تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الدعوة السلفية وعبقرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب



أحمد الظرافي
11-08-2008, 06:44 PM
الدعوة السلفية
وعبقرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب


بقلم: أحمد الظرافي



المطلع على الصحف والمواقع الإعلامية المحلية ( في اليمن ) هذه الأيام، يلاحظ كثرة الانتقادات التي توجه من خلالها للسلفية والسلفيين. ومع أن معظم تلك الانتقادات المقصود بها نقد ممارسات بعض المحسوبين على السلفية، إلا أن الهجوم كثيرا ما يعمم، فيطال الدعوة السلفية ذاتها كمنهج، بل ومحمد بن عبد الوهاب ذاته، وهذا شائع لدى الكثير من أنصاف المثقفين، ولدى الطابور الإيراني الخامس، لاسيما ممن يكتبون في صحف ومواقع المعارضة، وكأن الدعوة السلفية هي الغريم، وكأن أولئك السلفيين في صعدة أو معبر أو صنعاء، حجة على الدعوة السلفية، وعلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
ولذا أحببت هاهنا أن أعطي فكرة حول نشأة الدعوة السلفية وحول مؤسسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وحول الأفكار والمبادئ التي قامت عليها. وهذه وجهة نظر شخصية، وليست انتصارا لفلان أو علان، وأنا لا أزعم لنفسي أني من أصحاب الشأن، ومقالي هذا يأتي تحت شعار " أحب الصالحين ولست منهم".

العالم الإسلامي غداة قيام الدعوة السلفية:
كان العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي- وهو القرن الذي ظهرت فيه الدعوة السلفية الإصلاحية في نجد - يعيش أوضاعاً سيئة للغاية من جميع النواحي الدينية والدنيوية. ومن مظاهر ذلك:
- كثرة البدع والشركيات ومحدثات الأمور، وغلبة الجهل على عامة المسلمين، لاسيما الجهل بالعقيدة، فانتشرت بينهم حمى التعلق بغير الله، في الدعاء والاستعانة والاستغاثة، والذبح والنذر لغيره سبحانه وتعالى، وتقديس الأشخاص الأموات والأحياء، والاعتقاد بالمشايخ والأولياء وأصحاب الطرق وفي جلبهم للنفع ودفعهم للضر، وشد الرحال لزيارة القبور والأضرحة والمشاهد، ودعوتها رغباً، ورهباً، والطواف حولها، وتزيينها وزخرفتها وإقامة القباب والمباني عليها.بل وحتى تعظيم الأشجار والأحجار، والاعتقاد ببركتها.
- سيادة التصوف سيادة شبه تامة في واقع المسلمين، وفي حياتهم الاجتماعية والدينية حتى أنه كان يتعذر منذ ابتداء العصر العثماني في القرن التاسع الهجري، أن تجد عالما غير منتسب لطريقةٍ من الطرق الصوفية التي انفردت بالساحة الإسلامية طولا وعرضا، بما باتت تتضمنه الطقوس والشعائر الصوفية من بدع وشطحات، ومن تجاوزات تمسّ العقيدة، وتجاوزات تخص الشريعة، ومن استغراق في الغيبيات وإيمانٍ بالخزعبلات، والأساطير التي ترسّبت ورسخت في الأذهان، واتخذت لدى العامة صورة مسلمات، ومن حلقات رقص وتمايل.
- إعراض كثير من الناس عن الدين، لا يتعلمونه، ولا يعملون بمبادئه، إلا ما يوافق الأهواء، وكثرة لجوئهم إلى الكهان المشعوذين والسحرة والدجالين، مع كثرة المفسدين وندرة المصلحين والقائمين بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
– شيوع التعصب المذهبي المقيت والأعمى، بين عامة المسلمين وخاصتهم، بشكل لم يسبق له مثيل، إلى أن وصل الحال في المسجد الحرام، وقبلة المسلمين، أن افترق المسلمون في صلاة الجماعة، أربع فرق فصار أتباع كل مذهب يصلون وحدهم. بما يترتب على ذلك من فوضى وتشويش.
ولم يكن الواقع السائد في نجد، حينذاك، وهو المكان الذي انطلقت منه الدعوة السلفية، يختلف كثيرا عن الواقع السائد في كثير من البلاد الإسلامية الأخرى، بما فيها أرض الحرمين الشريفين، إن لم يكن الواقع في نجد هو الأشد سوءا من جميع النواحي، فقد كانت نجد من الناحية الدينية والفكرية، فريسة للجهل والبدع والخرافات، وسيادة عادات الآباء والأجداد، التي ما أنزل الله بها من سلطان، إلى جانب استفحال عادة التبرك بقبور الصالحين مثل قبر الصحابي الجليل: زيد بن الخطاب، وقبر آخر زعموا أنه للصحابي الجليل ضرار بن الأزور، وتعظيم الأحجار والأشجار والمغارات، وسيادة التصوف الحافل بالبدع والمنكرات، كمذهبي ابن عربي وابن الفارض، وكان ينتشر فيها السحرة والكهنة، وسؤالهم وتصديقهم وليس هناك منكر إلا من شاء الله، وكان العلم الشرعي فيها قد تراجع إلى أدنى مستوى له، واقتصر على الحاضرة، وكانت اهتمامات العلماء مقصورة على الفقه غالباً، أما عنايتهم بالعقيدة والحديث والتفسير واللغة فهي قليلة، كما أن جهود العلماء أمام البدع والمنكرات كانت ضعيفة، ولا تكاد تذكر.
وأما من الناحية السياسية فقد كانت نجد حينذاك، مقسمة إلى إمارات ومشيخات صغيرة، تغلب عليها السمة القروية والبدوية، وتهيمن عليها الأعراف والعادات الجاهلية، ويكثر فيها الظلم والجور، وتتحكم في أصحابها العصبية القبلية البغيضة. وكانت مظاهر الفرقة والتناحر والحروب هي التي تهيمن على علاقة تلك المشيخات والإمارات ببعضها، بعضا عادةً، كما كانت العلاقات بين البادية والحاضرة في عداء مستمر، وسلبٍ ونهب في الأعم الأغلب، وذلك لعدم وجود السلطان الذي يجمع الشمل، ويحفظ الأمن، ويقيم العدل.

نشأة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
وفي هذه الفترة الحرجة والعصيبة، من تاريخ أمتنا، وفي ظل هذا الواقع الحالك والأليم، الذي كانت تعيشه نجد والعالم الإسلامي، ظهر محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي النجدي، (1115- 1205هـ /1703-1792م )، في بلدة العيينة الواقعة شمالي غرب الرياض، فتى عربيا، باهي الطلعة، حسن الهيئة، سليم الفطرة، متوقد الذهن، سريع البديهة، بعيد النظر، عالي الهمة، ميمون النقيبة، ذو إباء وشهامة ورجولة وعقل. نشأ على حب العلم والتفقه في الدين، في بيتٍ كريمٍ فاضلٍ كان شعاره العلم والعمل للدين. فحفظ القرآن وأتقنه قبل بلوغه العشر، واستقى منه عزته، وغذا فيه شعوره الديني المرهف الذي لازمه طوال حياته، وقضى فترة صباه ويفاعته ينهل من المعارف والعلوم الشائعة في عصره، بكل جدٍ واجتهاد، كعلوم القرآن والسنة والتفسير، والنحو، والسيرة النبوية والفقه - وفي مقدمته الفقه الحنبلي - وأبدى همة كبيرة في تحصيل العلم النافع، من والده قاضي العيينة ومفتي أهلها، ومشائخ بلدته أولا، ثم بعد ذلك أخذ يضرب من أجله أكباد الإبل، فسافر إلى مكة والمدينة والبصرة، والأحساء، وغيرها، وتتلمذ على كثير من العلماء الذين كان لا زال يحفل بهم الحرمان الشريفان، ومساجد البصرة ومعاهدها، حيث أخذ من العلم أحسنه وأنفعه وأرفعه، وتفوق على أقرانه في سرعة الحفظ، وحسن الفهم، وعمق الاستيعاب، وأظهر ألمعية ونبوغاً وتميزاً، وبلغ رتبة المجتهد بكل جدارة، بل وأوتي قدرة غير عادية حتى في الخط وسرعة الكتابة. وقد أعجب أيما إعجاب بكتب الإمام الجليل تقي الدين ابن تيمية (661 – 728هـ) وكتب تلميذه الإمام ابن القيم الجوزية (691- 751هـ) ، وتأثر بأفكارهما في الاعتقاد والفقه أيما تأثر، لاعتقاده أنها تمثل السُنّة النبوية.
وفوق كل ذلك، وفوق ما كان عليه من الورع والتقوى، كان غيورا على الدين، وخاصة على عقيدة توحيد رب العالمين، متحفزا للذب عنها، ولتنزيه الله جلّ وعلى عن كل ما لا يليق بوجهه الكريم، حريصا على أن يقرن العلم بالعمل، وعلى تصديق ما وقر في القلب بالطاعة والعبادة، تأسيا بسيد المرسلين، وإقتداءً بمن اهتدى بهديه من السلف الصالحين، الذين فهموا معنى كلمة التوحيد حق الفهم، وصدقوه بأقوالهم وأفعالهم، وكانوا خير من جسد مبادئ الإسلام وقيمه ومثله العليا، على أرض الواقع، وحملوا أمانته إيمانا ونشرا وجهادا.
وقد فتحت هذه الرحلات العلمية أمامه آفاقا جديدة، وأضافت إلى معلوماته الشيء الكثير، وأطلع من خلالها على أحوال العالم الإسلامي، وما وصل إليه المسلمون من ركود وفسادٍ وجهلٍ، ومن انحرافاتٍ في مجال العقائد والعبادات، يندى لها جبين المسلم الموحد، ولا يرضاها مؤمن، وهاله أن يرى كيف أن الدين الذي أعز الله به هذه الأمة، لم تعد أحكامه مراعاة أو مطبقة، اللهم إلا القشور منها.
ونشبت بينه وبين علماء هذه الأمصار أثناء إقامته فيها، خلافات وخصومات، وخاصة علماء العراق، لأن الشيخ كان غيورا على الدين، مفرط الحساسية في كل ما يمس عقيدة التوحيد، جريئا في إنكار البدع والمعتقدات الباطلة، التي كانت تزخر بها مجتمعات هذه الأمصار، كالتوسل والاستغاثة بغير الله، ونداء المخلوقين في الشدائد، وتعظيم قبور الأنبياء والصالحين، والطواف حولها وأكل ترابها.. فكان يشجب هذه المظاهر وغيرها علنا، ويصرّح بذلك ويظهره لكثير من جلسائه، وكان يعيب على العلماء سكوتهم وتغاضيهم عنها، رغم مخالفتها لصريح الآيات والأحاديث، وكان ينعى عليهم موقفهم السلبي إزاءها، وانعدام المبادرة لديهم للقيام بما فرض الله عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل إنه ونتيجة لما جبل عليه من الجرأة في الحق، وشدة خوفه من الله، وفرط إحساسه بالمسئولية الملقاة على عاتقه، وإيمانه بقاعدة " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " تجاسر حتى على نقد بعضٍ من أساتذته ومعلميه. فكان بعضا من هؤلاء وأولئك يركبهم العناد والتعصب للباطل، فيردوا على ذلك بإقرار العادات والممارسات الشائعة بما فيها من الطوام والبدع، التي تمس جوهر العقيدة، من جهة، وبمهاجمة الشيخ، والتشنيع بما يدعو إليه، واتهامه بشذوذ الرأي، ومخالفة الإجماع..الخ. من جهة أخرى.
وبتلك الحصيلة من العلم النافع، وبما قذفه الله في قلبه من اليقين، وقوة البصر والبصيرة، وما أضفى عليه من الوقار والهيبة، وبما أكتسبه من خبرة بواقع المسلمين من خلال رحلته العلمية الطويلة، عاد محمد بن عبد الوهاب إلى أهله ووطنه في نجد، وهو أكثر تصميما على التغيير، وكان حينذاك قد تجاوز سن الـ35 سنة.

مبادىء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
عاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى بلدته في نجد، من رحلته العلمية تلك، وقد ترسخت في نفسه وعقله العناصر الأساسية، التي تكّون شخصية الداعية الإصلاحي المسلم، كالعلم والاستنارة الفكرية والعقلية، وقيم الدين الحق، وقوة العزم والإرادة، والصفات الفاضلة الرفيعة، واكتمال الرجولة، والإحاطة الواعية بالواقع، والفصاحة وجودة البيان، والصبر والحلم والجلد، واسترخاص الحياة، والاستهانة بالمادة، والتمسك بالعفة، إلى آخر الصفات والمزايا التي يتميز بها المصلحون الدينيون العباقرة في كل زمان ومكان.
وقد عزّ على الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يرى أهله وقومه، بل والمسلمون من حولهم، على ذلك الحال البائس من التخلف الديني والفكري، والانحراف العقدي، والبعد عن جوهر الدين، وعن الصراط المستقيم، والوقوع تحت سطوة وسلطان البدع والأوهام والخرافات، فانبرى فيهم، داعيةً للإصلاح، وشمر عن ساعد الجد، لتطهير المجتمع من الأوضار، وإعادة بنائه على أسسٍ عقائدية إسلامية صحيحة وراسخة.
"وقامت دعوته المعروفة على التوحيد المطلق الخالص من رفض الجبرية وفكرة الحلول والاتحاد، ومع تأكيد مسئولية الإنسان.. كما قامت دعوته على فتح باب الاجتهاد والتماس الحلول من المصادر الرئيسية للشريعة، وهي القرآن والسنة والإجماع ـ مع عدم التقيد بمذهب معين من المذاهب السنية الأربعة".
ومعنى ذلك أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يأت بشيء جديد مبتدع، ولم يدعو إلى أمر مستحدثٍ في الدين، تقصر عن فهمه العقول، ويحتار فيه أولو الألباب، ولم يقل شيئا يخرج عن نطاق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه السلف الصالح رضوان عليه عليهم، وما دعا إليه العلماء المصلحون من قبله، من أهل السنة والجماعة على امتداد التاريخ الإسلامي، من أحمد بن حنبل (164- 241هـ)، إلى عبد الله بن ياسين، إلى العز بن عبد السلام، إلى تقي الدين أحمد بن تيمية ، وغيرهم. بل حتى ما دعا إليه العلماء المصلحون المعاصرون له مثل الإمامين: ابن الأمير الصنعاني، ومحمد بن علي الشوكاني ( 1758- 1823م ).
وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب - وفقا لرأي الباحثين - من تلاميذ فكر تقي الدين ابن تيمية "الفقيه السوري الجريء الذي أحسن التعبير عن آراء الحنابلة"، حتى أنه ليُقال: أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لم يكن سوى وسيلة لإماطة اللثام عن الأفكار الإصلاحية النيرة لهذا الإمام العالم المجاهد الفذ، التي أكد عليها في القرن السابع الهجري، والتي تم تجاهلها وتناسيها نتيجة للإنحطاط الفكري الشامل الذي عرفته الأمة في القرون الأخيرة. ومن ثم إعادة إيقاظ تلك الأفكار ونشرها وتفعيلها من جديد، وتأصيلها في واقع الحياة، ولاسيما الأفكار التي تضمنها كتابه القيم « السياسة الشرعية » وذلك طبعا عن إيمانٍ وبصيرة وعلم وفهمٍ، بعيدا عن الارتجال والتهور، وبعد تدقيقٍ وتحقيقٍ وتمحيص، ودون أي تحزب أو تعصب، أو مكابرة. مع إفساح الصدر للرأي الآخر، وقبول حجته إذا ثبت أنها توافق الكتاب والسنة، وطرح ما يخالفها من آراء أقرب المقربين إليه من أئمته. فالشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكن متعصبا للرجال قط، وإنما كانت عصبيته لكتاب الله وسنة رسوله، وهو لم يقل بعصمة أحد من السابقين، حاشا المعصوم صلى الله عليه وسلم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب هو القائل: « أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأدعو إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم وأرجو أني لا أردُّ الحق إذا أتاني بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلها على الرأس والعين.. ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق ».
وما يميز دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو أنها دعوة تجديد إصلاحية إسلامية ذاتية، استمدت شرعيتها من الدين مباشرة، ونشأت مستقلة تنادي بالعودة إلى الدين الحق ( عقيدة وشريعة ومنهج حياة) بعيدا عن أي مؤثر خارجي، فهي - على سبيل المثال - " لم تتأثر بالفكر الغربي الذي لم يكن قد وفد بعد، لا في مناهجها التجديدية، ولا في موادها وأدواتها الفكرية، ولا في هيئتها الحركية والتنظيمية".

مراحل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
من بلدة حريملاء في نجد، في حدود سنة 1153هـ - وهو العام الذي مات فيه والده - انطلقت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي بدأها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى العلم والتعلم، والرجوع إلى الإسلام الصافي، والتنديد بالخرافات والبدع المنتشرة والشائعة في مجتمعه، وما تخللها من مظاهر الشرك والوثنية التي تمس جوهر الدين، وتتعارض مع مبدأ توحيد لله، وإفراده بالعبودية، والدعاء والعبادة.
ومن الواضح إن أول ما بدأ به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هو الدعوة لإصلاح العقيدة – عقيدة التوحيد- وتطهيرها مما علق بها من مظاهر الشرك. وكانت هذه هي الغاية الأولى للدعوة السلفية، وهي الأساس لأي عملية إصلاح ديني، لكون العقيدة هي جوهر الإيمان، وهي الركن الأعظم من أركان الدين، "وهي القضية الكبرى بين الأنبياء وخصومهم، وكذلك بين الدعاة والمصلحين وخصومهم" وإذا صحت العقيدة صح الإيمان، واستقامت باقي أمور الدين.
بيد أن الشيخ لم يستمر طويلا في بلدة حريملاء، نظرا لا نعدام النظام وسيادة الفوضى فيها، ولذا فقد تركها وآثر التوجه إلى العينية مسقط رأسه. وفي العينية صادفت الدعوة قبولا نسبيا، واشتهر أمرها، وقوي فيها أمر الشيخ إلى حد ما، فشرع في الحملة على مظاهر الفساد، وفي تغيير المنكر بلسانه ويده، فقام هو وأنصار الدعوة، بهدم القباب المبنية على القبور، وفي مقدمة ذلك القبة المنصوبة على قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه، وكذلك مثيلتها المنصوبة على القبر المزعوم للصحابي ضرار بن الأزور، رضي الله عنه، وقاموا بقطع الأشجار التي كان الجهال يتبركون بها، وفي تطبيق الحدود الشرعية، وإلزام الناس بالصلاة، والأمر بصلاة الجماعة في المسجد. وكذلك فعل في بلدة الدرعية، التي كانت مستقره الأخير، منذ سنة 1158هـ.
ولا حظوا أن التغيير باليد، وتطبيق الحدود الشرعية، وإلزام الناس بالصلاة، وغير ذلك من أمور تتطلب الإجبار أو استخدام القوة، كانت تتم بمعرفة وإرادة سلطان البلاد، وبتوجيهٍ منه، وفي ظل رعايته، وتحت إشرافه، وكان السلطان في المرحلة الأولى لانطلاق الدعوة هو الأمير عثمان بن حمد بن معمر(ت 1163هـ )، أمير العينية، ثم كان بعد ذلك الأمير محمد بن سعود، ت(1179هـ/ 1765م)، أمير الدرعية - الذي تحمس لأفكار الشيخ الإصلاحية، وتحالف معه من أجل نشرها، وتطبيقها في الواقع.
وهذا حقيقة من فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومن مظاهر تفكيره العقلي العملي. فهو قد حرص منذ اللحظات الأولى لانطلاقة دعوته على إقناع السلطان الذي يحكم البلاد الذي هو فيها، بتبنيها والعمل بموجبها. فالحق لا بد له من قوة تحميه، ولأن الدعوة في هذه الحالة تكون أكثر قبولا لدى الناس، وأبعد عن الاستهتار بها، أو التشويش عليها، من قبل السفهاء وسفلة القوم، وأبعد عن الحساسيات والاحتكاكات، وأدعى لتذليل الكثير من العقبات أمامها.

التحديات الداخلية للدعوة السلفية
ما أن صدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب بآرائه الإصلاحية، ورفع عقيرته بانتقاد البدع ومظاهر الفساد، والعادات الباطلة، وبدأ بعض الناس يتفاعلون معه، ويلتفون حوله، حتى نهض له أصحاب المصالح ورءوس الضلال، وأمراض القلوب، وأولياء الشيطان، على اختلاف نحلهم، وبدعهم، وطرقهم، وأقاموا عليه الدنيا ولم يقعدوها، وردوا سائر أقواله وأفعاله، ونسبوها إلى الضلال المبين، بل ووصل بهم الأمر إلى إغراء رعاعهم به، وتحريضهم لهم على سفك دمه، أكثر مرة، وأجبروه على النزوح من دياره ومسقط رأسه.
ثم بعد ذلك شرعوا في التأليب عليه لدى الأمراء والحكام، كما قاموا بمكاتبة العلماء في الأمصار وبعثوا الوفود إليهم وإلى مواسم الحج، للتحذير من أفكاره، والتنفير من دعوته، وليرسموا لهم صورة مشوهة عنها، وعن صاحبها، وأخذوا يجأروا بالشكوى في كل محفلٍ ويذرفون دموع التماسيح أينما حلو، من البلية التي حلت بدينهم على يديه – بلسان حالهم- فقالوا فيه أنه يحتقر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحط من قدره، ويكره الصالحين، ويكفر المسلمين بغير مكفر، واتهموه بتشويه الدين، ورفع راية الفتنة، والافتئات على السنة، والخروج عن الجماعة، والإتيان ببدعة محدثة مردودة، ورموه بكل صفةٍ شنيعة، وزعموا أنه ضاهى النبوة وادعاها حالا لا مقالا، وألفوا حولها الكتب ونسجوا فيها الأكاذيب والأساطير حول الدعوة وأهلها بالباطل والزور والبهتان.
وقد استطاع المرجفون وعلماء السلاطين، أن يثيروا العديد من الشبهات والكثير من اللغط حول هذه الدعوة الإصلاحية السلفية، ووقفت في طريقها وهي مراحلها الأولى عقبات كثيرة.
وعلى الرغم من أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد استطاع من خلال تحالفه القوي المتين مع محمد بن سعود، أمير الدرعية، أن يتوسع في شرح مبادئ دعوته السلفية الإصلاحية للناس، وفي حثهم على إزالة المنكر، وهدم قباب القبور، وسد ذرائع الشرك، وتحقيق العبودية لله وحده، وبيان معني(لا إله إلا الله)، وذلك من خلال التعليم والرسائل والوعظ ، إلا أن الدعوة مع ذلك قد اصطدمت بالجدار المعنوي السميك، الذي فرضته التقاليد الباطلة والعادات السيئة المتوارثة، التي تأصلت في البيئة، على مدى قرون، وقد شكل هذا العامل التحدي الأكبر في وجه الدعوة على المستوى المحلي والداخلي، فقد أبدى أهل الأهواء والبدع وسدنة القبور، وآكلو السحت ومبتزو أموال الناس بالباطل، وأنصار " إن وجدنا أباءانا على أمة " والزعماء المحليون الذين تكمن مصالحهم في إبقاء الأوضاع دون تغيير، ورأوا في الدعوة تقويضا لنفوذهم، وتهديدا لمصالحهم الذاتية والفئوية الضيقة.
كل هؤلاء أبدوا تشبثا بما كانوا عليه من مظاهر الباطل، واستماتة في الدفاع عنها، والصد عن سبيل الله، وكشروا عن أنياب الغدر والشر، ولم يجدِ معهم الوعظ والنصح، ولم تلق الكلمة الطيبة آذانا صاغية لدى الكثيرين منهم، ولاسيما وأن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم تقم على الخطب أو الهتافات الحماسية، ولم تلجأ إلى رفع الشعارات البراقة التي تستهوي الرعاع والعامة، وتستثير عواطفهم، أو تغريهم بالحوافز، والجوائز المادية على الالتحاق بها، كما لم تكن إقرارا باللسان فقط، وإنما هي دعوة تخاطب القلوب الحية، والعقول الواعية، والفطرة السليمة، ولا يستجيب لها إلا من وقرت مبادئها في نفسه، وتغلغلت إلى أعماق قلبه، والانتماء إليها ليس كمثل الإنتماء لأي حزب أو جماعة سياسية، وإنما هو انتماء له شروط، ويترتب عليه واجب والتزام، وهو تصديق القول بالفعل، والنظرية بالتطبيق.
كما أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكن ممن يقبلون بالحلول الوسط أو ممن يبادرون بتقديم التنازلات، لقاء مكاسب معينة، مادية أو معنوية، وهي التي عادة ما يتهافت عليها أصحاب الدعوات الدنيوية، أو المتقمصين للدعوات الإصلاحية مظهرا وشعارا فقط ، لاسيما إن كان في تلك الحلول أو التنازلات ما يخدش صفاء العقيدة، أو يتعارض مع مبدأ من مبادئ الدعوة التوحيدية.
ومن هنا كان لا بد من إزالة المنكرات ومكافحة عقيدة تقديس الأولياء، وتطبيق شرائع الدين، بقوة اليد والسلطان، إذ أن الله سبحانه وتعالى – كما ذكر عثمان بن عفان – يزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن.

المد السلفي يكتسح جزيرة العرب
وهكذا بدأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعاونه الأمير محمد بن سعود بإرسال السرايا وجموع المجاهدين من الدرعية إلى خارج حدودها لنشر الدعوة، وتثبيت أركانها في نجد ثم في شبه الجزيرة العربية، لأن البلاد النجدية آنذاك كانت في حالة يرثى لها من الفوضى السياسية– فضلا عن الفوضى الدينية - ولم يكن هناك سلطان جامع أو راية موحدة، وكانت السيادة فيها للأقوى وللأعراف والعادات القبلية السائدة التي تطغى فيها أحكام الجاهلية على أحكام الإسلام.
وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب، يشرف على العمليات العسكرية بنفسه، ويستمر مع ذلك على الدرس والتدريس، فتوسع في الاتصالات المباشرة بالقبائل والقرى، بزياراته الميدانية المتتالية لها للخطب والمحاضرات في المساجد، واستقبال الضيوف، وتوديع الوفود. والإشراف على أعداد الدعاة، وفي مكاتبة العلماء، لتذكيرهم بالعقد الذي بينهم وبين الله، ورجاء أن يقوموا معه في نصرة دين الله، والاشتراك في الجهاد لاستئصال الشرك والخرافات. وهو مع هذا وذاك مستمر في التأليف فصنف كتبا كثيرة قيمة، أبرزها وأهمها: كتاب التوحيد فيما يجب من حق الله على العبيد.
وبفضل الله ثم بفضل مثابرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وصبره وجهاده وقوة تحمله، وما كان يتمتع به من العلم والجاه والقبول، إضافة إلى خبرته ووعيه الثاقب، استطاعت الدعوة أن تشكل المجتمع الحاضن لها المؤمن بأفكارها والمستميت من أجلها " وأَلَّفت حكومة، وأوجدت نظاماً مبنياً على الإسلام، ضمن الإطار السلفي" ، وأخذت الدعوة تكتسح القرى، والقبائل، واحدةً تلو الأخرى، وتكتسب المزيد والمزيد من الأنصار.
وفي عام 1178هـ/1773م، تكللت الجهود بفتح الرياض، وبفتحها اتسعت رقعة الأرض التي تخضع للدعوة، والتحق بالدعوة كثير من الناس، وزادت الأموال، وهدأت الأحوال. إلى حدٍ كبيرٍ.
وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، شعلة من النشاط والحيوية، ذا إرادة فولاذية، وكان صورة للمجاهد الذي يمضي في فتح البلاد ينشر الدعوة ويزيل مظاهر الشرك التي انحدر إليها الناس، ولم يكن يكلّ أو يمل. وظل " يكافح دون عقيدته، ويعمل لها بلسانه ويده، وبكل قلبه، وبكل عقله، وبكل جهده" حتى آخر يوم في حياته.
وعند ما توفي رحمه الله في عام ( 1206هـ/ 1792م )، كانت الدعوة قد وقفت على أرجلها واشتد ساعدها، وصار لها قوة يُخشى بأسها، وأصبح زمام المبادرة في يد أنصار الدعوة.
فواصلت الدعوة مسيرتها وانتصاراتها التي توجتها بدخول مكة عام 1803م، ثم المدينة المنورة بعد ذلك بعامين. وأخذت الدعوة السلفية تتمدد في شتى أنحاء شبه الجزيرة العربية، وتهاوت تحت ضرباتها حصون البدع حصنا حصنا، وكنست أهل الباطل والزيغ إلى مزبلة التاريخ وبئس المصير.
وفي عام 1806 دخل القواسم حكام الشارقة، تحت نفوذها، فقوي وجودها على سواحل الخليج، وأصبح رجال الدعوة يشكلون تهديدا حقيقيا للأساطيل البريطانية التي كانت قد بدأت تتسلل إلى قلب المياه الإسلامية، مستغلة ضعف الدولة العثمانية وتحت ذريعة الامتيازات التي حصلت عليها منها. كما وصلت الدعوة إلى كربلاء في العراق، سنة 1215هـ، حيث تم هدم القبة التي بناها الرافضة والقبوريين فوق قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما، كما وصلت إلى حوران في بلاد الشام، وخضعت لها شبه الجزيرة كاملة باستثناء اليمن.
وكان من المتوقع، بل من الطبيعي أن تستمر الدعوة بالتمدد وأن تنتشر بين الشعوب المجاورة وحيثما وجد مسلمون، نظرا لحيويتها ولما يتوافر لديها من روح معنوية عالية، ومن مقومات ذاتية عديدة، لولا أن الدولة العثمانية، وقفت في وجهها بكل قوتها وسخرت كل إمكانياتها لضربها، والحرب عليها، وذلك من خلال واليها على مصر العلماني الباطني محمد علي باشا. وكان ذلك لأسباب سياسية بحتة، بعيدة كل البعد عن الدين. وهذا ما يقوله المحققون المحايدون.
وقد يكون للموضوع بقية إن شاء الله.

منشور أيضا على موقع مأرب برس الجمعة 7نوفمبر2008

خفقات قلب
11-08-2008, 10:50 PM
بارك الله فيك أخي الظرافي..وبارك الله في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورحمه الله رحمة واسعة..

أحمد الظرافي
11-13-2008, 11:12 AM
بارك الله فيك أخي الظرافي..وبارك الله في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورحمه الله رحمة واسعة..


بارك الله فيك
وهذا هو الجزء الأول ويليه الجزء الثاني

أحمد الظرافي
11-13-2008, 11:16 AM
الدعوة السلفية

وعبقرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب(2)

بقلم: أحمد الظرافي


انتهينا في المقال السابق إلى القول أن الدعوة السلفية كان من الطبيعي أن تستمر في التمدد والانتشار خارج نطاق جزيرة العرب، وحيثما وجد مسلمون، نظرا لكونها دعوة تهم المسلمين جميعا، ولما يتوافر لديها من روح معنوية عالية نابعة من عقيدتها الصحيحة الراسخة.

ونزيد على ذلك بالقول أنه كان هناك عوامل عديدة تنبىء بولادة دولة إسلامية جديدة على أسس صحيحة، تأخذ على عاتقها مواجهة التحديات المصيرية التي تواجه الأمة، قد تكون على غرار دولة المرابطين الإصلاحية السلفية في شمال أفريقيا، في القرن الخامس الهجري، على الأقل.

والذي لديه إلمام بعلم التاريخ، يجد أن التشابه كبير بين الدولة المرابطية، والدولة السعودية الأولى، وبين الداعية الفقيه عبد الله بن ياسين، منظر المرابطين، والشيخ محمد بن عبد الوهاب شيخ الدعوة السلفية.

والدولة المرابطية كما هو معروف هي الدولة الأبية التي أنقذت الإسلام في كل من المغرب والأندلس، والمعروفة بسجلها الجهادي الناصع ومنجزاتها الضخمة العظيمة، والتي امتدت حدودها من طليطلة في وسط الأندلس شمالا إلى غانا وبلاد السودان جنوبا.

ومشروع الدولة السلفية الحديثة كان من شأنه أن يحقق آمال المسلمين وطموحاتهم وتطلعاتهم، ولم يكن ذلك بالأمر المستبعد في ذلك الوقت، لأن الهجمة الغربية على بلاد المسلمين لم تكن قد بدأت. لولا أن الدولة العثمانية وقفت في وجهها بكل قوتها وسخرت كل إمكانياتها لضربها، والحرب عليها، وذلك من خلال واليها على مصر العلماني الباطني محمد علي باشا. وكان ذلك لأسباب سياسية بحتة، بعيدة كل البعد عن الدين.

وتعالوا معنا نستعرض واقع الدولة العثمانية أثناء ظهور الدعوة السلفية. والأسباب الحقيقة التي دعتها لضربها والحرب عليها وتشويه صورتها- وهو الذي ما زال يرده الجهلاء والحاقدون حتى اليوم.

الدولة العثمانية عند قيام الدعوة السلفية
لعبت الدولة العثمانية في العصور السالفة، دورا مهما في حماية ديار الإسلام، من الغارات والحملات الصليبية، ولقد وضعت الخطط الواسعة من قبل الكنيسة الكاثوليكية والدول الأوروبية، للقضاء عليها، وباءت كلها بالفشل أثناء احتفاظها بقوتها.

" ولاشك أن العثمانيين شكلوا ما بين فتح القسطنطينية سنة 1453 وتوقيع اتفاقية " قارلوجة" سنة 1699 استعادة المسلمين دورا عالميا فقدوه مطلع القرن 11م وأسهموا في نشر الإسلام خارج المدى الذي وصله الفاتحون العرب ومن تفرعوا عن الدولة العربية الإسلامية ، كما قدموا دعما للمقاومة العربية في مواجهة طلائع الاستعمار الأوروبي، ولهم بالتالي تقدير كل من يعتنق الإسلام دينا ويتمثله حضارة[1] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn1)" .

وفي تلك الفترة حسب الأوربيون أن خط الإسلام السياسي قد تصاعد وصار الخطر الداهم، مما حمل الدول الأوروبية النصرانية على أن تتجاوز خلافاتها الطائفية والقومية والتاريخية، باعتبارها فرعية وثانوية مقارنة بالتحدي الرئيسي وهو الإسلام. " إذ تحول الأرثوذكس إلى جزء من تحالف كاثوليكي – بروتستانتي – يهودي – ضد الإسلام [2] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn2)." وبالأحرى ضد الدولة العثمانية التي كانت تمثل الإسلام حينذاك، حتى تمكنت القوى الأوروبية مجتمعة من هزيمتها وأضعاف قوتها.

وأثناء سطوع نجم الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ/ 1703-1792م)، ودعوته السلفية الإصلاحية التوحيدية، في شبه جزيرة العرب، في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وبداية القرن التاسع عشر، كان العثمانيون قد وصلوا إلى درجة كبيرة من الضعف والتدهور " ودب إليهم داء الأمم من قبلهم: الحسد والبغضاء، واستبداد الملوك وجورهم وسوء تربيتهم وفساد أخلاقهم وخيانة الأمراء وغشهم للأمة وإخلاد الشعب إلى الدعة والراحة... وكان شر ما أصيبوا به الجمود في العلم والجمود في صناعة الحرب وتنظيم الجيوش[3] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn3)".

وأصبحت الطرق الصوفية البدعية، بكل سلبياتها وشطحاتها وطقوسها وشعائرها الغبية، تسيطر على مجمل الحياة العامة في سائر الولايات العثمانية، وأصبحت السلطنة أو دولة الخلافة العثمانية – سمها ما شئت - عاجزة عن تحقيق الأهداف العليا للأمة التي كانت هي الأساس لشرعية السلطان والخلافة العثمانية في نظر المسلمين. والأهداف هي: الجهاد، والدعوة، وحماية دار الإسلام، والحفاظ على الوحدة الداخلية، والحيلولة دون الفتنة. الأمر الذي جعل شرعية الخلافة العثمانية في محل شك، لاسيما بعد أن تحقق عجز العثمانيين عن حماية الدار بسقوط مصر في أيدي الفرنسيين عام 1798.

أما على الخط الحضاري – كما يقول الدكتور شاكر مصطفى - فقد كان الوضع أسوأ بكثير. ضرب الحصار العثماني طوقاً من الجمود على الإمبراطورية باسم الدفاع عن الإسلام. وخنق بذلك كل مبادرة للتطلع خارج هذا الطوق. وانعدم الوعي التاريخي لدى السلاطين والناس. وماتت أفكار التحدي والجهاد وصار الآخر هو العدو المريب[4] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn4).
"ولم يكن الجمود العلمي والكلال الفكري مقتصرين على تركيا وأوساطها العلمية والدينية فحسب، بل كان العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه مصابا بالجدب العلمي، وشبه شللٍ فكري، قد أخذه الإعياء والفتور، واستولى عليه النعاس[5] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn5).

ومعنى ذلك أن الدعوة السلفية الإصلاحية في جزيرة قد جاءت في وقتها، وكانت تعبيرا عن إرادة حرة إسلامية صادقة ونزيهة، وبدافع الغيرة على الدين وإصلاح حال المسلمين، ولتغيير واقع مزري وقاتم، وتهيئة المجال لحياة عزيزة كريمة أفضل، وأنها كانت ضرورة ليس فقط لتجديد ما أندرس من معالم الدين، وتنقية العقيدة من الشوائب الشركية التي علقت بها، وإنما أيضا ضرورية لإيقاظ المسلمين من السبات العميق، استعدادا لما يحيط بهم من تحديات، ولمواجهة الموقف الناشئ عن ضعف الدولة العثمانية، والذي قد يترتب عليه إمكانية سقوطها في أي وقت.

يقول الدكتور شاكر مصطفى: "لم يعد للتاريخ العربي في الفترة العثمانية التي دامت 400 سنة من وجود. اندمج هذا التاريخ مع التاريخ العثماني لأول مرة. وكانت البلاد العربية مستعدة دينياً لمثل هذا الإلحاق. الجو الديني لم يترك فيها منفذاً للشعور بالذات العربية الخاصة، فالدين الإسلامي هو الجامع للبشر. وما دامت الدولة العثمانية تدافع عن الدين في فتراتها الأولى فهي تدافع أيضاً عن البلاد العربية في الوقت نفسه. نصرها كانوا يعتبرونه نصراً لهم, فلما ضعفت وبدأت الأطماع الاستعمارية تتناوشها، عاد العرب يفكرون في مصائرهم من جديد. عادوا يوقظون مثلهم العليا السابقة، وهي ليست إلا مثلاً دينية. وهكذا ظهرت أوائل حركات اليقظة حاملة شعار العودة إلى الإسلام. ظهرت الحركة الحنبلية الوهابية في نجد، والحركة السنوسية في المغارب وليبيا، ثم الحركة المهدية في السودان. وكانت حركات على الأطراف. ما اهتمت القسطنطينية بالبعيد منها كحركة أحمد بك والحاج عمر في شرق إفريقيا، وإن حرصت على محاربة القريب منها "أتباع محمد بن عبد الوهاب " لأسباب سياسية، وحاربت حركة فخر الدين المعني "المتصلة بأوربا" في الشام.[6] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn6)"

وليس ذلك فحسب، إنما بلغت الاستهانة بالدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، أن أعداءها من القوى الأوروبية، لم يعودوا يكترثون من أجل القضاء عليها، لأنها أصبحت بنظرهم أحد الأطراف في لعبة التوازن الدولي.

سر محاربة العثمانيين للدعوة السلفية
ومع أن الدولة العثمانية أثناء ظهور الدعوة السلفية في شبه جزيرة العرب، كانت عمليا في غرفة الإنعاش، وفي حالة جمود فكري وركود اقتصادي، وفي قمة العجز والخنوع السياسي، مع فقدان أي قوة ذاتية للدفاع، وانعدام الوعي التاريخي لدى السلاطين، وموت أفكار التحدي والجهاد.فقد كان طبيعيا أن يظل السلاطين العثمانيون يتظاهرون بزعامة المسلمين، ويتشبثون بمظاهر الخلافة وألقابها إلى آخر رمق، إذ كان من الصعب عليهم أن يسلموا بانتهاء دورهم ويحكموا على دولتهم بالوفاة.

ومن أبرز تلك المظاهر استمرار سيطرتهم على الحجاز وخاصة المدينتين المقدستين، مكة والمدينة، حتى تتم المظاهر الشكلية للخلافة العثمانية، وحتى لا يقع الشك في مقدرتهم على حماية الحرمين الشريفين، فتزول هيبتهم، ويضعف أمرهم. فطالما والحرمان الشريفان تحت نفوذهم فسيظل بإمكانهم حمل ألقاب الخلافة والتشدق باسمها، ورفع الصوت باسم الإسلام والمسلمين، وحتى ولو كانوا قد فقدوا الأهلية والكفاءة لذلك من الناحية العملية – والأمر كان كذلك في الواقع-.

"فالحجاز يمثل السيادة الروحية على العالم الإسلامي كله؛ نظرًا لوجود الحرمين الشريفين فيه، وفقده يعني زوال تلك السلطة الروحية والسيادة والزعامة الدينية التي يتمتع بها الخلفاء العثمانيون.[7] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn7)"

وبعد أن سيطر أنصار الدعوة السلفية على الحرمين الشريفين، وأجروا فيهما بعض الإصلاحات الضرورية بموافقة علماء مكة والمدينة، وبعد أن باءت بالفشل كل المحاولات الداخلية لضربها، وأمام هذا التمدد الكبير للدعوة السلفية الإصلاحية، كثر الوافدون على الآستانة من المتملقين والحاقدين على تلك الدعوة، وأزداد عدد المحرضين عليها في بلاط السلطان العثماني، والمتظاهرين زورا وبهتانا بالغيرة على الإسلام، وعلى وحدة المسلمين، وعلى دولة الخلافة الإسلامية، من خطرها.

كما أخذ القناصل الأجانب بدورهم وعلى رأسهم القناصل الانجليز، يضغطون على السلطان محمود الثاني ( 1808- 1839)، للتحرك ضد الدعوة السلفية التي كان أتباعها يستعدون لبسط سيادتهم على مياه البحر الأحمر، ومياه الخليج، ومن ثم مهاجمة الأساطيل الانجليزية التي كانت قد بدأت تتسلل إليهما.

وأمام هذه الضغوط، وجد السلطان العثماني محمود الثاني نفسه، يتساءل عن كيفية مواجهة هذه الحركة التي نبزوها بـ" الوهابية ".

وراق الدولة العثمانية هذا النَّبْزُ، فأجرته على ألسنة الدراويش وتنابلة السلطان، وأفرطت في إلقاء الشبهات عليه وتشويهه، ثم شرعت بعد ذلك تخطط وتعد العدة، لضرب الحركة والقضاء عليها، ليس غيرةً على الدين، ولا انتصارا للمسلمين، ولا لأي مبرر وجيهٍ آخر، وإنما لفرط أنانيتها، ودفاعا عن مصالحها وهيبتها، ولأسباب سياسية ضيقة، وفي مقدمة كل ذلك استعادة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، والاستئثار بالنفوذ فيهما، كي يوهموا الناس أن الخلافة العثمانية لا تزال باقية، وأنها هي الناطق الرسمي باسم المسلمين، وأنها لا تزال حاملة راية الجهاد، ولو كان ذلك من الناحية الشكلية فقط، ولو كان في ذلك تقديما لمصلحتها الخاصة، على مصلحة الإسلام، ولو كان ذلك يجعلها فقط ( كالقط يحكي انتفاخا صورة الأسد )، ولو كان ذلك يمثل حجرا على إرادة المسلمين وإجبارا لهم على أن يظلوا في قوقعتهم، في حالة غيبوبة وتجمد، فلا يستيقظون من سباتهم، فيرون التغيير الذي يجري من حولهم، والتحديات التي تواجههم، ويكتشفوا حقيقة ما آلت إليه خلافتهم من ضعف وركود واستخذاء، فينهضوا لإصلاح شئونهم، ويسعون لإيجاد البديل، اعتمادا على إمكاناتهم وقواهم الذاتية، قبل فوات الأوان.

هذا هو السر وراء إصرار الدولة العثمانية على ضرب الدعوة السلفية. وكان موقف الدولة العثمانية يجسد شعار " إما أنا أو الطوفان" وهذا كان منتهى الأنانية. والذي كان فيما بعد هو الطوفان. لأن محاولات ترقيع دولة الخلافة العثمانية باءت كلها بالفشل. لأنه ببساطة كان ترقيع للمرقع.

ولو أنه كانت هناك إمكانية لمنع سقوط دولة الخلافة العثمانية، لتم ذلك على يد السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918) فإنه حاول منذ أن تبوأ العرش عام 1876 ، بكل طاقته وبكل جد وإخلاص، أن يوقف انهيار الدولة، ولكن من دون جدوى. لأن المرض كان قد وصل إلى مخ العظام. وكانت النتيجة هي خلعه وإبعاده عن العرش بتهمة الرجعية سنة 1909م.

هذا إضافة إلى الدور البريطاني في التحريض على الدعوة السلفية " وكانت انجلترا ومستشرقوها ما فتئت تخوف الدولة التركية وتؤلبها على مهد ( اليقظة ) في جزيرة العرب ..واستجابت دار الخلافة بغفلتها إلى هذا التأليب حتى جردت حملات متتابعة لقمع ( اليقظة ) الوهابية، وآبت في جميعها بالإخفاق، ثم منذ ولي ( محمد علي سرششمة ) جعلت تركية ) تدعوه إلى تجريد جيوشه لقتال الوهابيين، وتتابع هذا الطلب من سنة 1807 إلى سنة 1810 ( 1222-1225هـ)، فلم يستجيب لنداء تركية ، ولكن الاستشراق بقناصله زين أخيرا لمحمد علي سرششمة أن يستجيب ليحقق مأربه في وأد ( اليقظة ) التي كادت تعم جزيرة العرب، وأمدوه بالسلاح الذي يعينه على خوض الحرب، وذلك في سنة 1226هـ/1811م ( أي بعد ولايته على مصر بست سنوات ) [8] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn8)

محمد علي والحرب على الدعوة السلفية
وأيا كان الأمر فإن المهم هو أن السلطان العثماني الشقي محمود الثاني ، كلف محمد علي باشا، والي مصر بمهاجمة الدولة السعودية الفتية وإجهاض الدعوة السلفية وخنقها.. هذا الأخير الذي فكر وقدر، ثم تولى كبره، فشن حربا لا هوادة فيها ضد الدعوة السلفية التجديدية، وجهز الحملة تلو الحملة للقضاء عليها، وأجلب عليها بالرعاع، وشذاذ الآفاق، والجنود المرتزقة من الأرناءوط والجركس والأرمن والترك، والبدو الجفاة، الذين حشدهم من كل فجٍ عميق، إلى جانب الآلاف من الفلاحين المصرين الذين أقحموا في هذه الحرب العدوانية الظالمة، وكان كثيرا منهم وقودا لها دون أن يكن لهم فيها ناقة أو بعير.

وقد سخر محمد علي باشا للحرب على الدعوة السلفية، إمكانات مصر وبلاد الشام، مع الدعم غير المحدود من دولة الخلافة. وهي " الحرب التي لم تنته إلا بعد ثمان سنوات، في 1235هـ/1819م وفقدت الجيوش المصرية آلافا من أبنائها، ولقيت هزائم كادت تودي بها. وأخيرا تم النصر لمحمد علي سرششمة ، بعد أن أرتكب من الفظائع ما لا يستحمله مسلم ، واستباح الديار والأموال والنساء ، وهدم المدن، فكان هو وابنه إبراهيم وسائر أولاده طغاة من شر الطغاة ، وكانت حربا طاحنة لا معنى لها ، ولا ينتفع بها إلا مؤججوها من ( دعاة المسيحية الشمالية )[9] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn9).

وكان الشعار الذي شنت تحته تلك الحرب العدوانية الظالمة على الدعوة السلفية الفتية، هو " شق الصف والخروج على دولة الخلافة" واستطاعوا من خلال وصمها بهذا الوصف، التضليل على كثير من المسلمين والتغرير بهم وذر الرماد في عيونهم، وهي تهمة سخيفة كاذبة، ودعوى متهافتة ساقطة، ولا أساس لها من الصحة، فإن بلاد نجد لم تخضع يوما للدولة العثمانية حتى وهي في أوج عزها وسلطانها في القرن السادس عشر. فكيف سيكون ذلك في القرن الثامن عشر، وقد أصبح الأعداء يطلقون عليها اسم " الرجل المريض" ؟ وقد تحدثنا في الجزء الأول عن الأوضاع الدينية والسياسية في نجد أثناء ظهور الدعوة السلفية.

والمهم أن محمد علي باشا أستطاع استرداد الحجاز بما فيها مكة والمدينة والحرمين الشريفين، بل وابعد النجعة في محاربة الدعوة السلفية، فزحفت قوته بقيادة ابنه إبراهيم باشا على الدرعية عاصمة نجد، وتم تسويتها بالأرض بطريقة غادرة ماكرة، جسدت الخيانة ونقض العهد بصورة واضحة، وذلك في ذي القعدة 1233هـ/ سبتمبر1818م.

وبهذا تمكن محمد علي باشا من إجهاض مشروع الدولة السعودية، والدعوة الإصلاحية السلفية، وعزله في حدود الصحراء العربية. وقدم بذلك خدمة لا نظير لها للدول الغربية الاستعمارية التي كانت قد ارتاعت من هذه الحركة التوحيدية الفتية التي كانت ترفع راية الجهاد ضد الغزاة، لا سيما بريطانيا العظمى التي كانت تخطط لبسط نفوذها على شبه الجزيرة العربية والخليج العربي بهدف التحكم في الطريقين البحريين الرئيسيين إلى الهند.

وأما الدعوة السلفية، في حد ذاتها فلم يستطع القضاء عليها، لأنها كانت قد تأصلت في القلوب وباتت جزءا لا يتجزأ من الواقع في جزيرة العرب، كما أنها كانت قد انتشرت لا سيما لدى الخاصة من العلماء والدعاة، في أنحاء عدة من بلاد العالم الإسلامي مثل المغرب والهند ومصر واليمن وغيرها.

فهل يا ترى حقق محمد علي للدولة العثمانية ما كانت تأمل؟ وهل قويت الخلافة العثمانية وعادت لها هيبتها، بخنق الدعوة السلفية الإصلاحية والقضاء على مشروعها الإسلامي للنهضة؟
الجواب: كلا. لأن محمد علي باشا، بالأصل لم يشن الحرب على الدعوة السلفية، تنفيذا لرغبة العثمانيين، وإنما لنزوةٍ شيطانيةٍ في نفسه هو.

والواقع أنه ما أن انتهت حرب محمد على الدعوة السلفية، حتى بدأ العرب والمسلمون يحصدون الحصاد المر، وشوك الحسك والسعدان والعلقم، الذي زرعه العثمانيون ومحمد علي باشا باستكبارهم وتجبرهم وغفلتهم، في ضرب تلك الدعوة، وسيكون العثمانيون هم أول الحاصدين لمازرعوه. وكذلك محمد علي باشا، خسر الحرب في النهاية، وتحطم مشروعه، وفرضت عليه الاتفاقيات المذلة والمهينة من قبل القوى الأوروبية. ومن زرع الشوك سوف لا يحصد العنب. لكن سيكون المسلمون عامة هم الخاسر الأكبر – كما سيثبت ذلك التاريخ والأحداث اللاحقة-.

وللحديث بقية إن شاء الله.

منشور أيضا في مأرب برس بتاريخ 13/11/2008



[1] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref1) عوني فرسخ، القوميون والإسلاميون العرب، إشكاليات الحاضر وتحديات المستقبل، مجلة المستقبل العربي، العدد 260، 10/2000، ص54
[2] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref2) مجلة السنة العدد 105، صفر 1422هـ.

[3] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref3) أبو الحسن الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، ص148

[4] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref4) شاكر مصطفى، مع التاريخ على جناح طائر، مجلة العربي الكويتية-العدد458- يناير1997
[5] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref5) أبو الحسن الندوي، المرجع السابق، ص151
[6] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref6) شاكر مصطفى، مع التاريخ على جناح طائر، العربي- العدد458- يناير1997

[7] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref7) سمير حلبي، "محمد بن عبد الوهاب" والعودة إلى جوهر التوحيد، إسلام اونلاين، http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/07/article21.shtml

[8] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref8) مجلة السنة، نقلا عن كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، تأليف العلامة محمود محمد شاكر، ص199-203)

[9] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref9) مجلة السنة، نقلا عن كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، تأليف العلامة محمود محمد شاكر، ص199-203)

من هناك
11-13-2008, 02:58 PM
بورك قلمك اخي احمد
اين هو المقال الأول؟ لعلي قرأته ونسيت.

بالنسبة للمصادر، الأولى ان تعود لمحمود شاكر في الكلام عن تاريخ هذه الحقبة. كما انه من المفيد الكلام ايضاً عن خطة محمد علي لإقامة سلطنة في مصر والربط بين طمعه في إقامة هذه الدولة وفي التوسع.

لكنه لا بد ايضاً من الإعتراف بأن الدولة الفتية اقدمت على الكثير من العمليات التي ارهقت سمعتها

مقاوم
11-13-2008, 03:28 PM
جهد تشكر عليه أخي أحمد، جعله الله في ميزانك ونفع به.

أحمد الظرافي
11-13-2008, 05:37 PM
جهد تشكر عليه أخي أحمد، جعله الله في ميزانك ونفع به.

آمين
وبارك الله فيك .

أحمد الظرافي
11-13-2008, 05:41 PM
بورك قلمك اخي احمد
اين هو المقال الأول؟ لعلي قرأته ونسيت.

بالنسبة للمصادر، الأولى ان تعود لمحمود شاكر في الكلام عن تاريخ هذه الحقبة. كما انه من المفيد الكلام ايضاً عن خطة محمد علي لإقامة سلطنة في مصر والربط بين طمعه في إقامة هذه الدولة وفي التوسع.

لكنه لا بد ايضاً من الإعتراف بأن الدولة الفتية اقدمت على الكثير من العمليات التي ارهقت سمعتها
بالنسبة للمقال إن شاء الله سيتواصل ، وهناك نتيجة ما أسعى للوصول إليها

أحمد الظرافي
11-22-2008, 10:29 AM
الدعوة السلفية
وعبقرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب(3/3)
بقلم: أحمد الظرافي

انتهينا في الحلقة الثانية من هذا الموضوع إلى القول:بأنه ما أن انتهت حرب محمد على باشا والدولة العثمانية على الدعوة السلفية، حتى بدأ العرب والمسلمون يحصدون الحصاد المر، وشوك الحسك والسعدان والعلقم، الذي زرعه العثمانيون ومحمد علي باشا، باستكبارهم وتجبرهم وغفلتهم، في القضاء" علي أماني دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تطبيق منهج السلف الصالح ومحاولة إعادة الخلافة الإسلامية الخالية من شوائب البدع، وتكوين دولة شرعية قوية تطبق فيها حاكمية الله لا حاكمية البشر[1] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn1)".


وكان العثمانيون أول الحاصدين، لما زرعوه. وكذلك كان حظ العلماني الباطني محمد علي باشا، إلا أن أمة الإسلام عامة، كانت هي الخاسر الأكبر – كما أثبت ذلك التاريخ والأحداث اللاحقة-.فماذا حصد العثمانيون؟ وماذا حصد محمد علي باشا؟ وما ذا حصدت الأمة ككل؟


في الحقيقة إن النتائج التي ترتبت على ضرب مشروع الدعوة الإصلاحية السلفية في جزيرة العرب لم تُكتب بعد. وهذه مجرد محاولة بسيطة للبحث في هذا الموضوع. وقد تتلوها دراسة أعمق وأشمل في المستقبل إن شاء الله. علما بأن الهدف ليس إثارة المواجع وتفتيق الجروح، وإنما أخذ العبرة والعظة مما فات.


حصاد دولة الخلافة العثمانية
بعد أن أصبح الحرمان الشريفان والمدينتان المقدستان في الحجاز، تحت نفوذ محمد علي باشا، بفترة زمنية وجيزة، ورأى محمد علي باشا أنه نجح من حيث أخفقت الدولة العثمانية في القضاء على آل سعود، وتحجيم الدعوة الإصلاحية السلفية، واستخلاص الأراضي المقدسة منهم، وبعد أن شعر بتعاظم قوته أمام تدهور القوة العثمانية، أعلن التمرد على السلطان العثماني، وتطلع إلى ضم أجزاء كبيرة من دولة الخلافة، بل سولت له نفسه وراثة " الرجل المريض " وهو لا يزال حيا.


وبدلا من أن يعيد إلى الدولة العثمانية نفوذها على الحرمين الشريفين، اللذان كانت تحتاج إليهما لإضفاء شرعية شكلية على خلافتها الآفلة، حرمها منهما، وضربها بنفس هذا السلاح، فجعل من سيطرته على الحجاز وعلى الأماكن المقدسة، وسيلةً للسمو بمكانته لدى الشعوب الإسلامية، ولتدعيم مخططه في وراثة الدولة العثمانية، وإنشاء دولة إقليمية فتية جديدة في المنطقة، على أنقاضها، وباشر في إرسال حملة إلى الشام عام 1832 قادها ابنه إبراهيم باشا، الذي لم يكن يقل عنه طموحا وقسوةً وجهلا ونوازعا عدوانية واستبدادية.


وتمكن إبراهيم بن محمد علي من التوغل في أعماق سوريا واكتساح الشام كله، حيث مارس أسلوب والده في الظلم والتغريب ومصادرة الأوقاف، وتشجيع الأقليات الدينية فيها، والاعتماد عليها بدلا من القوى التقليدية ( أهل السنة والجماعة ).
وإلى جانب ذلك قام محمد علي باشا بتشجيع عدد من الولاة في وسط الأناضول على التمرد ضد السلطان محمود الثاني في استانبول، ثم أخذ جيش محمد علي يزحف شمالا لمهاجمة دولة الخلافة العثمانية في عقر دارها، وخاض الطرفين المسلمين حربا لا هوادة فيها ضد بعضهما البعض، مما أجهض مشاريع التحديث العثمانية التي أنفقت عليها الدولة دم قلبها، وأعاد دولة الخلافة إلى المربع الأول.


واستطاع جيش محمد علي، أن يلحق بقوات الخلافة الهزيمة تلو الهزيمة ومرغ كرامة السلطان محمود الثاني، وسمعة الدولة العثمانية بالوحل، حتى أن السلطنة اضطرت إلى أن ترتمي في أحضان الإمبراطورية الروسية عدوتها اللدود، بما يعني ذلك من تنازلات كبيرة وخطيرة قدمتها للروس، على حساب الإسلام والمسلمين - وخاصة في القوقاز وآسيا الوسطى بل وحتى داخل ولايات الدولة العثمانية نفسها بمنحها حق الوصاية على النصارى الأرثوذكس وتحقيق حلم الدب الروسي في اجتياز أساطيله لمضيق البسفور والوصول إلى مياه البحر المتوسط- حتى وقعت هزيمة جيش السلطان الأخيرة، في نصيبين، في 23 يونيو1839، والتي قضت على قوة العثمانيين الحربية، وانفتحت بعدها الطريق أمام جيش محمد علي نحو استانبول عاصمة السلطنة، ودار الخلافة العثمانية.واستسلم الأسطول العثماني إلي محمد علي، فباتت الدولة العثمانية بدون جيش أو أسطول.


ولما وصلت أنباء هذه الهزائم المتوالية القاصمة إلى السلطان العثماني محمود الثاني- وكان حينئذ على فراش المرض- صعق منها وأصابه الغم، وأسلم الروح من فوره على كرسي السلطنة، ويبدو أنه مات بحسرته، وذلك في (19 من ربيع الآخر 1255هـ = 2 من يوليو 1839م)، وخلفه السلطان عبد المجيد.


ولما رأت القوى الأوروبية انتصارات جيش محمد علي، ورجحان كفته، أسرعت للوقوف في وجهه، والتدخل لحل النزاع بين الجانبين، حيث تم توقيع اتفاقية لندرة 1840 ، بين إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا، وإنقاذ العرش العثماني من طموح محمد علي. وذلك ليس حبا في السلطان أو في دولة الخلافة، وإنما دفاعا عن مصالحها وامتيازاتها، التي بات يهددها محمد علي، وللحفاظ على الكيان الهش للدولة العثمانية حتى تقوم بتقطيعه والإجهاز عليه في الوقت المناسب وفق مخطط مدروس، وبعد أن تتفاهم فيما بينها على اقتسام الغنائم، وبالشكل الذي لا يسمح بقيام أي دولة إسلامية من تحت عباءته تكون خطرا على المصالح الغربية.


وقد نجم عن ضعف الدولة العثمانية وعن اتفاقية لندرة المشارة إليها تحويل الولايات العثمانية بما فيها تركيا نفسها إلى سوق لتصريف المنتجات الصناعية الأوروبية، وتصعيد تدخل القوى الأوروبية في الشئون الداخلية للدولة العثمانية، فزاد نفوذهم ونفوذ قنصلياتهم، بشكل سافر ومهين، وأخذ الممثلون الدبلوماسيون والقنصليون الأوروبيون يتدخلون في كل أمر وفي أخص خصوصيات الحكومية العثمانية.


وفتحت بريطانيا امتياز "حماية اليهود" فعملت على تهجيرهم إلى فلسطين. وفي الوقت نفسه شرعت القوى الأوروبية الاستعمارية في مشروعها الرامي إلى تمزيق بلاد الشام، وتوزعت الأقليات الطائفية المختلفة فيها، فاتخذ الفرنسيون جانب الموارنة والعلويين، فيما برز البريطانيون بمظهر المدافع عن الدروز والشيعة، والروس بمظهر المدافع عن الأرثوذكس، وتنامى استقلال هذه الطوائف بتوالي صدور امتيازات الحماية لمختلف الدول الأوروبية، فخرجت هذه الأقليات من قماقمها لأول مرة، وبرزت النزاعات الطائفية فيما بينها بتأثير الاختراقات الأوروبية، فظهر الخلاف الماروني الدرزي على أشده في جبل لبنان، وأخذت كل طائفة من هذه الطوائف، تلعب دورا أكبر بكثير جدا من وزنها أو حجمها. واصبحت الشام بين عامي (1741، 1860)، مسرحا للنزاعات الطائفية بين الموارنة والدروز.. وهي النزاعات التي مزقت البلاد، وعمقت الطائفية في بلاد الشام، وشغلت حيزا كبيرا من اهتمامات الولاة العثمانيين الذين احترقت جهودهم أكثر من مرة وهم يحاولون التوسط بينهما دون جدوى، إذ أن مطالب كل منهما كانت تصطدم مع مطالب الطرف الأخر، مع وجود القناصل والممثلين الأجانب الذين كانوا يسهرون لإذكاء الخلافات بين الطائفتين للإمعان في إضعاف الدولة العثمانية.


ولم ترض الإصلاحات العثمانية في الشام، سوى عدد قليل من الناس، وكانت صدمة أعيان دمشق والقوى التقليدية في بلاد الشام ( أهل السنة والجماعة ) من تطبيق تلك الإصلاحات شديدة لأنها اقترنت بتغلغل الأجنبي عبر قنصلياته ووكلائه التجاريين. وضاعفت قدرات القيادات الروحية للأقليات، وعززت النفوذ الأجنبي في أوساطها، فلقد أحتكر أبناء الطوائف غير الإسلامية تجارة بلاد الشام في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وكانوا واسطة نفوذ الرأسمالية الأوروبية في الشرق العربي. وكانت العائلات التي اغتنت أكثر من سواها هي العائلات المسيحية التي ارتبطت بشكل كامل بالسوق التجارية الأوروبية.


بل إن ذلك الضعف الذي لحق بالدولة العثمانية، قد شجع القوى الاستعمارية الصليبية على التنافس فيما بينها لاقتطاع العديد من الولايات الإسلامية من جسم الرجل المريض، أي الدولة العثمانية – وفي مقدمتها ولاياتها العربية، دون أن يكون في استطاعة الآستانة أن تفعل شيئا.


ومنذ عام 1830 – أي بعد حوالي عشر سنوات فقط من ضرب الدعوة الإصلاحية السلفية – تداعت القوى الأوروبية على بلاد المسلمين كتداعي الأكلة على قصعتها، فوقعت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي في سنة (1245هـ = 1830م).وسقطت عدن والجنوب العربي بيد الانكليز في عام 1839 .


"وكانت الدولة العثمانية تدعي سيادة اسمية على عدن إلى ذلك التاريخ. والظاهر أن السلطان عبد المجيد وحكومته تقربا بهذه الهدية للانكليز طمعا في معونتهم على المصريين الذين خرجوا في تلك الأثناء على طاعة السلطان وملكوا الحجاز والشام حتى انعقدت معاهدة لوندرة سنة 1840م، توافق 1256 هـ، القاضية باعتبار محمد علي باشا من تابعي الدولة العثمانية، واستعان الأتراك بالجيوش والأساطيل البريطانية"[2] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn2). ثم توالت البلاد الإسلامية في السقوط بيد الغزاة الصليبيين دون أن تجد قوة رادعة لها.


يقول الدكتور شاكر مصطفى: في ذلك الحين كان الغرب كله في أوج جشعه الاستعماري يزداد عنفا في الهجوم على البلاد العربية. ولم يكن للسلطنة العثمانية من قوةٍ تدافع عنها، ولا كانت فيها قوى ذاتية للدفاع، فوقعت غنيمة سهلة للافتراس الأوربي[3] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn3).


كما تجرأ على الدولة العثمانية، القريب والبعيد، وانفتح الباب واسعا لتمرد الأقليات الطائفية، وتحالفها مع القوى الاستعمارية الأوروبية التي كثفت من ضغوطها على الدولة العثمانية، فانتزعت لهذه الأقليات ما تستحق وما لا يستحق من التنازلات والامتيازات، وكل ذلك نكاية بالإسلام وأهله وإمعانا في تفكيكه وضربه من الداخل، ومن ثم بروز هذه الأقليات إلى الواجهة، وقيامها بلعب أدوار خطيرة تتجاوز أحجامها وإمكاناتها على حساب أدوار القوى الإسلامية التقليدية ( أهل السنة والجماعة ) - التي أخذت مكانتها تتقلص وتئول من ضعفٍ إلى ضعف.


وتوالت النكبات والمصائب على الرجل المريض، ووصل إلى درجة من الذل والهوان لا يعلمها إلا الله.


ذلك أن الدول الغربية الكبرى التي كانت في القرن التاسع عشر تتربص بالدولة العثمانية وتمتنع في نفس الوقت عن فرض السيطرة المباشرة عليها أو اقتسامها، لا خوفا منها بل خوفا من بعضها البعض، وجدت الفرصة بعد الحرب العالمية الأولى سانحة لاقتسامها. وقد حدث ذلك في اتفاقية سايكس بيكو سيئة الصيت عام 1916.


وفي غضون ذلك أمسكت جمعية الاتحاد والترقي التركية العلمانية المأسونية، بخناق المارد العثماني، واستمرت تضغط على رقبته حتى رمت به جثة هامدة، عام 1922. وكان ذلك كما هو معروف على يد صنيعتها الذئب الأغبر، مصطفى كمال أتاتورك، الذي أصبح اليوم ثمثاله، وثنا يعبد من دون الله في تركيا.



وكان ما كان من ملكٍ ومن ملكٍ ** كما حكى عن خيال الطيف وسنانُ



حتى أن محمد واحد الدين، آخر خلفاء بني عثمان (1861-1926) ، الذي حكم من عام 1918 إلى عام 1922 ، خرج مطرودا لا يجد مكانا يؤيه، حيث رفضت معظم دول العالم استقباله على أراضيها إلى أن استقر في مدينة " سان ريمو " بايطاليا حتى مات في 15/5/1926 ، وتم حجز نعشه إلى أن دفع رئيس سورية آنذاك الديون المستحقة على السلطان البائس، واحضر جثمانه ليدفن في دمشق، بعد أن رفض أتاتورك دفنه في تركيا. "وإذا المسلمون المبعثرون في القارات الثلاث ينفرط عقدهم وتتناكر أنفسهم، ويحيون بلا إمامة روحية ولا ثقافة عقلية، ولا روابط إدارية ، ولا وحدة جامعة[4] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn4)" وعندئذ وجد كل شعب إسلامي نفسه، أضيع من الإيتام على مآدب اللئام، ودخلت الأمة نفقا مظلما لم تخرج منه إلى يوم الناس هذا.


هذا ما حصدته الدولة العثمانية منذ ضربها للدعوة السلفية الفتية في جزيرة العرب. فماذا كان حصاد محمد علي باشا؟


حصاد محمد علي وأرض الكنانة
ظلت القوى الأوروبية تراقب محمد علي باشا عن كثب، وهو يلحق الهزائم المتوالية بالخلافة العثمانية، حتى إذا كانت المعركة الأخيرة التي حقق فيها أملها بتحطم ما تبقى من الجيش العثماني، وما تبقى لدولة الخلافة من هيبة ومن روح معنوية، - بعد أن كان قد خدمها بضرب الصحوة الإسلامية التجديدية في جزيرة العرب، التي نجحت وللمرة الأولى منذ الدعوة المحمدية في توحيد أراضي الجزيرة كافة تحت راية واحدة.– قررت مكافأته بطريقتها، فحشدت قواتها سريعا وتحالفت لضرب جيش محمد علي، وتحطيم قوته، وإحباط مشروعه، كونه بات يمثل خطرا عليها، فأنزلوا قواتهم على سواحل الشام، وشجعوا الأقليات على الثورة ضده، والحقوا به هزيمة قاسية، وطردوه منها.


وما إن دخل شهر نوفمبر من عام 1840، حتى كان إبراهيم باشا ( القائد الكبير )، الذي لمع نجمه من خلال حربه الهمجية ضد أنصار الدعوة السلفية في جزيرة العرب، ثم ضد العثمانيين، يسحب قواته من البلاد عائد بها إلى مصر يجر أذيال الخيبة والهزيمة مثل فأر مذعور، بعد أن تكبد جيشه خسائر فادحة.


وكأن هذه النهاية المأساوية كان مرتبا لها من قبل القوى الاستعمارية، وكأن محمد علي باشا، إنما كان موجها في تحركاته من قبل تلك القوى لخدمة أهدافها في المنطقة. ويبدو أنه لم يكن يدري حين كانت شهيته مفتوحة على الآخر لوراثة الرجل المريض.


بل ولم تكتف القوى الأوروبية بأن محمد علي قد حقق لها ما كانت تريد، وإنما استمرت في ممارسة الضغوط عليه، وفرضت عليه الاتفاقيات ذات الشروط المذلة والمهينة، وأجبرته على تقليص جيشه عام 1841، إلى الحد الذي لا يستطيع أن يغير الأوضاع القائمة. " إن التلاقي بين مشروع محمد علي وأهداف الأوروبيين لإضعاف الدولة العثمانية يجب أن يقف عند حد معين، ولا يسمح الأوروبيون لقوة ناشئة قد يستفيد منها المسلمون في المستقبل أن تستمر وتقوى، وقد نفذ محمد علي هذه الرغبة للأوروبيين[5] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn5)".


وكان عام 1840 يمثل الانهيار الفعلي لنظام محمد علي، رغم أن الباشا قد ظل يتولى الحكم حتى وفاته عام 1849[6] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn6).


والشيء الغريب والعجيب أن محمد علي باشا، الحاكم الطاغية الدموي المستبد، صاحب الشخصية الجبارة الذي لم يكن يحد طموحاته حدود ولا قيود، والذي تظاهر بأنه أسدا أمام أنصار الدعوة السلفية قليلي العدد والعدة، وأبدى إصرارا عجيبا على ضرب الدعوة، وقتل كوادرها وعلمائها المخلصين سنة 1818، دون هوادة ودون رحمة، ولم يرع لها إلا ولا ذمة.


أقول الشيء العجيب أن محمد علي باشا، أبتلع كل ذلك الإذلال من القوى الاستعمارية، فتنازل بكل بساطة عن مشروعه الضخم، وسمح لطموحاته وأطماعه أن تتبخر، وقنع من الغنيمة بالإياب، فانكفأ على نفسه في مصر، ولم يظهر منه أي تحدٍ أو مقاومةٍ، رغم ما كان تحت يده من الإمكانات، بل وحتى دون أن يرتفع له صوت ضد القوى الاستعمارية التي تداعت بعد ذلك على بلاد الإسلام كتداعي الأكلة على قصعتها. وإن كان بقاؤه وأحفاده في مصر، ظل بمثابة خنجر مسموم في قلب أرض الكنانة والأزهر الشريف والأمة.


فقد حققت القوى الأوروبية أملها المنشود بسلخ مصر عن الدولة العثمانية، وبتجريدها من القوة العسكرية، فقد أصبح انفصالها واقعا بصورة رسمية بعد معاهدة لندرة عام 1840، وكان محمد علي باشا بطلها غير المنازع، في هذا الجانب.


وكانت هذه هي المرحلة الأولى، تلتها المرحلة الثانية، وهي الأخطر من سابقتها بكثير. ألا وهي بدء حملة تغريب مصر، وتدمير القوى المفكرة فيها، ومحاولة تغيير هويتها وسلخها عن عقيدتها، فقد راحت القوى الأوروبية تتعامل مع مصر على أنها كيان منفصل عن جسم دولة الخلافة العثمانية، وأوغل محمد علي – بدوره - في الاتصال بالعالم الخارجي، وفي منح الامتيازات للأجانب " غير المسلمين " بزعم التحديث، ففتح أبواب مصر على مصارعها أمام اليهود والنصارى الأوربيون، الذين راحوا يتدفقون بكثرة على أرض الكنانة، ويقيمون فيها الشركات ويؤسسون المدارس، والمحافل المأسونية.


كما انفتح الباب على مصراعيه أمام المستشرقين الذين هم رسل المصالح الاستعمارية والهيمنة الفكرية، فعلى هؤلاء اعتمد الاستعمار في تحقيق أغراضه بطريقة علمية. وظهر بين العرب مفكرين تتلمذوا عليهم، وآمنوا بآرائهم فساروا في ركاب ذلك الفكر على نحو من الأنحاء وانسلخوا عن دينهم وهويتهم.


وبعد أن مات محمد علي عام 1848، اتسعت دائرة التغريب والغزو الفكري والهجمة الحضارية على مصر، فاكتسحت الثقافة الغربية البلاد، وانفتحت أبواب مصر انفتاحا كبيرا على كل ما هو أوروبي، وارتفعت الأصوات التي تنادي بتحرير المرأة والسفور والاختلاط، وظهر تيار جديد يرى في الغرب موئل التقدم والحداثة وبناء الدولة العصرية، وظهرت دعوات متطرفة لجعل مصر " واحدة من أمم الغرب " المتحضرة"[7] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn7)" خاصة في عهد الخديوي إسماعيل. وإسماعيل هو نفسه صاحب الشعار الشهير: " إنها ( أي مصر ) قطعة من أوروبا برغم كونها في أفريقيا ". وقد وصف أحد الكتاب الاسكندرية بأنها: " مدينة – كانت آنذاك – نصف أوروبية معمارا وسكانا وسلوكا إجتماعيا[8] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn8)"


وبدأت الهجمة على اللغة العربية لغة القرآن الكريم. وإذا كان محمد علي قد عول على العربية فقط لغة للدولة والإدارة والتعليم، وأمر بتدريس الطب والعلوم العسكرية باللغة العربية، إلا أن هذه السياسة - والتي يمكن اعتبارها من حسنات محمد علي - لم تستمر طويلا بعد وفاته، ففور دخول الإنجليز إلى مصر، باشروا بتحويل التعليم إلى الإنجليزية، فانتهت مرحلة استخدام العربية، وحلت محلها اللغتين الانجليزية والفرنسية في مؤسسات التعليم العالي.


ومن نتائج التغريب والحرب على اللغة العربية أن يدعو الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، لاستعمال العامية، بدلا عن اللغة العربية الفصحى لغة القرآن الكريم. وصار على من يريد أن يترقى من أبناء الذوات أن يلتحق بالمدرسة الفرنسية.


ورأى البعض في آداب الغرب، متنفس للتطلعات الروحية، ونهضت حركة ترجمة للآداب الأوروبية، والفرنسية والإنجليزية بخاصة ، ودخل العربية مولير وكورناي وشكسبير وتولستوي وتشيخوف. وإذا بمئات المسرحيات والقصص والروايات الغربية تطرح نفسها على الجمهور العربي. بدلا عن كتب التراث العربية. وفي عام 1869 ظهر المسرح العربي، وكانت أول فرقة من تأسيس صحافي يهودي مصري اسمه يعقوب رفائيل صنوع.
وتنافست عشرات من المنظمات التبشيرية التي تنتمي إلى الكنيسة، للعمل في مصر. ومدخلها المدرسة والمستشفى وتعليم الحرف اليدوية، ثم فتح أبواب التعليم الأرقى لمن يقبلون العلم والتبشير معا.


واتسع نطاق التيار التغريبي المناوئ للأزهر وللدين الإسلامي، "وصار دور الأزهر ينحسر شيئا فشيئا من الناحية الحياتية اللهم إلا في المناسبات الدينية الشهيرة كمولد النبي صلي الله عليه وسلم، ومولد الحسين رضي الله عنه ومولد السيد البدوي وحفلات الصوفية والدراويش، بالإضافة إلي الاهتمام بهلال رمضان وطلعة رجب وليلة النصف من شعبان ولا بأس أن يتصدي الأزهر لفتاوي الزواج والطلاق وأحكام المواريث، المهم أن يبتعد عن دائرة الحكم! يريدون أزهرا بمواصفات خاصة حسب مزاج الحاكم! ورغم هذا الحصار الخانق لدور الأزهر في الحياة السياسية إلا انه وجد في هذه الحقب من العلماء الأفاضل من رفض هذا الوضع المهين وحاولوا إعادة الاعتبار لدور المؤسسة الدينية لكن تيار التغريب كان جارفا والعالم الإسلامي معظمه كان ممزقا ومحتلا من قبل أعداء الأمة[9] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn9)"


والشيء الأكيد أن مشروع محمد علي باشا، كان مشروعا أجوف، مفرغا من أي محتوى، ولم يكن يستند على أي مقومات صلبة، ولم يكن يهدف لإنقاذ الأمة، فهو إنما كان يقوم على الطموحات والأطماع الشخصية والانتهازية وصنع مجد شخصي وتكوين إمبراطورية مترامية الأطراف يحكمها هو وأبناؤه ويمكنهم من خلالها التسلط على العباد والبلاد " فذلك المشروع كان مسخرا لخدمة مؤسسة واحدة هي مؤسسة الجيش، كان لعسكرة الدولة ولم يكن مشروعا متكاملا لنهضة زراعية صناعية، كما وقع في اليابان فهو لم يساهم في تنمية المجتمع، وحتى المدارس التي أنشأها كانت لفئة معينة من الطلبة ( جركس، أرناؤد ، يونان، أرمن..) كان همه الأول كيف يكون قويا، يتسلط على الناس، ويسيطر على البلدان المجاورة، والذين ساعدوه على هذا التحديث من الغربيين أرادوا إيجاد قوة تساعد على تفكيك الدولة العثمانية، فلما زادت هذه القوة عن حدها أرجعوها إلى حجمها الأول. جاء هذا التحديث على حساب المجتمع المصري، فقد فرض ( الباشا ) نظام السخرة، ونهب الأموال من الفلاحين[10] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn10)".


وهو – أي مشروع محمد علي- لم يكن منبثقا من مبادئ عليا أو عقيدة دينية، وإن أي مشروع لنهضة إسلامية، لا يمكن أن يتحقق بأدوات حضارية مقطوعة الصلة بالإسلام وحضارته وثقافته ونظامه.


ولتلك الأسباب وغيرها سهل ضرب محمد علي وتقويض مشروعه بل وإذلاله من قبل القوى الأوروبية الاستعمارية.


فهل هذا كان أهلا لوراثة الدولة العثمانية؟ وهل هذا كان أهلا أن يؤتمن على مصالح المسلمين ومستقبلهم؟ وهل كان في مشروعه هذا ما يلبي طموحات المسلمين وآمالهم؟.


الثورات اللاحقة وعوامل فشلها
وقامت الثورات وحركات المقاومة في العالم الإسلامي ضد الغزاة الصليبيين، وبذلت أقصى ما تستطيع من دماء وجهود وتضحيات، لردهم والتصدي لهم، وإخراجهم من بلاد المسلمين، ولكن للأسف الشديد، فقد كان الفشل مصيرها جميعا واستطاع الغازي الصليبي اللعين أن يقضي عليها واحدة إثر أخرى دون أن يتكبد عناء كبيرا في سبيل ذلك، حتى أن الانجليز تمكنوا من احتلال عدن بثلاثين مدفع وسبعمائة جندي فقط، أكثرهم من الهنود. ولم تجدّ كل المحاولات التي تمت لاستردادها – مثلها مثل غيرها من بلدان الإسلام-، لماذا ؟


أولا: لأن كثيرا من الهبات الثورية أو الجهادية اللاحقة ، كانت عبارة عن ردود أفعال شعبية عاطفية، ومن باب الدفاع عن النفس أو لحفظ ماء الوجه، والقيام بواجب يجب تأديته، أو لاتقاء لعنة التاريخ والأجيال اللاحقة، ولم يكن لها مشروع إسلامي استراتيجي، ولم يصحبها يقظة دينية فكرية، تفتق الأذهان وتجلو الصدأ الذي ران عليها، ولم تكن مبادرات ذاتية قائمة على أسس ومرتكزات صحيحة من العقيدة الصافية النقية من الشوائب.


ثانيا: أنها كانت دفاعا عن الوجود والثوابت والأصول المميزة للمعتقد والهوية والنفوذ ولقمة العيش، ولأن المقصود بها لم يكن التغيير الجذري الشامل، وكان بعضها عبارة فورات غضب سرعان ما تتلاشى.


ثالثا: أن بعض تلك الحركات والتحركات الإصلاحية، قامت على أساس عنصري قومي أو وطني، مثل الثورة العُرابية في مصر التي رفعت شعار " مصر للمصرين " في وجه أبناء محمد علي والطبقة المحيط بهم من الجركس والترك والآرمن.


ولتلك العوامل لم تفلح تلك الحركات أو يفلح القائمون بها، ولم تغير من الأمر شيئا، وسهل اختراقها وشق صفها وضرب بعضها ببعض من قبل الغزاة، بل والاستعانة ببعض الجماعات المنشقة وبعض الطرق الصوفية، في توطيد أقدام الغزاة في بلاد المسلمين ونهب خيراتهم واستباحة أرضهم وعرضهم، وسرعان ما سقطت الإرادات وذوت جذوة الحماس في نفوس أصحابها فسلموا بالأمر الواقع وسكتوا عن الجهاد وخيم عليهم صمت القبور. فلا ثورة عبد القادر الجزائري خلصت الجزائر من فرنسة الفرنسيين، ولا أحمد عرابي أنقذ مصر من تغريب أولاد محمد علي والمستشرقين، ولا التمرد الكبير في الهند، استطاع أن يخرج الانجليز وأن يعيد الهند إلى حظيرة الإسلام. ولا ثورة الإمام شامل في القوقاز كتب لها النجاح في مقاومة الصليبية الروسية. بل أن حركة الإخوان المسلمون - التي ظهرت كرد فعل على إلغاء الخلافة عام 1924، وللتقريب بين السنة والشيعة - لم تستطع أن تفعل شيئا.


وذلك بالرغم من انتشارها وتوسع قاعدتها، وطول فترة وجودها ومشروعها الطويل والعريض. وأقصى ما صار يطمح إليه الإخوان في الوقت الراهن، هو الحصول على الاعتراف بجماعتهم، كحزب من قبل السلطات العلمانية الحاكمة، ومن ثم المشاركة السياسية في هذه الحكومة أو تلك.


ومما زاد من صعوبة الموقف أن تلك الثورات والصحوات والحركات، جاءت بعد أن كان الغازي اللعين قد أصبح داخل الدار، وصار يعيث فيه فسادا. وياويح من أعطى الفرصة للغازي حتى يدخل داره ثم يحاول أن يتصدى له في داخله بعد ذلك!!! فإن الخسارة هاهنا ستكون حليفه والهوان والإذلال والبوار والخسران من نصيبه، فإنه " ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا" كما قال أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.وذلك ما كان.


يقول الدكتور شاكر مصطفى: الصحوة العربية التي جاءت بشكل ديني تصوفي أو عن طريق الاتصال بالغرب في القرن التاسع عشر جاءت متأخرة، لا لأن الغرب سبقها بأشواط، ولكن لأن ديار العرب وقعت فريسة الاستعمار المباشر منذ سنة 1830. وقعت الجزائر ثم مصر وتونس ثم المغرب ثم لحقتها في مطالع القرن الحالي ليبيا ثم العراق والشام. وصحا العرب بعد آمال النهضة والوعود الغربية الكاذبة فإذا بهم جميعاً في القفص الاستعماري: البلاد العربية احتلتها أربع إمبراطوريات استعمارية ورثت الأملاك العثمانية عنوة "بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا". لم يبق من آذان حر يسمع إلا في نجد والحجاز واليمن الشمالي. حتى عدن وعمان والخليج العربي كانت قد طويت بالأعلام الإنجليزية وسمى تجارها الملاحون بالقراصنة! [11] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn11)


وبعبارة أخرى فإن تلك الثورات والحركات الإصلاحية لم يتوافر لها من المقومات ما توافر للحركة السلفية الإصلاحية في جزيرة العرب. فهذه الأخيرة كانت تتوفر على العقيدة الصحيحة، ( أحسبها كذلك ) ، عقيدة السلف الصالح الذين اكتسحوا إمبراطوريتي كسرى وقيصر في فترة زمنية قياسية. ذلك أن العقيدة - وبشكلٍ خاص العقيدة الصافية الخالية من الشوائب، وهي التي غرسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نفوس أصحابه خلال أربعين عاما من الجهاد والدعوة والتعليم- قوة متجددة، غير نافدة، وهي التي تفجر الطاقات وتشعل الحماس وتقوي العزائم وتثير الهمم. وتحض على التضحية بالنفس وبكل غال، وهي السلاح الأخطر الذي يفزع منه الغزاة الصليبيون، ويحسبون له ألف حساب.


وذلك فضلا عن موقعها الحيوي في جزيرة العرب وإمكانية تمددها وسيطرتها على الطرق الملاحية والمضايق المائية في الخليج والبحرين العربي والأحمر..الخ." ولو قدّر للدعوة والحركة السلفية ألا تتعرض لما تعرضت له من ضغوط حربية من جانب أعدائها، لتمكنت من توحيد كلمة العرب والمسلمين في وقت كانوا أحوج فيه إلى وحدة الكلمة واتحاد الهدف. يقول الدكتور طه حسين في هذا الصدد : " . . ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب ، وحاربوه في داره بقوى وأسلحة لا عهد لأهل البادية بها لكان من المرجو جدا أن يوحد هذا المذهب - (http://javascript<b></b>:popUp(20781)) كلمة العرب في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة ، كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول " [12] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftn12)-.


وهذه فرصة ضاعت من المسلمين للأسف الشديد. ونسأل الله أن يعوض على الأمة بخير منها عاجلا وليس آجلا، بإذن الله تعالى، إنه على ما يشاء قدير.
والله الموفق.


------------



[1] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref1)هاني السباعي، قراءة في أسباب تدهور المؤسسة الدينية السعودية، موقع القدس العربي، 2002/06/03


[2] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref2)أحمد فضل العبدلي، هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن، مركز عبادي للنشر والتوزيع، صنعاء، ص148
[3] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref3)شاكر مصطفى، مع التاريخ على جناح طائر، العربي- العدد458- يناير1997


[4] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref4)محمد الغزالي، الإسلام في وجه الزحف الأحمر، المكتبة العصرية صيدا- بيروت، ص117


[5] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref5)محمد إبراهيم، عسكرة الدولة، محمد علي باشا نموذجا ( مقال)، مجلة السنة العدد95 صفر1421 ص24
[6] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref6)إريك دافيز، مأزق البورجوازية الوطنية الصناعية في العالم الثالث، تجربة بنك مصر1920- 1941، ترجمة، سامي الرزّاز، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، الطبعة العربية الأولى 1985، ص30
[7] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref7)إريك دافيز، المرجع السابق ص36
[8] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref8)صلاح عيسى، مصرع مأمور البدارى، العربي- العدد-360- نوفمبر1988.
[9] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref9)هاني السباعي المحامي، قراءة في أسباب تدهور المؤسسة الدينية السعودية، القدس العربي، 3/6/2002
[10] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref10)محمد إبراهيم، عسكرة الدولة، محمد علي باشا نموذجا ( مقال)، مجلة السنة، العدد95 صفر1421، ص24
[11] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref11)شاكر مصطفى، مع التاريخ على جناح طائر، العربي- العدد458- يناير1997


[12] (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=4#_ftnref12)http://alminbar.al-islam.com/mehwar (http://alminbar.al-islam.com/mehwar)-

مقاوم
12-17-2008, 01:45 PM
يرفع للدمج مع باقي الحلقات.

جزاك الله خيرا أخي أحمد على هذا الجهد المتميز

دار الاسلام
12-17-2008, 02:01 PM
وين العبقرية !!! في الخروج و محاربة الدولة الحاكمة بما انزل الله !! و الموحدة للامة ؟ هاي هي العبقرية ؟
اما اليوم في مناهج الدراسية ال سعود بيعتبروا الخروج عليهم كفر !!!
فعلا عبقرية !!! الكيل بمكيالين!! و بمليون مكيال كمان !!!

مقاوم
03-28-2009, 11:09 AM
يرفع بمناسبة الحوار الدائر حول دعوة الشيخ ودوره السياسي.

هيا شعيب
03-28-2009, 11:48 AM
لكي يكون الحوار عن عبقرية عبدالوهاب مبني على أسس سليمة علينا أن نستعرض كل مراحل بناء الدولة الوهابية منذ قيامها وحتى الوقت الحالي ولو باختصار ونرى ما هي المنجزات التي حققتها هذه الحركة على أرض الواقع وما هي علاقتها بالفكر المتزمت الذي كان له الدور الكبير في التأثير على عقول الكثير من المسلمين

فمحمد بن عبد الوهاب كما هو معروف كان يحلم بإقامة الدولة الفاضلة على غرار المدينة الفاضلة لأفلاطون ولكن بعباءة ونقاب
ولكن ما حدث هو أن حلمه هذا استغلته إحدى الجهات الحاكمة التي ربطت بين تطبيق الفكرة وبين نظام الحكم آنذاك وعلى أساسها تم تزوير الكثير من الحقائق التاريخية لكي تتماشى مع البطولات والعبقرية الوهمية لمحمد بن عبد الوهاب وأتباعه

.فكان التعاون بين محمد بن عبد الوهاب مع ابن سعود في سبيل قيام حلف ديني سياسي
فبايع ابن عبدالوهاب محمد بن سعود على السمع و الطاعة
بينما بايعه ابن سعود على نشر دعوته ودعمها.

طبعا محمد بن عبدالوهاب كما ينقل عنه أنكر أمورا سائدة في زمانه من تبرك بالقبور والأشجار والتمائم على اعتبار أنها منافية للربوبية والألوهية!!

كيف نصدق بأن شبه الجزيرة العربية وبالتحديد نجد التي خرج منها الإسلام وكان الناس من شتى أنحاء العالم الإسلامي يحجون إليها
كيف نصدق بأنه انتشرت فيها هذه البدع والشركيات وعبادة الأضرحة دون استنكارٍ من مسلمي الدول المجاورة رغم وجود كبار العلماء ممن تتلمذ الشيخ المجدد على أيديهم فيها
ولماذا نجد بالذات تنتشر فيها هذه الأضرحة والبدع دون بقية العالم الإسلامي!!!

طيب سلمنا أن أهل نجد كانت البدعة متفشية بينهم مع صعوبة تقبل ذلك عقلا ومنطقا

لماذا أباح عبدالوهاب دم هؤلاء الذين كانوا يحسبون على المسلمين ويؤدون الأركان الخمس
رغم أن ما قاموا به من الناحية الفقهية (إن سلمنا به) لا يخرجهم من الملة
ولا يجوز إباحة دمهم على أن أفعالهم محرمة ولا تجوز
وهذا هو ما ذهب إليه ابن تيمية نفسه رحمه الله

إذن لماذا حارب الناس في ذاك الوقت؟ هل لأنهم مرتدون وهذا ما لم ثبت؟ أم لتحقيق مصالح ابن سعود السياسية ؟ أم من أجل ماذا ؟؟؟
سؤال آخر
ألم تكن الخلافة عثمانية إسلامية ؟ لم خرج عليها ؟ لم أسس دولة بالتوازي مع الخلافة العثمانية ؟

سؤال آخر لم لا يقوم الحلف السعودي الوهابي الآن بإعلان الحرب على مصر على اعتبار انتشار الأضرحة والتبرك بمقابر الأولياء فيها ؟؟

:roleyes:

من هناك
03-28-2009, 02:27 PM
سؤال آخر لم لا يقوم الحلف السعودي الوهابي الآن بإعلان الحرب على مصر على اعتبار انتشار الأضرحة والتبرك بمقابر الأولياء فيها ؟؟
لأن الحلف السياسي يرفع هذا الصوت او يخنقه كلما احتاج وبحسب حاجته

هيا شعيب
03-28-2009, 02:40 PM
لأن الحلف السياسي يرفع هذا الصوت او يخنقه كلما احتاج وبحسب حاجته

بالضبط

وهذا يثبت بأن الفرية التي تقول بأن الشرك كان غالباً في الجزيرة العربية فجاء محمد بن عبدالوهاب وقضى عليه
هي كذبة وتزييف شنيع للتاريخ آمن به معتنقو المنهج الوهابي واستماتوا في الدفاع عنه لتبرير شرعية قيام دولتهم في موازاة الدولة العثمانية

فخر الدين الرازي
03-28-2009, 02:40 PM
لا ادري اين هذه العبقرية المزعومة التي تبيح قتل المسلمين وتكفر ائمتهم والخروج على حكامهم, وتدمير اضرحة اولياء الله من صحابة وغيرهم؟!!

ولنا وقفات مع كلام الاخت هيا بارك الله فيها , فقد قالت:
( كيف نصدق بأنه انتشرت فيها هذه البدع والشركيات وعبادة الأضرحة دون استنكارٍ من مسلمي الدول المجاورة )
كلام منطقي وصحيح, ولكن الحقيقة ان هؤلاء القوم يجيبون بان العالم الاسلامي اصلا كان كله على نفس الحالة, اي ان الكفر كان قد عم اكثر المواطن الاسلامية, لانعدام الائمة في ذلك الزمان, وكأن فجر الاسلام كان قد اضمحل وغابت شمس الحقيقة وانتشر الكفر وعمت البدعة في العالم الاسلامي من مشرقه الى مغربه, ونسوا ان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (طلبت من ربي ان لا تكفر امتي جملة فاعطانيها) وقال ايضا بامي هو وابي (لقد ايس الشيطان ان يعبد في ارضكم) وقال (لا اخاف عليكم الشرك من بعدي ولكن اخاف عليكم ان تنافسوها فتهلكوا ) فلا ادري هل قرأ هؤلاء تلك الاحاديث النبوية ام اعتمدوا على احاديث محمد بن عبد الوهاب !!!!!

ثم قالت الاخت:
رغم وجود كبار العلماء ممن تتلمذ الشيخ المجدد على أيديهم فيها


ولماذا نجد بالذات تنتشر فيها هذه الأضرحة والبدع دون بقية العالم الإسلامي!!!
اضحك الله سنك اختي الكريمة. اي علماء كبار ؟ القوم - اي الوهابية - لا يعترفون بمن تسمينهم العلماء الكبار, حتى مشايخ محمد بن عبد الوهاب نفسه الذين درّسوه بعضا من العلوم كفرهم ,فماذا تتوقعين من مريض يكفر مشايخه؟
قال هذا المريض النفسي في الدرر السنية : ["لقد طلبت العلم واعتقد من عرفني أن لي معرفة وأنا ذلك الوقت لا أعرف معني لا إله إلا الله ولا أعرف دين الإسلام قبل هذا الخبر الذي من الله به وكذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى لا إله إلا الله أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت أو زعم عن مشايخه أن أحدا عرف ذلك فقد كذب وافترى" ]

فانت تلاحظين اختي الكريمة ان الرجل كان يكفر نفسه ويكفر مشايخه , قبل ان يعرف الحقيقة على زعمه!
ويا ليت شعري, كيف اشرقت هذه الحقيقة على هذا الرجل دون باقي الناس والعلماء في زمانه!
والواحد يسأل نفسه, هل كانت الحقيقة طوال هذه الفترة غائبة عن 100% من المسلمين , حتى جاء حضرته وكشفها؟

فليفهم الوهابية, ان نور الاسلام لم ينطفئ قط, وان علماء المسلمين كانوا وما يزالوا في كافة العصور وفي كل الامصار, هم العدول الذين ينقلون الاسلام جيلا عن جيل, سواء وجد ابن عبد الوهاب او لم يوجد.

والحمد لله رب العالمين. تحياتنا لكل صاحب ضمير حي وعقيدة صحيحة. والله اعلم.

هيا شعيب
03-28-2009, 06:42 PM
شكرا لك على هذه المداخلة الغنية بالفوائد أستاذي الفاضل الرازي وقد ذكرتني بنفطة سقطت من ردي سهوا وهي أن محمد بن عبدالوهاب كان أول من عارض نهجه هم أفراد عائلته
منهم أخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب وقام بالرد عليه في كتابين هما :
_ فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب
_ الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية

وقد كان مهددا بالقتل فالتجأ إلى حريملاء
وتحصن مع أهلها المسلمين الذين عارضوا الهجمة السياسية باسم الدين عليهم ولكن تم اكتساحهم لما شكلوه من خطر على الوهابية وآل سعود
ولكن الشيخ سليمان هرب منها وبقي رافضا لدعوة أخيه إلى أن توفاه الله

لي عودة بإذن الله لإلقاء الضوء على المزيد من المعلومات