تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حاصَروا أهل الأرض، فحاصَرهم ربُّ السماء



عبد الله بوراي
10-18-2008, 06:19 PM
هكذا أَسْمَوْها: "أزمة الغذاء العالمي"، أما أسبابها: فيرى عددٌ منَ المُحَلِّلينَ السِّياسِيينَ: أن ارتفاع أسعار الغذاء كان إجراءً عقابيًّا من الدول الغنية المنتجة للمواد الغذائية، ضد الدول المصدرة للنفط، وأغلبها من دول العالم الثالث.

الإجراءاتُ العقابيَّة ليستْ أمرًا جديدًا، وتَتَّخذ صُوَرًا مُتنوعة، فعندما سَعَتْ مصر وغيرها منَ الدول المُستورِدة للقمح لاستيراده من دول أوروبا الشرقية عام 2003م؛ لكونه أجود وأرخص سعرًا - سارَعَتِ الولايات المتحدة الأمريكية بقَطْع الطريق، وقامتْ بِشِرَاء فائض إنتاج دول أوروبا الشرقية منَ القَمْح، على الرَّغْم مِن عدم حاجتها إليه - فهيَ مِن أكبر مُصَدِّري القَمْح في العالَم - فكانتِ النَّتيجةُ زيادة أسعار القمح في السوق العالمي مِن 95 دولارًا للطِّنِّ، إلى نحو 175 دولارًا.

مُنَظَّمة الأغذية والزِّراعة للأمم المتحدة (فاو)، وصفت وضع مخزون القمح بـ"المُقْلق"، وأشارتْ في تقريرها الأخير إلى ارتفاع أسعار الذُّرة، مقارنة بمستوياتها المسجلة العام الماضي، بسبب الطَّلَب المتواصل للوقود الحيوي الذي يتطلب إنتاجُه الذرةَ في الوقت الذي يتزايد فيه استهلاك الذرة ببعض الدول النامية، لم تكن تلك التحذيرات كفيلة لكبح جماح القوم.

الطرق الإجرامية:
ولعله يكفينا أن نستمع لـ " جان زيجلر"، المقرر الخاص المَعْنِي بحقِّ الغذاء في الأمم المتحدة، وهو يشُنُّ هُجُومًا حادًّا على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ بسبب استخدامهما الحبوب لإنتاج الوقود الحيوي، مما ساهَمَ في ارتفاع أسعار الغذاء العالميَّة، ووصفهما بأنهما قد سلكا طريقًا إجراميًّا.

تلك الطُّرُق الإجراميَّة ليست جديدةً على القوم، ولم تقتصرْ تلك الطُّرُق الإجراميَّة على جانب الأمن الغذائي؛ بلِ امتدتْ لجوانب أخرى في العالم.

لقد تَكَفَّلَ الله - عز وجل - بالرِّزق؛ فهو - سبحانه - خَلَقَ السَّماوات والأرض: { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10]، وقال - تعالى -: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]، فهو مُتَكَفِّل بأرزاق المخلوقات كلِّها؛ صغيرِها وكبيرِها؛ بَحريِّها وبَرِّيِّها، لا يُمْكِن لأحدٍ أن يحارب الناس في أرزاقهم، وينجو من العقاب.

المُبادَرَة الاقتصاديَّة الإسلاميَّة:
سرعان ما اشتعلتْ أزمة جديدة؛ لكنها اليوم ليستْ في الدول النامية أو الفقيرة، وليست "ثورة الجياع"، بل "سقوط الأثرياء" في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، عرفت بـ"أزمة الرهن العقاري"، التي لا تزال توابعُها مستمرة، وحتى الآن أعلن أكثر من عشرة مصارف أمريكية إفلاسها، بينها مصرف "ليمان برذرز"، الذي سَجَّلَ أكبر عملية إفلاس في التاريخ الأمريكي، تداعى القوم لاجتماع في باريس يضم زعماء فرنسا وألمانيا وإيطاليا، إضافةً إلى محافظ البنك الأوروبي ورئيس المفوضيَّة الأوروبية لبحث الأزمة.

والسُّؤال:
هل سيخرج القوم بِحُلُول عمليَّة؟

أليس بمقدور المؤسسات والمصارف الإسلامية أن تُقَدِّمَ للعالَم حُلُولاً عمليَّة لتلك المشاكل والأزمات؟

أليستِ الفرصةُ سانحة لِنَعْرِضَ ما لدينا في الاقتصاد الإسلامي؟

ألا يمكِنُنا أن نُترجمَ للحيارى أحاديث الصادق المصدوق المتعلقة بالمعاملات الماليَّة والبيوع؟ كالنهي عنِ الربا - سبب مشاكلهم الاقتصادية - أو الحثّ على إنظار المُعسر، وغيرها الكثير؛ ليعلم القوم عظمة الشريعة الإسلامية.

مَن زرع الشوك:
وأخيرًا؛ هل لنا أن نتذكرَ ما كتبه "غاري يونغ" في صحيفة الغارديان يوم 11/07/2005م، بعد تفجيرات لندن: "نحن لا نَحْتَكِر الأَلَم، أو المُعَانَاة، أو الغَضَب، أو التصميم، ودماؤنا ليستْ أشد احمرارًا من دماء العراقيينَ والأفغان، ولا عظامنا أشد صلابة من عظامهم، ولا أعيننا أجود بالدموع من أعينهم"، وأضاف يونغ: "إن توني بلير ليس مسؤولاً عن مقتل 50 شخصًا، وجرح 700 شخص يوم الخميس، وإنما الجهاديون هم المسؤولون عن ذلك على الرَّاجح؛ لكن بلير مسؤول جزئيًّا عن مقتل 100.000 شخص في العراق".

فمشهد العراقيين وهم يقتحمون الوزارات والدوائر الحكومية ببغداد، تَكَّرَر في الولايات المتحدة بشكل جزئي، عندما ضرب إعصار كاترينا 2005 م مدينة " نيو أورلينز" الأمريكية، لتشتعل عمليات السَّلب والنَّهب للمَتَاجر والأسواق بالمدينة؛ لتعود بنا الذاكرة إلى انقطاع الكهرباء في مدينة نيويورك في بداية الثمانينيَّات من القرن العشرين؛ لتندلعَ أعمال السَّرقة والنَّهب والإفساد؛ لتكشفَ لنا الظلماء ما لا تكشفه لنا الأنوار عن حقيقة وقسوة ذلك المجتمع، وإن كان ما جرى في بغداد ردة فعل على سقوط نظام "ديكتاتوري"، فإنَّ ما جرى في نيويورك كان مجرد انقطاع للكهرباء، ولا أحد يدري ما الذي سيجري في الولايات المتحدة مع استمرار الأزمة الماليَّة.

لم تترك الولايات المتحدة مساحة في قلوب الناس للشَّفَقة عليها؛ بل زَرَعتِ الموتَ، وأشعلتِ الحروب، وأشعلتِ الطائفيَّة والفُرقة، وسقت شجرة الغرقد في المنطقة، وزودتها بكل ما تملك، وحاربتِ الإسلامَ باسْمِ مُكَافَحة الإرهاب، ودَعَتِ الدُّنيا كلها إلى منع الماعون بِمُحاربتها للعمل الخيري بكافَّة صورِه؛ بحجة تجفيف المنابع، وساهَمَتْ وبِشَكْلٍ مباشر وغير مباشر في حصار قطاع غزة بلا رحمة، وهذه نماذج من أفعالها.

لن ينجوَ القوم بأفعالهم هذه، وليستْ أزمة الرهن العقاري سوى مسٍّ مما يستحقه القوم؛ قال - تعالى -: { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [الرعد: 31]، أليسَ الله بأحكم الحاكمين؟

* من موقع الألوكة
بقلم
زياد بن عابد المشوخي

أبو طه
10-18-2008, 06:33 PM
وما ربك بغافل عما يعملون

عبد الله بوراي
11-07-2008, 04:37 AM
إن الله سبحانه يسمع ويرى ويرصد خلقه فيما يعملون وفق ميزان دقيق لا يخطئ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَد

{ واللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وهُوَ سَرِيعُ الحِسَابِ} (الرعد: ...