تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بيت المقدس أرض الأنبياء المقدسة



النصر قادم
10-14-2008, 09:23 AM
بيت المقدس أرض الأنبياء المقدسة

في تلك الليلة المباركة، ليلة السابع والعشرين من رجب الفرد، من عام الحزن، أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من أول مسجد وضع للناس إلى ثاني مسجد وضع للناس، حيث جمع الله له سائر الأنبياء يؤمهم في الصلاة.{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} الإسراء 1
أسري به عليه سلام الله إلى الأرض التي ما تكاد تذكر في القرآن إلا واقترنت بالبركة أو بالتقديس، {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} المائدة 21، { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } الأعراف 137،{ ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين } الأنبياء 71،{ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين} الأنبياء 81،

هذه القداسة، إنما جاءت من ذلك الارتباط الوثيق لتكونا مهدا لرسالات الله تعالى، فقد أقام فيها الكثير من أنبياء الله، كلما هلك نبي خلفه نبي، من لدن إبراهيم الخليل عليه سلام الله إلى عيسى بن مريم عليه سلام الله، فطبقوا فيها شرع الله، مصداق ذلك ما روى أئمة الحديث واللفظ للبخاري في كتاب أحاديث الانبياء "حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ "فالأنبياء تسوس الناس بأحكام الشرع، فبيت المقدس مباركة بتطبيق شرع الله فيها على عباده.

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }

فكل الرسل جاءت بالكتب ليقوم الناس بالقسط والعدل وفقا لمنهج الله تعالى، حتى جاءت شرذمة متغربة عدوة لدين الله، أو جاهلة بحدوده حولت قضية بيت المقدس إلى قضية وطن، وخصوا هذه الأرض بقاطنيها، ليصرفوا عنها بعدها الإسلامي، وبُعد أن الأرض لله تحكم بشرع الله أو تسيل الدماء دون ذلك، ولكن خابوا وخسروا، فإن بيت المقدس ملك لكل طفل وكل شيخ وكل امرأة وكل مسلم على وجه الأرض لا يملك التصرف فيه ولا المساومة عليه ولا التفاوض باسمه شرذمة من الخائنين لله ولرسوله ولا المنتفعين ولا المضبوعين بالغرب الكافر، وإنما تحرره جيوش الفاتحين لا زمرة المفاوضين المارقين الراكعين لأذقانهم أمام سلطان البيت الأبيض.

جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبين للمسلمين أن الأرض لله، تخضع لسلطان الإسلام، لتحكم بشرع الله، فوجه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيوشه لفتح بيت المقدس، لتصبح أرضاً خراجية تعود ملكية رقبتها للأمة الإسلامية قاطبة،

إنّ فلسطين أرض لجميع المسلمين في كلّ أرجاء المعمورة، وهي ليست ملكاً لأهلها أو ساكنيها من (الفلسطينيين)، ذلك لأن الإسلام قد جعلها أرضاً خراجية لا يملك رقبتها أحد، بل تكون ملكية رقبتها لعموم المسلمين حتى يوم القيامة، فقد قال الله تعالى فيها وفي أمثالها من الأراضي الخراجية :
- {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الحشر 7 .

- ثم أضاف إلى هؤلاء غيرهم فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر 9 .

- ثم زاد وأضاف غيرهم حتى شملت الآيات المسلمين جميعاً إلى يوم القيامة فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } الحشر 10 ...

وعليه فلا يجوز أن يكون التصرف فيها خاصاً بالفلسطينيين فقط حتى ولو كان تصرفهم بها موافقاً للحكم الشرعي، فما بالك إذا كان التصرف مخالفا لبديهيات الإسلام ، و خيانة عظمى وجريمة كبرى في حق أرض الإسراء والمعراج، وحق الفاتحين، وحق أهلها من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمشردين .

وهذه البركة إنما تكون بربط هذه الأرض بالإسلام، بعبودية الله تعالى، مصداق ذلك ما روى الإمام البخاري رضي الله عنه عن أبي ذَرٍّ رضيَ الله عنه قال: «قلتُ يا رسولَ الله أيُّ مسجدٍ وُضِعَ أول ؟ قال: المسجدُ الحرام. قلت: ثمَّ أيُّ ؟ قال: ثمَّ المسجدُ الأقصى. قلتُ: كم كان بينهما ؟ قال: أربعونَ. ثم قال: حيثُما أدركتكَ الصلاةُ فصلِّ والأرضُ لك مسجد».

ومن بركته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجو لمن أتاه لا يريد إلا الصلاة فيه أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه يقول صلى الله عليه وسلم " إن سليمان بن داود عليه السلام لما فرغ من بنيان مسجد بيت المقدس سأل الله حكماً يصادف حكمه وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، ولا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما اثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة " . رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حيان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .

لقد جاءت البشرى في بيت المقدس لإبراهيم الخليل وليعقوب بعد إذ فقد بصره، ونزلت فيه رحمات رب العالمين على زكريا وبشرته الملائكة بيحيى، وكلم الله تعالى موسى تكليما في أكناف بيت المقدس، وسخر لسليمان الريح عاصفة، وألان لداود الحديد، ، ودفن فيها من الأنبياء خلق كثير، من ذرية إبراهيم عليه السلام، وحملت في بيت المقدس وأكنافه مريم بنبي الله عيسى، الذي كلم الناس في المهد، وفيها نزلت عليه المائدة ومنها رفع إلى السماء، ومن قبل أنزل في أكنافه جام غضبه عمن حادوا عن شريعته من قوم لوط واتبعوا أهواءهم.

وأسرى الله بنبيه محمد عليه سلام الله إليه ومنه عرج إلى السموات العلى، ليفرض عليه الصلاة، وجعل له رب العالمين بيت المقدس قبلته الأولى، المسجد الأقصى، وهو ثالث الحرمين الشريفين، روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد ‏ ‏مسجد ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏ومسجد ‏ ‏محمد ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وبيت المقدس،

لقد أولى الإسلام بيت المقدس عناية خاصة، حيث وجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيوشه بعد فتح دمشق الشام، نحو إيلياء، فحاصرها جمهرة غفيرة من خيار الصحابة، حتى طلب منهم أهلها الصلح على أن يقوم به أمير المؤمنين عمر، فكتب إليه أبو عبيدة بذلك، فاستشار عمر الناس في ذلك، فأشار عثمان بن عفان بأن لا يركب إليهم، ليكون أحقر لهم، وأرغم لأنوفهم، وأشار علي بن أبي طالب بالمسير إليهم، ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم، فهوى ما قال علي، ولم يهو ما قال عثمان، وسار بالجيوش نحوهم، واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب وسار العباس بن عبد المطلب على مقدمته، فلما وصل إلى الشام تلقاه أبو عبيدة ورؤوس الأمراء كخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان، فترجل أبو عبيدة وترجل عمر، فأشار أبو عبيدة ليقبل يد عمر، فهم عمر بتقبيل رجل أبي عبيدة، فكف أبو عبيدة فكف عمر.

ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس، واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث، ثم دخلها إذ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، ويقال أنه لبى حين دخل بيت المقدس، فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد، فقرأ في الأولى بسورة ص، وسجد فيها والمسلمون معه، وفي الثانية بسورة بني إسرائيل، ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار، وأشار عليه كعب أن يجعل المسجد من ورائه فقال ضاهيت اليهودية، ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس، وهو العمري اليوم ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائه، ونقل المسلمون معه في ذلك، وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود، حتى أن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة، وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة، وهى المكان الذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب المشبه لهم، فجعلوا يلقون على قبره القمامة، فلأجل ذلك سمى ذلك الموضع القمامة، وانسحب الاسم على الكنيسة التي بناها النصارى هنالك، وقد كان هرقل حين جاءه الكتاب النبوي وهو بإيلياء وعظ النصارى فيما كانوا قد بالغوا في إلقاء الكناسة على الصخرة حتى وصلت إلى محراب داود، قال لهم إنكم لخليق أن تُقتلوا على هذه الكناسة مما امتهنتم هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا، ثم أمروا بإزالتها فشرعوا في ذلك فما أزالوا ثلثها حتى فتحها المسلمون فأزالها عمر بن الخطاب وقد استقصى هذا كله بأسانيده ومتونه الحافظ بهاء الدين بن الحافظ أبي القاسم بن عساكر في كتابه المستقصى في فضائل المسجد الأقصى.

فهذا أمير الجيش أبو عبيدة يهم بتقبيل يد أمير المؤمنين على هذا الفتح المبين لهذه الأرض المباركة، وهذا أمير المؤمنين يهم بتقبيل أرجل أمير الجيش الفاتح،
ومن ثم يقرأ في الصلاة بسورة ص وما فيها من ذكر قصة داود عليه السلام إذ جعله الله خليفة ليحكم بين الناس بالعدل بما أراه الله، وسورة الإسراء وما فيها من ذكر لفتح هذه الأرض الطيبة على أيدي عباد الله الذين يبعثهم الله ليطهروا هذا المسجد وهذه الأرض المباركة من رجس أن تحكم بغير شرع الله.

لقد سالت دماء جمع من خيرة الصحابة على هذه الأرض المقدسة، ليضموها إلى سلطان الإسلام، لتخضع لشرع الله ثانية بعد أن حكمتها أمم كثيرة بغير شرع الله بعد أن كانت لا تخلو من نبي يحكم فيها بشرع الله، لذا كان هذا الفتح العظيم عظيما بأن أعادها لرحاب العدل الذي أمر الله نبيه داود عليه السلام أن يقيمه فيها: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}

ولا عدل إلا باتباع سبيل الله في الحكم بما أنزل.
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
ـــــــــــــــــ
يتبع بإذنه