تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الى مناصري الطاغوت و المطبلين للبعث و من تبعهم و والاهم: .: الحكم بغير ما أنزل الله :.



abouousama_123
11-08-2008, 05:39 AM
تمهيد
التمكين في هذا الدين موكل بالابتلاء، فلا يُمَكَّن أحد مهما كانت منزلته، وعلت رتبته، حتى يبتلى، ولهذا عندما سُئل الإمام الشافعي رحمه الله: أيهما أفضل للمرء المسلم، التمكين أم الابتلاء؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى.
لو عفي أحد من الابتلاء لعفى الله أنبياءه ورسله وأتباع رسله وحوارييهم، فلا يزال الحال هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: "وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلا".

الابتلاء يختلف كماً وكيفاً حسب حال المبتلى، وحسب ظروف، وحال العصر الذي يعيش فيه، كما أن سلف الأمة من أتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ابتلاهم الله بالفرق الضالة المنحرفة، وبالعقائد الخاسرة، نحو عقيدة الخروج، والرفض، والقدر، والاعتزال، والإرجاء، فوفقهم الله لصدها ودحرها، وثبتهم للقيام بالواجب، وللذب عن عقيدتهم وسنة نبيهم، وقد ظهر ذلك جلياً في فتنة خلق القرآن التي تولى كبرها أئمة الاعتزال، بعد أن غرروا ببعض الخلفاء، حيث وقف أئمة أهل السنة مواقف الرسل والأنبياء، وأرضوا رب الأرض والسماء، إلى أن انجلت تلك الغمة، وانكشفت، وزالت، وعادت الأمة إلى ما كانت عليه.
أخطر أنواع الابتلاءات، وأعظمها ضرراً، وأعمقها أثراً على الأمة، تلك التي تنتج من بعض الشبه التي يثيرها بعض المنتسبين إلى السنة، المنتمين إلى السلف على الرغم من تعدد الابتلاءات وتنوعها في هذا العصر بحيث يصعب حصرها، إلا أننا يمكن أن نجملها في الآتي:

1. الغزو الفكري، والعسكري، والسياسي، والاقتصادي، متمثلاً في الحرب الصليبية التي تتولى كبرها أمريكا تحت مظلة التحالف الشيطاني اليهودي الكنسي.

2. ما يقوم به الشيوعيون وأذنابهم من تشكيك في الثوابت والمسلمات، مستغلين المظلة التي حفهم بها إخوانهم من اليهود والنصارى.

3. موالاة بعض المنتسبين إلى الإسلام - زوراً وبهتاناً - للغزاة الصليبيين، متمثلاً في فتح المياه الإقليمية والأجواء لهم، وإنشاء القواعد العسكرية، والتجسس على المسلمين لصالحهم، بل القتال إلى جانبهم، والحكم نيابة عنهم في البلاد التي اغتصبوها، كما هو الحال في أفغانستان والعراق.

4. الحملة الإعلامية الشرسة ضد الإسلام وحماته، التي يقودها العلمانيون والصحفيون الوراقون في الطعن والتشكيك في ثوابت الدين.

5. التسيب الفكري، والفوضى العقدية، التي تولى كبرها نفر من العلمانيين ذوي النكهة الإسلامية، المحسوبين - ظلماً وعدواناً - على الإسلام، مثال ذلك ما قام به الترابي في هذه الأيام من التشكيك في جل الثوابت والمسلمات، وإنكاره لمعظم ما هو معلوم من الدين ضرورة.

6. التوسع والانتشار والتغلغل في ديار الإسلام الذي يسعى إليه الرافضة، تحت مظلة الهيمنة الأمريكية على المنطقة .

7. الفساد العقدي والممارسات الشركية التي ذهبت بنور الإسلام.

8. الفساد الخلقي الذي نراه في وسائل الإعلام المختلفة، وفي الشارع العام في ديار الإسلام.

9. فشو البدع وقلة العلم.

10. بعض الشبه التي رفعها وأثارها بعض المنتسبين إلى السنة منذ حرب الخليج الأولى، منها:

‌أ. الخلط بين المناصحة العلنية للولاة إذا لم تفد السرية، والخروج المسلح على الحكام، وبينهما ما بينهما.

‌ب. الزعم بأن الحاكم المسلم الذي يضع دستوراً وقانوناً على غرار دساتير وقوانين الكفار وينبذ شرع الله وراءه ظهرياً لا يكفر ما لم يستحل ذلك بقلبه، حيث علقوا الأمر بمستحيل لا يمكن التثبت والتحقق منه، والحكم في الإسلام على الناس بما ظهر منهم، أما السرائر فلا يعلمها إلا الله.





‌ج. زعمهم أن جهاد الدفع عن الدين، والحريم، والديار لا يحل ولا يجوز، دعك من وجوبه، لعلل عليلة هي:

لاختلاف المسلمين.
لقلة عددهم وعتادهم بالنسبة لما لدى الكفار، علماً أن كل الغزوات والحروب التي قادها المسلمون ضد الكفار وانتصروا فيها كان عددهم وعتادهم أقل من عدد وعتاد الكفار.
إلا إذا رفع رايته إمام حاكم.
‌د. تضليل وتبديع من خالفهم فيما جاءوا به، على الرغم من مخالفته لما عليه أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً، هذا بجانب الهجر، والطعن، واللمز، وتحريض الحكام عليهم، وتمليك العلمانيين هذه الشبه، واستغلالها ضد الإسلام وحملته أبشع استغلال، زائداً تحذير الشباب منهم، والسباب، والشتم، والحديث عنهم، وتأليف الكتب والمطويات، كأنه لم يبق للإسلام في هذا العصر عدو سوى هؤلاء العلماء وطلاب العلم والدعاة السنيين، حيث أمن المبتدعة والمفسدون في الأرض، وسلموا من أقلامهم وألسنتهم.

نتج عن ذلك من الأضرار والأخطار على أهل السنة الشيء الكثير، من ذلك:

1. توسيع دائرة الخلاف بينهم، لتعدد المرجعيات واختلافها.

2. تشكيك العامة في علمائهم ودعاتهم، حيث أضحى الكثير منهم في حيرة من أمرهم، عمن يأخذ ويدع.

3. ضياع كثير من الحقوق التي أوجبها الشارع على المسلم لإخوانه المسلمين.

4. أصبح الهم الأكبر لكثير من الشباب التابعين لهذه المجموعة تصنيف العلماء وطلاب العلم، وامتحانهم، والتحذير منهم، بدلاً من أن يشتغلوا بتحصيل العلم المفيد، ويعملوا على تزكية نفوسهم.

5. هذه الحملات المسعورة، غير الموفقة ولاالمأجورة، جعلت الكثير من العامة يستهينون بالعلماء ويتطاولون عليهم.

لهذه الأسباب مجتمعة ولغيرها، فإن خطورة الشبه التي أثارتها هذه الفئة من أهل السنة ضد إخوانهم لا تدانيها جميع المخاطر التي اقترفها الكفار وإخوانهم المنافقون والمفسدون في الأرض، للشرخ الكبير والثلمة العظيمة التي أحدثتها في صفوف الطائفة المنصورة المستهدفة من قبل جميع أعداء الإسلام في الداخل والخارج.


متى يكفر الحاكم المسلم كفراً أكبر، ومتى لا يكفر؟
بعد هذا التمهيد، والمقدمات التي لابد منها عن الظروف والأسباب التي أدت إلى بروز تلك الشبه، وإلى النتائج الوخيمة التي تمخضت عنها، نقول:
إن هذه المسألة جاء فيها من الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ المفتي قبل الأسبق للمملكة العربية السعودية، طيب الله ثراه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه، ما يشفي الصدور، ويريح النفوس، ويدفع الشبه، ويزيل اللبس.
لقد قال فيها قولاً جامعاً مانعاً، ولخصها وفصلها تفصيلاً لا مزيد عليه، في رسالة صغيرة الحجم، عظيمة النفع، جليلة القدر، وهي رسالة "تحكيم القوانين"، ومؤلفها من الأئمة المعاصرين المشهود لهم بسعة العلم، وعمق الفقه، وبعد النظر، وسلامة المنهج، والتجرد للحق، مع غاية الورع، وحسن السمت والدل.
لا يخرج الحاكم المسلم الذي لا يحكم بشرع الله عن واحدة من هذه الحالات الثمانية التي ذكرها الشيخ، منها ست حالات كفر الحاكم فيها كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وهي كما ذكرها الشيخ ملخصة:
الأولى
أن يجحد الحاكم وجوب الحكم بما أنزل الله عز وجل، وجاحد الوجوب لا شك في كفره إجماعاً.


الثانية
لا يجحد الوجوب، ولكنه يعتقد أن الحكم بالقوانين الوضعية والدساتير الأرضية أحسن وأشمل وأتم لما تحتاجه الرعية، سواء كان استحسانه هذا مطلقاً أوفيما استجد واستحدث من أمور، وهذا لا شك في كفره المخرج من الملة، لتفضيله القوانين الوضعية الأرضية على الأحكام السماوية.


الثالثة
أن لا يعتقد أن القوانين الوضعية أحسن من شرع محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه اعتقد أنهما سواء، وهذا كذلك كافر كفراً ناقلاً عن الملة، ولسان حال هؤلاء ما قاله التتار: "رجلان عظيمان: محمد وجنكيز خان".


الرابعة
أن لا يعتقد أن القوانين الوضعية أفضل، ولا مماثلة ومساوية لشرع الله، ولكن اعتقد جواز الحكم بها، ونبذ شرع الله وراءه ظهرياً، وهذا لا شك كافر كفراً مخرجاً من الملة.


الخامسة
وهو أن يضع دستوراً وقوانين، في كل المجالات أم مجالات معينة، على غرار دساتير وقوانين الكفار، ويلزم القضاة أن يحكموا بها، مستبدلاً الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهذه الحالة هي السائدة في جل بلاد الإسلام، وكفر صاحبها مضاهٍ لكفر من سبقه.


السادسة
التحاكم إلى الموروث عن الآباء والأجداد والمشايخ، من الأعراف والعادات والتقاليد، لقد نعى الله على هؤلاء قولهم: "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ".
وهؤلاء لا شك في كفرهم كذلك، وأنه كفر ناقل عن الملة كالحالات السابقة.


حالتان لا يكون كفر الحاكم فيهما كفراً أكبر
هنالك حالتان فقط من هذه الحالات الثمانية يكون كفر الحاكم بغير ما أنزل الله فيهما كفراً أصغر لا ينقل عن الملة، وهو أكبر من الكبائر لتسمية الله له بالكفر، وهما:
الحالة الأولى
أن تحمله شهوته وهواه في قضية معينة أن لا يحكم فيها بحكم الله، مع يقينه أن حكم الله هو الحق، وأنه مخطئ فيما ذهب إليه، ويرجو التوبة والمغفرة.


الحالة الثانية
أن يجتهد الحاكم أوالقاضي في الحكم في قضية من القضايا، ولكنه لا يوفق إلى الوصول إلى الحق، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"، أوكما قال صلى الله عليه وسلم.
وهاتان الحالتان هما اللتان ينطبق عليهما قول ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"قال: "كفر دون كفر".
وقوله أيضاً: "ليس بالكفر الذي تذهبون إليه".
قلت: قول ابن عباس هذا لا ينطبق إلا على الدول التي تتحاكم إلى شرع الله، أما جل الدول التي نبذت كتاب الله وراءها ظهرياً، وذلك بعد سقوط الدولة العثمانية في 1925م، وتقسيمها إلى دويلات، وحكمها بدساتير على غرار ما عند الكفار، فلا ينطبق عليها قول ابن عباس أبداً.


شبهة أن الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله لا يكفر إلا إذا استحل ذلك بقلبه، ودحضها
من الشبه الداحضة الباطلة زعم البعض أن الحاكم الذي نبذ كتاب الله وسنة رسوله وراءه ظهرياً، وحكَّم القوانين الوضعية لا يكفر إلا إذا استحل ذلك بقلبه، حيث علقوا كفر من هذه صفته بمستحيل، لأن السرائر والقلوب لا يعلم ما فيها إلا علام الغيوب، وهذه الشبهة تناقض قاعدة من قواعد مذهب أهل السنة والجماعة، وهي أن نحكم على الناس بما ظهر منهم، وندع علم سرائرهم لخالقهم.
ولهذا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمار بن ياسر رضي الله عنه قتله ذلك الرجل بعد أن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، عندما قال له: إنما قالها ليدفع عن نفسه القتل؛ قال له: "هل شققت قلبه؟"، إذ كان يجب عليه أن يحكم عليه بما ظهر منه، ولو كان قالها نفاقاً.
ولذات السبب حكم الله على فرعون وملئه بالكفر لما قاموا وحكموا به من الأعمال الكفرية، مع قوله سبحانه وتعالى: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ"، فبينت هذه الآية استيقانهم داخلياً بما جاء به موسى، ولكن لما جحدوا في الظاهر بلسان الحال والمقال، كما يجحد البعض الحكم بشرع الله بلسان الحال الذي لا يقل دلالة عن لسان المقال، ومعلوم أن هذه الأمة فيها الزنادقة والمنافقون الذين يظهرون ما لا يبطنون، ويقولون ما لا يعتقدون.
نقول لهؤلاء: ماذا تقولون في رجل وضع المصحف على الأرض – لا قدر الله – وداسه برجله، وعندما سألناه قال: أنا أجل كتاب الله؛ وكان عاقلاً، بالغاً، مختاراً غير مكره، هل يرفع عنه ذلك الكفر وإقامة الحد؟!
وفي رجل يطوف بقبر، ويدعو ويستغيث بصاحب هذا القبر، وعندما سئل قال: أعلم أن الله هو قاضي الحاجات، ولكن هذه وسيلتي إليه، ولا أزال أفعل ذلك ولا أتركه أبداً؛ هل زعمه هذا يرفع عنه الكفر والشرك؟
مما يدل على أن هذه الشبه من تأثير الفكر الإرجائي، وأنها لا علاقة لها البتة بعقيدة أهل السنة والجماعة، أنه لم يشترط ذلك أحد من أهل السنة المقتدى بهم، من أمثال العلماء الأجلاء نحو ابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وابن الوزير، والألوسي، والشوكاني، والسعدي، ومحمد بن إبراهيم آل الشيخ، وأحمد ومحمود محمد شاكر، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وغيرهم كثير من المتقدمين والمحدثين.
يقول الشيخ محمود محمد شاكر رحمه الله، معلقاً على أثر أبي مِجْلز، ومحاورته لبعض الخوارج: (الذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله، بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزلة، وادعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان غير زماننا، ولعلل وأسباب انقضت، فسقطت الأحكام كلها بقضائها، فأين هذا مما بيناه من حديث أبي مِجْلز والنفر من الإباضية؟
ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر أبي مِجْلز، أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من أحكام الشريعة، فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن سن حاكم حكماً وجعله شريعة ملزمة للقضاء بها، هذه واحدة، وأخرى أن الحاكم الذي حكم في قضية معينة بغير حكم الله فيها إما أن يكون حكم فيها وهو جاهل، فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة، وإما أن يكون حكم بها بهوى ومعصية، فهذا ذنب تناله التوبة، وتلحقه المغفرة، وإما أن يكون حكم به متأولاً حكماً خالف به سائر العلماء، فهذا حكمه حكم كل متأول يستمد تأويله من الإقرار بنص الكتاب وسنة رسول الله.
أما أن يكون في زمن أبي مِجْلز، أوقبله، أوبعده، حاكم حكم بقضاء في أمر، جاحداً لحكم من أحكام الشريعة، أومؤثراً لأحكام أهل الكفر على أحكام أهل الإسلام، فذلك لم يكن قط، فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه.
فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها، وصرفها إلى غير معناها، رغبة في نصرة سلطان، أواحتيالاً على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله، أن يستتاب، فإن أصر، وكابر، وجحد حكم الله، ورضي بتبديل الأحكام، فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقد سئل: هل يعتبر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفاراً؟ قال: (الحكام بغير ما أنزل الله أقسام، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم، فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله، فهو كافر عند جميع المسلمين، وهكذا من يحكم القوانين الوضعية بدلاً من شرع الله، ويرى أن ذلك جائز، حتى لو قال إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر، لكونه استحل ما حرم الله.
أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعاً للهوى، أولعداوة بينه وبين المحكوم عليه، أولأسباب أخرى، وهو يعلم أنه عاصٍ لله بذلك، وأن الواجب عليه تحكيم شرع الله، فهذا يعتبر من أهل المعاصي والكبائر، ويعتبر قد أتى كفراً أصغر، وظلماً أصغر، وفسقاً أصغر، كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن طاوس، وجماعة من السلف الصالح، وهو معروف عن أهل العلم، والله ولي التوفيق).
جاء في بيان اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، بشأن التحذير من كتاب "الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير" لكاتبه خالد علي العنبري، لتبنيه لهذه الشبهة: (فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على كتاب.. وبعد دراسة الكتاب اتضح أنه يحتوي على إخلال بالأمانة العلمية فيما نقله عن علماء أهل السنة والجماعة، وتحريف للأدلة عن دلالتها التي تقتضيها اللغة العربية، ومقاصد الشريعة، من ذلك ما يلي:

1. تحريفه لمعاني الأدلة الشرعية، والتصرف في بعض النصوص المنقولة عن أهل العلم، حذفاً أوتغييراً على وجه يفهم منه غير المراد أصلاً.
2. تفسير بعض مقالات أهل العلم بما لا يوافق مقاصدهم.
3. الكذب على أهل العلم، وذلك في نسبته للعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله ما لم يقله.
4. دعواه إجماع أهل السنة على عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام إلا بالاستحلال القلبي، كسائر المعاصي التي دون الكفر، وهذا محض افتراء على أهل السنة، منشؤه الجهل، أوسوء القصد، نسأل الله السلامة والعافية.

وبناء على ما تقدم فإن اللجنة ترى تحريم طبع الكتاب المذكور ونشره وبيعه).
جزى الله هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية خير الجزاء، فقد دفعت هذه الشبه، وبرَّأت أهل السنة منها، وحسمت هذا الجدل، والمماحكة، والمغالطة المقيتة، وجلت الأمر تجلية لا يدفعها إلا مكابر أومقلد متعصب.

هذه الأقوال أقوال أئمة أهل السنة في هذا العصر، لم يشترطوا الاستحلال القلبي، لأن بدعة التحاكم لغير شرع الله لم تعرفها الأمة إلا في هذا العصر، ولذلك المرجع فيها إلى أئمة أهل السنة المحدثين.
أما ما نقل عن شيخنا الألباني رحمه الله أنه قال بعدم كفر الحاكم بغير شرع الله، النابذ له، إلا إذا استحله بقلبه، فهذه زلة، نسأل الله أن يتجاوز عنه فيها، وأن تغمر في حسناته الكثيرة، ولعل الشيخ الألباني رحمه الله لو طال به العمر لغير فتواه هذه كما غير فتواه في عدم كفر تارك الصلاة كسلاً، لما أداه إليه اجتهاده، وإن كانت هذه من المسائل الخلافية، إلا أن القول بكفر تارك الصلاة كسلاً هو الراجح، وقد حسن بعض الأحاديث ثم عاد فضعفها أوالعكس، وهذا من إنصافه وتواضعه.

فلا يحل لأحد أن يقلده في هذه المسألة ولا يقلد غيره، ويدع قول عامة أهل العلم فيها.
أما استدلالهم إلى ما ذهبوا إليه بقوله تعالى: "وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا" الآية، فهذا خاص بالمكره.
أما الحكام الذين نبذوا شرع الله وراءهم ظهرياً، واستبدلوه بالقوانين الوضعية، فلم يكرههم أحد على ذلك، بل إنهم يتنافسون في تقليد الكفار وفي خطب ودهم.
رافعو هذه الشبه شعروا أم لم يشعروا فهم مدافعون عن باطل، محامون عن بعض الحكام الذين نبذوا شرع الله وراءهم ظهرياً، معادون ومتحاملون على إخوانهم من العلماء من أهل السنة.
ولهذا ففيهم شبه بالخوارج الذين كانوا يقتلون ويؤذون أهل الإسلام ويسالمون أهل الكفر والعدوان، كما وصفهم ابن عباس رضي الله عنهما.

ولهذا عندما طلب الخوارج من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أن يتبرأ من آل بيته حتى يدخلوا في بيعته قال لهم: منذ كم لعنتم فرعون؟ قالوا: لم نلعنه قط؛ فقال لهم: إن وسعكم أن لا تلعنوا فرعون وهو إمام من أئمة الكفر، أفلا يسعني أن لا ألعن أهل بيتي وفيهم الصالح والطالح؟ أوكما قال.
فكذلك نقول لإخوتنا هؤلاء: لماذا لم توجهوا سهامكم هذه إلى أعداء الأمة من الشيوعيين، والمنافقين، والمبتدعين، ولماذا لم تنصحوا لهؤلاء الحكام ليحكِّموا شرع الله، بدلاً من غشكم، وخداعكم، وتضليلكم لهم بأنهم مسلمون مؤمنون، ومن الكفر الأكبر مبرَّأون؟!

اللهم ردنا إليك وجميع إخواننا المسلمين رداً جميلاً، اللهم حكم فينا خيارنا، ولا تسلط علينا شرارنا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، الذي قيَّد الإيمان بالله بتحكيم شرعه، والتزام أوامره، والتسليم له: "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا"، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان...