تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جلب المصالح مقدم على درء المفاسد



من هناك
09-24-2008, 03:29 PM
"قلب الطاولة" على فهم قواعد فقهية مُتداولة:
الريسوني: جلب المصالح مقدم على درء المفاسد
حسن الأشرف (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=5#***1)
هل درء المفاسد مقدم دوما على جلب المصالح، وهل الأولوية دائما تُعطى للسلامة من المفاسد والمحظورات، ولو بالتضحية بالمصالح والمشروعات؟ وأيضا هل التخلية سابقة على التحلية، أم أنها قواعد وجب النظر فيها والاجتهاد في حيثياتها ليكون العكس هو الصحيح؟!..
إنه نوع من "قلب الطاولة" على العديد من المفاهيم الإسلامية المُسَلَّم بها، قام به عالم المقاصد المغربي الدكتور أحمد الريسوني، الخبير الأول بمجمع الفقه الإسلامي، وهو يقلب النظر في قضايا إسلامية عديدة في مقالات تنشرها جريدة المساء المغربية خلال شهر رمضان الجاري.
وقد أكد الدكتور أحمد الريسوني في بعض هذه المقالات أن الأصل هو جلب المصالح وتكميلها، أما الفرع فهو دفع المفاسد والعمل على الحد منها، على عكس ما هو متعارف عليه في أدبيات القواعد الفقهية الشهيرة الجارية على كل لسان: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" أو "الاجتناب مقدم على الاجتلاب" الذي يُستدَل عليه بالحديث النبوي القائل: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم...".
لكن الريسوني يرى هنا أن الحديث وإن كان حاسمًا في ضرورة اجتناب كافة المنهيات، إلا أن هذا الاجتناب يكون مقدورًا عليه وفي المستطاع؛ لأنه عبارة عن الإمساك وعدم الفعل، وعدمُ الفعل يستطيعه الجميع، فلا يحتاج إلى قدرة أو جهد أو سعي أو وسائل.. بخلاف المأمورات، فهي بحاجة إلى جهد وسعي وبذل، ووسائل وإمكانات... بحسب الريسوني.
ويخلص عالم المقاصد إلى أنه لا يوجد في الحديث "دلالة صريحة ولا صحيحة، على أفضلية درء المفاسد على جلب المصالح، ولا أولوية الاجتناب على الاجتلاب"، مستدلا ببحث "عميق" لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال فيه: "إن جنس فعل المأمور به أعظمُ من جنس ترك المنهي عنه، وجنس ترك المأمور به أعظم من جنس فعل المنهي عنه، وأن مثوبة بني آدم على أداء الواجبات أعظم من مثوبتهم على ترك المحرمات، وأن عقوبتهم على ترك الواجبات أعظم من عقوبتهم على فعل المحرمات» (مجموع الفتاوى 20/85).


دلائل
وللدلالة على ما ذهب إليه ساق الريسوني عددا من الآيات تفيد كلها تقديم المأمور به على اجتناب المنهي عنه، وأن المأمور به أدخلُ في البر والتقوى والإيمان من عدم المنهي عنه..
ومنها قوله تعالى "الـم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون..."؛ وفيها وصف الله تعالى المتقين بفعل المأمور به من الإيمان والعمل الصالح من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقوله تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون" وقوله تعالى: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قِـبَل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون"..
ثم يعقب الريسوني: "فلو كان القصد الأساسي من الخلق ومن التكاليف هو ترك المنهيات واجتناب المفاسد، لكان الأفضل تحقيقا لذلك عدم خلق البشر؛ ومعنى هذا أن الناس خلقوا أساسًا ليفعلوا لا ليجتنبوا... وإنما يجب اجتناب المنهيات ومفاسدها، بسبب ضررها بالمأمورات ومصالحها".
ويستشهد عالم المقاصد المغربي كذلك بالعديد من الدلائل الأولى للبعثة النبوية ليثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وقبله الأنبياء جميعا جاءوا أساسًا للتأسيس والبناء والتشييد، أي بالمصالح وعمل الصالحات، مصداقًا للحديث النبوي الشريف: "مَثَلي ومَثَلُ الأنبياء من قبلي، كَمَثَلِ رجل بنى بنيانا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لَبِنة من زاوية من زواياه. فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلاَّ وُضعتْ هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين".
وهو حديث ليس فيه -وفق الريسوني- ذكر للمفاسد أصلا، لا مقدَّمة ولا مؤخَّرة، وإنما ذُكر البنيان والتحسين والتجميل والتتميم، وكل ذلك مرصَّع ومُحلى بمكارم الأخلاق.
لكنه يستدرك قائلا: "هذا لا يعني، ولا أعني به إغفال مسألة المفاسد وإخراجَها من الحسبان، ولكنه يعني وأعني به، أنها مسألة ضمنية وفرعية وتابعة".
ويستشهد الفقيه المغربي بقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "إن الأمور الضرورية أو غيرها من الحاجية أو التكميلية، إذا اكتنفتها من خارجها أمورٌ لا تُرضى شرعًا، فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة من غير حرج؛ كالنكاح الذي يلزمه طلب قوت العيال مع ضيق طرق الحلال واتساع أوجه الحرام والشبهات، وكثيرًا ما يلجئ إلى الدخول في الاكتساب لهم بما لا يجوز، ولكنه غير مانع لما يؤول إليه التحرز من المفسدة المربية على توقع مفسدة التعرض، ولو اعتُبر مثل هذا في النكاح في مثل زماننا، لأدى إلى إبطال أصله، وذلك غير صحيح.. وكذلك طلب العلم، إذا كان في طريقه مناكر يسمعها ويراها، وشهود الجنائز، وإقامة وظائف شرعية إذا لم يقدر على إقامتها إلا بمشاهدة ما لا يرتضى، فلا يُخرج هذا العارضُ تلك الأمور عن أصولها؛ لأنها أصول الدين وقواعد المصالح، وهو المفهوم من مقاصد الشارع، فيجب فهمها حق الفهم، فإنها مثار اختلاف وتنازع".


الحسنات لا تنتظر التخلية
ولم يتوقف الريسوني عند هذا الحد، بل تطرق إلى قاعدة أخرى كثيرًا ما يرددها الدعاة والعلماء وهي "التخلية قبل التحلية" والتي تروج بين أبناء الحركات الإسلامية.
ويقصد أهل التربية والتزكية بقاعدة "التخلية قبل التحلية" تخلية المسلم وتخليصه من المفاسد والشرور والآثام بشكل مُقدم على تحليته بالفضائل والطيبات، حتى يتم غرسها في أرض خصبة، قابلة لأن تستوعب هذه الخصال الحميدة.
وتعقيبا على ذلك تساءل الريسوني: إذا كان الإنسان قبل أن يتهيأ لتلقي العلم الشريف، عليه أولا أن يكون قد تطهر من الغش، والغل، والحسد، وفساد المعتقد، وسوء الخلق، فماذا بقي أن يستفيده من تلقي هذا العلم؟! وإذا لم يكن العلم هو الذي يطهره من كل هذا، فما جدوى هذا العلم؟..
ويستطرد الريسوني في سرد أدلة أخرى تشير إلى أن التحلية هي التي تحقق التخلية وتساعد عليها، وأن استنبات المصالح والفضائل هو الذي يمكن من دفع المفاسد والرذائل، ومنها قول الله عز وجل: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا"، وقال سبحانه: "أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ"
ويعقب قائلا: "فالحسنات لا تنتظر التخلية وإفراغ المكان لها، بل هي التي تنجز التخلية بوجودها، وهي التي تزيل السيئات وتحل محلها، وكذلك الصلاة، لا تنتظر أن يتطهر الإنسان من الفواحش والمعاصي، قبل أن يقدم عليها، بل هي التي تطهره بعد ممارستها والتلبس بها: "اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ"..
ويستطرد: "وكذلك الصيام، لا ينتظر حتى تتحقق له التخلية، بل هو صاحبها فالتحلي بالصيام هو سبيل التخلية ووسيلتها: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، والزكاة أيضا: تتحقق وتنفذ أولا، ثم هي التي تطهر وتنقي وتزكي، أي تنجز التخلية والتحلية معا؛ لأن هذا بعض من مقاصدها وحكمة مشروعيتها، قال تعالى "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا"، فالتطهير يحصل بها ومعها لا قبلها.

صحفي مغربي

عزام
09-24-2008, 04:25 PM
مقال ضعيف
اذا كان واحد يغرق في مستنقع فهل من المعقول ان يفكر في كيفية تحصيل معاشه مثلا؟ اذا كان واحد يتأذى من الشباك المفتوح ويمرض ويسعل وواحد يحب ان يفتح الشباك كي لا يشعر بالحر فماذا نقدم؟ لا اعرف من اين ياتي هؤلاء المتفيهقون لينقضوا قواعد اجمع عليها العلماء ويلعبون على الالفاظ باختيار امثلة خاطئة.
عزام


درء المفسدة مقدم علي جلب المصلحة
إعداد : متولى البراجيلي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
هذه القاعدة أصل عظيم من أصول الشريعة الإسلامية القائمة على جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.
فمعنى القاعدة: أنه إذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالبًا، لأن اعتناء الشرع بترك المنهيات أشد من اعتنائه بفعل المأمورات، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه".
أولاً: شواهد القاعدة من القرآن:
شواهد القاعدة من القرآن كثيرة وتفوق الحصر، منها:

- قوله تعالى في الخمر: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFيسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهماhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF {البقرة: 219}.
أما إثمها فهو في الدِّين، وأما المنافع فدنيوية من حيث إن فيها نفع البدن، وتهضيم الطعام، وتشحيذ بعض الأذهان، ولذة الشدة التي فيها، كما قال حسان بن ثابت في جاهليته:
ونشربها فتتركنا ملوكًا
وأُسْدًا لا ينهنهها(1) اللقاء
وكذا بيعها والانتفاع بثمها. (تفسير ابن كثير).
لكن هذه المنافع ليست شيئًا أمام مفاسدها من ذهاب عقل وغفلة وأكل لأموال الناس بالباطل، إلى غير ذلك، فهذا يقدم على المصلحة المظنونة التي ترونها، وهذا كان في أول أمر تدرج تحريم الخمر.
وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFكتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمونhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF {البقرة: 216}.
فقد يحب المرء شيئًا لمصلحة، ولكن قد تكون وراءها مفسدة أشدّ منها وهو لا يعلم.
- وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهماhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF، فقد أمر الله تعالى في أكثر من آية بطاعة الوالدين، لكن مفسدة الشرك بالله أكبر من مصلحة طاعة الوالدين.
وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFفليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفرواhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF، فمفسدة الأذى من الكافرين قدمت على مصلحة إتمام الصلاة.

ثانيًا: شواهد القاعدة من السنة:


أخرج البخاري بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة، لولا أن قومك حديثُ عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين، بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا، فبلغت به أساس إبراهيم. {صحيح البخاري: 1586}.
قال الحافظ ابن حجر: لأن قريشًا كانت تعظم الكعبة جدًا، فخشي صلى الله عليه وسلم أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غيَّر بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة. {فتح الباري}.
فترك النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام دفعًا لمفسدة راجحة.
والحديث أخرجه غير البخاري بروايات أخرى، فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يهدم الكعبة ويعيد بناءها على قواعد إبراهيم عليه السلام، لأن قريشًا لما أعادت بناء الكعبة اشترطوا أن لا يضعوا فيها إلا نفقة طيبة، لا يدخلوا فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس، فقصرت بهم النفقة، فتركوا بعض البيت في الحجر، وجعلوا لها بابًا واحدًا مرتفعًا حتى يدخلوا من يشاؤون ويمنعوا من يشاؤون.
وهذا الحديث هو الذي دفع ابن الزبير رضي الله عنهما لما احترقت الكعبة وأراد إعادة بنائها أدخل فيها الحجر، وجعل لها بابين كما كان يريد النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن الحجَّاج بعد ذلك هدمها مرة ثانية وأعادها إلى سابق عهدها.
يقول الحافظ ابن حجر: وفي الحديث فوائد منها: ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر عنه فهم بعض الناس، والمراد بالاختيار المستحب.
وفيه: اجتناب ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره، وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا، وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب.
وفيه: تقديم الأهم فالمهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة، وأنهما إذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة، وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة.
وفيه: حديث الرجل مع أهله في الأمور العامة (يقصد حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة)، وفيه: حرص الصحابة على امتثال أوامر النبي صلى الله عليه وسلم . {فتح الباري}
وقال الإمام النووي: وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام، منها:
إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة، وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة من أسلم قريبًا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيمًا.
{صحيح مسلم بشرح النووي}
فائدة: في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لولا أن قومك حديثُ عهد بجاهلية" بإفراد حديث وهي صفة قوم، والقوم جمع.
قال السيوطي في حاشية النسائي: ويمكن أن يوجه بأن لفظ القوم مفرد لفظًا وجمع معنى، فروعي إفراد اللفظ في جانب الخبر، كما روعي اللفظ في إرجاع الضمير في قوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFكلتا الجنتين آتتhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF حيث أفرد آتت. {تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي}
قال النووي: قال العلماء: بني البيت خمس مرات، بنته الملائكة، ثم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم قريش في الجاهلية، وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون سنة، وقيل: خمس وعشرون سنة، وفيه سقط على الأرض حين رفع إزاره، ثم بناه الزبير، ثم الحجاج بن يوسف، واستمر إلى الآن (عصر النووي) على بناء الحجاج، وقيل بني مرتين أخريين أو ثلاثًا.
قال العلماء: ولا يغير عن هذا البناء، وقد ذكروا أن هارون الرشيد سأل مالك بن أنس عن هدمها وردها إلى بناء ابن الزبير للأحاديث المذكورة في الباب.
فقال مالك: نشدتك بالله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت لعبة للملوك، لا يشاء أحد إلا نقضه وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس. {تحفة الأحوذي}
وقد استخدم الإمام مالك قاعدة: درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وهي ذات القاعدة المستنبطة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن هدم الكعبة وإعادة بنائها، فأفتى هارون الرشيد بأن ترك مصلحة هدم الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، يؤخر عن مفسدة ذهاب هيبة الكعبة من قلوب المسلمين.
- وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صَلَّوْا. {أخرجه مسلم وغيره}
قال ابن القيم: إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإن كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله، لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله تعالى يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر. {إعلام الموقعين}
فمفسدة الفتنة التي تتأتى من الخروج على الحكام تقدم على مصلحة تغيير الحاكم بحاكم طائع لله ورسوله.
- وعن بُسر بن أرطاة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقطع الأيدي في الغزو". {أخرجه أبو داود، والنسائي، والترمذي، ورواية النسائي: في السفر بدلاً من الغزو، وقوَّى إسناده الحافظ في الإصابة، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود والنسائي والترمذي}
فمصلحة تطبيق حدود الله التي أمر بها، أُخِّرَت عن مفسدة لحوق صاحب الحد بالمشركين حمية وغضبًا.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعن زوَّارت القبور. {أخرجه الترمذي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم}
*فوائد:
1- هذا الحديث اختلف أهل العلم فيه بين تحسينه وضعفيه، فمنهم من ضعفه بطرقه كلها، ومنهم من حسنه، ومال الشيخ الألباني إلى تحسينه في كتاب أحكام الجنائز.
2- زيارة النساء للمقابر، اختلف فيها أهل العلم على أقوال ثلاثة:
القول الأول: الجواز.
القول الثاني: الكراهة، وهؤلاء حاولوا التوفيق بين أدلة القائلين بالجواز والقائلين بالمنع.
القول الثالث: المنع. ولعل أرجح الأقوال- إن شاء الله- القول بالجواز، لأن أدلة القائلين بالمنع ضعيفة ولا تخلو من مقال.
3- على تقدير صحة الحديث، فإن لفظة "زوارت" إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة، بخلاف غيرهن فلا يشملهن اللعن، فلا يجوز حينئذٍ أن يعارض بهذا الحديث الأحاديث الدالة على استحباب الزيارة للنساء.
قال القرطبي: اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج، وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك، وقد يقال: إذا أُمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر.
وإلى هذا الجمع أيضًا ذهب الصنعاني في سبل السلام. {أحكام الجنائز للألباني، فتح الباري، الآداب الشرعية للنساء في زيارة المقابر: لعمرو عبد المنعم}
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن الإكثار من زيارة القبور رغم ما فيها من مصلحة ظاهرة، كترقيق القلوب والتذكير بالآخرة.
يقول ابن القيم: أما النساء فإن هذه المصلحة (زيارة القبور) وإن كانت مطلوبة منهن، لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام، من فتنة الأحياء، وإيذاء الأموات، والفساد الذي لا سبيل إلى منعه إلا بمنعهن، أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل لهن بالزيارة، والشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجح من مصلحته، ورجحان هذه المفسدة لا خفاء به، فمنعهن من الزيارة من محاسن الشريعة. {تهذيب السنن نقلاً عن قواعد إعلام الموقعين، مع الأخذ في الاعتبار أن ابن القيم ممن يقولون بمنع النساء من زيارة المقابر، وقد ذكرنا أن الراجح هو الجواز، والله أعلم.

ثالثًا: من فروع القاعدة وتطبيقاتها في المعاملات:


منها: يمنع الشخص من التصرف في ملكه إذا كان تصرفه يضر بجاره ضررًا فاحشًا، لأن درء المفاسد عن جاره أولى من جلب المنافع لنفسه.
ومنها: الحجر على السفيه.
ومنها: ليس للإنسان أن يفتح كوة تشرف على مقر نساء جاره، بل يكلف أن يتخذ فيها ما يقطع النظر.
ومنها: كذلك ليس له أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره ضررًا فاحشًا بينًا كاتخاذه بجانب دار جاره طاحونًا مثلاً يوهن البناء أو كنيفًا(2) أو بالوعة تضر بجدار دار جاره.
ومنها: اتخاذ الشخص في داره فرنًا يمنع جاره من السكنى في داره بسبب الرائحة والدهان. {الوجيز في شرح القواعد الفقهية د. عبد الكريم زيدان}
وإذا كان الضرر لا يزول إلا برفعه بالمرة فإنه يرفع (المادة 1212 من مجلة الأحكام العدلية)، وإن كان لمحدثه منفعة في إبقائه لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع.
وجواز الكذب بين المتعادين للإصلاح (هذا ورد في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الكذب الثلاثة الجائزة، وهي: الكذب في الحرب، وكذب الرجل على امرأته، طلبًا لحسن معاشرتها، والكذب بين المتخاصمين للإصلاح)، {شرح القواعد الفقهية لأحمد الزرقا}

رابعًا: نظائر للقاعدة:


1- تحصيل أعلى المصلحتين وإن فاتت أدناهما:
يقول ابن القيم: إن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح بحسب الإمكان، وأن لا يفوت منها شيء، فإن أمكن تحصيلها كلها حصلت، وإن تزاحمت ولم يمكن تحصيل بعضها إلا بتفويت البعض، قدم أكملها وأهمها وأشدها طلبًا للشارع.
{مفتاح دار السعادة عن القواعد الفقهية لإعلام الموقعين}
ومما يشهد لذلك ويقويه ما رواه أبو هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان". {متفق عليه}
فقد دل الحديث على أن المصالح التي أتى بها هذا الدين، متفاوتة في العلو والرتبة، فإذا كان أعلاها متمثلاً في شهادة التوحيد، وأدناها متمثلاً في إماطة الأذى عن الطريق، فإن ما بين هذين الطرفين من المصالح متدرج في العلو والنزول بينهما حسب مدى القرب والبعد إلى كل منهما.
ومن فروع ذلك: إن تمليك مصلحة الرجال الطلاق أعلى وأكبر من مصلحة سدِّه عليهم.
ومنها: أن السَّمر بعد العشاء ذريعة إلى تفويت قيام الليل، فإن عارضه مصلحة راجحة كالسَّمر في العلم ومصالح المسلمين لم يكره.
ومنها: تأخير الحدّ لمصلحة راجحة، إمَّا من حاجة المسلمين إلى المحدود، أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة، كما يؤخر عن الحامل والمرضع، وعن وقت الحر والبرد والمرض، فهذا لمصلحة المحدود، فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى.
{إعلام الموقعين، عن القواعد الفقهية المستخرجة منه}
2- دفع أعلى المفسدتين وإن وقع أدناهما:
يقول ابن القيم في الإعلام: إن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن، فإن لم يمكن رفعه إلا بضرر أعظم منه، بقَّاه على حاله، وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به.
ومن شواهد ذلك في الكتاب، قوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوالفتنة أكبر من القتلhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF {البقرة: 217}.
فقدم الكفر على قتل النفس.
وقوله تعالى- حكاية عن الخضر مع موسى عليهما السلام في السفينة التي خرقها الخضر: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحرhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF {الكهف: 79}.
فدفع المفسدة الأكبر وهي غصب الملك السفن بمفسدة أخف وهي خرق السفينة، وكذلك دفع المفسدة الأكبر ، وهي إرهاق الوالدين طغيانًا وكفرًا بمفسدة أقل وهي قتل الولد.
والنبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية صالح المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين للمصلحة الراجحة ودفع ما هو شر منه. {فتاوى ابن تيمية- زاد المعاد- القواعد المستخرجة}.
- ومن ذلك إنكار المنكر على مرتكبه، فإن الإنكار يحتاج إلى فقه وإلى علم، حتى لا يُزال ضرر أصغر بضرر أكبر، فإنكار المنكر أربع درجات:
الأولى: أن يزول المنكر ويخلفه ضده من معروف.
الثانية: أن يقل المنكر وإن لم يزل بالكلية.
الثالثة: أن يخلف المنكر ما هو مثله.
الرابعة: أن يخلف المنكر ما هو شرٌّ منه.
فالدرجتان الأولى والثانية مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة يقول ابن القيم في الإعلام: فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج، كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله، كرمي النشَّاب، وسباق الخيل ونحو ذلك.
ومن أمثلة ذلك: رجل به جرح، ولو سجد سال جرحه (دمه)، وإن لم يسجد لم يسل، فإنه يصلي قاعدًا ويومئ بالركوع ولا يسجد، لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث، ألا ترى أن ترك السجود جائز حال الاختيار في التطوع على الدابة، ومع الحدث لا يجوز بحال.
ومنها: لو اضطر وعنده ميتة ومال الغير، يأكل الميتة.
ومنها: لو أن امرأة صلت قائمة ينكشف من عورتها ما يمنع جواز الصلاة، ولو صلت قاعدة لا ينكشف منها شيء، فإنها تصلي قاعدة، لأن ترك القيام أهون فهو يجوز في حالة الاختيار في النفل، لكن كشف العورة لا يجوز بحال.
ومنها: تجويز أخذ الأجرة على ما دعت إليه الضرورة من الطاعات كالأذان والإقامة وتعليم القرآن والفقه.
ومنها: تجويز السكوت على المنكر إذا كان يترتب على إنكاره ضرر أعظم من ضرر المنكر.
ومنها: جواز طاعة الأمير الجائر إذا كان يترتب على الخروج عليه شر أعظم.
ومنها: جواز شق بطن الميتة لإخراج الولد إذا كان ترجى حياته.
ومنها: قتل من لا ذنب له من المسلمين إذا تترس بهم الكفار ( جعلوهم ساترًا لهم) وخيف من ذلك اصطلام المسلمين جاز قتلهم، لأن قتل عشرة من المسلمين أقل مفسدة من جميع المسلمين.
ومنها: إذا اختبأ عنده معصوم فرارًا من ظالم يريد قتله ظلمًا، فإذا سأله الظالم عنه ونفى وجوده عنده أو علمه بمكانه جاز له الكذب ولو فيه مفسدة، بل يجب عليه الكذب لأن مفسدة قتل برئ أعظم من مفسدة الكذب في هذا المقام. {قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام}
3- يختار أهون الشرين: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس الفقيه هو من عرف الخير من الشر، إنما الفقيه هو الذي يختار خير الخيرين وشر الشرين.
فمن ابتلي ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيتهما شاء، وإن اختلفتا يختار أهونهما. مثال لتساوى الشرين: لو حدث حريق في سفينه وعلم أنه لو صمد فيها يحترق ولو وقع في الماء يغرق، فعند أبي حنيفة يختار أيهما شاء.
ومثال اختلافهما : لو أحاط الكفار بالمسلمين ولم يقدروا على دفعهم، جاز دفع المال إليهم ليتركوهم، وكذا استنقاذ الأسرى من المسلمين بالمال إذا لم يمكن بغيره؛ لأن دفع المال أهون الضررين. والله تعالى أعلى وأعلم.
الهوامش:
(1) ينهنهها: يكفَّها.
(2) كنيف: حمَّام.