تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : [ دفعُ الملام - عن مجاهدي مغرب الإسلام ] للشيخ الفاضل / أبو يحيى الليبي - حفظه الله -



أبو هاشم
10-20-2008, 05:18 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مركز الفجر للإعلام


يقدم
http://img399.imageshack.us/img399/9182/52649437rl8.gif


كتاب


[ دفعُ الملام - عن مجاهدي مغرب الإسلام ]


للشيخ الفاضل / أبو يحيى الليبي - حفظه الله -



http://img401.imageshack.us/img401/4393/40575461ar2.jpg



للتحميل


بصيغة word


http://www.uuploadit.com/users/alfaj...Al%20malam.doc (http://www.uuploadit.com/users/alfaj...Al%20malam.doc)




بصيغة pdf


http://www.uuploadit.com/users/alfaj...Al%20malam.pdf (http://www.uuploadit.com/users/alfajr/Daf3%20Al%20malam.pdf)




وإليكم الرد مُفرّغاً :


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :

فبعبارات قاسية، وألفاظ طائشة، وأحكام جائرة نشر موقع الدكتور ناصر العمر مقالاً يعلق فيه على التفجيرات الأخيرة التي قام بها إخواننا المجاهدون في الجزائر، والتي هزت كيان نظام الردة وعرَّفت جنرالات فرنسا ولقطاءها أن الشعب الذي قدم أكثر من مليون شهيد لطرد أسيادهم لا يزال مستعداً لأن يقدم مثلها وبسخاء ورضاء لتعلو راية التوحيد التي استلبها العملاء، وضيعها الخونة، وعبث بها الجشعون، وليعرف الجميع أنه لا فرق في عقيدة الإسلام وأحكامه بين نصراني جلد قطع البحار والقفار وأجلب بخيله ورجله على بلاد الإسلام وبين من (يلينا) من أنصارهم، وأعوانهم، وردئهم الذين يقفون آثار أربابهم حذو القذة بالقذة حتى ولو ارتكبوا شر كفر لارتكبوه معهم ولم يبالوا : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر/11]
ولما رأيت كاتب المقال قد ألقى الأحكام بلا كيل، ومال في إطلاقها كل الميل، ورمى التهم جزافاً بغير بينة ولا شاهد –إلا أن يكون عنده وزير الداخلية الجزائري ثقة ثبتاً عدلاً رضىً- وأرخى العِنان لقلمه الطائش الحائف يصول ويجول في أوحال الإفك والافتراء والاختلاق والبهتان عزَّ عليَّ أن أرى إخواني حصن الدين وحماة الحقيقة ينال منهم ذوو القربى بظلم أشد على النفس من وقع الحسام المهند ثم بعدها لا أذب عنهم وأذود عن حياضهم ولو بكلمات معدودات وتعليقات مقتضبات، طالباً رضى الله وحده ولو سخط بعد ذلك من سخِط فحقاً لقد بلغ السكين العظم وجاوز الحزام الطُّبْيَين.
وإن المرء ليقف مشدوهاً وهو يرى أمثال هذه المقالات التي تبرز علينا بجرأة وشجاعة كلما قام المجاهدون بعملية ضد وكر من أوكار العمالة والإفساد والردة، ثم هو لا يرى مثل هذه المقالات ولا نصيفها - ولو من طرف خفيٍّ – حينما يسمع العالم ويرى أبشع المجازر الحقيقية التي تقترف ضد عوام المسلمين حقاً لا زعماً، ويعترف بها المجرمون "القتلة" أنفسُهم، ويتبجحون بارتكابها على رؤوس الأشهاد ولا يبالون، فلم يسلم من ذلك الأسواق المكتظة، ولا الطرقات المزدحمة، ولا الأعراس البريئة، ولا القرى النائية، ولا حتى الخيام الممزقة البالية، بل ولا الدواب الرواتع، فهلا أظهر كتاب المقالات (الغيورون) غيرتهم وغضبهم وحميتهم وحرصهم على دماء المسلمين في مثل هذه الأحداث الفظيعة التي كسر معها مثل (كرزاي) –وهو من هو – حجاب الصمت وراح يسكن ثورة العوام بتنديده وشجبه ودعاوى التحقيق والملاحقة لمرتكبيها، وهم أسياده الذين لا قيام ولا قوام له بدونهم!!
وليت هذا النقد أو (النصح) أو الإرشاد مبني على أسس سليمة ومعلومات صحيحة، إذاً لهان الخطب، فالمجاهدون كانوا ولا زالوا -بإذن الله- أكثر الناس حرصاً على معرفة الحق، واجتهاداً في اتباعه، ورجوعاً إليه، ولكن وللأسف فإن المقال المذكور خالٍ عن تقرير أية حقيقة علمية بطريقة منضبطة، وكأن الكاتب لم يزد على أن أفرغ شحنة من الغيظ كان يمتلئ بها صدره، في لحظات يكاد يكون قد خرج فيها عن طوره وهيمن عليه الانفعال، وغلبته سورة الغضب، وحركته غيرة خادعة على حفنة من المرتزقة الذين كان يسعهم أن يضربوا في الأرض ليبتغوا من فضل الله بدلاً عن بيع دينهم في ثكنات الإجرام التي لم تزل تتدفق منها أفواج من المرتكسين المنسلخين عن الدين الذين لا يتقنون شيئاً إلا قمع الشعوب، والتنكيل بالذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، والاستعداد التام لشن (الحروب القذرة) على الأبرياء والعزل، والتفنن في سب الرب بصور يستحيي إبليس من التفوه بها أو حتى سماعها مما صار في حقهم أشهر من نار على علم، ولسنا في حاجة أن يقسم لنا كاتب المقال بالأيمان المغلظة أن تلك (الطوائف الممتنعة) لم يفشُ فيها سب الرب فشواً فاحشاً حتى لكأنه صار جزءاً من برامج تدريبهم و(تربيتهم)، وإن كنتم في ريب مما نقول فشدوا رحالكم ويممو بها شطر المغرب الإسلامي لتسمعوا –ونعيذكم بالله من سماعه- ما لم يخطر على بالكم، ولعمر الله : {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}[مريم/90]
وعندها قولوا لنا ما الذي يستحقه أمثال هؤلاء السفلة القتلة إلا النسف والقصف والخسف.
فهذان خصمان اختصموا في أمرهم، فالذي كتب المقال أطلق أحكامه على المجاهدين بغير تثبت، ولا تبين، لا انضباض، ولا روية، ولا عدل، ولا اتزان، والذين قاموا بهذه الأعمال (المباركة) ضد مراكز وثكنات الردة ذكروا تفاصيل عملياتهم، وصرحوا تصريحاً لا لبس فيه يدركه العاميُّ قبل العالِم المحقِّق أنهم برءاء من استهداف عوام المسلمين، وأنهم ما قاموا أصلاً إلا دفاعاً عنهم، ورحمة بهم، وحماية لدينهم، وصوناً لدمائهم، وإنقاذاً لهم من ضنك أحكام الجاهلية إلى رحمة شريعة الإسلام وسعتها، التي حرمهم إياها جنرالات فرنسا وطوائفهم.
ولأن إخواننا المجاهدين يعلمون أن أمثال هذا الشغب والصخب سيخرج عليهم من هنا وهناك إذ صار ديدن حكومة الردة، ولأقوالها تتردد الأصداء بدون تمهل فقد بادروا إلى بيان الحق ودحض الافتراء فكان مما جاء في بيانهم المعنون بغزوة الثأر : [و يجدر الإشارة إلى أن كل القتلى هم من الدرك المتعاقدين أو من المترشحين الجدد في هذا السلك الطاغوتي ،والذين هم في ميزان الشرع محاربون ،وما يدندن عليه بهلوان الداخلية من أنهم مدنيون هو هراء و كذب مفضوح لا أساس له من الصحة.]، وجاء فيه أيضاً : [و لأمتنا الحبيبة التي طغى عليها سيل الإعلام الجارف المضلل، و غشيتها أكاذيب المرتدين و تلبيساتهم المتهافتة نقول : لن نمل و لن نكل من تكرار طمأنتنا لكم بأننا ننتقي أهدافنا بدقة و نحرص على دمائكم أيما حرص... و أننا لا نستهدف الأبرياء كما يزعم بهلوان الداخلية و يكذب عليكم في كل مرة...فالكل يعلم من هم قتلة الأبرياء في سركاجي و برواقية و مجازر الشراربة و الأخضرية ... إلى آخر قائمة الإجرام التي شهد عليها ضباط سامون من الجيش الجزائري...
أما المجاهدون الأبرار فهم أحرص الناس على دماء المسلمين...و هل يمكن أن يقدم استشهادي على قتل إخوانه و أهله..و هل ثكنة حرس السواحل و المدرسة العليا للدرك و مقر قيادة الجيش و قوات الشرطة تحوي داخلها أبرياء ؟..و هل المنتسبون إليها و المنخرطون فيها و المترشحون للدخول إليها مدنيون ؟!...
فيا أمتنا الحبيبة المسلمة : صمي آذانك عن عبيد أمريكا...فهم جلادوك الحقيقيون ...وهم قتلة الأبرياء ... وهم مصاصو دمائك ...و منتهكو مقدساتك...و هم بائعوك لأعدائك.]
وأثناء قربي من كتابة هذه المناقشة، استمعت لكلمة قيمة لأخينا الشيخ المجاهد القائد أبي مصعب عبد الودود –حفظه الله – يؤكد فيها على هذه المسألة، وعن براءتهم من استهداف أي مسلمٍ وتقصد سفك دمه، فرأيت أن ألحقه بما نقلته عن المجاهدين سابقاً فكان مما قاله : [ولا يفوتني في هذا المقام ..بعد الهجمة الإعلامية الأخيرة التي تتهم المجاهدين باستهداف الأبرياء، أن أطئمن إخواني المسلمين بأن إخوانهم المجاهدين هم أحرص الناس على دماء الأبرياء، وأن المجاهدين ينتقون أهدافهم بدقة ويبذلون جهدهم في تجنب إصابة المدنيين، ولكن ما حيلتنا وهذا النظام العميل ومن ورائه وسائل الإعلام المضللة تتهمنا بما ليس فينا، وتنشر الإفك عنا في كل حين ونحن معاذ الله أن نتقصد سفك الدماء المعصومة.
فلتطمأني يا أمتي المسلمة..فلتطمأني يا أمتي المسلمة الحبيبة من هذا الجانب، فنحن ما خرجنا من ديارنا وما فارقنا أهلنا إلا نصرة لك، ودفاعا عنك من قتلة الأبريان الحقيقيين أبناء فرنسا وعبيد أمريكا]
فهذا ما يقوله المجاهدون –سددهم الله- وفيه لِمن سلم قلبُه من الضغينة وبرئ من (الشح على الخير) وتجرد للحق وأنصف الخلق غنية وكفاية، إلا أني أكاد أجزم أن كاتب المقال لم يكلف نفسه مجرد النظر في هذا البيان وأمثاله، لأنها بالنسبة له ليست بشيء، ولهذا بادر بإطلاق ما في جعبته من أحكام وأوصاف باعتساف وغشم، صاماً أذنيه ومغمضاً عينيه عن كل ما يقوله أو يكتبه المجاهدون، كحال الذي يتناهى إليه خبرٌ عن عدوه فيطير به فرحاً راجياً أن يكون حقاً ويأبى التحقق منه لأنه لا يريد إلا ذاك،


كما قال الشاعر :
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شراً أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا
وكما قال الآخر :
إنْ يسمعوا ريبةً طاروا لها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا
صمٌ إذا سمعوا خيراً ذكرتُ به ... وإن ذكرتُ بسوءٍ عندهم أذنوا


فانظر كيف يقول الكاتب عَجِلاً : [لا حاجة بنا أن ننتظر لنعرف من يتبنى مسؤولية هذه الجريمة؛ لأن من فتح الباب مأخوذ بجريرة من يمر منه]
وأنا أقول : إن صاحب المقال وإن لم يصرح باسمه، إلا أن الدكتور ناصر العمر يتحمل جزءا ًمن تبعته [لأن من فتح الباب مأخوذ بجريرة من يمر منه] إن لم يكن هو كاتبه أصلاً، فهل يمكن لمقال طائش كهذا أن يمر وينشر عبر موقعه من غير علمه ولا موافقته ولا إقراره، فليعلموا إذاً أنهم { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}[الزخرف/19]
ووالله لولا أن هذا المقال –وإن شئت فقل البيان- برز علينا عبر الموقع المذكور لقلنا إنه أحد بيانات وزارة داخلية آل سعود، ومع ذلك فما زلت أشتم منه هذا الرائحة، وأستشعر فيه هذا النَفَس، فهذا ما يحيك في صدري ولم أجد له مدفعاً، : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص/88] وسبتدي لك الأيام ما كنت جاهلاً.
ولعمر الله إن المجاهدين في المغرب الإسلامي وغيره برءاء مما رماهم به صاحب المقال، من الأحكام الظالمة، والدعاوى الآثمة، والتهم الجائرة التي أطلقها بغير علم ولا عدل ولا بينة، وإنما هو تسويد للأوراق، وتكثير لسواد الطاعنين المشنعين على المجهادين، ولستُ أدري أوَ كلما أوتي أحدهم قلما مطاوعاً أو استطاع تشقيق الكلم أرخى الحبل على الغارب وجرجر مطاعنه من كل حدب وصوب ثم تكلف وتعسف في إلصاقها بالمجاهدين ولو اقتضى أمر استحداثها وتطويعها أن يتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء غير مراعٍ فهم حرمة ولا حمىً؟ والله المستعان.
وقلّما تجد رجلاً يسلط لسانه أوقلمه على المجاهدين بالكذب، والطعن، والاستخفاف، والتهم الباطلة، والتشهير، والتعيير، والتنفير، فيسلم له دينه، ولذا تراه يشق سبيل الضلال جَموحاً شَموساً لا يلوي على شيء، يُذَّكر فلا يتذكر، وينبه فلا يلتفت، وينصح فلا يعبأ، ويُفتَضح ولا يبالي، ويأتي بالأعاجيب التي تضحك الثكالى، وهو مع كل ذلك متمادٍ في إفكه مسترسل في حيفه ، ولا يكاد يمر يوم إلا ويأتي بباقعة هي أكبر من أختها، وهو يحسب أنه على شيء والشواهد على ذلك كثيرة لمن أراد أن يعتبر ويتعظ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق/37]
***
وبعدها فلنعلم إذاً أن العبارات الهائجة لن تغني عن صاحبها شيئاً، ولئن استطاع أن يثير حفيظة القارئ بقلمه ويستعطفه بتلبيساته فإنه لن يقدر على دفن الحقائق الناصعة ولا تغيير الحق الراسخ البين الذي لا يحتاج إلى حشد الأدلة ولا تكثير الأحرف من أجل تقريره، فقد أسمعت كلماته من به صمم : {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد/17].
فمفتاح القضية بالنسبة للمجاهدين حينما يناقشون هذا الكاتب وأمثاله، هو المطالبة بجواب صريح جريء مفصل، عن حكم النظام الجزائري عنده وعند أمثاله؟ هل ترونه حكماً إسلامياً شرعياً يحكم بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو حتى بالبدع المنسوبة إليهما أو حتى بشطحات الصوفية وخزعبلاتهم؟ أم أنه نظام علماني طاغوتي جاهلي لا ديني كفري قد جمع من نواقض الإسلام - التي تنشرونها وتدرِّسونها وتحذرون منها – ما لا يكاد يحصيه إلا الله؟
وأرجو أن لا يتيه هذا السؤال في دهاليز الفلسفات، والسفسطات، والالتواءات، والمقالات، والتحليلات، والتي خلاصتها أن يبقى محل الجواب شاغراً ومن ثم الجدل قائماً!!
أما المجاهدون وعلى رأسهم من قام بهذه (المجزرة الرعيبة) فإنهم ينادون بملء أفواههم وبصراحة المؤمنين : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}[الأحزاب/39] أن الذي ندين الله به أن هذا النظام نظام علماني جاهلي كافر منزوع الشرعية والولاية محادٌّ لله ولرسوله، فإن وافقتموه على هذا الأصل فذاك هو، وإلا فإنهم ينتظرون جوابكم الآخر ليقولوا ما عندهم بعدها.
ولا نريد الاستطراد هنا فالأمر قد قتل بحثاً من علماء المسلمين الأولين والآخرين، وكلمتهم متفقة مطبقة على أن من اتخذ ياسقاً – وليسمه ما شاء – يحكم به العباد والبلاد، ويفصل به في الدماء، والأعراض، والأموال، والسياسات، فإنه كافرٌ خارجٌ عن ملة الإسلام وذلك لأن [من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرّدِّ إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله عزّ وجلّ: {فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً}.](رسالة تحكيم القوانين)
وإننا لا نريد أن نتعلق بأهداب دساتير بالية مرقعة تجعل بعض الدين لله وبعضه لغير الله { فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ}، قد صاغتها الأهواء، وشرعتها الآراء اتباعا للشهوات الزائغة، وأخرجتها الأفكار المريضة، والعقول المتفرنسة، فمهما زُيِّنت وفخمت وعظمت إنْ هي إلا عدولٌ عن الحق الحقيق بالاتباع [إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير]( تفسير ابن كثير : 3 / 131)، وتأمل آخر كلام الإمام ابن كثير.
فكيف وقادة هذا النظام وساسته يشهدون على أنفسهم بالكفر إذ يصرحون ويجاهرون بأن نظامهم نظام علماني عصري، ويفتخرون بذلك، ويعدونه من مناقبهم ومن (بركاتهم) التي أفاضوا بها على الجزائر والجزائريين، ورغم ذلك كله فما زال البعض يجادل عنهم ويركب الصعب والذلول لإثبات إسلامهم ويختلق لهم من الأعذار التي لا يرضاها هؤلاء المجرمون لأنفسهم فضلاً عن جعلها عذراً لهم : {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء/107]
وسأنقل في هذا الموطن بعض المقاطع المهمة من كلامٍ للإمام المفسر محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله- عند قوله تعالى : { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة/37] حول هذه القوانين التي شاع تشريعها، وانتشر تحكيمها في بلاد المسلمين، وصارت قائمة بينهم، حاكمة في أنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم، وسياساتهم، وعلاقاتهم، وأحلها أربَابُها محل الشريعة المحكمة واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير : قال رحمه الله : [فهذه الآية الكريمة من سورة براءة من أصرح النصوص القرآنية في أن كل من اتبع نظاما غير نظام الله، وتشريعا غير تشريع الله، وقانونا غير قانون الله، أنه كافر بالله، إن كان يزعم الإيمان فقد كفر، وإن كان كافرا فقد ازداد كفرا جديدا إلى كفره الأول، والآيات الدالة على هذا المعنى لا تكاد تحصيها في هذا المصحف الكريم، الذي هو أعظم كتاب أنزله الله من السماء إلى الأرض...وسنذكر لكم طرفا من ذلك كما ذكرناه قبل هذا مرارا نبين به أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، وأن كل من اتبع نظاما وتشريعا وقانونا – ولو سماه ما سماه- غير ما أنزله الله في وحيه على نبيه صلى الله عليه وسلم أنه كافر بذلك، فإن كان كافراً قبله ازداد كفراً جديدا إلى كفره الأول، وإن كان يزعم الإيمان فقد جاء بما يكفر به]
وقال –طيب الله ثراه- : [فمن اتخذ تشريعا غير تشريع الله، واتبع نظاما غير نظام الله، وقانونا غير ما شرعه الله –سواء سماه نظاما أو دستورا، أو سماه ما سماه- هو كافر بالله؛ لأنه يقدم ما شرعه الشيطان على ألسنة أوليائه مما جمع من زبالات أذهان الكفرة على نور السماء الذي أنزله الله (جل وعلا) على رسله ليستضاء به في أرضه، وتنشر به عدالته وطمأنينته ورخاؤه في الأرض.
وهذا مما لا نزاع فيه، وهذا الشرك الذي هو شرك اتباع، اتباع قانون ونظام وتشريع هو الذي يوبخ الله مرتكبه يوم القيام على رؤوس الأشهاد في سورة يس في قوله تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ...} [يس/60] ما عبدوا الشيطان بأن سجدوا للشيطان، ولا صاموا له ، ولا صلوا ، وإنما عبادتهم للشيطان هي اتباع ما سن لهم من النظم والقوانين من الكفر بالله ومعاصي الله.]
وقال –رحمه الله- [فهذه الآيات الكريمة تدل على أن كل من يتبع نظاما غير نظام الله وإن سماه قانونا، أو دستورا، أو سماه ما سماه فهو كافرٌ بالله، ولو كان كافرا قبل ذلك وارتكب شيئا يعلم أن الله حرمه، فحلل ما يعلم أن الله حرمه، أو حرم ما يعلم أن الله حلله، فإنه ولو كان كافراً قبل هذا يزداد بذلك كفرا جديدا إلى كفره الأول، كما قال هنا {إنما النسيء زيادة في الكفر} وهذا معروف لا نزاع فيه بين العلماء، فالحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، ولا تشريع إلا لله، لأن التشريع والأمر والنهي لا يكون إلا للسلطة التي ليس فوقها شيء، والله جل وعلا هو خالق هذا الخلق، وخالق النعم التي أنعم بها عليه، فهو الملك فلا يرضى أن يأمر فيه غيره وينهى، بل الأمر له وحده، والنهي له وحده، والتشريع له وحده، فكل مشرع دونه ضال،وكل متبع تشريعا غير تشريعه فهو كافر به –جل وعلا-وقد بين الله جل وعلا في آيات كثيرة هذا المعنى]
وقال أيضا : [وأقسم الله جل وعلا في آية من كتابه أنه لا يؤمن أحد حتى يكون متبعا في قرارة نفسه لما جاء به سيد الرسل محمد صلوات الله وسلامه عليه وذلك بقوله : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء/65] هذا قسم من الله أقسم به {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} فما ظنكم بالذين يحكمون فيما شجر بينهم قانون نابليون وما جرى بعده من زبالات أذهان الكفرة؟ ألا ترون أن الله أقسم في هذه الآية من سورة النساء أنهم لا يؤمنون؟ ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق من الله حديثا؟]
وقال -رحمه الله- بعدما ذكر بعض صفات من له حق الحكم : [هذه صفات من له الحكم، أما الكفرة الفجرة الخنازير أبناء الكلاب فليس لهم أن يحكموا في بلاد الله، ولا في عباد الله، ويحرموا ما شاؤوا ويحللوا ما شاؤوا، فمتبعهم هو أعمى الناس بصيرة وأضلهم سبيلا.
خفافيش أعماها النهار بضوئه...فوافقها قِطع من الليل مظلم]
وأخيراً قال رحمه الله : [أما القوانين والنظم الملتقطة من زبالات أذهان الكفرة الفجرة فلا يتبعها ويعتقدها ويحكمها في أموال المجتمع وعقوله وأنسابه وأديانه وأعراضه إلا من أعمى الله بصائرهم، ومن أعمى الله بصيرته فلا حيلة له {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور/40].](العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير).
فهل تجاوز النظام الجزائري شيئاً مما ذكره العلامة الشنقطي رحمه الله في حق مشرعي ومحكّمي القواني الوضعية التي أنتجتها زبالات أفكار الكفرة الفجرة الخنازير أبناء الكلاب؟!!
كيف ونواقض الإسلام التي اقترفها ويقترفها هذا النظام لا تتوقف عند حد التشريع والحكم بغير ما أنزل الله، وقائمة جرائمه وصياله على الأنفس والأعراض والأموال لا تكاد تقل عن قائمة فرعون وهامان وجنودهما : {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص/4]
***
وهنا حقيقة يغفل عنها الكثيرون ممن يقررون مسألة الخروج على الحاكم الكافر، والتي وقع الإجماع على أن الولاية لا تنعقد له ولا يقر عليها بحال، وذلك أن مسألتنا المعاصرة سواء في الجزائر أو في غيرها، ليست هي مجرد ارتداد حاكم بارتكابه ناقضاً من نواقض الإسلام الخاصة به كتركه للصلاة، أو لاستحلاله الخمر، أو غير ذلك، وإنما أصبحت هذه الدول بهيئتها وشخصيتها وكيانها الكلي تقوم على أصول الكفر وأسس الردة والتمرد على الحق، نابذة قاعدة الاستسلام للشرع والإذعان لأحكامه وراءها ظهريا، ولذلك تراها لا تتأثر بذهاب طاغية ومجييء آخر، بل الدولة هي هي، بدستورها (ياسقها)، ومؤسساتها، وأجهزتها، وسياساتها، وقوانينها، ونُظمها، وما قد يحصل فيها من تغييرات أو (انفتاح) يسعد به البعض، فهو لا يخرج عن الإطار العام الذي يلتزمه الجميع ألا وهو الخضوع للدستور واحترام التشريعات العامة التي لا تمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، فالأمر لم يعد متعلقاً فقط بالخروج على فردٍ حاكمٍ ارتد من أجل إسقاطه، وإنما باقتلاع جذور هذا النظام الجاهلي الطاغوتي الذي ضرب بجرانه في المجتمعات المسلمة وصارت ترزح تحته وتغوص في أعماقه، والسعي لإرجاع الدولة بكاملها إلى الاستسلام للإسلام والانقياد لأحكامه والإقرار بسيادته وسلطته وهيمنته، وهذه المسألة لا بد أن يدركها المجاهدون تمام الإدراك وأن يتعمقوا في فهمها وهو أن سعيهم اليوم لم يعد مقتصراً على مجرد (الخروج على الحاكم الكافر) وإنما الخروج على النظام والقانون والحكم والتشريع الكافر الذي تمرد بكليته على دين الله وتشريعه وأحكامه وزحزحه وحلّ مكانه.
وحينئذ فلا حاجة إلى الخوض الكثير في مسألة كفر الحاكم بغير ما أنزل الله واشتراط الاستحلال من عدمه والذي صدَّع بها المرجئة المعاصرون الرؤوس، وألفوا فيها الكتب، وكتبوا الأبحاث، وأخرجوا الرسائل في تقريرها وجمع المتشابهات لتأكيدها، فالأمر أكبر من ذلك بكثير وهو راء ما ينظرون ويُنظِّرون، إذ أن هذه الدول قد اتخذت لنفسها مرجعية غير مرجعية الإسلام أصلاً، وسلكت في إصدار تشريعاتها وقوانينها ومراسيمها سبيلاً غير سبيل المؤمنين، وأقامت دعائمها على أصول وقواعد وأسس قنَّنتها وصاغتها بمعزل تام عن شريعة الرحمن التي تقوم أول ما تقوم على قاعدة التسليم والانقياد والطاعة.
وما أشبه حال هذه الدول المتمردة على الله بِمَن وصفهم الإمام ابن عقيل الحنبلي من عباد القبور بقوله : [لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم - قال - وهم عندي كفار بهذه الأوضاع](تلبيس إبليس 480).
قال العلامة أبو بكر الجصاص الحنفي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء/65]
[وفي هذه الآية دلالة على أن من رد شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم، وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم؛ لأن الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي صلى الله عليه وسلم قضاءه وحكمه فليس من أهل الإيمان]( أحكام القرآن :4 / 452).
فبمجموع هذا المزيج العفِن تكوّنت شخصية الدول الحاكمة المعاصرة وهو يوضح حقيقة هويتها وانتمائها أصلاً وفرعاً والله المستعان.
فانظر مثلاً كم تعاقب على الجزائر من الطغاة منذ تنحي الشاذلي بن جديد وإلى يومنا، ومع ذلك فالنظام هو النظام، والقانون هو القانون، والدستور هو الدستور، والدولة هي الدولة، والجاهلية هي الجاهلية، وهكذا غيرها من الدول التي مات أو قُتل أو عزل رؤساؤها وملوكها تراها باقية على أصولها الجاهلية وتمردها على الحق سواء في السياسة، أو الاقتصاد، أو الاجتماع، أو القضاء، أو الإعلام، أو العلاقات، أو النظم والقوانين والتشريعات : {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف/146]
فالمجاهدون في الجزائر وغيرها، حينما يقاتلون هذه الأنظمة التي أقيمت دعائمها على الكفر والأهواء ليس مقصدهم فقط أن يزيحوا هذا الطاغية أو ذاك، فما هذا في نظرتهم إلا جزء من التغيير العام والانقلاب الكلي الذي تزال معه أنظمة الجاهلية بكليتها ويقام على أنقاضها شرع الله حتى يدخل كل شيء في السلم كافة ولا يشذ عنه شاذٌ.
وإلا فلا أحسب أن العلماء الأوائل –رحمهم الله- وهم يقررون مسألة الخروج على الحاكم إذا كفر ويبينون أهمية ذلك، ويحذرون من خطر بقائه، لا أحسب أنهم ظنوا أن الأمر سيُختَلف فيه حينما يتعلق الأمر (بنظام حكم) كامل يقوم على غير شريعة الله، وأصولُه وجذوره التي يعتمد عليها وينبثق منها لا تمت إلى الإسلام بصلة، فكما قال العلامة محمود شاكر –رحمه الله- [والذي نحن فيه اليوم هو هجر لأحكام الله تعالى عامّة بلا استثناء، وإيثارُ أحكامٍ غير حكمه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتعطيلٌ لكل ما في شريعة الله تعالى، بل بلغ مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله تعالى المنزلة]
ومن هنا يعلم المجاهدون –بل كل الدعاة - أن مهمتهم ليست بالهينة وأن العبء عليهم ثقيل، ولكن لا سبيل لهذا التغيير (الكلي) الجذري والانقلاب التام، واقتلاع جذور النظام الجاهلي إلا بالقتال في سبيل الله، وتقديم تضحيات باهظة، مع التزود بالتقوى، والصبر، وحسن التدبير، وإحكام التخطيط، مع التوكل التام على الله تعالى، فالمسألة مسألة صراع حقيقي عملي محتدم بين جاهلية متمكنة مسلحة متوحشة وبين قلة لا تجد لها عن سبيل الجهاد محيصا وتقف أمم الكفر كلها لصدها ولكن : {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة/249]
***
ويتفرع عن هذا التقرير القول بأن هذه الطوائف من درك، وجيش، واستخبارات، وغيرها، والتي يشن عليها المجاهدون الغارة كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، هي أعمدة هذا النظام الجاهلي وأركانه وقوامه، ولولاها لما كان له وجود، ولا سلطان، ولا سطوة، ولا تأثير، ولا تدبير، فمن العبث أن يسعى الساعون لإزالة حكم مستقر متمكن متسلط دون أن يتعرضوا لهذه الطوائف التي وقعت لها تلك [المجازر الرعيبة التي ينفذها القتلة في الجزائر] التي هزت وجدان الكاتب فشحذ قلمه ليسطر تلك الكلمات النابية التي سلخ بها المجاهدين سلخاً وأخرج كل ما في قاموسه من الألقاب والمعايب فألصقها بهم.
فقتال المجاهدين لهذه الطوائف ليس فقط لأنها تقوم بحماية (الملِك) أو (الرئيس) أو (القائد) أو (الحاكم) وإنما لأن النظام الجاهلي المفروض على الناس والذي لا يجدون مخْلَصاً منه وانفكاكاً من شراكه إنما استمد قوته وفرض نظامه وأجرى أحكامه بشوكة وحماية هذه الطوائف التي تضحي بكل ما تستطيع من أجل إبقائه وإلزام الناس به وإجبارهم على احترامه ومنعهم من الخروج عنه أو عليه.
فمن السذاجة إذاً أن ننظر إلى هذه الطوائف ذات الشوكة والقوة والصولة والطغيان والتنظيم والأهداف والقوانين على أنها مجرد أفراد آحاد ينتسبون إلى الإسلام انتساباً عاماً يحرم قتلهم وقتالهم من غير النظر إلى موقعهم في هذا النظام الجاهلي المفروض على الناس، ومن دون اعتبار مهامهم التي أوكلت إليهم، والجرائم الكبرى –ومن أعظمها إقامة كيان نظام الحكم الجاهلي وحمايته- التي يقترفونها لحظة بلحظة في حق الأمة والدين.
فهذه الأجهزة كالجيش، والشرطة، والدرك، والاستخبارات، وغيرها تعد جزءاً من منظومة النظام الجاهلي العام الذي يحكم بلاد والمسلمين ومكوِّناً من مكوناته، بل لا وجود له ولا قيام ولا سلطة، ولا تمكين بدونها، وكل جهاز من هذه الأجهزة قد حددت له أهداف واضحة، وصيغت لضبطه قوانين محكمة، وأسندت إليه تكاليف صريحة، بمجموعها تصب في قناة واحدة ألا وهي إقامة وحماية وتعزيز نظام الحكم الجاهلي، سواء سميت تلك الأهداف فرض القانون، أو ضبط النظام، أو تعزيز الأمن، أو حماية الحدود، أو نشر الديمقراطية، أو احترام الدستور، أو غير ذلك، فخلاصتها بالمفهوم الشرعي الصريح : [الالتزام بأن لا يكون الدين لله، وقهر الناس على قبول نظام جاهلي واحترامه والحكم به والاحتكام إليه] ..[فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغيره كان في ذلك من الشرك بحسب ذلك]( اقتضاء الصراط : 1 / 452) ، [والدين هو الطاعة فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله](مجموع الفتاوى : 28 / 544).
إذاً عندما يقول الكاتب : [والذين حصدوا أرواح أكثر من سبعين مسلماً وجرحوا العديد غيرهم خلال عمليات متزامنة جرت هذا الأسبوع]، إن كان يقصد بهؤلاء السبعين مسلماً الذين حُصدت أرواحهم، هم من عوام المسلمين، فعندها سنكون أول من ينكر هذه (الجريمة) ونقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [اللهم إنا نبرأ إليك مما صنع خالد]، ولكن أنى للكاتب وأمثاله أن يثبتوا تلك الدعوى العريضة الخاوية، ومن أين له بهذه الإحصائية لقتلى (عوام المسلمين) إلا ركن الكذب والدجل والمخازي أعني وزارة الداخلية.
ولذلك لسنا نتردد طرفة عين، ولا يخالجنا أدنى شك في براءة إخواننا المجاهدين –سددهم الله- من هذه اللوثة المفتراة -كما برءوا أنفسهم- فهم عندنا أتقى وأنقى وأورع وأرفع وأصدق من أن يتعمدوا قتل مسلمٍ أو يتقصدوا سفك دمه، وبياناتهم (اليتيمة) التي لم تحظ بالنشر في الفضائيات لهي أثبت وأوثق وأدق عندنا من وسائل إعلام الدجل مجتمعة مهما أتت من زخارف القول والفعل ما تموه به كذبها وتضليلها وتدجيلها.
وأما إن كان الكاتب يقصد بالأرواح التي حصدت والتي بلغت سبعين (مسلماً) هم من أعضاء تلك الطوائف التي أشرنا إلى بعض جرائمها ومهامها فنعمَّا الحصدُ حصدهم، وأكرم به من قتل وأنعم به من قتال : {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}[النساء/91] فعلى نفسها جنت براقش، فهم الذين أنزلوا أنفسهم هذا المنزل المتردي الذي نسفوا به دين الإسلام نسفاً، وصيروا أحكامه وأعلامه يباباً خراباً، وأفسحوا المجال لكل ناعق زنديق يرتع في شرائعه كما شاء وبما شاء، وحمَوا ويحمون عصابات التنصير التي ما فتئت تخرج الناس من عقيدة التوحيد إلى ضلالات التثليث ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولسنا في هذا الموطن نتحدث عن حكم أفراد هذه الطوائف، وهل هم كفارٌ مرتدون، أم لا؟ وإنما المقصود هو الإشارة إلى أن قتالهم بصفتهم طوائف ممتنعة عن شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة قد صار واجباً باتفاق العلماء المحققين الذين يقررون أحكام هذه المسألة بالأدلة الشرعية الخالصة التي لا تشوبها العواطف القلبية ، ولا الميول النفسية، ولا اللحمة القومية، ولا النظرة الوطنية.
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : [لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله فمن قال : لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " . قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق] متفق عليه.
فهذه طائفة من الطوائف ظهرت في أفضل القرون، وبين أعلم الناس، وأفقههم، وأورعهم، وأعرفهم بالحق، وأحرصهم على اتباعه، وبينهم خير الخلق بعد الأنبياء، ولم تزد هذه الطائفة على أن منعت زكاتها (متأولين) في ذلك، ومنتزعين حكم امتناعهم من آية في كتاب الله وهي قوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة/103] وهذا يعني أن هناك نوعاً من الاستسلام والانقياد للشرع لم يزل قائماً في قلوبهم ولم يتعمدوا التحلل من الشرع ولا استحلال محرماته والتنكر لأحكامه، ولا عدم المبالاة به، إلا أن تأويلهم ذلك لم يكن سائغاً، ومع ذلك فقد أطبقت كلمة الصحابة رضوان الله عنهم على قتالهم بعد المناظرة اليسيرة التي جرت بين العُمرين رضي الله عنهما وعلى ذلك مضى قول العلماء الأجلاء، قال شيخ الإسلام -رحمه الله- : [وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمسة، ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة؛ فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتَلون على منعها وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله، وقد حكي عنهم أنهم قالوا إن الله أمر نبيه بأخذ الزكاة بقوله : " خذ من أموالهم صدقة" وقد سقطت بموته](مجموع الفتاوى : 28 / 519).
وقال الإمام ابن كثير –رحمه الله- عند تفسيره للآية المذكورة : [ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون، وإنما كان هذا خاصًا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا احتجوا بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } وقد رَدَّ عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر وسائر الصحابة، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة، كما كانوا يُؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]( تفسير ابن كثير : 4 / 207).
بل قيل إن منهم من امتنع عن دفعها إلى الصديق رضي الله عنه فقط، ومع ذلك فما وجدوا منه إلا السيف إلى أن ردهم إلى الحق الذي شردوا منه وأقامهم على المحجة التي حادوا عنها، قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- : [وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق، وذكر أن منهم من احتج بقوله تعالى : "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" قالوا فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا]( البداية والنهاية : 6 / 311).
بل قيل إن بعضهم جمع زكاته وأراد إرسالها إلى أبي بكر إلا أن رؤساءه منعوه من ذلك، وأخذوها منهم وفرقوها في قومهم وهؤلاء هم الذين وقعت الشبهة لعمر في حقهم كما قال الإمام الخطابي –رحمه الله- : [وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين للزكاة من كان يسمح بالزكاة ولا يمنعها إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك الرأي، وقبضوا على أيديهم في ذلك كبني يربوع، فإنهم قد جمعوا صدقاتهم، وأرادوا أن يبعثوا بها إلى أبي بكر رضي الله عنه، فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك، وفرقها فيهم وفي أمر هؤلاء عرض الخلاف ووقعت الشبهة لعمر رضي الله عنه فراجع أبا بكر رضي الله عنه]( شرح النووي على مسلم : 1 / 91).
فإذا كان هذا هو حكم الله الذي اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم والعلماء تبعٌ لهم في ذلك، وفي حق طائفة تقر بكل شرائع الإسلام وتلتزم القيام بها، إلا شريعة واحدة تركتها بتأويل، فيكف بهذه الطوائف التي لا تقيم للإسلام وزناً، ولا يعنيها أوَافقت أحكامه أم خالفته، وتنكرت لجل شرائعه، وتعمدت ردها ومعارضتها ودفعها، ولم تكتف بمجرد الترك والامتناع -ولو بغير تأويل- بل بادرت بشن حربٍ ضروس على كل من يسعى لإقامة الدين ويجتهد في نشره ويحاول تحكيمه، فشتان بين هؤلاء وأولئك، فإن مانعي الزكاة لم يبدأوا الصديق بقتال، ولم يشنوا الغارة على المدينة، وإنما اكتفوا ابتداء بمنع أدائها ولهذا قال عمر رضي الله عنه [كيف تقاتل الناس]، أما طوائف العصر ومنهم هؤلاء الذين حصدت أرواحهم في الجزائر فهم من أشد الطوائف حرباً للإسلام، وتنكيلاً بأهله، ومطاردة لدعاته، وبغضاً للمؤمنين الموحدين، وتعظيماً وتبجيلاً للكفرة الملحدين، وتعطيلاً لأحكام الدين، واستئصالاً لشرائعه، فلا هم أقاموه ولا تركوا من يقيمه بل ألزموا الناس بالتخلي عنه وقهروهم على الدخول في (دين الملك)، فإذا ذُكِر الحق، وسمِعوا الدعوة إلى الهدى نفروا كالحُمُر، واستنفروا وصعروا خدودهم، وثنوا عطفهم، وإذا ذكر الغرب وحضارته، والكفر وديمقراطيته أقبلوا مبشرين مستبشرين، يمدحون أهله، ويوقرون أربابه، ويبجلون أقطابه، فحالهم كما قال تعالى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر/45]
قال الأستاذ –سيد قطب- رحمه الله عند هذه الآية : [والآية تصف واقعة حال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين كان المشركون يهشون ويبشون إذا ذكرت آلهتهم؛ وينقبضون وينفرون إذا ذكرت كلمة التوحيد. ولكنها تصف حالة نفسية تتكرر في شتى البيئات والأزمان. فمن الناس من تشمئز قلوبهم وتنقبض نفوسهم كلما دعوا إلى الله وحده إلهاً، وإلى شريعة الله وحدها قانوناً، وإلى منهج الله وحده نظاماً. حتى إذا ذكرت المناهج الأرضية والنظم الأرضية والشرائع الأرضية هشوا وبشوا ورحبوا بالحديث، وفتحوا صدورهم للأخذ والرد. هؤلاء هم بعينهم الذين يصور الله نموذجاً منهم في هذه الآية، وهم بذاتهم في كل زمان ومكان. هم الممسوخو الفطرة ، المنحرفو الطبيعة، الضالون المضلون ، مهما تنوعت البيئات والأزمنة، ومهما تنوعت الأجناس والأقوام.]( في ظلال القرآن : 6 / 238).
ولا يبعد حالهم عن حال من قال الله فيهم : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحج/72]
ومع ذلك فمعلومٌ بالاضطرار من حالهم أنهم لا يرتكبون مخازيهم لا بتأويلٍ سائغ ولا غير سائغ وإنما هو ركوب الأهواء، واتباع الشهوات، والتباهي بالانتماء لحضارة الغرب، والركض وراء الدينار والدولار و (الفرنك)، والحرص على الجاه والشهرة والشارات والرتب والمناصب : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[النحل/107].
فبأي تأويل استحلوا الربا وشادوا صروحه وقننوا معاملاته إلا أن تكون حجة أسلافهم الذين : { قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}[البقرة/275]
وبأي تأويل عطلوا حدود الشرع كاملة كحد الزنى، وحد السرقة، وحد الخمر وغيرها، وأقاموا لبعضها عقوبات شكلية بقيود وآصار وإغلال ما أنزل الله بها من سلطان، فهل سمعتم زانياً رجم أو جلد، أو سكيراً حُدَّ، أو سارقاً قطع؟
بل بأي تأويل تبرأوا من شريعة الله تعالى وتنكروا لها، وأقبلوا بعقولهم وقلوبهم وأفكارهم على شرائع الشياطين يدرسونها ويدرِّسونها ويشرعونها ويحكمونها ويفرضونها على الخلق؟
فمن أراد أن يبرأ ساحة هؤلاء المجرمين فهو بين أمرين : إما أن ينكر تلبسهم بهذه الجرائم والمخازي و(النواقض) وأضعاف أضعافها فينادي على نفسه بالعته والسفه، وإما أن يختلق لهم من الأعذار، ويوجد لهم من التأويلات (السائغة) ما يكون حجة لهم في كل ما خالفوا فيه الحق وناقضوا معه الشرع ودون ذلك خرط القتاد بالليل.
فإذا كان هؤلاء هم المسلمين الذين قصدهم الكاتب وفجع لمقتلهم وتباكى على حصدهم، فليقم النوح إذاً على قتلى (مانعي الزكاة)، وليضرب لهم أروقة العزاء والفجيعة فهم أحق بذلك وأولى، إذ هم أقرب إلى عهد النبوة، وفعلوا ما فعلوا بتأويل، والتزموا كل شرائع الإسلام الأخرى، ولم يبدأوا الصديق ومن معه بقتال، ولم يلزموهم بترك شيء من شرائع الإسلام، ولم يقيموا نظاماً طاغوتياً جاهلياً يحكمون به ويتحاكمون إليه، ولم يجندوا أنفسهم لحمايته وصيانته ونشره، ولم يوالوا أعداء الله ويناصروهم على المسلمين، ولم ينشؤوا مسالخ يمزقون فيها أجساد مَن قالوا ربنا الله ثم استقاموا، ولم يتعرضوا للأبرياء والعزل والضعفاء بشن (الحروب القذرة) التي بقرت فيها بطون الحوامل وشويت لحوم الأطفال ورضت رؤوس الشيوخ، ولم يعرِّض أحدٌ منهم بسب الرب فضلاً عن التصريح به وشيوعه بينهم، ومع ذلك فقد أعمل أبو بكر –والصحابة معه – فيهم السيف و(حصدوا) منهم نفوساً كثيرة ، فأين الثرى من الثريا وأين الضريح من الضراح؟!
فتأمل كلام شيخ الإسلام –رحمه الله- وهو يتحدث عن التتار وبعض صفاتهم، وكأنه يصف تتار العصر وهي هذه الطوائف الممتنعة التي حصد منها من حصد في ثكنات الإجرام والردة بالجزائر : [وكل من قفز إليهم من أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمه حكمهم وفيهم من الردة عن شرائع الإسلام بقدر ما ارتد عنه من شرائع الإسلام وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلا للمسلمين مع أنه والعياذ بالله لو استولى هؤلاء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله على أرض الشام ومصر فى مثل هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه]( مجموع الفتاوى : 28 / 531).
فمن أعظم نعم الله تعالى على إخواننا المجاهدين في المغرب الإسلامي أن قيضهم لقتال هذه الطوائف المجرمة، واستعملهم في إحياء سيرة الصديق فيهم، وأجرى على أيديهم سنته التي لا تتخلف، وذلك بالإتيان بقوم من أهل الإيمان كلما نبغت طائفة من أهل الردة والطغيان يقيمهم لقتالهم ويرد بهم عاديتهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة/54]
قال شيخ الإسلام –رحمه الله- : [وما أنزل الله فى القرآن من آية إلا وقد عمل بها قوم وسيعمل بها آخرون، فمن كان من الشاكرين الثابتين على الدين الذين يحبهم الله عز و جل ورسوله، فإنه يجاهد المنقلبين على أعقابهم الذين يخرجون عن الدين ويأخذون بعضه ويدعون بعضه، كحال هؤلاء القوم المجرمين المفسدين الذين خرجوا على أهل الأسلام وتكلم بعضهم بالشهادتين وتسمى بالإسلام من غير التزام شريعته]( مجموع الفتاوى :28 / 413).
وإنا لنرجوا لهم أن يكونوا من الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق من أهل الغرب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : [لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة]رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : [وكل ما يغرب عن الشام من مصر وغيرها فهو داخل فى الغرب]( مجموع الفتاوى : 28 / 532).
***
وبالجملة فإن حكم قتال الطائفة الممتنعة ولو عن شريعة واحدة من شرائع الإسلام الظاهرة متفقٌ عليه بين العلماء، ولا يمنع من قتالهم نطقهم بالشهادتين، ولا التزامهم بشرائع الإسلام الأخرى، فكيف بالطوائف التي امتنعت عن معظم شرائع الإسلام ونبذت كتاب الله وراءها ظهرياً، وجاهرت بحربها على تلك الشرائع، وحرست كل القوانين والنظم والمراسيم التي تصادم شريعة الله وتناقض أحكامه، بل وأجبرت الناس على احترامها والتزامها وتقديسها، ولم تزل تحارب وتنكل بكل من خالفها فتستحل دمه، وماله، وعرضه، وتصب عليه من العذاب ما لا يخطر على بال، فهل هذه الطوائف بهذه الصفات التي علمت من أحوالهم بالاضطرار إلا عدوٌ صائلٌ يفسد الدين والدنيا، وانظر إلى آثارهم على البلاد والعباد لترى مدى الفساد الذي جروه عليهم، فهدموا العقائد، وحطموا الأخلاق، وأهلكوا الاقتصاد، ونهبوا الأموال، ونشروا الظلم، واسبتاحوا المحرمات، وهتكوا أستار الحياء، ونشروا الفاحشة في الذين آمنوا، واتخذوا دينهم لعباً ولهواً، واتخذوا آيات الله هزواً، وحاربوا وأبعدوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وقربوا وأيدوا الذين يتبعون الشهوات ليُميلوا الخلق عن الحق ميلاً عظيماً، وغير ذلك من الفساد العريض والشر المستطير الذي جرّه دين الجاهلية وقننته مؤسساته، وحرسته ودافعت عنه وفرضته أجهزته و(طوائفهم الممتنعة) حتى صار وجه البلاد شاحباً مظلماً من فرط ما فشا فيه من الكفر والفسوق والعصيان، وظهر الفساد في البر والبحر والجو، وحل بها من الفقر والشر والضنك والذلة والمسكنة ما عرفه القاصي والداني، وغدا المرء لا يأمن فيها لا على دينه، ولا نفسه، ولا عرضه، ولا أهله، ولا ماله، فأي شهادتين تلك التي ستعصم طوائف تقترف كل هذه الجرائم والعظائم، وتوقف نفسها لنشرها وفرضها وتشريد من يحاول رفضها، وهل خلقنا لنكون عبيداً لهؤلاء العبيد لا نملك أمامهم إلا الاستكانة والاستسلام والخضوع والمداهنة؟
[فيا معشر العُقلاء! ويا جماعات الأذكياء وأولي النهى!
كيف ترضون أنْ تجري عليكم أحكامُ أمثالكم، وأفكارُ أشباهكم، أو مَن هم دونكم، مِمّن يجوز عليهم الخطأ، بل خطأهم أكثرُ من صوابهم بكثير، بل لا صواب في حُكمهم إلاّ ما هو مُستمدٌّ من حُكم اللهِ ورسولهِ، نصًّا أو استنباطًا؟!!
تَدَعونهم يحكمون في أنفسكم ودمائكم وأبشاركم، وأعراضكم وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم، وفي أموالكم وسائر حقوقكم!! ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحُكم الله ورسوله، الذي لا يتطرّق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد!!
وخُضوع الناس ورضوخهم لحكم ربِّهم خضوعٌ ورضوخٌ لِحُكم مَنْ خلقهم تعالى ليعبدوه.. فكما لا يسجدُ الخلقُ إلاّ للهِ، ولا يعبدونَ إلاّ إياه ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلاّ لحُكم الحكيم العليم الحميد، الرءوف الرحيم، دون حُكم المخلوق، الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوكُ والشهواتُ والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات.
فيجب على العُقلاء أن يربأوا بنفوسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط، والأخطاء، فضلاً عن كونه كفرًا بنصِّ قوله تعالى: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فأُولئكَ هُمُ الكافِرونَ}.](رسالة تحكيم القوانين للعلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله)
وهذا الرفض، وإباء الخضوع لتلك الأحكام، والتحرر من استعبادها، لن تستجلبه المظاهرات ، ولا الإضرابات ، ولا المؤتمرات، ولا المقالات، ولا التنديدات، ولا الاستجداء، ولا التوسل، ولا التسول، ولا إنشاء المنظمات الخيرية، ولا مؤسسات حقوق الإنسان، لأنه تحريرٌ لمجتمعات من ربقة العبودية للعباد، إلى عبادة رب العباد، وذلك لن يكون إلا بمقابلة الشر المسلح بالحق المسلح، وإقامة سوق البذل والتضحية والبطولات، والتنصل من كل علائق الدنيا وعوائقها، ورفع راية الجهاد وخوض معامع الجلاد، وكسر شوكة هؤلاء الفاسدين المفسدين، بدك معاقلهم، ونسف ثكناتهم، وتدمير معسكراتهم، والكمن لقوافلهم، واقتحام مراكزهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله




وكُنْت إذا قَوْمٌ غَزَوْني غَزَوْتُهمٍ ... فهَل أنا في ذا يا لَهَمدان ظـالمُ

مَتَى تَجْمَع القَلْب الذَّكي وصارِماً ... وأَنْفـاً حَميـاً تَجْتَنِبْك المَظَالـم
فلا صُلْحَ حتَّى تُقْرَعَ الخيلُ بالقَنا ... وتُضْرَبَ بالبيضِ الرِّقاق الجَماجمُ


يتبع..

أبو هاشم
10-20-2008, 05:22 PM
قال شيخ الإسلام –رحمه الله وطيب ثراه- : [كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها بإتفاق أئمة المسلمين، وإن تكلمت بالشهادتين فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة، وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان، أو حج البيت العتيق، وكذلك أن امتنعوا عن تحريم الفواحش، أو الزنا، أو الميسر، أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة، وكذلك إن امتنعوا عن الحكم فى الدماء، والأموال، والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة، وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة، واتباع سلف الأمة وأئمتها، مثل أن يظهروا الإلحاد فى أسماء الله وآياته، أو التكذيب بأسماء الله وصفاته، أو التكذيب بقدره وقضائه، أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين، أو الطعن فى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا فى طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور


قال الله تعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ } البقرة193، فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله]( مجموع الفتاوى : 28 / 511).
***
والكلام في هذه المسألة يطول، والأدلة فيها متعددة، وأقوال العلماء كثيرة ولكن ما ننبه عليه هنا، هو أنه لا تلازم ألبتة بين وجوب قتال هذه الطوائف وبين تكفيرها، فالخروج عن شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة والامتناع على ذلك لا يلزم منه تكفير الخارج عنها في كل حال، وعدم تكفير أهلها أيضاً لا يعني أسقاط وجوب قتالهم.
فمانعو الزكاة الذين قاتلهم الصحابة رضوان الله عليهم، ذكر بعض العلماء الخلاف في تكفيرهم، ومع ذلك فكلمتهم متفقة على وجوب قتالهم، ويكفي في ذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم حيث لم يبق بينهم خلافٌ بعد المناظرة اليسيرة بين أبي بكر وعمر، مع التنبيه على أن بعض العلماء قد نقل اتفاق الصحابة على تكفير مانعي الزكاة تماماً كاتفاقهم على قتالهم، والمقصود فقط هنا هو أن الاختلاف في التكفير لا يستلزم الاختلاف في القتال.
والخوارج أيضاً جاءت فيهم الأحاديث الكثيرة التي تحض على قتالهم وترغب فيه وتمدح أهله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ]. متفق عليه.
وعن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة]متفق عليه، والأحاديث في حقهم كثيرة مستفيضة، وقد اتفقت كلمة الصحابة فمن بعدهم على وجوب قتالهم حينما يكونون ممتنعين ذوي شوكة، وأكثر العلماء على عدم تكفيرهم، وقد قاتلهم عليٌّ رضي الله عنه وفرح بقتالهم واستبشر به ومع ذلك فلم يكن يكفرهم فعن الحسن قال : [لما قتل علي رضي الله عنه الحرورية ، قالوا : من هؤلاء يا أمير المؤمنين ؟ أكفارٌ هم ؟ قال : مِن الكفر فروا ، قيل : فمنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا ، وهؤلاء يذكرون الله كثيرا ، قيل : فما هم ؟ قال : قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا.]( مصنف عبد الرزاق : 10/ 150).
قال شيخ الإسلام رحمه الله : [فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال الخوارج قبل أن يقاتلوا ... فقد قال : "النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة"، وقال : "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" وكذلك مانعو الزكاة؛ فإن الصديق والصحابة ابتدأوا قتالهم، وقال الصديق : والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، وهم يقاتلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات، وإن أقروا بالوجوب، ثم تنازع الفقهاء في كفر من منعها وقاتل الإمام عليها، مع إقراره بالوجوب على قولين هما روايتان عن أحمد كالروايتين عنه في تكفير الخوارج]( الفتاوى الكبرى : 4/285).
وقال الشيخ العثيمين -رحمه الله- : [فالحاصل أنه ليس كل من قال لا إله إلا الله فإنه يمنع دمه وماله ولكن لا بد من حق، ولذلك قال العلماء-رحمهم الله- لو أن قرية من القرى تركوا الأذان والإقامة فإنهم لا يكفرون ولكن يقاتلون وتستباح دماؤهم حتى يؤذنوا ويقيموا، مع أن الأذان والإقامة ليسا من أركان الإسلام، لكنها من حقوق الإسلام، قالوا : لو تركوا صلاة العيد مثلا -مع أن صلاة العيد ليست من الفرائض الخمس- لو تركوا صلاة العيد وجب قتالهم، يقاتلون بالسيف والرصاص حتى يصلوا العيد، مع أن صلاة العيد فرض كفاية أو سنة عند بعض العلماء، أو فرض عين على القول الراجح، لكن الكلام على أن القتال قد يجوز مع إسلام المقاتَلين ليذعنوا لشعائر الإسلام الظاهرة](شرح رياض الصالحين : 1/277).
فخلاصة القول وصفوته إذاً :
أولاً : أن هذه الأجهزة التي يستهدفها إخواننا المجاهدون في المغرب الإسلامي، سواء كانت من الجيش، أو الدرك، أو الحرس الوطني، أو الاستخبارات، أو غيرها إنما يتقصدونها باعتبارها طوائف ممتنعة ذات شوكة تحتمي بها في امتناعها عن إقامة أحكام الإسلام وشرائعه الظاهرة المتواترة، وهذا الوصف في حقها وحده كافٍ لمقاتلتها، وهو حكمٌ ثابتٌ بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة.
ولا ينبغي للمجاهدين بحالٍ أن يخالجهم أدنى شك أو تردد أو اضطراب في مشروعية جهادهم ضد هذه الطوائف، وأنهم يقومون بفريضة عظيمة، وشعيرة جليلة، [حتى والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم حاضرين في هذا الزمان لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين]( مجموع الفتاوى : 28 / 421).
كيف والمجاهدون يرون بأم أعينهم امتناع هذه الطوائف امتناعاً حقيقياً وإباءها إباءً متعنتاً عن الاستسلام للدين، ورفضها رفضاً باتاً لشريعة رب العالمين، وفي المقابل عضها بالنواجذ والأضراس، وتشبثها بالأيدي والأرجل على النظام العلماني الجاهلي واستماتتها في ترسيخه والدفاع عنه، فليس يصح في الأذهان شيء متى احتاج النهار إلى دليل، ومن شك في المشاهدات فليس بكامل العقل.
وما أجمل ما قاله الإمام ابن كثير –رحمه الله – وهو يصف الاضطراب الذي داخل النفوس حول قتال التتار بعد تكلمهم بالشهادتين والموقف الصارم لشيخ الإسلام ابن تيمية في هذه القضية : [وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو، فإنهم يظهرون الإسلام وليسوا بغاة على الإمام، فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه.
فقال الشيخ تقي الدين: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية، ورأوا أنهم أحق بالأمر منهما، وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة، فتفطن العلماء والناس لذلك، وكان يقول للناس: إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني، فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم ولله الحمد.](البداية والنهاية : 14/28).
ثانياً :أن هذه الطوائف، لم تكتف بالامتناع عن إقامة أحكام الشرع ورفض الالتزام بشرائعه، بل زادت على ذلك بدءها ومبادرتها وإعلانها للحرب السافرة على كل من يسعى لإقامة الدين، ويطالب بتحكيم شريعة رب العالمين، ويحاول الخروج عن أحكامهم الجاهلية، وتستحل منه كل شيء، فهي بذلك قد أضافت إلى الامتناع (صيالَها) على الدين والأنفس والأموال والأعراض، فصار قتالهم بذلك قتالاً لدفع عدو صائلٍ يقصِد قبل أن يُقصَد، ويعتدي قبل أن يعتدى عليه، : [وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم وبين طلبه في بلاده]( الفتاوى الكبرى : 5 / 537).
ثالثاً : أن قتال هذه الطوائف واستهدافها وتقصُّدها لا يتوقف على القول بتكفيرها، بل يجب قتالهم لكف شرهم، ودفع ضررهم، ومنعهم من الحيلولة دون تحكيم الشرع، وإلزامهم بأحكام الإسلام حتى ولو حُكِم بإسلامهم، فما داموا لم يأتوا (بحق لا إله إلا الله) وأعظمه الالتزام بشريعته فإنهم يقاتَلون سواء حكم بردتهم أم بإسلامهم، ويقصدون في ثكناتهم وتُدَمر عليهم مراكزهم وتنسف كلياتهم ويُغار على أرتالهم وقوافلهم، ومَن زعم من هذه الطوائف أنه مكرهٌ فيقال له (أما ظاهرك فقد كان علينا وأما سريرتك فإلى الله)، ودعوى الإكراه الأصل عدمها، وقد يكون هذا في طائفة معينة كالتجنيد الإجباري، أما أن يكون هؤلاء المجرمون كلهم مكرهين مجبورين فهذا ما يصادم العقل قبل أن ينقضه الواقع، بل هم المُكرِهون المجبِرون، فيك الخصام وأنت الخصم والحكم : [فكيف يجب على المؤمنين المجاهدين أن يميزوا بين المكره وغيره، وهم لا يعلمون ذلك، بل لو ادعى مدع أنه خرج مكرهاً لم ينفعه ذلك بمجرد دعواه، كما روي أن العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه وسلم، لما أسره المسلمون يوم بدر : "يا رسول الله إني كنت مكرهاً" ، فقال : "أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فالى الله"، بل لو كان فيهم قوم صالحون من خيار الناس ولم يمكن قتالهم إلا لبقتل هؤلاء لقتلوا أيضا](مجموع الفتاوى : 28 / 537).
مع التنبيه على أنه سواء قيل بتكفيرهم أم لا فإنه يجري عليهم أحكام الكفار في القتال وغنم الأموال كما قال العلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب –رحمهم الله-: [لا يقال إنه مجرد مجامعة ومساكنة المشرك يكون كافراً، بل المراد أنه من عجز عن الخروج من بين ظهراني المشركين وأخرجوه معهم كرهاً فحكمه حكمهم في القتل وأخذ المال لا في الكفر]
وأكرر هنا أنه ليس مقصدي في هذا الموطن بحث حكم أفراد هذه الطوائف، وهل هم كفارٌ مرتدون أم لا؟ وإنما التأكيد على القول بوجوب قتالهم حتى مع الحكم بإسلامهم ونطقهم بالشهادتين.
وهذه المسألة –أعني قتال أمثال هؤلاء مع نطقهم بالشهادتين وإتيانهم ببعض أركان الإسلام- أكثر الناس بحثاً لها وتفصيلاً فيها ورداً على المشاغبين معها، هم علماء الدعوة النجدية -رحمهم الله-، وذلك لأنهم تعرضوا لعين ما يتعرض له المجاهدون اليوم، ورُموا بما رموا به، من استحلال دماء المسلمين، وتكفير من سواهم، وسلوكهم مسلك الخوارج في ذلك، ومع ذلك صبروا على الحق مع قلة أنصاره، واستمسكوا به مع كثرة المنابذين لهم، وبددوا شبهات الضلال والتضليل التي انهالت عليهم كالسيل الجارف.
حتى أن مثل العلامة ابن عابدين الحنفي –رحمه الله- راجت عليه دعايات المناوئين للشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهل دعوته وعدّهم من الخوارج ونسب لهم ما لم يعتقدوه وما دأبوا على نفيه عن أنفسهم، فانظر إلى قوله –عفا الله عنه- [مطلب في أتباع عبد الوهاب الخوارج في زماننا ... كما وقع في زماننا في أتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم، حتى كسر الله تعالى شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف](حاشية رد المحتار : 4 / 449).
واليوم تحاول حكومة آل سعود وبعض المتعصرنين والمتميعين طي صفحاتهم المشرقة، وجعْلَ كتبهم وأبحاثهم وفتاواهم مجرد (تراث) قد انقضى زمانه ومضى أوانه، ولم تعد في زمن (الإنترنت) ، و(الفضائيات) و(قرية العالم الواحدة) لتساير هذا العصر الذي أصبح محتاجاً إلى نوع جديد من (الفقه الميسّر) بعيداً عن التشنج والتصلب والحدية التي لا تقبل (الآخر) إلى آخر تلك السفاسف التي يراد بها التملص من الدين الحق والتفلت من أحكامه المحكمة ليستمتع الجميع (هم والآخر) في مراتع الضلال من غير رقيب ولا حسيب، وصدق الله : {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ}[المؤمنون/71]
رابعاً : أن المجاهدين في المغرب الإسلامي –سددهم الله- طالما دعوا أصحاب هذه الطوائف إلى التوبة، والرجوع إلى الحق، والإقلاع عما هم فيه من الباطل والضلال والكفر، وأن عبادتهم الله خيرٌ من عبادتهم لأسيادهم وأرباربهم الذين لن يغنوا عنهم من الله شيئاً، وما زالوا يعيدون ذلك ويكررونه وبؤكدونه ويحثون عليه ولا يملونه، ولا يزداد هؤلاء المتعنتون (الممتنعون) عن الشرائع إلا إصراراً واستكباراً وعتواً وعلواً وتمادياً في غلوائهم وإيغالاً في حربهم لأهل الحق.
فالمجاهدون –سددهم الله- بجانب السيوف وكؤوس الحتوف قد فتحوا لهؤلاء أبواب العفو والصفح لمن كف يده واعتزل طائفته، وضرب في أرض الله الواسعة، فبعد هذا كله مَن تشبث بشره واسترسل في إفساده وارتضى أن يكون جندياً محضراً للطغاة الفراعنة المتفرنسين لا يلومنَّ إلا نفسه، ولن يغني عنه أبو تفليقة ولا جنرالاته من الله شيئاً { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب/66-68].
فكان على صاحب المقال الطائش أن ينصح هؤلاء الجنود بالتوبة الصادقة مع الله، ويذكرهم بسوء عاقبة أفعالهم، ويرشدهم إلى أن لا يكون أحدهم [عريفاً، ولا شرطياً، ولا جابياً، ولا خازناً] لهذا النظام المرتد الفاسد المفسد، أما أن يلقي باللوم على المجاهدين، ويستخف بأفعالهم ويزدري تضحياتهم، ويقلب الحقائق فيجعلهم هم الجناة المجرمين القتلة، فهذا غشٌ لا يرضاه إلا من جهل أو عاند.
خامساً : أن المجاهدين في الجزائر وفي كل مكان قد قالوا مراراً وصرخوا في الآفاق بما يُسمع الأصم، وأعلنوها صريحة واضحة : أن كل الشعوب المحكومة من قِبل أنظمة الردة والطغيان –بما فيها الشعب الجزائري- الأصلُ فيها الإسلام وبقاؤها عليه، فالمجاهدون يعدون أنفسهم جزءاً من هذه الشعوب المسلمة المقهورة المظلومة، لا يتميزون عنها في شيء إلا في سعيهم لإقامة عبادة الجهاد وتحريض المسلمين عليها ودفعهم إليها، وأنهم ما قاموا ليسفكوا دماء إخوانهم، ولا ليأكلوا أموالهم، ولا ليجلدوا ظهورهم، ولا ليستحلوا محارمهم، ولا ليخربوا ديارهم أو يدمروا أملاكهم، فهم يحفظون ويلتزمون قول النبي صلى الله عليه وسلم [كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه.]رواه مسلم.
وإنما انتفضوا من أجل تحرير هذه الشعوب المسلمة من ربقة التعبيد التي يفرضها عليهم فراعنة العصر، ولينقذوهم من ضنك قوانين الكفر وأنظمة الإلحاد والإفساد إلى رحمة الإسلام وسعة أحكامه، وكل من نسب غير ذلك إلى المجاهدين فهو كاذبٌ كاذبٌ كاذبٌ، وشغبه لن يضر المجاهدين : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور/11]
فقد جاء في ميثاق (الجماعة السلفية للدعوة والجهاد بالجزائر)، وهو مكتوبٌ قبل أن ينضموا إلى إخوانهم في تنظيم قاعدة الجهاد بسنوات : [السّابع عشر: والأصل في أمّتنا الإسلام فالمسلم معصوم الدّم و المال و العرض حيثما كان و أينما وجد إلاّ إذا أتى بما يقتضي إحلال الدّم و المال.
الثّامن عشر: و المجاهدون السّلفيون جزء من الشّعب المسلم و إخوان لهم في الدّين .
التّاسع عشر: و المعتدون على الشّعب شيوخه و نسائه و أولاده هم الطّواغيت ، المخابرات السّرّية ، و ذلك لتشويه صورة المجاهدين و التّشكيك في الجهاد ، و شاركهم في هذا الفساد أولئك الضّالّون من جماعة التّكفير والهجرة الذين يضاهون الخوارج المارقين ، و نحن المجاهدين نبرأ إلى الله تعالى من هذا الفساد]
سادساً : فلا وجه إذاً لما شنع به الكاتب بقلمه الطائش حينما قال : [فجع المسلمون في العالم بأنباء المجازر الرعيبة التي ينفذها القتلة في الجزائر والذين حصدوا أرواح أكثر من سبعين مسلماً وجرحوا العديد غيرهم خلال عمليات متزامنة جرت هذا الأسبوع، لا حاجة بنا أن ننتظر لنعرف من يتبنى مسؤولية هذه الجريمة]، إذا علمنا أن هؤلاء (السبعين مسلماً) الذين حصدتهم عمليات (القتلة) هم من هذه الطوائف الممتنعة، فحديثنا ليس عن ردتها أو إسلامها، وإنما عن مشروعية قتالها من عدمه.
سابعاً : ليس هناك في القاموس الإسلامي، والمصطلح الشرعي شيءٌ اسمه (عدوٌ خارجيٌّ) يحض الناس على قتاله ويحرضون على النفير إليه ويمدح القائمون عليه وآخر اسمه (عدوٌ داخلي) تعقد معه مؤتمرات المصالحة الوطنية، وتوحد معه الجبهة الداخلية، ويحاور لمواجهة التحديات الخارجية، ومن ثَم يُشدد على من استنفر لقتال هذا (العدو الداخلي)، وينبز بأقبح الألفاظ، ويوصف بأشنع الأوصاف، وتطلق في حقه أقسى الأحكام وأفظها وأغلظها، مع أنه في كثير من الأحيان يعد أكثر إفساداً، وأشد وبالاً، وأعظم تنكيلاً، وأكبر عداوةً من العدو الخارجي كما هي حال المرتدين في كل زمان ومكان ولا يغرنك بعد ذلك ضخامة أجسامهم ولا حسن كلامهم –لمن يحسن منهم الكلام- ولا كثرة أموالهم فأمرهم كما قال الله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون/4]
إذاً فكل هذه التقسيمات والمصطلحات ليست مبنية على أسس شرعية، وقواعد مطردة محكمة، وإنما هو الاستجابة لتأثير الدعوات القومية، والانسياق وراء الترقيعات السياسية، ومحاولة التفلت من التكاليف الشرعية الشاقة المترتبة على التزايل، وإعلان المفاصلة، وتمييز سبيل المؤمنين عن سبيل المجرمين.
لا سيما أن التداخل اليوم بين العدوين (الداخلي والخارجي) تداخلٌ لا يمكن معه الفصل، فمخططات العدو الخارجي وتنفيذ مآربه وفرض سياساته لا تتم إلا عبر قنطرة أنظمة الردة وجيوشها وقواتها واستخباراتها، والتي تمثل (العدو الداخلي)، كما أن هذا الأخير لا قيام له ولا شرعية ولا استمرار ولا تمكّن إلا بدعم وتأييد واعتراف العدو الخارجي، وإنكار هذه الحقيقة مكابرة ظاهرة ومعاندة سافرة.
ففرنسا قد احتلت الجزائر أكثر من مائة وثلاثين عاماً، وقدم الشعب الجزائري المسلم من التضحيات الملايين من الشهداء، والجرحى، والمهجرين، والأسرى، والأرامل، والأيتام، وتحمل دمار المدن، والقرى، ومع ذلك فقد وقف الشعب الجزائري المسلم من أجل طرد (العدو الخارجي) المحتل وقفة واحدة إلا من شذ من العملاء الساقطين الذين لا تخلو منهم ساحة من ساحات الجهاد فطحنتهم عجلة الجهاد التي كانت تشق طريقها بصعوبة وثبات في آن واحد حتى ألقوا في مزبلة التاريخ.
وقد جاءت فرنسا بمشاريعها الاستعمارية لتمسخ الهوية الإسلامية، وتمسح الشخصة العربية للجزائر، ولتكون الجزائر بقرة حلوبا تدر عليها بلا انقطاع من غازها ونفطها ومكنوزاتها، فلما رأت أن هذه المطامح والمطامع لن تتحقق بوجودها السافر وعدوانها المعلن لجأت إلى إقامة الوكلاء والعملاء ممن ظاهرهم الرحمة وباطنهم العذاب، الذين تشبعوا بثقافتها، وتربوا على الولاء لها، وربطوا مصيرهم بها، فأصاب الشعب الجزائري المسلم سكونٌ مؤقت وهو يظن أنه قد استلم جائزة تضحياته و(تحرر) من ربقة الاستعمار على أيدي (جبهة التحرير) وما أن هدأت العاصفة قليلاً، وفاق الناس من نشوة الانتصار الموهوم، واستراحوا من أعباء أكثر من قرن وربع من العناء والبلاء والشدة والمحنة حتى بدأوا يكتشفون الحقيقة المهولة ويدركون أبعاد المؤامرة الرهيبة التي نسجت خيوطها بعناية ودراية، وأحكمت خططها بكيد شيطاني دقيق، وعرفوا أن الذي خرج من الجزائر ليست فرنسا وإنما شبحها، وأن جميع مشاريعها الاستعمارية تشق طريقها للغاية التي قطعت لأجلها البحر والقفر بجيوشها وقواتها وعتادها، وقد تولى رهط (الجنرالات) –الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون - قيادة البلاد والسير بها على نفس خطوات أمِّهم وصاحبة الفضل عليهم، فأصبحت السياسات الفرنسية تدار بأيدي جزائرية، ومشاريع (العدو الخارجي) تنفذ برجالات (العدو الداخلي)، فلئن كان فرانسو ميتران، وجاك شيراك، وسركوزي، مقيمين في فرنسا، فإن الشاذلي، وزروال، وبو تفليقة وجنرالاتهم الأخفياء هم شبحهم الذي يقيم في الجزائر، وتتردد عن طريقهم أصداء دعواتهم حتى أدخلوا البلاد في دوامة مظلمة من الضياع العقائدي، والانحلال الأخلاقي، والتفكك الاجتماعي، والتخبط السياسي، والفساد الاقتصادي، وصارت تبعية الدولة الجزائرية وارتباط مصيرها بفرنسا أكثر مما كانت عليه إبان الاحتلال المعلن، ولهذا فإن أفضل ما يمكن أن يوصف به الحال في الجزائر وسائر الدول العربية بأنه (احتلال مقنَّع) أو (احتلال مقنن)، بمعنى أن مداهمة البلدان من قبل كان يقع سافراً معلناً واستعماراً همجياً وحشياً مفضوحاً، فلما عجزوا عن بلوغ أهدافهم بهذه الطريقة التي تستنفر الشعوب وتدفعها للتضحية بكل ما تملك لجأوا إلى إقامة العملاء وتجهيز الوكلاء ليقوموا بكل ما رامه الاستعمار كاملاً غير منقوص ولكن ببشرة سمراء، وأسماء عربية، ولو استدعى الأمر فبشعارات إسلامية، فالغرب الكافر لديه هدفان سيستميت في تحقيقهما، أولهما منع إقامة دولة إٍسلامية في أي بقعة من بقاع الأرض، وثانيهما استمرار تدفق خيرات بلاد المسلمين عليهم بلا انقطاع ولا نزاع، وقد تكفلت أنظمة الردة بتحقيق هذين الهدفين بكل وسيلة وحيلة، فجوّعت شعوبها وأفقرتهم حتى تشبع شعوب الغرب وتستغني، وألقت إليها بالفتات مع المنّ والأذى، وتذكيرهم بفضلها عليهم ليلاً ونهاراً، وسحقت كل محاولة لإقامة دولة إسلامية –سواء بطريقة سلمية أم عسكرية- ومزقت الدعاة لذلك كل ممزق، وخير مثال على هذه الحقائق هي الجزائر التي هي حديثة عهد بالوعي الشعبي العام المطالب بدولة إسلامية، فلما رأى جنرالات فرنسا أن الأمر جدٌّ وليس بالهزل كفروا بديمقراطيتهم، وتنكروا لدستورهم، واستنفروا (طوائفهم) من جيش، وشرطة، ودرك، واستخبارات، وتنادوا يوصي بعضهم بعضاً : {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص/6، 7]، فلم يحتج الأمر عندها إلى دخول (العدو الخارجي) ، لأن أولياءه وأنصاره وعملاءه من (العدو الداخلي) قد قاموا بالواجب وزيادة، فما أحراهم بقول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد/25، 26]، وهؤلاء قالوا للذين كفروا سنطيعكم في كل الأمر، ولسان حالهم ومقالهم ينادي : نحن معكم في منع إقامة دولة للإسلام، ومعكم في محاربته ومحاربة أهله، ومعكم في إفقار شعوبنا لتنعم شعوبكم، ومعكم في فتح سيول الإفساد الإعلامي، ومعكم في علمنة الدولة ولا دينيتها، ومعكم في احترام الشرعية الدولية، ومعكم في الالتزام بقرارت مجلس الأمن، إلى آخر قائمة المعية المطلقة التي أعلنها (العدو الداخلي) الذي سعى في الأرض ليفسد فيها وأهلك الحرث والنسل.
فعندما يتهم الكاتب المجاهدين بأنهم يحاولون (استدراج) العدو الخارجي من أجل احتلال بقعة جديدة من بقاع المسلمين، فهذا يدل على أنه بعيدٌ كل البعد عن فهم حقيقة هذه الحكومات وطبيعة هذه الأنظمة التي تقوم بما يقوم به أسيادها الخارجيون وزيادة، والعدو الخارجي ليس في حاجة إلى أن يغامر بنفسه ويخاطر بجنوده ما دامت هذه الحكومات المرتدة و(طوائفها) قد كفتهم مسألة التصدي للمجاهدين وقامت بواجبها المأمورة به من طرفهم خير قيام، فإذاً محاولة الفصل بين العدو الخارجي والعدو الداخلي في الاشتراك والاتفاق الدائم والمستمر على حرب الإسلام والمسلمين هو مناقضة للواقع وإغفال للحقيقة وتجاهل للأحداث الظاهرة التي تزيد هذا الأمر تأكيداً
فأولاً : ليس من سياسة المجاهدين لا في الجزائر ولا في غيرها نظرية (الاستدراج) التي طرحها الكاتب قائلاً : [فإن كان هؤلاء ممن يرعوِ؛ فدونه ما يوقظه، وإن كان خياره في "استدراج" الاحتلال إلى بقعة أخرى غالية من بلاد المسلمين؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل.]
ثانياً : أن المجاهدين لا يفرقون من حيث أصل حكم القتال بين العدو الخارجي والعدو الداخلي، بل إن المعهود في الشرع، والمعروف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو البدء بالعدو القريب الذي يلينا والذي يمثله في هذا العصر أنظمة الردة والعمالة والوكالة كما قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[التوبة/123]
إلا أن هذا لا يمنع من البدء بالأبعد في بعض الظروف والحالات إما لجلب مصلحة ظاهرة أو دفع مفسدة بينة كما هو معروف في كتب الفقه كما قال الإمام الشافعي –رحمه الله- : [ فإن اختلف حال العدو فكان بعضهم أنكى من بعض، أو أخوف من بعض، فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف أو الأنكى، ولا بأس أن يفعل وإن كانت داره أبعد إن شاء الله تعالى؛ حتى ما يخاف ممن بدأ به مما لا يخاف من غيره مثله، وتكون هذه بمنزلة ضرورة لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها]( الأم : 4 / 177).
ثالثاً : إننا مطالَبون بواجب شرعي، والسعي لتنفيذه ألا وهو إقام دولة للإسلام، فالواجب على المسلمين أن يجتهدوا وأن يبذلوا كل ما في وسعهم لتحقيق هذا الواجب العظيم، ولا يمنعنّهم من ذلك هاجس الخشية من مداهمة العدو للحيلولة دون ذلك، لأن هذا الهاجس أو الخوف لن ينقطع أبداً، وهذه الحقيقة كما أوضحها القرآن في قوله تعالى : {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة/217]، فإن الواقع شاهدُ صدق على ذلك، وأقرب مثال على هذه الحقيقة هو ما حصل في الصومال، إذ أن المسلمين هناك بقوا ما يقارب خمسة عشر عاماً بغير نظامٍ يحكمهم والاقتتال بدوافعه المختلفة على أشده، وقد حاول الغرب أول الأمر أن يستغل ظروف التشتت والتمزق لصالحه ليوجد لنفسه موطأ قدمٍ في تلك البقعة المهمة ولكن ما لبث أن جر أذيال الهزيمة بعد أن تصدى له أهل الصدق والإيمان، فبقي الحال بعدها بلا راعٍ ولا رادعٍ حتى قيض الله أهل الإسلام وبسطوا سلطانهم ونشروا عدلهم وأمِن الناس وسكنت النفوس وحلّت الرحمة بعد العذاب، والسعة بعد الضيق، ولم يكن ذلك بخروج هؤلاء المجاهدين على (نظام حكمٍ) مركزي ذي قيمة، وإنما خروج على أوضاع فاسدة، وتشتت مقيت، واقتتال مُهلِك، وإجرامٍ مستحكم، وانفلات ممزِّق، فوفقهم الله حتى أقاموا العوج، وقطعوا اللجج، وفتحوا الرَّتَج، واستأصلوا شأفة الفساد، وجمعوا الكلمة، فعندها ثارت ثائرة الغرب الصليبي الكافر : {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل/49]، فاستنفروا عملاءهم الأقربين ببدء الحملة، والهجوم السافر المفضوح من أجل إسقاط تلك الحكومة الإسلامية الوليدة، ومن أجل ذلك داسوا على حرمة القوانين الدولية، ونبذوا دعاوى احترام شرعيتها، وصفق العالم كله لذلك الاحتلال الخارجي، وأصبغت عليه الشرعية، فقط لأنه (ضد إقامة دولة إسلامية).
فهل كان على المجاهدين أن يكفوا عن السعي لإقامة الدولة، وتأمين الشعب، وقطع الشغب، لتوقّعهم دخول القوات الأثيوبية النصرانية واحتلالها للصومال؟!، أم أنهم أدوا ما عليهم وبذلوا ما في طاقتهم وهم بذلك مأجورون إن شاء الله، وممدوحون على اجتهادهم : {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران/139، 140]
ولكن ليعلم الكاتب أن العدو الخارجي حينما يقرر الدخول والمداهمة لأيٍ من بلدان المسلمين، فليس في حاجة إلى أن يبحث له عن المسوغات المقنعة، ولا أحسب أن الكاتب يجهل أن جارتهم العراق قد داهمها العدو الصليبي بجحافله الجرارة بغير (استدراج) من المجاهدين، لا بحسب الواقع ولا بحسب المزاعم، لأن النظام البعثي كان من أشرس الأنظمة على الإسلام ككل لا على المجاهدين فقط، ومع ذلك فحينما حل هذا العدو الغاشم بالعقر وبلغت القلوب الحناجر لم يقف في وجهه وقفة الصدق ويتصدَّ له تصدي الرجال الأبطال إلا ثلة من المجاهدين الذين أخزى الله العدو على أيديهم وحالوا بينهم وبين ما يشتهون، وهذا يعني أن المجاهدين –وهم جزء من الأمة الإسلامية – أهلٌ وكفءٌ لمقاتلة العدو الداخلي العميل، والعدو الخارجي النزيل، وليسوا ممن يجعل الجهاد عضين، ولا ممن يشقق الأمور ويفصِّلها بحسب ما تهوى الأنفس.
وهل احتاج زحف عشرات الآلاف من الصليبين على جزيرة العرب ونصبهم لقواعدهم فيها، ونشرهم لقواتهم عليها، وانتشارهم في مشارقها ومغاربها، هل احتاج إلى (استدراج) من قبل المجاهدين، أم كفى فيه (عمالة ونذالة) طغاة آل سعود الذين مهدوا لهم الطريق، وهيئوا لهم الأسباب، وبنوا لاستقبالهم المدن، حتى قال الدكتور سفر الحوالي –شفاه الله وغفر له- :[وبالفعل أنشئت قواعد عسكرية لا نظير لها في أكثر دول العالم، وفوجئ الأمريكيون عند نزولهم فيها بتطورها واستيعابها ومضاهاتها لأكبر القواعد في بلادهم، والمؤلم أن أحد خبراء البنتاجون قال :" يجب أن تكون هذه القواعد مناسبة لنزول قواتنا وأنه ينظر إليها كقواعد أمريكية لأننا سننزل فيها إن بطلب من السعودية وإن بغير طلب](كشف الغمة : 12).
ومع ذلك فقد وظفت حكومة آل سعود لتقبّل "المحتلين" المؤسسات من دينية وغيرها، حتى كانت الفاجعة ووقعت الواقعة، ودخلت سنوات التيه، وما زال الكثير من المخدَّرين بالإعلام والأوهام يجادلون في أن جزيرة العرب واقعة تحت قبضة النصارى الصليبيين من الأمريكان وحلفائهم، ويشككون في كون (ولي الأمر) عبداً مأموراً وإن منَّ عليه أسياده أحياناً بصفة (الصديق أو الحليف).
فعلى هذا الكاتب الذي امتلك الشجاعة في نقده للمجاهدين في أمرٍ أحسن أحواله أنه (متوقّع) وليس بواقع أعني مسألة الاحتلال بسبب جهادهم، عليه أن يمتلك الشجاعة والجرأة التي يعترف فيها ويعرِّف معها المسلمين بأن "بلاد الحرمين" تقع الآن تحت الاحتلال الصليبي، وأن الجيوش الأمريكية تسرح وتمرح، وتطير وتهبط وتسبح، وأن هناك مساحات شاسعة من تلك الأراضي قد اقتطعتها لعسكرها وأقامت فوقها قواعدها، وجعلتها حرماً لها وحمىً لقواتها لا يلجها إلا من تشاء، ومع ذلك فهذه "المقتطعات" أو "المستوطنات" الصليبيية العسكرية، تنطلق منها طائرات الدمار والخراب والموت لتصب حممها على شعوب المسلمين ومدنهم وقراهم، وترجع سالمة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من خزائن طغاة آل سعود.
ولذلك فإني أقول إن من أعظم حسنات المجاهدين في جزيرة العرب –على قلتهم وقصر مدة ظهورهم – هو تعريف الناس بهذه الحقيقة التي يحاول آل سعود دفنها بكل وسيلة وتعمية الناس وتضليلهم عنها بكل سبيل، فهؤلاء المجاهدون قد كشفوا –من خلال عملياتهم- التحالف التام، والتطابق الكامل بين مساعي "العدو الخارجي" وعملائهم من "العدو الداخلي" وأن محاولة الفصل بينهما والتكلف في إحسان الظن بهؤلاء العملاء المجرمين إنما هو ضربٌ من العبث، وحيدةٌ عن الطريق الذي لا بد من سلوكه في مواجهة حلف الباطل، فجزيرة العرب "المحتلة" لن يحررها مؤتمرات الحوارات الوطنية، ولا خزعبلات توحيد الجبهة الداخلية التي تضم غرْسَ الكفرة من العملاء والخبثاء والانحلاليين والليبراليين ما لا يحصيه إلا الله.
خامساً : أن هذا مما يبين عمالة هذه الأنظمة، وحرص (العدو الخارجي) على بقائها، لأنه يقوم من خلالها بتنفيذ مخططاته وتحصيل مآربه، فما دام قيام المجاهدين عليها، وانتهاضهم لقتالها، يستنفر الكفرة من الأمم الأخرى إلى معونتها ودعمها، والوقوف بجانبها بجيشها واحتلال البلاد لأجل حمايتها فهذا يعني أن الجهاد هو من أعظم ما يكشف حقيقة هذه الحكومات، ويفضح عمالتها على رؤوس الأشهاد، ويبين واقعها للناس، وأنها لا تعدو أن تكون (وكيلاً داخلياً) متفرغاً لإيجاد مصالح (السيد الخارجي) ، قال الله تعالى : {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأنفال/37]
ونحن نعلم أن الغرب الكافر لن يرضى بإقامة دولة إسلامية بأي حال من الأحوال، وسيبذل قصارى جهده لمنعها، وهذه المدافعة الغربية الكافرة لن تنتهي ولن تنقطع، فإذاً إلى متى نبقى متوقفين عن السعي لأداء هذا الواجب – أعني أقامة دولة الإسلام- متخوفين من تدخل الغرب في أرضنا ومتهيبين من احتلالهم لديارنا، مع أن الواقع يشهد ويقطع بأنها محتلة ثم لا يهمنا ممن؟!!
وبعد ..فإن ما كتبه صاحب القلم الطائش في مقاله أو بيانه كان أهون من أن يحتاج إلى هذا التطويل والاسترسال، لأنه منقوض بالواقع والشواهد قبل أن يفند بالكلام والأبحاث والردود، ولكن رغبة في الخير وطمعاً في الأجر كتبتُ ما كتبت، مع أن تشنيعه وتجديعه في مقاله لم يقتصر على الأمور التي تناولتها هنا، وأخطرها فيما أرى رميه إخواننا المجاهدين بالخارجية وعدم شفاعة الأيمان المغلظة لهم في تبرئتهم من هذه التهمة حيث يقول : [كما لا حاجة لنا أن يقسم ألف مرة بأنه ليس من الخوارج ولا على دينهم وعقيدتهم إن كان يرتكب الجرائم تترى، ويسفك دماء المسلمين بحجج واهيات لا تقف أبداً أمام الأدلة الشرعية وإدانة جماهير العلماء لأفعالهم المنكرة الأثيمة، إذا كان يشاطرهم المشهد.]
فإنني أخشى أن يكون هذا "إيعازاً" من كاتب المقال لحكومة الردة في أن تشتد في سعيها لاستئصال شأفة "الخوارج" والذين من صفاتهم أنهم "يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان" ، والذين حث النبي صلى الله عليه وسلم على قتالهم بقوله " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" ، وقال "فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة" ، لا سيما والكاتب قد ذكر من صفات إخواننا المجاهدين أنهم [اغتروا بما يحفظونه ولا يعونه تماماً مثلما كان يفعل أجدادهم في العصور الماضيات]، ولعله يشير إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق الخوارج : [يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم].


وهذا نظير ما تفعله حكومة الردة في "بلاد الحرمين" والتي لم تستطع أن تتهم المجاهدين هناك بالخارجية الصريحة، فاختلقت لهم اسم "الفئة الضالة" ورمتهم به واستحلت به دماءهم وأعراضهم، وهو وصف مطاطي لا حدود له، ولا ضابط، ولا تعريف، إلا ما تراه وزارة داخلية آل سعود والله للجميع بالمرصاد :{ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل/50-53]



وآخر دعوانا آن الحمد الله رب العالمين
وكتبه / أبو يحيى الليبي
الأثنين 22/رمضان/1429هـ


وتقبلوا تحيات
أخوانكم في
مركزالفجر للإعلام