من هناك
09-18-2008, 10:07 AM
لماذا لا تطلب بكركي مفاتيح «الجامع الكبير» من المستقبل؟
حصول خلاف على ملكية قطعة أرض أمر يحصل دائماً، وفي كثير من الأحيان يختلف البشر ويتخاصمون لهذا السبب، لا بل إن الكثير من النزاعات الحدودية بين الدول سببها في معظم الأحيان، الخلاف على ملكية الأراضي. لكن العجيب، أن أحد المراجع الدينية، بدل أن يرحب بحل نزاع على قطعة أرض كان من الممكن أن يتحول فتنة خطيرة تودي بالبلاد إلى ما لا يحمد عقباه، وتؤدي إلى زيادة الشحن الطائفي بين المسيحيين والمسلمين، قام بصب الزيت على النار، حتى بعد انتهاء الأشكال وتحقيق المصالحة.
حسناً فعل المعنيون، بأن أخرجوا قضية بلدة لاسا في قضاء جبيل من التشنج الذي كانت تسير به، والذي كاد أن يؤذي لبنان بأكمله، بقدر ما كاد يؤذي أهل جبيل وأهل لاسا والجوار بالتحديد، لكن هل يستطيع الصرح البطريركي أن يشرح لنا ما مغزى الحديث الذي صرحت به مصادره بعدما انتهى الموضوع وتمت المصالحة ودُفنت الفتنة في مهدها؟
أن تقول مصادر بكركي إنها كانت تفضل أن يتسلم المفتاح مسؤول الوقف بدل أن يتسلمه العماد عون، هو أمر نفهمه، إذ كثيراً ما اعتمدت بكركي التحريض ضد التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون، ولطالما فضلت غبن المسيحيين وظلمهم وهجرتهم على أن يكون للعماد عون يد في تحقيق مكاسب لهم، أو حفظ حقهم في الشراكة الوطنية. لكن، أن تطالب مصادر الصرح البطريركي من حزب الله أن «يرد لهم الجامع الكبير في شارع المعرض، وبقية الكنائس في بيروت التي بنيت عليها الجوامع في العهد العثماني»، فقد وقفنا مذهولين أمام هول هذا التصريح.
وبعد الاستفاقة من صدمة قراءة الخبر، لا بد لنا من الرد عليه ببعض الملاحظات الأساسية:
أولاً: إن الحديث عن المقامات الدينية بهذا الشكل، يدل أن قائله لا يعرف أن جوهر الإيمان وجوهر الرسالات السماوية هو الإيمان بالله الواحد، وأن الأديان السماوية لا يفترض بها أن تتنازع على دور العبادة، وهي في الأساس مخصصة للصلاة لله الواحد، وأنه من المخجل لا بل ومن المعيب أن يقال إن الأديان تختلف على أحقية الصلاة في دور العبادة، وكأن للرسالات السماوية آلهة مختلفة وليس إله واحد تعبده هو الله عز وجل.
ثانياً: إن التوقيت الذي تتحدث فيه مصادر بكركي بهذا الشكل هو توقيت مستغرب، ففي الوقت الذي تتم فيه المصالحات بين القوى السياسية والدينية في البلاد، وفي الوقت الذي تحاول فيه المناطق اللبنانية أن تلملم جراحها وتتجه إلى بناء عيش مشترك سليم، تطلق بكركي هذه التصريحات، وكأنها تهدف إلى نقل الصراع إلى ساحة أخرى بين المسيحيين والمسلمين، بعدما انطفأ في معظم الساحات التي كان قائماً فيها.
ثالثاً: ألم تنتبه مصادر الصرح إلى أنها استفاقت على موضوع مضى عليه مئات السنين؟ فما الداعي لهذا التحريض الذي طوي منذ قرون عدة؟ لو كان الأمر مجدياً لبكركي ولو بنسبة ضئيلة جداً لتفهمنا الموضوع، لكنه كلام فارغ لا يؤدي إلا إلى زيادة التشجنات والبغضاء بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، فما النفع؟
رابعاً: إذا أردنا أن نحلل أكثر، لماذا لا تتوجه مصادر الصرح إلى «القوات اللبنانية» وتطلب من حلفائها أي «تيار المستقبل»، أن يسلموها «الجامع الكبير في شارع المعرض، وبقية الكنائس في بيروت، والتي بنيت عليها الجوامع في العهد العثماني»، لتسلمها بدورها إلى بكركي، وإذا لم تكن مصادر الصرح تريد أن تطلب هذا الأمر من «القوات»، لماذا لا يقوم سيد الصرح بنفسه بالطلب من زواره الدائمين من تيار «المستقبل»، وحلفائه كالسنيورة والحريري؟ بالتأكيد، لن يبخلوا عليه بطلب كهذا، فلماذا لا يجربهم؟ ولماذا يطلبه من حزب الله، خصوصاً أن الجامع الكبير الذي تطالب به مصادر الصرح، هو للطائفة السنية الكريمة؟
أخطأت مصادر الصرح البطريركي كثيراً في هذا التصريح، وفي ذاك الحقد الذي بثته عبر وسائل الإعلام. لقد كنا نعتقد أن التحريض الطائفي والمذهبي يأتي من بعض الموتورين أو السياسيين، الذين يريدون أن يستغلوا الدين في تحقيق مكاسب انتخابية أو سياسية ضيقة، لكن أن تنخرط فيه المراجع الدينية التي من المفترض بها أنها هي التي تعلم الناس على أسس وجوهر الدين، وهو المحبة والتسامح ونكران الذات من أجل الخير والعدل، لهو أمر مستغرب، ويكاد لا يُصدَّق.
الكاتب: ليلى نقولا الرحباني
حصول خلاف على ملكية قطعة أرض أمر يحصل دائماً، وفي كثير من الأحيان يختلف البشر ويتخاصمون لهذا السبب، لا بل إن الكثير من النزاعات الحدودية بين الدول سببها في معظم الأحيان، الخلاف على ملكية الأراضي. لكن العجيب، أن أحد المراجع الدينية، بدل أن يرحب بحل نزاع على قطعة أرض كان من الممكن أن يتحول فتنة خطيرة تودي بالبلاد إلى ما لا يحمد عقباه، وتؤدي إلى زيادة الشحن الطائفي بين المسيحيين والمسلمين، قام بصب الزيت على النار، حتى بعد انتهاء الأشكال وتحقيق المصالحة.
حسناً فعل المعنيون، بأن أخرجوا قضية بلدة لاسا في قضاء جبيل من التشنج الذي كانت تسير به، والذي كاد أن يؤذي لبنان بأكمله، بقدر ما كاد يؤذي أهل جبيل وأهل لاسا والجوار بالتحديد، لكن هل يستطيع الصرح البطريركي أن يشرح لنا ما مغزى الحديث الذي صرحت به مصادره بعدما انتهى الموضوع وتمت المصالحة ودُفنت الفتنة في مهدها؟
أن تقول مصادر بكركي إنها كانت تفضل أن يتسلم المفتاح مسؤول الوقف بدل أن يتسلمه العماد عون، هو أمر نفهمه، إذ كثيراً ما اعتمدت بكركي التحريض ضد التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون، ولطالما فضلت غبن المسيحيين وظلمهم وهجرتهم على أن يكون للعماد عون يد في تحقيق مكاسب لهم، أو حفظ حقهم في الشراكة الوطنية. لكن، أن تطالب مصادر الصرح البطريركي من حزب الله أن «يرد لهم الجامع الكبير في شارع المعرض، وبقية الكنائس في بيروت التي بنيت عليها الجوامع في العهد العثماني»، فقد وقفنا مذهولين أمام هول هذا التصريح.
وبعد الاستفاقة من صدمة قراءة الخبر، لا بد لنا من الرد عليه ببعض الملاحظات الأساسية:
أولاً: إن الحديث عن المقامات الدينية بهذا الشكل، يدل أن قائله لا يعرف أن جوهر الإيمان وجوهر الرسالات السماوية هو الإيمان بالله الواحد، وأن الأديان السماوية لا يفترض بها أن تتنازع على دور العبادة، وهي في الأساس مخصصة للصلاة لله الواحد، وأنه من المخجل لا بل ومن المعيب أن يقال إن الأديان تختلف على أحقية الصلاة في دور العبادة، وكأن للرسالات السماوية آلهة مختلفة وليس إله واحد تعبده هو الله عز وجل.
ثانياً: إن التوقيت الذي تتحدث فيه مصادر بكركي بهذا الشكل هو توقيت مستغرب، ففي الوقت الذي تتم فيه المصالحات بين القوى السياسية والدينية في البلاد، وفي الوقت الذي تحاول فيه المناطق اللبنانية أن تلملم جراحها وتتجه إلى بناء عيش مشترك سليم، تطلق بكركي هذه التصريحات، وكأنها تهدف إلى نقل الصراع إلى ساحة أخرى بين المسيحيين والمسلمين، بعدما انطفأ في معظم الساحات التي كان قائماً فيها.
ثالثاً: ألم تنتبه مصادر الصرح إلى أنها استفاقت على موضوع مضى عليه مئات السنين؟ فما الداعي لهذا التحريض الذي طوي منذ قرون عدة؟ لو كان الأمر مجدياً لبكركي ولو بنسبة ضئيلة جداً لتفهمنا الموضوع، لكنه كلام فارغ لا يؤدي إلا إلى زيادة التشجنات والبغضاء بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، فما النفع؟
رابعاً: إذا أردنا أن نحلل أكثر، لماذا لا تتوجه مصادر الصرح إلى «القوات اللبنانية» وتطلب من حلفائها أي «تيار المستقبل»، أن يسلموها «الجامع الكبير في شارع المعرض، وبقية الكنائس في بيروت، والتي بنيت عليها الجوامع في العهد العثماني»، لتسلمها بدورها إلى بكركي، وإذا لم تكن مصادر الصرح تريد أن تطلب هذا الأمر من «القوات»، لماذا لا يقوم سيد الصرح بنفسه بالطلب من زواره الدائمين من تيار «المستقبل»، وحلفائه كالسنيورة والحريري؟ بالتأكيد، لن يبخلوا عليه بطلب كهذا، فلماذا لا يجربهم؟ ولماذا يطلبه من حزب الله، خصوصاً أن الجامع الكبير الذي تطالب به مصادر الصرح، هو للطائفة السنية الكريمة؟
أخطأت مصادر الصرح البطريركي كثيراً في هذا التصريح، وفي ذاك الحقد الذي بثته عبر وسائل الإعلام. لقد كنا نعتقد أن التحريض الطائفي والمذهبي يأتي من بعض الموتورين أو السياسيين، الذين يريدون أن يستغلوا الدين في تحقيق مكاسب انتخابية أو سياسية ضيقة، لكن أن تنخرط فيه المراجع الدينية التي من المفترض بها أنها هي التي تعلم الناس على أسس وجوهر الدين، وهو المحبة والتسامح ونكران الذات من أجل الخير والعدل، لهو أمر مستغرب، ويكاد لا يُصدَّق.
الكاتب: ليلى نقولا الرحباني