تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحدُّ الفاصلُ بينَ الإيمان ِوالكفر



النصر قادم
10-16-2008, 10:21 PM
الحدُّ الفاصلُ بينَ الإيمان ِوالكفر


الحمدُ للهِ القائل ِفي محكم ِالتنزيل ِ:(ومن يكفرْ بالإيمان ِفقد حَبـِط َعَمَلـُهُ وهوَ في الآخرةِ منَ الخاسرينَ{5}) المائدة.

الإخوة ُالأكارمُ : لا بدَّ ابتداءً من أن نـَعرفَ الكافرَ من المؤمن , وما هوَ الحدُّ الأدنى من الإيمان ِ؟

إخوتي وأحبتي : ألا فلتعلموا أن الكفرَ نقيضُ الإيمان ِ, وكما قيلَ بالأضدادِ تـُعرفُ الأشياء .

فلا بُدَّ من تعريفِ الإيمان ِوالوقوفِ عندَهُ وقوفاً صحيحاً, فالإيمانُ وكما عرَّفـَهُ علماءُ الأصول ِرضوانُ اللهِ تعالى عليهم أجمعينَ: بأنهُ التصديقُ الجازمُ المطابقُ للواقع ِعن دليل ٍـ وهوَ تعريفٌ جامعٌ مانعٌ ـ فالمؤمنُ باللهِ يُصدِّقُ تصديقاً جازماً ويقطعُ بأن اللهَ وحدَهُ خالقُ الكون ِوالإنسان ِوالحياةِ.

والكافرُ باللهِ من لم يُصدِّقْ بذلكَ بل يُكذبُ ـ وقد يصدقُ ـ ولكنهُ تصديقٌ غيرُ جازم ٍبوحدانيتِهِ, كاليهودِوالنصارى. والإنسانُ بطبعهِ يشعرُ بعجزهِ ونقصهِ واحتياجهِ, وأنهُ محتاجٌ إلى خالق ٍمدبرٍ, بغضِّ النظرِ عن ماهيَّةِ هذا الخالق, وهذا الشعورُ فطريٌّ وحتميٌّ, وهو موجودٌ عندَ المسلم ِوعندَ غيرهِ, وهو جزءٌ من تكوين ِالإنسان ِ. ولا يُمكنُ أن يخلوَ منهُ أو ينفصلَ عنهُ وهذا هو التدينُ, وواقعهُ أنهُ غريزة ٌ طبيعية ٌ ثابتة ٌ. والمظهرُ الذي يَظهرُ بهِ هذا التدينُ هو التقديسُ لِما يعتقدُ أنهُ الخالقُ المدبرُ .

فقد يظهرُ التقديسُ بمظهرهِ الحقيقيِّ فيكونُ عبادة ً. وقد يظهرُ بأقلِّ صورةٍ فيكونُ تعظيماً وتبجيلاً . ولذلكَ نجدُ الإنسانَ بطبعهِ مُتديناً منذُ أوجدَهُ اللهُ على الأرض ِ, فتراهُ وقد عَبَدَ شيئاً وعَظـَّمَهُ ! فقد عَبَدَ الكواكبَ والنجومَ, والشمسَ والقمرَ, والنارَ والبشرَ, والأصنام َوالشجرَ, والبحارَ والأنهارَ, كما عبَدَ اللهَ كذلك .

ولا نجدُ عصراً من العصورِ إلاَّ وقد عَبَدَ الإنسانُ فيهِ شيئاً , فتقرَّبَ منهُ وهابَهُ, وأحسَّ بعَظمَتِهِ وقدَّسَهُ, حتى المُلحدينَ باللهِ, والمستهزئينَ بأنبيائِهِ ورسلِهِ, والمُكذبينَ برسالاتِهِ, قد صَرَفوا غريزة َالتدين ِعندَهُم عن وجهـِها الحقيقيِّ.

فتحولوا عن العبادَةِ الصحيحةِ للهِ, إلى عبادةِ المخلوقاتِ فقدَّسوا الطبيعة َ, وألـَّهُوا الرجالَ, وبعضَ أصحابِ الفخامَةِ والمَعالي. وهكذا انحرفت عبادتـُهُم عن ِالوُجهَةِ الصحيحةِ ! فعَبَدُوا المخلوقَ دونَ الخالق ِوأشركوهُ معهُ. وما أفظعَ أن ينصرفَ الإنسانُ عن مقتضى طبيعتِهِ وفطرتِهِ .

أمَّا الإسلامُ : فهوَ الإستسلامُ المطلقُ للهِ الخالق ِالمدبرِ جلَّ وعلا.

وأما الإيمان : فهو التصديقُ الجازمُ باللهِ وملائكتهِ وكتبهِ ورسلهِ واليوم ِالآخرِ, وبالقدرِ خيرِهِ وشرهِ منَ اللهِ تعالى, والتصديقُ كذلكَ بمَا انبثقَ من العقيدةِ : كالبعثِ والنشورِ, والحسابِ والصراطِ , وأن نعيمَ الجنةِ محسُوسٌ لا خيالَ ولا رُآى, وسعيرَ النارِ كذلكَ .

والإيمانُ بأن اللهَ يُحيي ويُميتُ, وما يَتبعُ هذهِ الأفكارُ من أحكام ٍ, كعصمةِ الأنبياءِ ومعجزاتِـهم , وأن الرزقَ بيدِ اللهِ وحدَهُ, وأن انتهاءَ الأجل ِهو السببُ الوحيدُ للموتِ.

وهذا كلـُّهُ من المسائل ِالإعتقاديةِ وليسَ من الأحكام ِالعمليةِ. فمن اعتقدَ بها فهوَ مؤمنٌ, ومن أنكرَها فهو كافر.

وكافرٌ كذلكَ من أنكرَ الأحكامَ العملية َالتي ثبتت بدليل ٍقطعيٍّ في ثبوتهِ قطعيٍّ في دلالتِهِ كالصلاةِ , أو الصوم ِ,أو الزكاةِ, أو الحجِّ, أو الخمار .
هذا هوَ الإيمانُ الذي حَرِصَ عليهِ رسولُ اللهِ كلَّ الحِرص ِ, ويظهرُ ذلكَ في قولِهِ تعالى : ( لعلـَّكَ باخعٌ نفسَكَ ألاَّ يكونوا مؤمنين {3}) الشعراء .

كما ويظهرُ كذلكَ فيما جاءَ في صحيح ِمسلمَ عن سعيدِ بن ِالمُسيِّبِ عن أبيهِ رضيَ اللهُ عنهُ قال: ( لمَّا حضرَتْ أبا طالبٍ الوفاة ُجاءَهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فوجَدَ عندَهُ أبا جهل ٍوعبدَ اللهِ بنَ أبي أميةَ بن ِالمغيرةِ فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: (يا عمُّ, قلْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ, كلمة ٌأشهدُ لكَ بها عندَ الله ) فقالَ أبو جهل ٍ, وعبدُ اللهِ بنُ أبي أمية َيا أبَا طالبٍ: أترغبُ عن مِلـَّةِ عبدِ المطلب ؟ فلم يَزلْ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يَعرِضُهَا عليهِ, ويُعيدُ لهُ المقالة َحتى قالَ أبو طالبٍ آخِـرَ ما كلمَهُم: هوَ على ملةِ عبدِ المطلبِ, وأبَى أن يقولَ: لا إلهِ إلاَّ اللهُ . فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: ( أمَا واللهِ لأستغفرنَّ لكَ ما لم أنهَ عنك ) .

وهنا يذكرُ المفسرونَ أن الله تباركَ وتعالى أنزلَ آية ًتمنعُ الرسولَ من أن يستغفرَ للكفار ولو كانوا أولي قربى, فقال عزَّ من قائل: ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعدِ ما تبينَ لهم أنهم أصحابُ الجحيم {113} ) التوبة .


وفي حديثٍ أخرَ صحيح ٍعندَ مسلم ٍعن أميرِ المؤمنينَ عثمانَ بن ِعفان ٍرضيَ اللهُ تعالى عنهُ قال: قالَ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( من ماتَ وهوَ يعلمُ أنهُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ دخلَ الجنة) . ويعلمُ هنا تعني يعتقدُ , وهي تدلُّ على القطع ِواليقين ِ, تماماً كما في قولِهِ تعالى: ( فاعلمْ أنهُ لا إلهَ إلاَّ اللهُ {19} ) محمد.
أي : فاعتقد بوجودِ اللهِ وَوَحدانيته .

وعند مسلم ٍكذلكَ عن جابرِ بن ِعبدِ اللهِ رضيَ اللهُ تعالى عنهما قال: أتى النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ مَا المُوجـِبَتان ِ؟ فقالَ عليهِ السلامُ: ( من ماتَ لا يُشركُ باللهِ شيئاً دَخلَ الجنة َ, ومن ماتَ يُشركُ باللهِ شيئاً دخلَ النار) .

هذا هوَ الحدُّ الأدنى من الإسلام, فمن شكَّ أو ظنَّ, أو أنكرَ أو جَحَدَ شيئاً منهُ فقد كفرَ. ومثلـُهُ كذلكَ مَنْ جَحَدَ ما كانَ قطعيَّ الثبوتِ قطعيَّ الدلالةِ منَ كتابٍ أو سُّنةٍ, أو شيئاً من أيِّهـِمَا فقد كفرَ والعياذ ُباللهِ .

فمَن جَحَدَ آية َ:( ومن لم يَحكُمْ بما أنزلَ اللهُ فأولئكَ هُمُ الكافرونَ{44}) المائدة .
فهوَ تماماً كمن جَحَدَ ركعتي سنة َالفجرِ, لأنهُمَا قد ثبتـَتا بطريق ِالتواترِ, مصداقاً لقولِهِ تعالى: ( وإن يأتوُكُم أُسارى تـُفادُوهُم وهوَ مُحرمٌ عليكُم إخراجُهم, أفتؤمنونَ ببعض ِالكتابِ وتكفرونَ ببعض ٍ, فما جزاءُ من يفعلُ ذلكَ منكم إلاَّ خزيٌ في الحياةِ الدنيا ويومَ القيامةِ يُردُّونَ إلى أشدِّ العذابِ, وما اللهُ بغافل ٍ عمَّا تعملون {85}) البقرة. والحُكمُ الذي أنكرُوهُ هنا هوَ حُكمُ الأسرى الواردِ في الآيةِ . وعليهِ فلا يجوزُ قطعاً أن نأخذ َالأحكامَ الشرعية َبالهوى أو التشهي, أو أن نفرِّقَ أو نفاضلَ بينَ آيةٍ وأخرى, أو حكم ٍ وآخرَ لقولِهِ تعالى: ( قل كلٌ من عندِ اللهِ, فما لهؤلاءِ القوم ِلا يكادونَ يفقهونَ حديثاً {78}) النساء.

وقولِهِ محذراً المخالفينَ, ومتوعداً المتنطعينَ: ( إنَّ الذينَ يكفرونَ باللهِ ورُسُلِهِ ويُريدونَ أن يُفرِّقوا بينَ اللهِ ورُسُلِهِ ويقولونَ نؤمنُ ببعض ٍونكفرُ ببعض ٍويُريدونَ أن يتخذوا بينَ ذلكَ سبيلا{150} أولئكَ هُمُ الكافرونَ حقاً, وأعتدنا للكافرينَ عذاباً مُهيناً{151}) النساء .

وأمَّا من التمسَ في غيرِ الإسلام ِإيماناً فاعتقدَ الشيوعية َ, أو الديمقراطية َالعلمانية َوآمنَ بها أو دعا إليها فقد كفر, بدليل ِقولِهِ تعالى: ( ومن يكفرْ بالإيمان ِفقد حَبـِط َعملـُهُ وهوَ في الآخرةِ منَ الخاسرينَ{5})المائدة .

والإيمانُ لا يكونُ إلاَّ مَعَ الإسلام ِلقولِهِ تعالى : ( ومن يَبتغ ِغيرَ الإسلام ِديناً فلن يُقبَـلَ منهُ وهوَ في الآخرةِ منَ الخاسرينَ {85}) آل عمران .

فلا يصحُّ القولُ بإيمان ِأهل ِالكتابِ ولا يجوزُ. لقول ِاللهِ تباركَ وتعالى: ( إنَّ الذينَ كفروا من أهل ِالكتابِ والمشركينَ في نارِ جهنمَ خالدينَ فيها, أولئكَ هُمْ شرُّ البريَّةِ{7}) البينة.

وقولهِ: (ما يَودُّ الذينَ كفروا من أهل ِالكتابِ ولا المشركينَ أن يُنزَّلَ عليكم من خيرٍ من رَبِّكم{105}) البقرة .

هذا هو الكفرُ الذي يستحقُّ صاحبُهُ الخلودَ في جهنمَ, وهوَ كامنٌ بإنكار العقيدةِ الإسلاميةِ وجُحودِها . أو الشكِّ في القطعيَّ منها, حتى ولو كانَ في حكم ٍقطعيٍّ واحدٍ كإنكارٍ حدِّ السرقةِ, أو حدِّ الزنا مثلاً, هذا من ناحيةِ الإعتقادِ . ولا يُستثنى من هذا كلـِّهِ غيرُ حالةٍ واحدةٍ: ( وهيَ الإكراهُ الملجأ ُالذي يَحملُ الإنسانَ على التلفظِ بالكفرِ دونَ أن يُؤثـِّرَ في اعتقادِهِ, وإنما يظلُّ معتقداً بالعقيدةِ الإسلاميةِ مطمئناً إليها. وهو ما يأخذ ُحكمَ الرخصةِ, وقد أجازَهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وإن كانت العزيمة ُأن يَثبتَ على الحقِّ ولو أدَّى بهِ إصرارُهُ على الإيمان ِإلى القتل ِ. بدليل ِترخيص ِالشارع ِالتلفظ َ بالكفرِ تـُقية ًدونَ اعتقادٍ, كما في قولِهِ تعالى : ( من كفرَ باللهِ من بعدِ إيمانِهِ إلاَّ مَن أكرِهَ وقلبُهُ مُطمئنٌ بالإيمان ِولكنْ من شرحَ بالكفرِ صدراً فعليهم غضبٌ منَ اللهِ ولهم عذابٌ عظيمٌ {106} ) النحل .

مع العلم ِأن الأخذ َبالعزيمةِ أولى منَ الأخذِ بالرخصةِ , فقد قالَ عليهِ السلامُ في رسوليهِ إلى مُسيلِمِة َ: ( أمَّا الأولُ فقد أخذ َبالعزيمةِ ، وأمَّا الثاني فأخذ َبالرخصةِ ) .

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً ووفقنا اجتنابه,
اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا لأنفسنا طرفة عين, وآتنا الخير كله في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم أحسن خلاصنا, وكن على من عادانا, ولا تخيب فيك رجانا, ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا, واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا, وتوفنا وأنت راض عنا .
واجعلنا مولانا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
اللهم آمين, اللهم آمين , اللهم آمين , ربِّ, ربَّ العالمين .

كاتبه أخوكم : النصر قادم