تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سمعت آخر فتوى!!



سـمـاح
11-08-2008, 06:54 AM
الفتاوي الكاريكاتيرية..بين الصحفي والمفتي

سمعت آخر فتوى!!


عبد الله الطحاوي (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1225697857907&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout#***1)

عندما ينكت المصريون مع بعضهم تجدهم يتساءلون.. سمعت آخر نكتة؟ والآن استبدلت النكت بالفتاوى، والضحك مشترك لكنه ضحك كما البكاء كما يقول أبو الطيب.


وسائل الإعلام بحكم قواعدها تنجذب نحو الغريب والطريف وصارت الصياغات الإثارية للفتاوى تحتل العناوين والأخبار، وارتفع الطلب على منتجي هذه الفتاوى، وساعدت الطبيعة التنافسية للإعلام إلى إحداث تحولات في فنون التحرير المقروء والفضائي دفعت بتلك السلعة الإعلامية في اتجاه مضاد لمقاصد الفتوى بحسبانها إخبارا عن حكم الله في الواقعات والحادثات، وتحول "الإعلام" عن الموقعين عن رب العالمين إلى مادة شبه يومية لبعض الصحف تنافس الكاريكاتير وبرامج التسلية وصار الكثير من المفتين ضيوفا دائمين في برامج التوك شو والمنوعات.

الصورة السلبية للفتاوى الضاحكة انساحت وتعولمت، حيث أعلنت مجلة "فورن بوليسي" الأمريكية أن الفتوى التي تبيح للموظفة إرضاع زميلها في العمل، جاءت في المركز الثالث لأغبى خمس فتاوى إسلامية، وتنافس بقوة "أغرب فتوى" في استفتاء قناة دريم لعام 2007، بينما حصلت في استفتاء "إسلام أون لاين.نت" على الفتوى الأكثر إثارة للجدل.

المسألة تطرح إشكاليات عديدة أولها ضوابط الفتوى الإعلامية وأزمة التحرير الديني، ومهنيو الصنعة الإعلامية ومدى خبراتهم في متابعة هذا الشأن، وتطرح -أيضا- المفتي ومدى وعيه بتنويعات القوالب الصحفية وتحول الفتوى إلى رسالة إعلامية قصيرة، حيث يجب التنبه إلى الفتوى والتصريح والحوارات.




الفتاوى الضاحكة


القضية مركبة من مفت استهواه الجلوس في الفضائيات، وإعلامي يبحث عن المثير، وبذلك تم إبرام تعاقد غريب من نوعه هو أن يظل المفتي أو الشيخ ضيفا مستمرا؛ بشرط أن يستمر في إنتاج تلك المثيرات، حيث اختلط الدين بالخرافة والسحر بالفقه، بل صارت الكوابيس فتاوى شرعية، وكله حسب الطلب.

هذه النزعة ليست جديدة، التنبه لغرائب الفتاوى قديم، وكان هناك إنكار شديد لإرسال التصريحات العامة والأقوال المرسلة دون توثيق وتأصيل ورجوع إلى مصادر العلم وأئمة المذاهب وتدبيج للفتوى يحوطها من التحريف والتوظيف، يقول القرافي مرة أخرى: "كان الأصل يقتضي ألا تجوز الفتوى إلا بما يرويه العدل عن العدل عن المجتهد الذي يقلده المفتي، كما تصح عند المجتهد؛ لأنه نقل لدين الله في الوصفين، وغير هذا كان ينبغي أن يحرم، غير أن الناس توسعوا في هذا العصر فصاروا يفتون من كتب يطالعونها من غير رواية، وهو خطر عظيم في الدين، وخروج عن القواعد"، ونفس الكلام نقله الإمام النووي وغيره من العلماء، ويقول الشاطبي: "المفتي البالغ ذِروة الدرجة هو الذي يَحمِلُ الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور".



المفتي.. الساحر


الجماهير الآن بطبعها صارت جزءا من هذا السوق الاستهلاكي للفتاوى الضاحكة، فهي من تسأل وهي من تتابع وترسل الـ sms وينتابها الضحك على الفتوى، وهي من تصوت على غريبها في استطلاعات الرأي، وهي تريد أن تتسلى وتتوقع من المفتي الفضائي أن يكون على قدر المسئولية أو النجومية، وأن يلبي أسئلتها، وما فشلت أن تنجزه في الحياة، فلتنجزه في الفتاوى والسؤال، وتم تسييل مفردات الحياة، وتحولت إلى صيغ استفهامية، وتطرحه على الشيخ الذي يجيب ولديه حل لكل شيء، كما قبعة الحاوي التي تخرج الأرانب وسط إعجاب الجماهير.

وتلك التفاعلية في عالم الفتوى هي المسئولة عن تلك التحويرات التي مست خطاب الفتوى، وهي التي خلقت هذه السوق، والمشايخ هم أدوات لتنفيذ توجهات السوق لضمان تدفق الإعلانات والأموال... فلا يوجد وقت حتى للتفكير والتحليل أو استفتاء القلب أو الذاكرة، فتلك البرامج جزء من بنية ثقافية إعلامية سوقية تجعل الحياة كلها رهانا لا ينتهي أبدا كما يرى خبراء الميديا.

حيث ينتهي الشيخ الجالس أمام المذيعة الجميلة، لتبدأ جميلة أخرى تبث فقرة عن الصحة والجمال بذات المواصفات التفاعلية التساؤلية الاستشارية، تشارك الشيخ حديث الدغدغة للمشاعر عن عالم رمزي سهل وجميل، وتعد الجماهير -كما وعد الشيخ- بالجمال والرشاقة والسعادة، ثم أخبار البورصة والاستثمار ووعود أخرى بالغنى، ويستمر القطار في التحرك بسرعة جنونية يفتت فيه كل شيء الذاكرة والتاريخ والهوية، ولا مكان في ذلك القطار لمن لا يعرف، أو أمثال الإمام مالك الذي سئل في 40 مسألة فقهية، فأفتى في 4 قضايا فقط وقال في 36 قضية: لا أدري!



من أجل التسلية


الفتاوى الإسلامية كانت وسيلة للتفاعل مع الجديد الحضاري، واستجابة فقهية يتبارى خلالها الفقهاء في إثبات مدى قدرة الإسلام على محاورة الجديد، وإعادة نقله وإشاعته بين الجماهير، وكل هذا في إطار جدل علمي رصين، يراعي الخلاف ويستوعب التعدد، ومن جديد يحذر القرافي من جعل الفتوى أداة للتسلية لاسيما إذا كان: "الباعث على ذلك الفراغ والفضول والتصدي لما لا يصلح له" وينصح المفتي قائلا له: "فلا يجيبه أصلا، ويظهر له الإنكار على مثل هذا، ويقول له: اشتغل بما يعنيك من السؤال عن صلاتك وأمور معاملاتك، ولا تخُض فيما عساه يهلكك، لعدم استعدادك له".

وتزداد الأزمة مع الظروف غير المستقرة واحتياج الناس للمعنى والاستقرار، فالخوف يحيط بكل شيء ومع زيادة الخوف تزداد الحاجة لليقين في الأفكار، والبساطة في المفاهيم، وحاجتهم للتخلص من التوتر تتفاقم، وبذلك يتكون لديهم الاستعداد لتلقي الفتاوى المريحة، والرأي الديني الذي يحقق لهم الاستقرار، وهو ما يتم التلاعب به من قبل وسائل الإعلام، وكل من تم استغلالهم من رجال الدعوى والفتوى.

فالفتوى المضحكة في الحقيقة لا تسلي الناس، ولكنها تعبث بهم وتزيد من حيرتهم وقلقهم، وربما تدفعهم للشك في يقينهم الإيماني، وتسبب لهم قلقا داخليا مضاعفا.. وهذا ينتج عن استغلال وسائل الإعلام لحاجة الناس إلى نوع من اليقين الديني، فتقدم لهم بدلا منه نوعا من العبث بالدين.. وربما يكون هدف بعض وسائل الإعلام هو إنتاج التطرف، ولكن بعضها الآخر يهدف في الواقع إلى إنتاج العلمانية.



تصنيفات إعلامية


الوسط الصحفي والفضائي عادة لا يتعامل وفق أرضية مهنية، فالصحفي مطلوب منه يوميا قصة صحفية أو ضيف يثير خيال الجماهير بالجديد ليس على مستوى الإسلامي فقط بل المسيحي.. والتصنيف لديه جاهز فتاوى رسمية لمن هم في فلك النظام تطلق مواقف مثيرة على نحو الشيخ الذي قال إن التوريث الجمهوري شرعي!! لتنطلق شهية الإعداد والتحرير في تيسير لقاءات على الهواء تطاحن من خلالها الفتاوى، بالطبع الصحفي لديه ترسانة مضادة من مشايخ معادين للنظام.

بعض العلماء يفطن بعد فوات الأوان أنه كان ضحية أداء صحفي هو في جوهره عملية خلق وابتكار، وكشف للمتناقضات التي يتم اصطيادها، والمفتي ربما بحكم تكوين بعضهم غير قادر على التعامل مع قواعد الميديا، ولكن الإشكال الآخر يتركز في تلك المشاكل التي تواجه بعض المهنيين الإعلاميين، وافتقادهم للتدريب الكافي على التعامل المهني مع القضايا الدينية بشكل عام.

والمحرر الديني في العالم العربي يعاني اغترابا شديدا وسط تسارع التدريب والتطوير الذي يمتد لكل قواعد وأسس المهنة الصحفية، ولعل أبرز الملاحظات المهنية والانتقادات التي توجه إلى الصحفي الديني تتمثل فيما يلي:

* ضعف شديد في بنية الخطاب التحريري والفضائي على مستوى الشكل والمضمون..

* يقول الدكتور جيروم شاهين أستاذ الإعلام اللبناني أن هناك غيابا شبه تام للإجراءات المهنية المتبعة في فهم وتغطية الحالة الدينية.. عناصرها مكوّناتها وتداعياتها، كما عليه، عندما يقدّمه، والتحقق من واقعيته، والإحاطة بخلفيته التاريخية، وأن يقدّم صورة واقعية غير مضخّمة وغير مطموسة، وأن يقدّمه بأصوات صانعيه وبأصوات مراقبين وليس فقط بتغطية آنية حدثية، وأن يفرد له مساحات نقاش موضوعي يتجاوز اللحظة، وأن يربط ما بين الداخل ومؤثّرات الخارج، وأن يفصل فيه بين ما هو ديني صرف وما هو ديني/ اجتماعي/ سياسي، وألا يسقط في إطلاق الأحكام المسبقة والتصوّرات الموروثة، وأن يتجاوز الانفعال اللحظي.. إلخ، وأن يعي مصطلحاته ومفاهيمه التي يستخدمها حتى لا يتحول لصناعة وإنتاج خطابات شعاراتية لا تسهم في توعية الجمهور المتلقي وإنما تؤجج اتجاهات لا عقلانية في الفهم والتحليل.

* تداخل شديد في فهم تنويعات الشرعية الوظيفية، حيث يقترح الدكتور عبد الحميد مدكور رئيس قسم العقيدة والفلسفة بجامعة القاهرة أن نفرق إعلاميا بين وظائف أربعة:
الوظيفة الأولى: هي وظيفة المفكر الإسلامي الذي يتناول ما يثار ضد الإسلام من شبهات، ويقدم علما وبرهانا، وهذا ليس من حقه أن يكون مفتيا فهو مدافع عن الإسلام وقيمه فقط.

الوظيفة الثانية: الداعية وهو الشخص الذي عليه أن يركز على تعليم الناس الإسلام، ورد بعض الشبهات التي يتعرض لها الدين، وهو أيضا ليس له أي صلة بالفتوى.

الوظيفة الثالثة: معلم العلوم الشرعية وهو الشخص الذي يقع عليه عبء تعليم تلاميذه القراءات والحديث الشريف والسنة النبوية والتفسير، وليس له صلة بالفتوى فهو يقدم معلومات معينة لفريق يتعلم على يديه، ولكن لا يحق له طرق باب الفتوى.

الوظيفة الرابعة: هي وظيفة المفتي الذي يمتلك مقومات الإفتاء وشخصية المفتي، وهو الوحيد الذي يحق له الفتوى، والذي يجب أن يكون مدربا على الإفتاء تدريبا تاما على أيدي علماء شريعة متميزين.

* الصحافة مهنة ورسالتها هي تحقيق أقصى درجات المهنية، وتوقي شرائط الأداء والتقاليد، فلا يجب أن ينظر لها من جانب بعض علماء أو رجال الدين أنها صانعة سلام ولا بحسبانها موقدة حرب، ويجب أن ينظر إليها في إطار قواعدها وآليات عملها، والمحرر الديني صانع للقصص الصحفية مثله مثل غيره من المحررين، ولا ينتظر منه أن يكون واعظا، أو مسددا لعثرات العلماء التي ينتظرها أحيانا، وهنا يقع عبء كبير بين الطرفين بين المتخصصين في الأديان والصحافة الدينية، ويجب ألا يزول الفرق الأساسي بينهما، فالأولى من صنع الله وتلك من صنع الإنسان، والصحافة تعبير موضوعي تتعامل مع الحدث اليومي تعكس وجهه القصصي، وتثير الاهتمام الإنساني عن طريق أحداث عالم الحياة اليومية، والتقرير الصحفي الديني الجيد مثل التقرير السياسي الجيد، كما يقول خبراء الإعلام.