يقصد في كلامه فضيلة الدكتور عبدالكريم بكار...
وهنا أود تذكيركم بأننا معاتبين جميعا على ما نقول وبالذات إن كنا لا نعلم ما نتفوه به، قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) الإسراء : 36 وبهذه الحادثة بدأت الشك بأن ما تفوه به عن محدث ومجدد هذه الأمة كان زورا وبهتانا، أشكر هذا المتعصب الآن لسبب واحد، لأنه جعلني أبحث عن كتب الألباني وأقرائها لأحكم بنفسي ... وأشكره كثيرا لأنه دلني عليه.
عذرا على طول مقدمتي ولكني غضبي من اكتشاف الحقيقة مازال مشتعلا حتى اللحظة وأنا بكتابتي الآن أرتاح.
أريد أن أناقش هنا مسألة التعصب المذهبي وكيفية تقليصها في مجتمعاتنا الإسلامية:
- لا تعصب دون إنتماء:
لا يأتي التعصب إلا بسبب انتماء والإنتماء نوعين (إنتماء إختياري أو إنتماء جبري) أضرب مثلا عن الإنتماء الجبري بإنتمائك لعائلتك ... فأنت ولدت بينهم ولم تختارهم وهذا يؤثر عليك كثيرا ... فهم النموذج الأعلى بالنسبة لك.
أما الإنتماء الإختياري فهو أن تفكر فيما تريد الإنتماء له وتنتمي إليه بمحض إرادتك بعد أن حاكمت فكرك.
وسبب ذكري لنوعي الإنتماء هو محاولة توضيحي أن معظم المتعصبين مذهبيا لم يتعصبوا إلا بسبب إنتمائهم الإجباري فهم قلدوا آبائهم على ما كانوا فيه ولم يحاكموا عقولهم ولو لمرة واحده في حياتهم.قال تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) لقمان 21
- نظرة المتعصب المذهبي:
في محاولة للنظر بعيني المتعصب إلا الآخر كيف تعتقد أن المتعصب يرى الآخرين؟
يحمل المتعصب راية الكمال ويغالط كل من خالفه أو خالف شيخه دونما أن يتأكد أنه على صواب أم لا فقط لمجرد أنه شيخه أو مذهبه سيدافع عنه، قال تعالى: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) المؤمنون 53
ببساطة يمكنني القول أن المتعنصر مذهبيا لا نظرة له ... فهو مصاب بالعمى لا يرى أمامه إلا ما حفظته ذاكرته من أمور ماضية و أصم لن يسمع لك شيئا مهما نصحته.
أهدي هذه الآية لكل متعنصر مذهبي لعلها تحرك فيه شيئا من الخوف خشية أن يكون أئمته ممن قصدوا فيها.
قال تعالى : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) البقرة 206:204
- طرق تقليص التعصب و إلغائه من حياتنا:
هناك بعض الطرق والأساليب المتبعة التي قد تساعدك على تقليص التعصب من حياتك ومن ثم إلغائه .. وذكرت التقليص أولا .. لأنه من الصعب جدا أن تصبح محايدا بفكرك .. أي لابد بشكل من الأشكال أن تتعصب ولو بنسبة صغيرة جدا وبشكل لا شعوري ... أدعكم الآن مع الأساليب:
1- حاول تقديم الحق على الإنتماء والولاء ..ولا تجعل إيمانك يطغو على الحق رغم بطلان ما تنتمي إليه.
2- فهم الفرق بين التقليد والإتباع: هناك فرق كبير بين التقليد والإتباع فإذا عرفناهم نقول أن:التقليد : هو الذي يقلد شيخه أو مسلك مذهبه سواء كان صحيحا أو خاطئا، وكل حجته أنه إن كان شيخي على خطأ فهو من سيحمل وزري ... وهذا خطأ كبير هو له وزر باتباعك لفتواه ولكنه لايحمل وزرك .. فأنت مذنب أيضا لعدم تأكدك ... أما الإتباع : فهو اتباع رأي شيخ موثوق به مشهود له، حتى يثبت عدم صحة كلامه، فإن حدث يترك كلامه ويؤخذ بالصحيح. وبعد شرح التقليد والإتباع ... فأنا أوصيكم بالإتباع.وسأورد بعد هذه الطرق مقتطفات من كلام الألباني عن التقليد والإتباع.
3- المرونة الفكرية : بالتوقف عن استخدام قاعدة التعميم واستخدام التخصيص في كل شيئ.
4- الموضوعية في إبداء الرأي وكيف يكون النقد بناءا.
5- إلغاء فكر البترية : أي أن تبتر عالما أو مفكرا لأنه خالفك بموضوع صغير فلا تقرأ له شيئا ولا تحضر له درسا ... فيضيع عنك كل خيره، أو تلغي كل علماء الأمة الذين خالفوا شيئا من مذهبك لمجرد أنهم خالفوك وتختار عوضا عنهم بضع من العلماء لا يتجاوز عددهم الخمسة وتجعلهم مرجعيتك الوحيدة.
نعم هناك علماء أخطأوا في بعض فروع العلم ولكنهم أبدعوا بفروع أخرى وهناك تأتي حكمة تفاوت الخلق ... لا يوجد شخص عالم بكل شيئ ... وإن كان هناك من يدعي علمه بكل شئ فهو لا يعلم شيئا ... الشاهد: لا يحق لنا أن نلغي العالم وعلمه لمجرد بضع أخطاء ارتكبها في بعض فروع الدين إلا في فرع واحد وهو العقيدة ... فالبنسبة لي أنا لا أسمع أو أقرأ لأي عالم شهدت له بنفسي أخطائا جلية في العقيدة "علم التوحيد". ولا أرجع له حتى يرجع عن خطأه.
6- أن تعرف قدر نفسك ... من أنت حتى تطعن في العالم فلان والمفكر فلان ... ماذا أصبت مما أصابوا من أعطاك لقب محامي الحق ... أين أنت منهم ؟
7- كل عالم في هذا الكون يؤخذ ويرد عليه ولكن من علماء يماثلوه بالعلم لا من طلاب علم.
8- أحكم على الشخص بما يغلب عليه لا بما يندر فيه.
- قادة التعصب المذهبي:
وهل للتعصب قيادات ؟ نعم بالتأكي
د1- يمكن للعالم أن يكون قائدا للمذهب عندما يبدأ في مجلس علمه بقذف هذا و اغتياب ذاك واتهام هذا والتنكيل بذاك من دون أي ظلم ارتكبوه إلا أنهم خالفوه في يوم من الأيام ... "وهو قدوة" وعلى مسراه يسيروا طلابه ... ويحموه ويقدسوه على خطأه وقد يصلون إلى المرحلة التي يقال بها للإنسان ويعبدون من دون الله ما لاينفعهم.
2- كذلك من أصحاب السلطة عندما يقدموا مصلحة أحد على آخر بسبب عنصري مذهبي كان أو عرقي فهو بهذا يعزز من التعصب لدى الأفراد وبالذات الذين تأخرت مصالحهم على حساب مصالح مخالفيهم ... وهكذا تتركز العنصرية في الدم وعندما يصبح المظلوم بموقع مسئول لديه سلطه يبدأ بالظلم والتعسف رادا حقه وحق زملائه الذين ظلموا من قبل.
بدون الخوض في سلبيات التعصب فالجميع يعرفها ومع البت بنفس الوقت بأنه ليس هناك إيجابيات للتعصب ولا حتى واحدة ... أود التذكير بأن الوحدة مطلوبة فالمؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا تداعى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ... وهذا حال الأمة نحنا كثر ولكن لا تنفع كثرتنا لتفرقنا المذهبي والعرقي ... نسأل الله أن يلم شملنا وأن يهدي قيادات التعصب إلى خير ما يحبه ويرضاه.
ماذا قال أفقه الفقهاء عن هذه المسألة ؟ قال الشافعي : " كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا عنها في حياتي وبعد موتي"
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : " لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه " . " وفي رواية : حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا " .
وقال مالك رحمه الله تعالى : " إنما أنا بشر أخطئ و أصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة وكل مالم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه "
وقال أحمد : " لا تقلدني ولا تقلد مالكا والشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا "وقال السيوطي :" إن المقلد لا يسمى عالما لما نقله " وقال : " إن التقليد جهل وليس بعلم"
رحمهم الله كم كانوا متواضعين وكانوا كلهم متفهمين لمبدأ : أن كل شخص في هذه الدنيا يؤخذ منه ويرد عليه إلا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أقتطف لكم دررا من أعماق كتاب الحديث حجة بنفسه – للعلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله.
أخطار التقليد وآثاره السيئة على المسلمين :
أيها الأخوة الكرام إن خطر التقليد وآثاره السيئة في أمتنا لأكبر من أن يمكن لنا بيانه في مثل هذه العجالة وهناك كتب خاصة تولت تفصيل القول في ذلك فيمكن لمن شاء المزيد من البيان أن يرجع إليها وإنما كان الغرض فيها بيان أنه سبب أو لعله السبب الأكبر من الأسباب الكثيرة التي صرفت المسلمين عن اتباع الكتاب والسنة والتعصب لهما دون الرجال المقلدين فإن طوائف المقلدين جعلوا التقليد أمرا واجبا - كما سمعت - ودينا متبعا لا يجوز لأحد بعد القرن الرابع الخروج عنه ومن خرج عنه ينبز بشتى الألقاب وشنت عليه الحروب الشعواء ولم يسلم من اتهامه بما ليس فيه كما يعلم ذلك كل من اطلع على بعض الرسائل المؤلفة في هذا الصدد من الفريقين .
وإذا كان كثير من الناس اليوم لادراسة لهم في الفقه المسمى بالفقه المقارن تلك الدراسة التي تكشف للباحث فيها المتمكن منها مبلغ ابتعاد المقلدين عن اتباع الكتاب والسنة بل وعن تقليد الأئمة أنفسهم تعصبا منهم لمذهبهم وفيهم بعض الدكاترة الذين يتولون تدريس هذه المادة إذا كان الأمر كذلك فبحسب المرء منهم أن يتذكر تلك الأحاديث التي سبق أن ذكرتها في الفصلين الأولين وهي قل من جل من الأحاديث التي تبلغ الألوف يجد أن طوائف المقلدين قد أعرضوا عنها تدينا بالتقليد وتعصبا لغير المعصوم وقد ساق العلامة ابن القيم رحمه الله في ( إعلام الموقعين ) ثلثا وسبعين مثالا من السنن الصحيحة الصريح التي ردت من المقلدين مع الكلام عليها مفصلا ومناقشتهم فيها مناقشة علمية هادئة وفي أولها امثلة من السنن التي ردوها من العقيدة كمسألة علو الله تعالى على خلقه واستوائه على عرشه وتأكيدا لذلك أقول : جاء في كتاب ( إيقاظ الهمم ) للشيخ الفلاني رحمه الله تعالى ( ص 99 ) أن العلامة المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى قد جمع المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح انفرادا واجتماعا في مجلد ضخم وذكر في أوله : " أن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام وأنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم " .
واجب الشباب المسلم المثقف اليوم :
لست أريد من كلمتي هذه أن أحملكم على أن تكونوا جميعا أئمة مجتهدين وفقهاء محققين - وإن كان ذلك يسرني كما يسركم - إذ أن ذلك غير ممكن عادة لضرورة اختلاف الاختصاصات وتعاون المتخصصين بعضهم مع بعض وإنما أردت منها أمرين اثنين :
الأول : أن تنتبهوا لأمر خفي على كثير من الشباب المؤمن المثقف اليوم فضلا عن غيرهم وهو أنهم في الوقت الذي علموا فيه - بفضل جهود وكتابات بعض الكتاب الإسلاميين مثل السيد قطب رحمه الله تعالى والعلامة المودودي حفظه الله وغيرهما أن حق التشريع إنما هو لله تعالى وحده لا يشاركه فيه أحد من البشر أو الهيئات وهو ما عبروا عنه ب ( الحاكمية لله تعالى ) وذلك صريح تلك النصوص المتقدمة في أول هذه الكلمة من الكتاب والسنة . أقول : في الوقت هذا نفسه فإن كثيرا من هؤلاء الشباب لم يتنبه بعد أن المشاركة المنافية لمبدأ الحاكمية لله تعالى لا فرق فيها بين كون البشر المتسع من دون الله مسلمال أخطأ في حكم من أحكام الله أو كافر نصب نفسه مشرعا مع الله وبين كونه عالما أو جاهلا كل ذلك ينافي المبدأ المذكور الذي آمن به الشباب والحمد لله تعالى . فهذا الذي أردت لكم أن تتنبهوا له وأذكركم به [ فإن الذكرى تنفع المؤمنين ] . فقد سمعت كثيرا منهم يخطب بكل حماسة وغيرة إسلامية محمودة ليقرر أن الحاكمية لله وحده ويضرب بذلك النظم الحاكمة الكافرة وهذا شيء جميل وإن كنا الآن لا نستطيع تغييره بينما هناك في نفوس الكثيرين منا ما ينافي المبدأ المذكور ومن الميسور تغييره لا ننبه المسلمين عليه ولا نذكرهم به ألا وهو التدين بالتقليد ورد نصوص الكتاب والسنة فهذا الخطيب المتحمس نفسه لو نبهته إلى مخالفة منه وقعت لآية أو حديث ركن فورا إلى الاحتجاج بالمذهب دون أن ينتبه
- مع الأسف الشديد- أنه بعمله هذا ينقض ذلك المبدأ العظيم الذي دعا الناس إليه والله عز وجل يقول : [ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا : سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ] فكان عليه أن يبادر إلى التسليم بما سمع من الكر والدليل لأنه هو العلم ولا يلجأ إلى التقليد لأنه هو الجهل .
الأمر الآخر : أن تحققوا في نفوسكم مرتبة واجبة ممكنة ميسرة لكل مسلم ولو بقدر هي دون مرتبة الاجتهاد والتحقيق التي لا ينهض بها إلا خواص الرجال وهي مرتبة اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإفراده بذلك كل منكم حسب طاقته فكما أنكم توحدون الله تعالى في عبادتكم فكذلك تفردون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اتباعكم فمعبودكم واحد ومتبوعكم واحد وبذلك تحققون عملا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . أنتهى كلام الألباني رحمه الله.
وبالنهاية أنصحكم جميعا بأن لا تكونوا من المتذهبين الذين يقولون مذهبي صحيح يحتمل الخطأ ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب ... إنهل من الجميع وتذكر أن البشر يخطئ والكمال لله.
قال تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) التوبة : 31
يقول الإمام الرازي : " الأكثرون من المفسرون قالوا: ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم" ... وكذلك أرى أنا حال المتعصبين.
وأختم قولي بمسك الختام قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الروم 31:32
هذا والله أعلم والله الموفق
بقلم : المهند