تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أبناؤنا فلذات أكبادنا, أمانة في أعناقنا, من المهد إلى اللحد



النصر قادم
09-09-2008, 03:57 AM
أبناؤنا فلذات أكبادنا, أمانة في أعناقنا, من المهد إلى اللحد



الحمدُ للهِ القائل ِفي محكم ِالتنزيل ِ: ( يا أيها الناسُ اتقوا ربكُمُ الذي خلقكُم من نفس ٍواحدةِ, وخلقَ منها زوجَهَا, وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً, واتقوا اللهَ الذي تساءلونَ بهِ والأرحامَ, إن اللهَ كانَ عليكم رقيباً {1} ) النساء .
ويقولُ الرسولُ الأكرم صلى الله عليه وسلم : ( تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ) .
الإخوة الكرام, الأخوات الكريمات : إن مما يثلج الصدر, ويثبت الفؤاد, ويملأ النفس طمأنينة, والقلب سعادة وسكينة, أن يلتزمَ المسلم بأمر الله تبارك وتعالى, وأن يقتفي أثر النبي الهادي عليه السلام .
فالزواج فطرة إنسانية, يقبلُ عليها المسلم فتطمئن بذلك نفسُه, حتى وهو يحملُ أمانة المسؤولية تجاه من له في عنقه حق التربية والرعاية, والحفاظ على النسل البشري. وصدق الله العلي العظيم إذ يقول : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها, لا تبديل لخلق الله, ذلك الدين القيم, ولكن أكثر الناس لا يعلمون{30} ) الروم .
لذلك فإنه يظهرُ ومنذ اليوم الأول لزواج العروسين حرصهما على التناسل والتكاثر امتثالا لهدي الرسول الكريم عليه السلام وقد قال : ( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عزَّ وجل خيراً له من زوجة صالحة, إن أمرها أطاعته, وإن نظر إليها سرته, وإن أقسم عليها أبرته, وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ) .
وقال : ( الدنيا متاع, وخير متاعها المرأة الصالحة ).
وتحقيقاً لإشباع غريزة النوع, فيعملان جاهدين لتحقيق هذه الغاية، وما أن تظهر أعراض الحمل حتى تفوق سعادتهما الوصف, فيحرصان على راحة الجنين وسلامته, ويحملانه على أكف الراحة حتى قبل أن يرى النور.
فإذا جاء اليوم الموعود, والمولد المشهود, وبعد أن تكون الأم قد لاقت من الآلام ما لاقت من سهر الليالي، والآم الحمل والمخاض والوضع, فإنها وبمجرد سماعها لبكاء وليدها تنسى كل آلامها, وتغمرها سعادة غامرة .
هذه هي المرحلة الأولى على طريق الرعاية والعناية .
ثم لتبدأ بعدها مراحل تتبعها مراحل, لا تكاد تخلو مرحلة منها من المشقة والجهد والعنت, ورغم ذلك فإن السعادة والحُبور لا تكادان تفارقان الزوجين بضيفهما القادم الجديد، فيعملان على رعايته، ويحرصان على حياته، يرونه كل يوم وهو ينمو كما تنمو الزهرة, يوماً بعد يوم حتى يشب .
فيعيشان خلاف ما كانا عليه في الزمن القريب, إن تألمَ! تألما لأجله, وإن بكى! كفكفا دمعه, وسهرا على راحته، وإن جاع منعا نفسيهما الطعام ليطعماه, حتى وإن ناما طاويين لأجله, وإن أصابه مكروه أسرعا به إلى الطبيب لمعالجته, حتى ينمو شيئا فشيئا, ويوماً فيوماً, يرونه وهو يكبر أمامهما، يحزنان لحزنه, ويفرحان بفرحة.
ثم لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثالثة بدخوله الروضة أو البستان، ثم الإبتدائي, فالإعدادي, فالثانوي, هذا يُدرسُه ويُعلمه، وذاكَ يلاعبه ويلاطفه, وتلك ترعاه وتحفظه, من أهله وأقرب المقربين إليه .
وإن أكرمهما المولى بشقيق آخر له فلن تكون رعايته على حسابه أبدا, وهكذا دواليكَ مهما بلغ الأولاد من العدد, فالوالد يتولى الإنفاق تماماً كما فعل مع الأول فالأول سواء بسواء, حتى آخر مولود, وربما يكون عاملا أو موظفاً, وعلى الرغم من ذلك فإنه ومهما ثقل عليه الحمل لا يبخل على أيٍّ منهم أبدا .
فالوالد ومنذ كان ولده نطفة فعلقة فمضغة وهو ينفق عليه, وهذا دأبُه في تنقل طفله من مرحلة إلى أخرى, يقطع عن فيه ليرضيه، وهكذا دواليك.
نعم, يسهران ولا ينامان, يوصلان ليلهما بنهارهما سعياً لراحته, وطلباً لسعادته .
فالوالد ينفق كل ماله على أولاده وهو فرحٌ مسرور، حتى وإن ازداد ثقل الحمل عليه يوماً بعد يوم حتى يكبر الرضيع, ويصبو, ويرشدَ, ويشبُّ, إلى أن يصير شاباً يافعا .
ثم لتزداد النفقة بعد ذلك إن كان الولد مميَّزا في عقلهِ, مبدعاً في علمه.
فيدخل الجامعة. وهنا يزداد الحمل, ويكثرُ العَوز, فلا يُشعرانه ولا يخبرانه, ويكتمان عنه همهما وما هم فيه من ضيق اليد وقلة الحيلة.
وهنا تبدأ المرحلة التي لم تكن يوماً بالحسبان !
فهذا الصبي وقد نما, وشبَّ, وكبر, وكبرَ معه الحملُ وازداد المصروف وكثرت النفقة، شب حتى شاب, وهو يدرس لينال أعلى الدرجات, وليتفوق على أقرانه، وليبدع أيُّما إبداع, ولكن ... يقف هذا الحبيب حائراً بين أمرين أحلاهما مُر!
أولهما : أن والديه ليسا من أهل المناصب, وليس لهم واسطة, ولن يرشوا وسيطاً, وخاصة إن كانا مسلمين ملتزمين, فيضيع ولديهما ما بين ذهاب وإياب، وإن كان ابنهما من حملة الدعوة فإنه يموت في كل يوم مئة مرةٍ وهو حي، يحيا على أمل الحصول على وظيفة, أو تراه على الأرصفه ! ينتظر التعيين الذي لن يأتيَ حتى ولو بعد حين, فيضيع هذا المبدع بين الإنتظار وانتظار الإنتظار! ولا حظ له في هذا الإنتظار.
فيكون مقتلا لوالديه وهما يريانه قد انكمش وأصابه الهُزال، وأعياه الإنتظار, وأتعبه السؤال !؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع الجزء الثاني والأخير بإذن الله تعالى

صرخة حق
09-09-2008, 05:48 AM
وهنا تبدأ المرحلة التي لم تكن يوماً بالحسبان !
فهذا الصبي وقد نما, وشبَّ, وكبر, وكبرَ معه الحملُ وازداد المصروف وكثرت النفقة، شب حتى شاب, وهو يدرس لينال أعلى الدرجات, وليتفوق على أقرانه، وليبدع أيُّما إبداع, ولكن ... يقف هذا الحبيب حائراً بين أمرين أحلاهما مُر!
أولهما : أن والديه ليسا من أهل المناصب, وليس لهم واسطة, ولن يرشوا وسيطاً, وخاصة إن كانا مسلمين ملتزمين, فيضيع ولديهما ما بين ذهاب وإياب، وإن كان ابنهما من حملة الدعوة فإنه يموت في كل يوم مئة مرةٍ وهو حي، يحيا على أمل الحصول على وظيفة, أو تراه على الأرصفه ! ينتظر التعيين الذي لن يأتيَ حتى ولو بعد حين, فيضيع هذا المبدع بين الإنتظار وانتظار الإنتظار! ولا حظ له في هذا الإنتظار.
فيكون مقتلا لوالديه وهما يريانه قد انكمش وأصابه الهُزال، وأعياه الإنتظار, وأتعبه السؤال !؟


أقاطعك قبل الاِتباع من قبلكم ..

لا ينبغي أن يكون لأي أمر مهما عظم شأنه ، و لا لأي عائق سدّ به طريقنا أو طريق أبنائنا يكون حائلا دون اثبات النفس ودون التقدم ، قد تتغير الوجهة ويتغير الطريق ولكن التصميم والعزيمة القوية المحاطة بالدعاء الخالص تحطم كل صعب

النصر قادم
09-13-2008, 11:52 AM
أقاطعك قبل الاِتباع من قبلكم ..

لا ينبغي أن يكون لأي أمر مهما عظم شأنه ، و لا لأي عائق سدّ به طريقنا أو طريق أبنائنا يكون حائلا دون اثبات النفس ودون التقدم ، قد تتغير الوجهة ويتغير الطريق ولكن التصميم والعزيمة القوية المحاطة بالدعاء الخالص تحطم كل صعب


أخي الفاضل أشكرك على المرور والتعقيب

هلاَّ جعلت مع الدعاء شيئاً من العمل

فالله تبارك وتعالى لا يقبل من المسلم أن يقوم بالنافلة ويترك الفريضة ؟؟!!

من هناك
09-13-2008, 06:55 PM
بارك الله بك على هذا الموضوع المهم جداً ولكني احب ان اخلفك في الخاتمة.

انا اؤمن بأن الأرزاق بيد الله وحده سبحانه وتعالى وان الإنسان يسعى والله يقدم له ما فيه الخير. لقد جئت من بيئة تظن ان الإنسان لا يستطيع ان يأكل او يعيش او يتزوج بدون الذهاب إلى الجيش وان الذهاب إلى الجيش لا يتم إلا بدفع الأموال الكثيرة الغبية. تخيلوا ان إنساناً قد يستدين ويدفع مبلغ 30 الف دولار كرشوة كي يدخل إبنه الجامعي إلى المدرسة الحربية ولا يدفع دولاراً واحداً صدقة لبيت الله احياناً.

إن الفكر البشري قاصر عن فهم حكمة الله في ارضه وعن فهم اسباب الرزق وانقطاعه لإيمانه بالماديات فقط وعدم الإتكال الصحيح على رب العالمين.

ولكن مع كل القتامة التي قلت لكم عنها في بيئتي تلك، فقد خرج منها اناس رزقهم الله بدون ان يدفعوا الرشوة وقد نجحوا حيث فشل كل الآخرون من اصحاب الرشوة. لا انكر ان الكثير من الشباب ممن يدفعون الرشوة قد وصلوا لمستوى جيد بعكس اقرانهم الذين بقوا ينتظرون الفرج من التواكل ولكن الفرق ان من يدفع الرشوة يريد الحياة السهلة ومن يكد يريد ان يضحي اكثر واكثر.

هذا طبعاً في لبنان والحال في دول اخرى اسوأ ولكن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ورزقهم في السماء ويقسم لهم الأرزاق بين الفجر وطلوع الشمس فهل هم يبحثون عن رزقهم؟ الله اعلم.

النصر قادم
09-14-2008, 02:49 PM
بارك الله بك على هذا الموضوع المهم جداً ولكني احب ان اخلفك في الخاتمة.

انا اؤمن بأن الأرزاق بيد الله وحده سبحانه وتعالى وان الإنسان يسعى والله يقدم له ما فيه الخير. لقد جئت من بيئة تظن ان الإنسان لا يستطيع ان يأكل او يعيش او يتزوج بدون الذهاب إلى الجيش وان الذهاب إلى الجيش لا يتم إلا بدفع الأموال الكثيرة الغبية. تخيلوا ان إنساناً قد يستدين ويدفع مبلغ 30 الف دولار كرشوة كي يدخل إبنه الجامعي إلى المدرسة الحربية ولا يدفع دولاراً واحداً صدقة لبيت الله احياناً.

إن الفكر البشري قاصر عن فهم حكمة الله في ارضه وعن فهم اسباب الرزق وانقطاعه لإيمانه بالماديات فقط وعدم الإتكال الصحيح على رب العالمين.

ولكن مع كل القتامة التي قلت لكم عنها في بيئتي تلك، فقد خرج منها اناس رزقهم الله بدون ان يدفعوا الرشوة وقد نجحوا حيث فشل كل الآخرون من اصحاب الرشوة. لا انكر ان الكثير من الشباب ممن يدفعون الرشوة قد وصلوا لمستوى جيد بعكس اقرانهم الذين بقوا ينتظرون الفرج من التواكل ولكن الفرق ان من يدفع الرشوة يريد الحياة السهلة ومن يكد يريد ان يضحي اكثر واكثر.

هذا طبعاً في لبنان والحال في دول اخرى اسوأ ولكن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ورزقهم في السماء ويقسم لهم الأرزاق بين الفجر وطلوع الشمس فهل هم يبحثون عن رزقهم؟ الله اعلم.

الأخ الكريم : يجب أن تفرق بين الرزق والوسيلة

فالرزق من عند الله قطعاً ويقينا فهو الرازق وهو المعطي وهو المانع ــ وهذا كله مما انبثق من العقيدة الإسلامية ولهذا يجب أن نؤمن به

أما الحالة الثانية والمتعلقة بالسعي لطلب الرزق فإنه محثوث عليها في كتاب الله المبين وسنة نبيه الكريم
والسعي يا أخي هو حالة متعلق بالأحكام وليس متعلق بالإيمان


والفارق بينهما : أن السعي قد يحصل فيها الرزق وقد لا يحصل

وهو وإن كان مطلوباً ( السعي) إلاَّ أنه ليس سبباً في حصول الرزق

لأن الرزق كما بينا أنفا غيب وهو من عند الله

والسلام

صرخة حق
09-14-2008, 11:16 PM
أخي الفاضل أشكرك على المرور والتعقيب

هلاَّ جعلت مع الدعاء شيئاً من العمل

فالله تبارك وتعالى لا يقبل من المسلم أن يقوم بالنافلة ويترك الفريضة ؟؟!!


ونقصد يا أخانا بالعزم والتصميم العمل الجاد وليس الشيء منه للتوضيح والتبيان


أختك صرخة حق

النصر قادم
10-06-2008, 10:35 AM
ونقصد يا أخانا بالعزم والتصميم العمل الجاد وليس الشيء منه للتوضيح والتبيان


أختك صرخة حق

عذرا ًأختاه جزاكِ المولى من لدنه كل خير ... والحمد لله على سلامة ولدك ... ولله الحمُدُ والمِنـَّة


ومرة أخرى أقول : أختي الفاضلة أشكركِ على المرورِ والتعقيب

وعذراً على الإلتباس

فهلاَّ جعلتِ يا أختاه مع الدعاء شيئاً من (القطران) أي من العمل


والحمد لله وقد فعلتِ ذلك بجد وإصرار... تماماً كما فعلتِ مع ولدك

والحمد لله على سلامته

دمتم على خير


والسلام

النصر قادم
10-11-2008, 01:17 PM
أباؤنا أكبادنا تمشي على الأرض ِ

اللهم احفظهم من كل سوء

النصر قادم
10-16-2008, 11:29 PM
بارك الله بك على هذا الموضوع المهم جداً ولكني احب ان اخلفك في الخاتمة.


انا اؤمن بأن الأرزاق بيد الله وحده سبحانه وتعالى وان الإنسان يسعى والله يقدم له ما فيه الخير. لقد جئت من بيئة تظن ان الإنسان لا يستطيع ان يأكل او يعيش او يتزوج بدون الذهاب إلى الجيش وان الذهاب إلى الجيش لا يتم إلا بدفع الأموال الكثيرة الغبية. تخيلوا ان إنساناً قد يستدين ويدفع مبلغ 30 الف دولار كرشوة كي يدخل إبنه الجامعي إلى المدرسة الحربية ولا يدفع دولاراً واحداً صدقة لبيت الله احياناً.

إن الفكر البشري قاصر عن فهم حكمة الله في ارضه وعن فهم اسباب الرزق وانقطاعه لإيمانه بالماديات فقط وعدم الإتكال الصحيح على رب العالمين.

ولكن مع كل القتامة التي قلت لكم عنها في بيئتي تلك، فقد خرج منها اناس رزقهم الله بدون ان يدفعوا الرشوة وقد نجحوا حيث فشل كل الآخرون من اصحاب الرشوة. لا انكر ان الكثير من الشباب ممن يدفعون الرشوة قد وصلوا لمستوى جيد بعكس اقرانهم الذين بقوا ينتظرون الفرج من التواكل ولكن الفرق ان من يدفع الرشوة يريد الحياة السهلة ومن يكد يريد ان يضحي اكثر واكثر.

هذا طبعاً في لبنان والحال في دول اخرى اسوأ ولكن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ورزقهم في السماء ويقسم لهم الأرزاق بين الفجر وطلوع الشمس فهل هم يبحثون عن رزقهم؟ الله اعلم.

أخي الكريم هذه خطبة جيدة فيها ما يسرك ويجلي قلبك ويشرح صدرك

مفاتيح الرزق

ناصر محمد الأحمد


ملخص الخطبة


1- الله هو الرزاق، وقد تكفل برزق الجميع. 2- الرزق أمر مقدر قبل ولادة الإنسان. 3- تقسيم الأرزاق وتفاوت الناس إنما هو قسمة الرزاق الكريم. 4- الإنفاق وسيلة لزيادة الرزق. 5- الرزق لا يطلب إلا من الله. 6- لا تلازم بين محبة الله وسعة الرزق. 7- أسباب شرعية تستجلب الرزق والبركة.


الخطبة الأولى



أما بعد: إن الله جل جلاله، خلق الخلق، وتكفل برزقهم وقوتهم، فآواهم وأعطاهم وأمدهم، فهذه تسعة من جوانب عقيدة المسلم في باب الرزق.
أولاً: إن الله سبحانه وحده هو الرزاق ذو القوة المتين، قال الله تعالى: ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [الروم:40]،
وقال تعالى: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلاْبْصَـٰرَ
[يونس:31]،
وقال جل ذكره: [وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ أَفَبِٱلْبَـٰطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ
[النحل:72]. إذاً كل ما بيد المسلم في هذه الدنيا فهو من رزق الله له، أموال وبنين، بيوت ودور، مزارع وقصور صحة وعافية، كلها وغيرها من تمام رزق الله لعبده في الدنيا.
ثانياً: رزق الخلق في الدنيا من صفات الله الدالة على كمال ربوبيته وقيوميته، انظر إلى ما خلق الله في هذا الكون، تجده كله مرزوقاً متقلباً في رزق الله.
ثالثاً: إن من لوزام مقتضيات الإيمان بالقضاء والقدر، في عقيدة المسلم، في باب الرزق، أن كل خير وكل رزق يقدره الله للعبد، لا يمكن أن يخطئه ويستحيل أن يصيب غيره، قال الله تعالى: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [هود:6]. لقد تكفل الله برزق الخلق عندما خلقهم، فلم يتركهم سبحانه هَمَلاً، ولم يتركهم جياعاً عطاشاً، بل قدر لهم مقاديرهم، وكتب لكل نفس رزقها ولن تموت يا عبد الله، اعلم أنك لن تموت حتى تستكمل الرزق الذي كتبه الله لك.قالرسولاللهصلىاللهعليهوسلم في الحديث الصحيح: ((إن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)) [السلسلة (2866)].
إن رزقك يا عبد الله كتب لك بالدقة، حتى القرش حتى اللقمة، وأنت في بطن أمك، أَرْعِني سمعك وافهم هذا الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً، ويؤمر بأربع كلمات، ويقال له، اكتب عمله و رزقه وأجله، وشقي أو سعيد ثمُ ينفخ فيه الروح)) رواه البخاري ومسلم.
فوالله الذي لا إله إلا هو، لو اجتمعت الدنيا كلها، بقضِّها وقضيضها، وجيوشها ودولها، وعسكرها وملوكها وأرادوا أن يمنعوا رزقاً قدره الله لك، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ولو أرادوا أن يسقوك شربة ماء، لم يكتبْه الله لك، فإنك ستموت قبل هذه الشربة.
رابعاً: وأيضاً من جوانب الاعتقاد في الرزق، أن تقسيم الأرزاق بين الناس، لا علاقة له، بالحسب ولا بالنسب، ولا بالعقل والذكاء، ولا بالوجاهة والمكانة ولا بالطاعة والعصيان، وإنما يوزع جل جلاله رزقه على عباده، لحكمة هو يعلمها، فقد يعطي المجنون، ويحرم العاقل، وقد يعطي الوضيع، ويمنع الحسيب.


ولو كانت الأرزاق تجري على الحجـا هلكـن إذاً من جهلهـن البهائـم



ولم يجتمـع شـرق وغـربٌ لقاصد ولا المجد في كف امرئ والدراهـمُ

فإذا أُعطيتَ يا عبد الله، فلا تظن بأن هذا الرزق قد سيق إليك لأنك من قبيلة كذا، أو لأنك تحمل الجنسية الفلانية، أو لأنك أذكى من غيرك، لا، وإنما هذه أرزاق يقسمها مالك السماوات والأرض، لِحِكَمٍ هو يعلمها.
خامساً: إن الرزق يُجرىَ للعبد، ليستعين به على طاعة ربه، قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله: "إنما خلق الله الخلق، ليعبدوه، وإنما خلق الزرق لهم، ليستعينوا به على عبادته".
إذن يعطيك الله سبحانه ما أعطاك لتلهوَ وتلعب به، وتنسى الدار الآخرة، الذي من أجله خلقت ولأجله أُعطيت، لا يا عبد الله، إن الله أعطاك ما أعطاك، لتستعين به على عبادته، لا لتستخدمه في محرماته. إن أولئك الذين يستخدمون مال الله، فيما حرم الله، وينهكون الصحة والبدن والعافية، التي هي من أَجَلِّ زرق الله، ينهكونه ويسخرونه في شهوات حرمها الله عليهم، هؤلاء بماذا وكيف يجيبون إذا سئلوا يوم القيامة؟
بماذا يجيب الذي يستخدم رزق الله، في سفرات محرمة، وجلسات مشبوهة؟
بماذا يجيب من يستخدم رزق الله، في إدخال آلات ووسائل محرمة إلى بيته، تستقبل العهر والفاحشة من شرق الدنيا وغربها.بل قبل وبعد هذا؟
بماذا يجيب من يستخدم رزق الله في محاربة دين الله؟
بماذا يستجيب من يستخدم رزق الله في محاربة أولياء الله؟
بماذا يستجيب من يستخدم رزق الله في التمكين لأعداء الله؟
إذاً فلْيُعِدَّ كلٌ لسؤال ذلك اليوم جوابا.
سادساً: كثيراً ما يُربط في القرآن بين رزق الله للعباد، وبين مطالبة العباد للإنفاق في سبيل الله، من ذلك الرزق، الذي تفضل هو به عليهم، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَـٰكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ وَلَن يُؤَخّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:9-11].
وكثيراً ما يصف الله سبحانه المؤمنين بأنهم مما رزقناهم ينفقون، قال الله تعالى: قُل لّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلانِيَةً [إبراهيم:31]، وقال تعالى: [وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّا وَجَهْرًا [النحل:75]، وقال سبحانه: [ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ [الأنفال:3]، ما دلالة هذه الآيات؟
إن هذه الآيات وأمثالها تدل على أن من المقاصد الأساسية لرزق الله للعبد، هو أن يُتعَبَّدَ اللهُ بهذا الرزق، ولهذا تجد أن الفقهاء يذكرون في كتب الفقه، أنّ على العباد، عبادات مالية، ويضربون لذلك مثلاً الزكاة، وعبادات بدنية كالصلاة، ونوع ثالث تجتمع في العبادات البدنية والمالية، ويضربون لذلك مثلاً بالحج. فأنت تنفق من رزق الله وتصرف في الحج تتعبد بذلك لله.
إذاً من المقاصد الأساسية لرزق الله، هو التعبد لله به، بالنفقة والزكاة والصدقة والوقف وبإطعام الطعام، والهدية، والهبة، فهذه كلها وغيرها ينفقها المسلم من رزق الله، تعبداً لله.
كل هذا ليس بغريب، لكن الغريب هو العكس أن لا يتَعَبَّدَ العبدُ الله من رزقٍ لله، والعجيب أن يمسك العبد عن العطاء لله، من رزق الله.هذا هو الغريب.
سابعاً: ومن عقيدة المسلم في الرزق، أن الله جل وعز، فضل بعض الناس على بعض في الرزق، فأعطى هذا وبسط له الكثير، وأعطى ذاك أقل منه، وحرم الثالث فلم يعطهِ شيئاً. قال الله تعالى: وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلْرّزْقِ [النحل:71]، وهذا ليس بغريب وليس بسر، لكن من لطيف أسرار الرزق، أنك تجد الأول الذي بُسط له في الرزق، ويملك الكثير، لا يشعر بذلك، بل يشعر أنه محروميملك، لكن حياته جحيم، يملك، ويعيش حياة من لا يملك.
والآخر، الذي أعطِيَ القليل وفي كثير من الأحيان لا يكفيه، ولا يكفي عياله، ومع ذلك يرى أنه قد أوتي خيراً كثيراً، وأنه رُزق رزقاً عظيماً.ما السر في ذلك أيها الأحبة؟
السر، أن الرزقَ الحقيقي رزقُ القلب بالإيمان والقناعة، فمن رزقه الله القناعة، فقد أوتي خيراً كثيراً، وأحسَّ بالسعادة في دنياه قبل آخرته. كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يقول له، "واقنعْ برزقك من الدنيا فإن الرحمن فضل بعض عباده على بعض في الرزق.
ثامناً: ومن العقائد المهمة في باب الرزق، أنه لا يُطلب إلا من الله، ولا يُسأل إلا وجهه الكريم، إذا سألت فاسألِ الله، وإذا استعنت فاستعِنْ بالله، ولذا ذمَّ الله تعالى أولئك الذين يدعون غيره في طلب الرزق، فقال سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مّنَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ[[النحل:73]، وأمر جل وتعالى عباده المؤمنين بطلب الرزق عنده فقال: فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ[ [العنكبوت:17]. من طلب الله وسأله وبذل الأسباب وتوكل عليه، أعطاه الله، وسخر له ما لا يتوقع، ورزقه من حيث لا يحتسب.وأتته الدنيا وهي راغمة.
وأما من التفت إلى غير الله، وتعلق قلبه بما في يد فلان وفلان، ظن أنهم سيعطوه، وترك سؤال الله، أذله الله، وحرمه ما تمنى ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له. أَمَّنْ (http://www.islamdoor.com/k/start-icon.gif[/IMG]أَمَّنْ) هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوّ وَنُفُورٍ [الملك:21].
أما علم ذلك أولئك الذين باعوا ذممهم لعرض من الدنيا قليل، وباعوا دينهم مقابل قطعة أرض، أو حفنة مال. إن أولئك الذين يلوون أعناق النصوص. ويستظهرون فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان طمعاً في الدنيا، هؤلاء سيمحق الله بركة علمهم إذا كان عندهم علم، وسيمحق بركة العَرَض الذي نالوه، بل وسيمحق بركة حياتهم كلها، أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوّ وَنُفُورٍ:
تاسعاً: إن عطاء الله، وإغداقه سبحانه في الرزق على العبد، لا يدل على محبة الله لهذا العبد، ورضاه عنه وَمَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ[البقرة:126]، فلو وُسِّعَ عليك في رزقك، وأصبحت تربح الألوف بدل المئات، والملايين بدل الألوف، فلا تظن بأن هذا بسبب محبة الله لك، فالله قد يعطي الفجار أكثر من الأبرار، وقد يرزق الكافرين أضعاف أضعاف المسلمين، قال الله تعالى: وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا بِيّنَـٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءياً [ قُلْ مَن كَانَ فِى ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَـِّقِيَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً[IMG] [مريم:73-76].
وأَرْعِني سمعك ـ يا أخي ـ لحديث عقبة بن عامر في المسند، وهو حديث صحيح، فقد قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم: ((إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا، وهو قائم على معاصيه فليحذرْ فإنما هو استدراج)) ثم تلا قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ[الأنعام:44]. قال الله تعالى: فَأَمَّا ٱلإِنسَـٰنُ إِذَا مَا ٱبْتَلـٰهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ٱبْتَلَـٰهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّى أَهَانَنِ[الفجر:15، 16].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، واتباع سنة نبينا محمدصلىاللهعليهوسلم.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم...




الخطبة الثانية

أما بعد: يشغل بالَ كثيرٍ من الناس، طلبُ الرزق، وكيف يكون؟ويلجأ بعضهم إلى طرق ملتوية ومحرمة للحصول على الأرزاق وما علم أولئك أن الحرام يمحق البركة، وجهلوا الأسباب الشرعية التي بها يُستجلب الرزق، وبها تفتح بركات السماء، فإليك ـ يا عبد الله ـ ثمانية أسباب شرعية، بها يُستجلب الرزق، هل تستطيع حفظها والأهم العمل بها؟
أولاً: الاستغفار والتوبة، نعم، التوبة والاستغفار، قال الله تعالى: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً[[نوح:10-12]، قال القرطبي رحمه الله: "هذه الآية دليل على أن الاستغفار يُستنزل به الرزق والأمطار"، وقال ابن كثير رحمه الله: "أي إذا تبتم واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم".
جاء رجل إلى الحسن فشكا إليه الجَدْب، فقال: استغفر الله، وجاء آخر فشكا الفقر، فقال له: استغفر الله، وجاء آخر فقال: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال: استغفر الله، فقال أصحاب الحسن: سألوك مسائل شتى وأجبتهم بجواب واحد وهو الاستغفار، فقال رحمه الله: ما قلت من عندي شيئاً، إن الله يقول: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً [ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً [ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً[
ثانياً: ومن أسباب الرزق ومفاتحه، التوكل على الله، الأحد الفرد الصمد، روى الإمام أحمد والترمذي وغيره، بسند صحيح قول النبيصلىاللهعليهوسلم: ((لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)) قال الله تعالى: [وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً[الطلاق:3].
ثالثاً: من أسباب استجداب الرزق، عبادة الله، والتفرغ لها، والاعتناء بها، أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبان بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالرسولاللهصلىاللهعليهوسلم: ((إن الله يقول: يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأَسُد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أَسُد فقرك)).
رابعاً: من أسباب الرزق، المتابعة بين الحج والعمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالرسولاللهصلىاللهعليهوسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد)) رواه النسائي وغيره بسند صحيح. قال أهل العلم: إزالة المتابعة بين الحج والعمرة للفقر، كزيادة الصدقة للمال.
خامساً: مما يُستجلب به الرزق، صلة الرحم، قالرسولاللهصلىاللهعليهوسلم: ((من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنْسَأ له في أثره، فليصل رحمه)) رواه البخاري. وفي رواية: ((من سره أن يُعظم الله رزقهوأن يمد في أجله فليصل رحمه)) رواه أحمد.
أين أنت ـ يا عبد الله ـ من صلة الرحم، إن كنت تريد بسط الرزق بدون صلة الرحم، فهيهات هيهات، فاتَّقِ الله وصِلْ رحمك يبسط لك في رزقك ولعلك تعجب من أن الفَجَرَة إذا تواصلوا بسط الله لهم في الرزق، اسمع لهذا الحديث الصحيح، الذي رواه الطبراني من حديث أبي بكرة، يقولرسولاللهصلىاللهعليهوسلم: ((إن أعجلَ الطاعة ثواباً لَصِلَةُ الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فَجَرة، فتنموَ أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا)).
سادساً: من أسباب الرزق أيضاً، الإنفاق في سبيل الله، قال الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ [سبأ:39]. ((أنفقْ يا بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً)) صححه الألباني. روى مسلم في صحيحه عن النبيصلىاللهعليهوسلمقال: يقول الله تعالى: ((يا ابن آدم أنفِقْ أُنفِقُ عليك)) الله أكبر ما أعظمه من ضمان بالرزق، أنفقْ أُنفقُ عليك.
سابعاً: من أسباب الرزق ومفاتيحه، الإحسان إلى الضعفاء والفقراء. وبذل العون لهم، فهذا سبب في زيادة الرزق وهو أحد مفاتيحه، قالرسولاللهصلىاللهعليهوسلم: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)) رواه البخاري.
فمن رغب في رزق الله له، وبسطه عليه، فلا ينسَ الضعفاء والمساكين، فإنما بهم ترزق ويُعطى لك، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((أبغوني في ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)) رواه النسائي وأبو داود والترمذي.
ثامناً: من مستجلبات الرزق، المهاجرة في سبيل الله، والسعي في أرض الله الواسعة، فما أغلق دونك هنا، قد يفتح لك هناك، -وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى ٱلأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً [النساء:100]، كم من الناس تركوا بلاداً، هي أحب البلاد لقلوبهم ولو خيروا لاختاروها على غيرها ـ لكنه الرزق ـ فتح الله عليهم في غير أرضهم، وفي غير بلادهم. ولله الأمر من قبل ومن بعد.