تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : توجيهات لحياة أفضل



داليا رشوان
09-04-2008, 08:40 PM
بقلـم دالـيا رشـوان



طلبت مني أخت فاضلة موضوعا عمليا بحيث يتخلله واجبات عملية يومية أو أسبوعية يسهل تطبيق كل خطوة فيه و بالتالي يبدأ الجميع مشوار التغيير بأنفسهم. هذه الرسالة جاءت أثناء تفكيري في موضوع مناسب ومؤثر لشهر رمضان، فقررت أن يكون ردي على هذه الرسالة هو موضوع شهر رمضان 2008



أثنى الله على الذين يسعون إلى الأفضل ويتَّبعون أحسن ما يسمعون من القول فقال تعالى في سورة الزمر:



وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (18)



هؤلاء من أهم سماتهم أنهم يسارعون في الخيرات



إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) - المؤمنون



لذا فإن كنت تسعى إلى التغيير لما يحبه الله ويرضاه فابدأ بالإستجابة لأحسن القول وابدأ بسرعة ولا تنتظر شيئا ما يحدث فإستجابتك لدعوة الله هي التي ستجعل الأحداث تتغير.



في الحقيقة أن معظم إن لم يكن كل من يريد أن يلتزم يضع لنفسه جدولا يحمل مواعيد الصلاة والنوافل وقراءة القرآن وهكذا، ولكن للأسف هذا ليس جدول إلتزام بالدين ولكن إلتزام بمظاهر الدين وهذه المظاهر الكل يعرفها وهي الأسهل تطبيقا لأنها تتعلق بأفعال تستطيع تغييرها والإعتياد عليها بسطحية وبلا روح وذلك لأنك بدأت إلتزامك بحركات لا تعرف مدلولها.



يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله أن 10% فقط مما أمرنا به الله هو في أركان الإسلام الخمس وباقي ال90% تتركز في حركة الحياة، وليس هذا تقليلا من شأن العبادة ولكن كل مسلم يعرف أن عليه الصلاة والصيام وقراءة القرآن والزكاة والحج وقليل جدا من يعرف كيف يعبد الله وكيف يحيا بالله سواء كان في وقت الفريضة أو في وقت العمل أو حتى في راحته وأوقات استجمامه ليصل إلى منزلة الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم.



والمسألة يسيرة لكن كل ما يعيقها الإرتباط بالدنيا والإرتباط بالعادات الموروثة التي جعلتنا نرث طباع وأفعال آبائنا وأساليب تعاملاتهم بتلقائية دون أن نتأمل هل هي صالحة أم لا، فالأولاد يدخلون المدرسة ثم الجامعة ثم يتزوجون وينجبون بلا هدف أو رؤية عميقة لأحداث الحياة، وأضف على ذلك عادتنا في بيوتنا ومعاملاتنا وعلاقتنا بالآخرين، قد يكون الإنسان معذورا وغير ملام وهو طفل لأن أمه ربته على هذه العادات ولكن وجب على كل رجل وامرأة ناضجين أن يعيدوا النظر في حياتهم ويجددوا عهودهم مع الله وأن يغيروا من أنفسهم وفق ما أمر به الله ولو كان مخالفا لما اعتادوا عليه.



التغيير الفعلي يبدأ بمحاولة الخروج من هاتين العباءتين (العادات والدنيا) وإرساء بعض القواعد الهامة كمبدأ حياة، فأما الإرتباط بالدنيا فهي مسألة تحتاج تغييرا عميقا لطريقة النظر إلى الأشياء والأحداث من حولنا ورَدَّها كلها لله. إليكم بعض النقاط الهامة في هذا الإطار:



- الأحداث جميعها من الله ولا شئ يحدث صدفة وليس هناك من هو أحسن حظا من الآخر، هذه الأحداث خير حتى لو رأيناها بمنظورنا المحدود على أنها شر، لذا وجب الرضا بأي شئ ثقةً في الله ويقينا في وعده للمؤمنين والمحسنين، تلك الوعود التي تكررت في القرآن لتبشر الذين يعملون الصالحات.

وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً (122) – النساء



وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) – النور

-

- الحياة عمرها قصير جدا واسألوا كبار السن، لذا يجب التعامل معها على أساس أنها فترة مؤقتة نحصد فيها ما ندخره للحياة الباقية وهي الآخرة مع الإحتفاظ بنصيبنا أو حسنة من أعمالنا في الدنيا بقدر ما عملنا.



وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) النحل

وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (41) – النحل

قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) - الزمر

- الرزق من الله وطلب الرزق منه، فلا يملك لك أحد زيادته ولا يملك أحدا ان يحرمك منه إلا هو سبحانه، فإذا أردت الرزق فكن مع الرزاق، واعلم أن تثبيت النعم في شكر الله عليها، والإفراط أو التفريط فيها أو الإنشغال بها عنه سبحانه يهددك بفقدها.


(الرزق هنا هو المال والعلم والصحة والبيت والأسرة والعمل والوقت وطاعة الله ....وكل ما حولك)




- أنت لا تملك في الدنيا شئ، إنما أنت مستأجر لكل شئ من حولك وحتى جسدك فترة مؤقتة ثم تذهب كلها لمن بعدك (إلا جسدك طبعا) وهكذا لمن بعده ولا يبقى إلا ما ادخرته للآخرة فلا تجعل ما في الدنيا من مال وجاه هدفا لك لأنك بذلك ستضيع وقتك في ما لا ينفعك وإن كنت غنيا في الدنيا فكلها أيام معدودة لتتحول لمفلس مُعَذَّب في الآخرة، هذه ليست دعوة للتكاسل والفقر وإنما دعوة لإعادة توجيه نية طلب المال والجاه وجعله وسيلة وليست غاية بهدف تحقيق ما أمر الله به فيمتعك الله بها في الدنيا مع الاحتفاظ بالنصيب الأكبر للآخرة.وما أدل على ذلك من قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف قال تعالى:



وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36)

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)

- لا تحزن على شئ فاتك أو تندم على شئ فعلته طالما أنك تحريت ما يرضي الله وأخذت بالأسباب لأن الله قدر كل شئ بدقة أكبر بكثير مما يمكنك تخيله.



وعودة إلى العادات الموروثة وهي سهلة التغيير بإعادة تقييم الصالح منها والفاسد على أساس المبادئ التي سبق ذكرها أو التي سيأتي تفصيلا لاحقا لها.



الجزء الثاني من هذا الموضوع سيحين فيه موعد الجدول ولكن هو ليس جدولا بالمعنى المعروف إنما حصر لثوابت في حياة كل منا وكيفية التعامل معها في ظل ما أمر الله به، وعلى كل من يريد التغيير الحقيقي الذي يقربه إلى الله أن يستعرض هذه الثوابت بتروي ويعيد النظر في التعامل معها ويحاول قدر الإمكان ضبطها للوصول بمفردات حياته إلى الوضع الأمثل الذي يرضي الله ورسوله.



إنني أعرف تماما أن العملية ستكون شاقة فلقد بدأتها بنفسي في عام 2001، وقتها شعرت أنني غير قادرة على ضبط جميع المفردات في نفس الوقت:


- الصبر على الإبتلاء الشديد بشروط الصبر الصحيحة (عدم الجزع – عدم الشكوى لغير الله إلا لمن يقدر على المساعدة – الرضا بالقضاء – إحتساب الأجر عند الله)

- التوكل الصحيح بترك عبء تدبير جميع الأمور من حولي على الله بيقين عالي ولا أحمل لها هما مع الأخذ بجميع الأسباب المتاحة

- الرضا بجميع الأحداث التي تحدث حولي مهما كان مدى استفزازها والظلم الواقع بسببها فقد دربت نفسي على مبدأ أن كل ما حولي خير ولكني لن أدرك الآن حكمته. (ولكنني اليوم أعلم هذه الحكمة وأعلم جمال وروعة رحمة الله فيها حتى أصبحت أخشى الدعاء بشئ في الدنيا لعلمي أن الله سيكتب لي أفضل مما يمكنني تخيله لنفسي).

- مسألة الصدقات والقناعة الداخلية بأنها لا تقلل المال إنما تزيده حتى أصبحت الآن كلما مررت بأزمة مالية زدت الصدقات فأشعر أنني مرتاحة البال وكأنني بلغة العصر "شحنت الرصيد" فالحسنة بعشرة أمثالها والله يضاعف لمن يشاء وإذا تأخر المال عرفت أن ما هو قادم سيقع في نطاق "والله يضاعف لمن يشاء" فيزيد فرحي انتظارا للمفاجأة، ولم يخذلني ربي مرة واحدة من يومها.

- اليقين في الله الذي يصل بك إلى أنك وكأنك في صحراء بلا ماء ولا زاد وتعلم أنك حين تجوع أو تعطش سيأتي لك رب العالمين بما يشبعك.

- مسألة التعامل مع القرآن على أنه كلام الله لي وعليّ أن أفهمه وكانت آيات تتكرر معي بصورة ملفتة للنظر وخفت أن آخذها على نفسي، فمن أنا حتى يحدث معي هذا، ولكن تكرر الأمر بشكل أخرجني عن صمتي فقررت أن أبعث برسالة فيها مشكلتي لفضيلة الشيخ حامد العلي وقلت في نفسي أن رده سأعتبره الرد الذي يريده الله لي، فكتبت رسالة طويلة عريضة كلها مشاكل وانتظرت الرد، فكان "إذا أردت أن تكوني في معية الله فاصبري فقد قال الله " إن الله مع الصابرين"، وإذا أردت أن تحدثي الله فصلي وإذا أردت أن تسمعيه يحدثك فاقرئي القرآن"، وقتها انهرت في البكاء وعلمت أن ما يحدث لم يكن خيالا أو صدفة ومن يومها تعلمت أن كتاب الله لا يجب أن يفارقني سماعا وقراءة وكلما حدث شئ فتحت كتاب الله لأجد الرد، حتى أنني في مرة ظللت أسأل نفسي عدة أسئلة كانت تؤرقني ولم أحكها لأحد لأن أحدا لن يفهمني فتحت بعدها القرآن فوجدت الرد على كل الأسئلة بالترتيب و كانت آيات في سورة فصلت.



أنا لست استثناءا ولكن كتاب الله في بيوتكم هو الخط الموصول بينكم وبين الله فاجعلوه كذلك. لقد قالت لي أخت فاضلة أحبها حبا شديدا، مشكلتي أنني أصلي كثيرا وأدعو كثيرا ولكنني أشعر أن المسألة من طرف واحد فأنا لا أعلم ما إذا كان الله يتقبل أم لا ولا أعرف إذا كان الإبتلاء الذي أمر به غضب أم تكفير أم رحمة، وحين وصفت لها مسألة القرآن وكأنني قدمت لها الجزء المفقود في صلتها بالله. وأنصح من سيبدأ الإستعانة بمجموعة خواطر قرآنية للأستاذ عمرو خالد حتى يعرف المعنى العام للسورة فيساعده على فهم الآيات ولا ننسى أن الله قال في كتابه:

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ

أربع مرات في الآية 17 – 22 – 32 – 40

تأكيدا من الله على أن الله يسر القرآن للذاكرين له، كل ما عليك أفعله هو ن تحاول فهمه ولا تتسابق على ختمه دون أن تمرر آية واحدة على قلبك.



وعودة إلى محاولتي الفاشلة لضبط جميع ما تعلمت مما سبق والكثير من النقاط الأخرى التي تقابلك وأنت تفكر في تغيير صحيح وتريد أن تسير على الصراط المستقيم، وظللت أحاول وفجأة نظرت إلى نفسي بعد بضعة أشهر من البداية فوجدت كل شئ وقد أصبح في مكانه لا أدري كيف، وكأنني حين أثبت جدية إرادتي للتغيير وجدية إسلامي لله، أنعم سبحانه علي بأن جعل جميع حواسي تعمل بما يحب عز وجل واكتشفت بعد أن تعلمت أكثر أن هناك أشياء وضعها الله في لم أكن أعلمها في حينها واستتبت داخلي دون علمي.



الأمر سهل لأنك ليس عليك إلا الإستجابة لله فيمن الله عليك بما أنعم به من قبل على الصحابة والتابعين، فلا تظن أنك لا تستطيع مهما فعلت لأن من وصلوا لم يصلوا بقدراتهم الخاصة وقوتهم بل بانكسار وخضوع لأوامر الله فأعطاهم الله ما لا يبخل به أبدا على عباده الصالحين.



وما حدث معي يحدث مع الجميع ولكن الناس لا تنظر في هذا الإتجاه، وأول شرط هو النية الجادة في التغيير والصبر على صعوبة البداية والتخلص من النوايا الخبيثة التي يزجها الشيطان في النفس، هذه النوايا تتلخص في تعلق ما تود أن تصل إليه بعنصر خاص بالناس من قريب أو من بعيد.



يجب أن يكون هدفك الوحيد هو الله وابتغاء الأجر منه جل وعلا



تستطيع أن تكتشف هذه النوايا الخبيثة بأن تجعل التغييرات التي ستفعلها في البداية سرية بينك وبين ربك لا يراها أحد فإن شعرت أنك غير متحمس فإنك قد قصدت الناس وعليك التعامل مع نفسك حتى لا تشرد منك في هذا الطريق، وإن استطعت أن تستشعر وجود الله في خلوتك وتتعلم أن تتوجه إليه سواء بالشكوى لشئ أصابك أو بالدعاء دون علم أحد فقد بدأت الطريق الصحيح وبدأت تتعلم الإخلاص لله فتصل بعد ذلك إلى المرحلة التي تستشعر فيها وجود الله والقرب منه وتستطيع أن تختلي به وأن تتوجه له بإخلاص ولو كنت بين آلاف الناس.



إعلم أنك بمجرد أن تنوي التغيير ستُبتَلى، وكثير من الناس يخسر أول امتحان لأنه يعتقد أن التغيير يعني الخير بمفهومه الإنساني وينسى مسألة الإبتلاء فإذا ما بدأ التغيير ثم وجد مشكلة قد حدثت بعده فورا تزعزع إيمانه وأُحبط وألغى مشروعه لهذا التغيير على أساس أنه غير مجدي من وجهة نظره.



ولكن حقيقة هذه المسألة مختلفة تماما فبمجرد حدوث الإبتلاء يجب اعلم أن هذه هي مبشرات أن الله قَبِل منك محاولتك ووضع لك إختبار لتحديد مستوى إيمانك، فالإبتلاء هو تماما كإمتحان دخولك أي مكان للدراسة يحدد به مستواك، ثم تنتقل من مستوى لمستوى بامتحان آخر، كذلك الإبتلاء يزيد كلما زاد إيمانك، ولكن لا تخف المسألة ليست بالسوء الذي تستشعره من الكلمة فمع زيادة إيمانك بالله يتغير وقع الإبتلاء عليك حتى يزيد الإبتلاء ولا تشعر به لأن رؤيتك للحياة تتبدل وكذلك حقائق الأمور من حولك ويفتح الله لك بينك وبين نعمه فتسعد لأبسط الأشياء وتستمتع بقرب الله منك.



وهناك سنن وجدتها في الإبتلاء والله أعلم ولكن الله إذا ابتلى عبده المؤمن لا يبتليه في عِرضِه ولا يمَكِّن منه ظالم ولو بدا الأمر كذلك في البداية، وأحيانا حين تُبتلى ترضى بهذا الإبتلاء ولكن تحمل هم تبعياته على أساس أنه إذا رُفِع عنك ستكون له عواقب سيئة، ولكن تجربتي وما مررت به طوال سنوات عمري وقد مررت بالكثير (الذي ربما لم يراه كثير من الناس من الرجال والنساء مجتمعين) أثبت لي أن الله حين يرفع عن عبده الصالح إبتلاءه يرفعه بلا تبعيات وعلى عكس ما توقع يحصل على مكافأة بعدها من ربه بقدر صبره، لذلك تجده في الإبتلاء الذي يليه يحاول جاهدا أن يصمد للنهاية انتظارا لمكافأة ربه، لا أقصد هنا أن النية هي المكافأة حتى لا يعترض البعض على كلماتي ولكن ما أقصده أن العبد أصبح يرى الإبتلاء على أنه مكافأة لأن يقينه الشديد بربه يجعله على ثقة بوعود سبحانه لمن يصبر ويحتسب.



وأود أن استغل هذه النقطة لأوضح لكم مثالا لموقف تعلمت فيها دقة قدر الله وكان ذلك أثناء ابتلاءات أحتاج فيها ليقين عالي فدخلت في مرة محطة وقود لأملأ خزان السيارة وبمجرد وصول المؤشر إلى الحد الذي أريده انقطع الكهرباء عن المحطة، وبعدها بيومين كنت سأصطدم بسيارة أثناء الليل وكلانا كان يسير بسرعة عالية في اتجاه عمودي على الآخر وكان ناتج الحادث المنطقي انفجار كلا السيارتين ولكن مرت السيارة مماسة لظهر سيارتي فسمعت صوت التماس ولم تترك خدشا واحدا، فعلمت أن هذه رسائل من الله سبحانه أنه سينجيني مما أنا بصدده ولو في آخر جزء من جزء من الثانية، وقد حدث ذلك في كل مصيبة أصابتني.



تلحظون في ما كتبت تواصلا بين العبد وربه، وكأن أحداث الحياة لغة يتواصل الله بها معك، وكلما زاد قربك منه جل وعلا كلما أفهمك هذه اللغة حتى تمشي في الأرض موصولا بالله في كل حركة ترى ما يحدث حولك بعين محب يناجي حبيبه في كل وقت وقلبه مغمورا بحبه ولا يأتنس إلا به والناس من حوله لا يشعر به أحد.



يبدو ذلك غريبا على كثير من الناس لكن في واقع الأمر أن الله أمرنا في القرآن بذلك وهو التفكر في الأحداث من حولنا لنعرف سننه سبحانه في الأرض فنتعلم منها ما يفيدنا لنفهم الحياة ونفهم ما ينفعنا



الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) – آل عمران



انظر معي هذه الآيات:



وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) – الأعراف

إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) – يونس

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) – الرعد

يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) - النحل

بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) – النحل

ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) – النحل

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) – الروم

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) – الزمر

وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) – الجاثية

لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) – الحشر



لو نظرت إلى الآيات لوجدت أن الله أمرنا بالتفكر في خلق السماوات والأرض وفي ما رزقنا من مأكل ومشرب ومسكن ودابة و أن نتفكر في آيات الله في ما حولنا من مخلوقات وفي أمر الزواج وأمر الموت وكل ما في الأرض وما في السماء والتفكر في القرآن. بمعنى آخر لقد أمرنا الله أن ننظر حولنا في كل شئ ونحاول أن نستنبط منه سننه سبحانه في كونه حتى نتعلم كيف نتقرب إليه وكيف نصل إلى رضاه ومحبته وفضله.

إذا عدنا بعد كل هذا الشكل من التواصل بالله إلى العبادات الرئيسية المفروضة فسنجد أن لها مذاق آخر وفكر آخر لا يستطيع إنسان أن يشرحه لإنسان، وستجد أن حركات الصلاة والصيام التي يركز عليها الناس ويتركوا ما في داخلها من حياة إنما هي حركات ليس لها أي صلة بما يفعله المؤمن المهاجر إلى ربه ما بين خوف ورجاء. وهذا ما ندعو الجميع إليه.