تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الصكوك الإسلامية وتطبيقاتها المعاصرة - المفتي تقي الدين عثماني



من هناك
09-01-2008, 04:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم




الصكوك وتطبيقاتهاالمعاصرة




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمابعد، فإن إصدارالصكوك المبنية على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء كان من أهم أهداف العمل المصرفى الإسلامى ومن أعظم الوسائل المرموقة لتنمية الاقتصاد الإسلامى فى المجتمع، بشرط أن تراعى فى آلياتها جميع المبادئ الأساسية التى تميز الاقتصاد الإسلامى من غيره. وإن النظام الربوى السائد فى العالم اليوم متعود بإصدارالسندات القائمة على أساس الفائدة الربوية للمشاريع الكبيرة التى تقتضى أموالا جمّة وتُدِرّ ربحا أودخلا كبيرا. ولكن حاملى السندات لايتجاوزون من أن يكونوا مقرضين لأصحاب هذه المشاريع على أساس الفائدة، ولادخل لهم فى ملكية أصول المشروع ولا فى الربح أو الدخل الذى ينتج من هذه المشاريع، وإنما يستحقون الفائدة على قروضهم بنسبة متوافقة مع سعر الفائدة فى السوق. أماربح المشاريع بعد التكاليف،ومنهاالفائدة المدفوعة، فكله يرجع الى أصحاب المشاريع.
وكانت الفكرة الأساسية من وراء إصدار الصكوك الإسلامية: أن يشارك حملة الصكوك فى ربح المشاريع الكبيرة أو الدخل الناتج منها، ولو أصدرت الصكوك على هذاالأساس لأدت دوراكبيرا فى تنمية العمل المصرفى الإسلامى، وساهمت مساهمة كبيرة فى الوصول إلى المقاصد النبيلة التى تهدف إليهاالشريعة الغراء، وكان فيها من المنافع مايأتى:
1-إنها من أفضل الصيغ لتمويل المشاريع الكبيرة التى لاتطيقها جهة واحدة.
2-إنها تقدم قناة جيدة للمستثمرين الذين يريدون استثمار فائض أموالهم، ويرغبون فى الوقت نفسه أن يستردوا أموالهم بسهولة عندمايحتاجون إليها، لأن المفروض فى هذه الصكوك أن تكون لها سوق ثانوية تباع فيها الصكوك وتُشترى. فكلمااحتاج المستثمر إلى أمواله المستثمرة أو إلى جزء منها، جازله أن يبيع مايملكه من صكوك أو بعضا منها، ويحصل على ثمنها الذى يمثل الأصل والربح جميعا، إن كان المشروع كسب ربحا.
3-إنها تقدم أسلوباجيدا لإدارة السيولة تستطيع به المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أن تديربه سيولتها. فإن كان لديها فائض من السيولة اشترت هذه الصكوك، وإن احتاجت إلى السيولة باعتها فى السوق الثانوية.
4-إنها وسيلة للتوزيع العادل للثروة، فإنها تمكّن جميع المستثمرين من الانتفاع بالربح الحقيقي الناتج من المشروع بنسبة عادلة، وبهذا تنتشرالثروة على نطاق أوسع دون أن تكون دُولة بين الأغنياء المعدودين. وذلك من أعظم الأهداف التى يسعى إليه الاقتصادالإسلامىّ.
وقد انتشرت اليوم فى السوق صكوك كثيرة تدعى أنها صكوك إسلامية. ونريد فى هذه الدراسة الموجزة المتواضعة أن نطلع على آلياتها، ومدى موافقتها لأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها ومقاصدهاالمذكورة.
إن الذين أصدروا هذه الصكوك حاولوا بكل مافى وسعهم أن تكون هذه الصكوك منافِسة للسندات الربوية الرائجة فى السوق، وأن تحمل معظم خصائصها، ليسهل ترويجها فى السوق الإسلامية والتقليدية فى آن واحد. وإن أبرز خصائص السندات الربوية تتلخص فى النقاط الآتية:
1-إنها لاتمثل ملكية حاملى السندات فى المشروع التجارى أوالصناعى الذى أصدرت السندات من أجله، وإنما توثق القرض الربوى الذى دفعه حاملواالسندات إلى مُصدرها صاحبِ المشروع.
2-إنهاتوزع الفائدة على حاملى السندات بصفة دورية.وهذه الفائدة تقدر بنسبة من رأس المال، لابنسبة من الربح الفعلى. وقدتكون النسبة معينة، وكثيراما تكون متغيرة فى سندات طويلة الأجل.
3-إنها تضمن استردادرأس المال عند إطفاء السندات فى نهاية مدتها، سواء ربح المشروع فعلا، أولم يربح.
وإن مصدرالسندات لايجب عليه إلا رد رأس المال مع الفائدة المتفق عليها؛ وما حصل عليه المشروع من الربح فوق ذلك، فكله له، ولا يستحق حاملوالسندات أن يطالبوا حصة من الربح الزائد على سعر الفائدة.
وإن هذه الخصائص لايمكن أن توجد فى الصكوك الإسلامية بصفة مباشرة، ولكن مُصدرى الصكوك الإسلامية اليوم حاولوا أن تتسم صكوكهم بمعظم هذه الخصائص بطريق غير مباشر، وأوجدوا من أجل ذلك آليات مختلفة. ولندرس هذه الآليات فى ضوء هذه النقاط الثلاثة:


1-ملكية حاملى السندات فى أصول المشروع
أماالنقطة الأولى، وهى ملكية حاملى السندات فى أصول المشروع، فإن معظم الصكوك تختلف فيها من السندات الربوية اختلافاواضحا، فإن الصكوك فى عامة الأحوال تمثل حصة شائعة فى أصول تُدِرّ ربحا أو دخلا، مثل الأعيان المؤجرة، أومشروع تجارى أو صناعى، أو وعاء استثمارى يحتوى على عدة من المشاريع. وهذه هى النقطة الوحيدة التى تميزها عن السندات الربوية، غيرأنه ظهرت فى الآونة الأخيرة بعض الصكوك التى يُشكّ فى كونها ممثلة للملكية. فمثلا: قد تكون الأصول الممثلة بالصكوك أسهم الشركات بدون ملكيتها الحقيقية، وإنما تخوّل حملة الصكوك حقا فى عوائدها، وليس هذاإلا شراء عوائد الأسهم، وهو لايجوز شرعا. وكذلك انتشرت بعض الصكوك على أساس خلطة من عمليات الإجارة والاستصناع والمرابحة التى دخل فيها بنك من البنوك، فيبيع هذه الخلطة إلى حملة الصكوك، ليحصلوا على عوائد هذه العمليات. وإدخال عمليات المرابحة فى هذه الخلطة لايخلو من شبهة بيع الدين، وإن كانت نسبتها قليلة بالنسبة إلى عمليات الإجارة والمشاركة والاستصناع، ويحتاج إلى إعادة النظر فى الموضوع.
2-التوزيع الدورى على حملة الصكوك
وأماالنقطة الثانية، فإن معظم الصكوك المصدرة قد اكتسبت فيها خصيصة السندات الربوية سواء بسواء من حيث إنها توزع أرباح المشروع بنسبة معينة مؤسسة على سعرالفائدة (اللائبور). ومن أجل تبريرذلك وضعوا بندا فى العقد يصرح بأنه إذا كان الربح الفعلى الناتج من الاستثمار زائدا على تلك النسبة المبنية على سعرالفائدة، فإن المبلغ الزائد كله يد فع إلى مدير العمليات (سواء أكان مضاربا أوشريكا أو وكيل الاستثمار) على كونه حافزاله على حسن الإدارة، حتى أنى رأيت فى هيكلة بعض الصكوك أنها لاتصرح بكون الزائد مستحقا للمديركحافز، بل تكتفى بقولها إن حملة الصكوك يستحقون نسبة معينة مؤسسة على أساس سعرالفائدة فى التوزيع الدورى (فكأن كون الزائد حافزا ثبت تقديراأواقتضاء.) أماإذا كان الربح الفعلى ناقصا من النسبة المذكورة المبنية على سعرالفائدة، فإن مدير العمليات يلتزم بدفع الفرق (بين الربح الفعلى وبين تلك النسبة) إلى حملة الصكوك على أساس قرض بدون فائدة يقدم إلى حملة الصكوك. وإن هذاالقرض يسترده المديرالمقرض إما من المبالغ الزائدة على سعر الفائدة فى فترات لاحقة، وإما من تخفيض ثمن شراء الموجودات عند إطفاء الصكوك، كما سيأتى تفصيله فى النقطة الثالثة إن شاء الله تعالى.
3-ضمان استرداد رأس المال
أماالنقطة الثالثة، فإن جميع الصكوك المصدرة اليوم تضمن رد رأس المال إلى حملة الصكوك عند إطفاءها، مثل السندات الربوية سواء بسواء، وذلك بوعد ملزم إما من مُصدر الصكوك أو من مديرها أنه سيشترى الأصول التى تمثلها الصكوك بقيمتها الاسمية التى اشتراها بها حملة الصكوك فى بداية العملية، بقطع النظر
عن قيمتهاالحقيقية أو السوقية فى ذلك اليوم. وبهذه الآلية المركبة استطاعت الصكوك أن تحمل خصائص السندات الربوية من حيث إنها لاتعطى حملة الصكوك إلا نسبة معينة من رأس المال مبنية على سعر الفائدة، وفى الوقت نفسه إنها تضمن لحملة الصكوك استرداد رأس مالهم فى نهاية العملية. ولنتكلم على هذه الآلية أولا من الناحية الفقهية، وثانيا من ناحية سياسة الاقتصاد الإسلامى.
أما من الناحية الفقهية، فهناك ثلاث مسائل:
الأولى: اشتراط المبلغ الزائد على سعرالفائدة لمدير العملية بحجة أنها حافز له على حسن الإدارة.
الثانية: التزام المدير بأنه إن انتقص الربح الفعلى من النسبة المعينة على أساس سعرالفائدة فى فترة من فترات التوزيع، فإنه يدفع قرضا إلى حملة الصكوك بمقدارالنقصان. وإن هذاالقرض يرد إليه إما من الربح الفعلىالزائد على تلك النسبة فى فترات لاحقة، أومن ثمن شراءه للأصول فىنهاية العملية.
الثالثة: الوعد الملزم من قبل المدير أنه سيشترى الموجودات الممثلة بالصكوك بقيمتها الإسمية يوم إصدارالصكوك، وليس بقيمتهاالسوقية يوم الشراء.
اشتراط الحافز لمديرالعملية
أمااشتراط الحافز لمدير العملية، فمستنده ما ذكره بعض الفقهاء من جواز مثل ذلك فى الوكالة والسمسرة وذكره الإمام البخارى رحمه الله تعالى تعليقا عن ابن عباس وابن سيرين رضى الله تعالى عنهما. قال البخارى:
"قال ابن عباس: لابأس أن يقول: بع هذاالثوب،فمازاد على كذاوكذا فهولك. وقال ابن سيرين: إذاقال: بعه بكذا، فماكان من ربح فهو لك، أوبينى وبينك فلابأس به."1 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote1sym)
وبهذاأخذالحنابلة. جاء فى الكافى لابن قدامة:
"وإن قال:بع هذا بعشرة، فمازاد فهولك، صح وله الزيادة، لأن ابن عباس كان لايرى بذلك بأسا."2 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote2sym)
وإن هذاالمذهب مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما وعن ابن سيرين وشريح وعامر الشعبى والزهرى والحكم عند ابن أبى شيبة فى مصنفه، وعن قتادة وأيوب أيضا عند عبد الرزاق. وكرهه إبراهيم النخعى وحماد ،كما روى عنهما عبدالرزاق، وكذلك الحسن البصري وطاوس بن كيسان، كماروى عنهم ابن أبى شيبة.3 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote3sym)وهو مذهب الجمهور غيرالحنابلة. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى تحت أثر ابن عباس الذى علقه البخارى:
" وهذه أجرة سمسرة أيضا، لكنها مجهولة، ولذلك لم يجزه الجمهور وقالوا: إن باع له على ذلك فله أجرمثله. وحمل بعضهم إجازة ابن عباس على أنه أجراه مجرى المقارض، وبذلك أجاب أحمدوإسحق. ونقل ابن التين أن بعضهم شرط فى جوازه أن يعلم الناس فى ذلك الوقت أن ثمن السلعة يساوى أكثر مما سمى له، وتعقبه بأن الجهل بمقدارالأجرة باق."4 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote4sym)
وقال البدر العينى رحمه الله تعالى :
"وأما قول ابن عباس وابن سيرين فأكثر العلماء لايجيزون هذاالبيع، وممن كرهه الثوري والكوفيون. وقال الشافعى ومالك: لايجوز، فإن باع فله أجر مثله. وأجازه أحمد وإسحق، وقالا: هو من باب القراض، وقد لايربح المقارض."5 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote5sym)
وهذا كله فى أجرة السمسار إذا لم تُعيَّن غير الزيادة على ما سماه الأصيل من ثمن البيع. أماإذا سميت أجرته بمبلغ مقطوع، ثم قيل له: إن بعت بأكثر من كذا فالزائد كله لك علاوة على أجرك المقطوع، فالظاهر أنه لايمنعه الجمهور أيضا، لأن جهالة الأجرة ارتفعت بتحديد أجر مقطوع، وإن باعه بأكثرمن حدمعين، فالزائد له على كونه حافزا على حسن عمله.
وعلى هذاالأساس جاء فى معيارالمضاربة الصادر من المجلس الشرعى:
"إذا شرط أحدالطرفين لنفسه مبلغا مقطوعا، فسدت المضاربة، ولايشمل هذاالمنع ماإذااتفق الطرفان على أنه إذا زادت الأرباح عن نسبة معينة فإن أحد طرفى المضاربة يختص بالربح الزائد عن تلك النسبة أو دونها فتوزيع الأرباح على مااتفقا عليه.6 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote6sym)"
وإن مديرالعملية فى الصكوك يدير العمليات إما بصفته أجيرا أووكيلا للاستثمار، فيشبه السمسار، وإما بصفته مضاربا أوشريكا عاملا، فيغطيه ماجاء فى معيارالمضاربة. ولكن الفقهاء لما أجازوا هذه الصيغة لم يكن فى حسبانهم أنها ستُستخدم فى إجراء العمليات على أساس سعر الفائدة أو الربا، والحفاظ على النظام الربوي فى السوق. وإن استحقاق المدير المبلغ الزائد على نسبة معينة قد سُمّى حافزا على حسن إدارته للأصول، وإن هذاالحافز إنما يُعقل كونه حافزا إن كان مرتبطا بمازاد على أدنى الربح المتوقع من خلال العمليات التجارية أو الصناعية التى أصدرت من أجلها الصكوك، فمثلا: إن كان أدنى الربح المتوقع من هذه العمليات %15، فيمكن أن يقال إن مازاد على هذه النسبة من الربح الفعلى، فإنه يُعطى للمديركحافز، لأن هذاالمقدار الزائد يمكن إضافته إلى حسن إدارته بوجه معقول. ولكن النسبة المعينة فى هذه الصكوك ليست مرتبطة بالربحية المتوقعة من العمليات، وإنما هى مرتبطة بتكاليف التمويل أو سعر الفائدة الذى يتغير كل يوم، بل كل ساعة، ولا علاقة له بربحية المشروع التجارى أو الصناعى، فكثيرامّا تنقص نسبته من نسبة الربحية المتو قعة من المشروع. فإن كانت نسبة الربح المتوقع %15 فى المثال السابق، فإنه من الممكن جدا أن يكون سعر الفائدة %5، والربح الفعلى نزل إلى %10 لسوء الإدارة من المدير، فكيف يمكن أن يقال إن مازاد على %5 يعطى للمدير لحسن إدارته، بالرغم من أنه أساء فى الإدارة حتى نزل الربح إلى %10 بدلا من %15؟ فظهر بهذاأن مايسمى حافزا فى هذه الصكوك ليس حافزا فى الحقيقة، وإنما هو طريق لتمشية هذه الصكوك على أساس سعرالفائدة. وإن هذه الجهة لاتخلو من الكراهة على الأقل إن لم نقل بحرمتها.
هذامن الناحية الفقهية البحتة. أما من ناحية سياسة الاقتصاد الإسلامىّ، فإن مثل هذه "الحوافز" التى لاتخلو منها الصكوك اليوم قد أبطلت المقاصد الاقتصادية النبيلة من توزيع الثروة فيمابين المستثمرين على أساس عادل، فإن الصكوك المؤسس على "الحوافز" جعلت الربح الموزع على المستثمرين مقتصرا على سعر الفائدة فى كل حال، وليس على الربحية الحقيقية للمشروع.
ولئن تحملت الهيئات الشرعية هذه المفاسد فى بداية إصدارالصكوك فى حين كانت المؤسسات المالية الإسلامية قليلة، فقد حان الأوان أن تُعيد النظر فى ذلك وتخلّص الصكوك الآن من هذه الأمور المشبوهة، فإما أن تخلو من "الحوافز" بتاتا، أو تؤسس الحوافز على أساس الربح المتوقع من المشروع، وليس على أساس سعرالفائدة، ويصبح ذلك ميزة تتميز بها المؤسسات المالية الإسلامية عن المؤسسات التقليدية الربوية تميزا حقيقيا.
2-اشتراط القرض عند نقص الربح من النسبة المعينة
أمااشتراط القرض عند انتقاص الربح الحقيقي من النسبة المعينة، فلا مبررله إطلاقا من الناحية الشرعية، فإن الذى يلتزم بالقرض هومديرالعمليات، وهو الذى يبيع الأصول على حملة الصكوك فى بداية العملية، فلو اشترط عليه أن يقرض حملة الصكوك فى حالة نقص الربح الفعلي عن تلك النسبة، فهو داخل فى بيع وسلف، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وسلف. أخرجه مالك فى الموطأ بلاغا، وأخرجه أبوداود والترمذي بلفظ: "لايحل سلف وبيع."وقال الترمذي:"هذاحديث حسن صحيح."7 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote7sym) وقال ابن عبد البررحمه الله تعالى:
"هذاالحديث محفوظ من حديث عمروبن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح رواه الثقات عن عمرو بن شعيب، وعمرو بن شعيب ثقة إذاحدث عنه ثقة."8 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote8sym)
وقد أخذ بهذا جميع أهل العلم، ولا يعرف فيه خلاف. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
"ولوباعه بشرط أن يسلفه أويقرضه أو شرط المشترى ذلك عليه فهو محرم والبيع باطل، وهذا مذهب مالك والشافعي ولا أعلم فيه خلافا."9 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote9sym)
وقال رحمه الله فى موضع آخر:
"وإن شرط أن يؤجره داره بأقل من أجرتها أو على أن يستأجر دارالمقرض بأكثر من أجرتها...كان أبلغ فى التحريم."10 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote10sym)
وفى آلية الصكوك المذكورة لايرضى المدير بتقديم هذاالقرض إلا لأنه يحُوز أكثر من حصته الحقيقية من الربح الفعلى من خلال "الحافز"الذى اشتُرط له عند ما يتجاوز الربح الفعلى النسبة المبنية على سعرالفائدة. فهذاالقرض أبلغ فى التحريم بعبارة ابن قدامة رحمه الله تعالى.
وقد يكون مدير العمليات الذى التزم بالقرض شريكا أو مضاربا. وهذاالالتزام أيضا مخالف لمقتضى العقد
وتغطيه علة التحريم فى بيع وسلف سواء بسواء، فلا يجوز.
3-تعهد المدير بشراء الأصول بالقيمة الاسمية
أماالمسألة الثالثة، فهى أن العمليات التجارية الحقيقية فى الشريعة لايُضمن فيها استردادرأس المال، فإنّ غُنْم الربح الحقيقي فى الشريعة الإسلامية يتبع الغُرْم دائما، فكان الأصل فى الصكوك التجارية أن لايُضمن فيها رأس المال لحملتها،بل إنهم يستحقون القيمة الحقيقية للأصول، سواء أزادت من قيمتهاالإسمية أم نقصت. ولكن الصكوك الرائجة اليوم كلّها تضمن رأس المال لحملة الصكوك بطريق غير مباشر. وهو أن مدير العمليات يتعهد تجاه حملة الصكوك أنه سيشترى الأصول التى تمثلها الصكوك بالقيمة الاسمية عند نهاية مدتها، بقطع النظر عن قيمتها الحقيقية يومئذ. ومعنى ذلك أن حملة الصكوك يرجع إليهم عندإطفاء الصكوك رأسُ مالهم مضمونا، لاغير. فإن كان المشروع أصيب بخسران، فإنه يتحمله المدير، وإن كان فيه ربح فإنه يحوزه المدير بالغا ما بلغ. ولاحق لحملة الصكوك إلا فى استرداد رأس مالهم كما فى السندات الربوية.
ولو تأملنا فى مدى جوازهذاالتعهد، فإن مديرالعمليات فى الصكوك قد يدير العمليات على أساس كونه مضاربالحَِمَلتها، وقد يكون شريكا لهم، وقديكون وكيلهم للاستثمار.
التعهد من المدير المضارب
أما بطلان هذاالتعهد فى حالة كونه مضاربا، فظاهر، لأنه ضمان رأس المال من المضارب لصالح أرباب الأموال، ولم يقل بجوازه أحد. وجاء فى معيارالمضاربة الصادر من المجلس الشرعي:
"فإذاكانت الخسارة عند تصفية العمليات أكثرمن الربح يحسم رصيد الخسارة من رأس المال، ولايتحمل المضارب منه شيئا باعتباره أمينا مالم يثبت التعدى أوالتقصير. إذاكانت المصروفات على قدر الإيرادات يتسلم رب المال رأس ماله، وليس للمضارب شيئ. ومتى تحقق الربح فإنه يوزع بين الطرفين وفق الاتفاق بينهما."11 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote11sym)
ولم أجد لهذاالتعهد من المضارب مبررا فقهيا، غيرأنه قد ذكر فى بعض الصكوك أن المدير لايتعهد بصفته مضاربا، بل بصفة أخرى، وهذاأمر غير معقول، لأنه ليس للمضارب صفة أخرى فى هذه العملية.
التعهد من الشريك
وقديكون مديرالعمليات شريكا لحملة الصكوك، وكما لايجوز للمضارب أن يضمن رأس المال لرب المال، كذلك لايجوز أن يضمنه أحد الشركاء للشركاء الآخرين، فإنه يقطع الشركة بين الشركاء فى حالة الخسارة، ولم يقل بجوازه أحد. وجاء فى معيارالشركة (المشاركة) والشركات الحديثة الصادر من المجلس الشرعىّ:
"لايجوز أن تشتمل شروط الشركة أوأسس توزيع أرباحها على أى نص أوشرط يؤدى إلى احتمال قطع الاشتراك فى الربح، فإن وقع كان العقد باطلا."12 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote12sym)
وقد نص المعيار على عدم جواز التعهد المذكور بصراحة فى بند لاحق حيث جاءفيه:
"يجوز أن يُصدِر أحد أطراف الشركة وعدا ملزما بشراء موجودات الشركة خلال مدتها أو عند التصفية بالقيمة السوقية، أو بما يُتفق عليه عند الشراء، ولا يجوز الوعد بالشراء بالقيمة الاسمية."13 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote13sym)
وجاء فى مستند الأحكام الشرعية لهذاالمعيار:
"مستند عدم جواز الوعد الملزم من قبل أحد أطراف الشركة بشراء موجودات الشركة بالقيمة الاسمية أنه بمثابة ضمان رأس المال، وهو ممنوع شرعا. ومستند جواز الوعد بشراءها بالقيمة السوقية أنه ليس فى ذلك ضمان بين الشركاء."14 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote14sym)
وقد استدل بعض الإخوة المعاصرين على جواز هذاالتعهد المستلزم لضمان رأس المال أن ذلك ممنوع فى شركة العقد، وليس فى شركة الملك، ثم ادعوا أن الشركة فى الصكوك(وخاصة فى الصكوك التى تمثل الأعيان المؤجرة) إنما هو شركة الملك، وليس شركة العقد. ولكن إذانظرنا فى حقيقة هذين النوعين من الشركة، تبين لنا أن الشركة فى الصكوك شركة عقد، وليس شركة ملك فقط، وذلك لأن المقصود من هذه الشركة ليس تملكا للأعيان بغرض الاستهلاك أو الانتفاع الشخصى، وإنماالمقصود منه استثمار مشترك، وهو الفارق الأساسي بين شركة الملك وشركة العقد.
وتفصيل ذلك أننا لو تأملنا فيماذكره الفقهاء فى حقيقة شركة العقد ظهرلنا أن شركة العقد تتميز عن شركة الملك بوجوه ثلاثة: الأول أن المقصود منها الاسترباح المشترك،بخلاف شركة الملك، فإن المقصود منها التملك والانتفاع لاغير. والثانى أنها تجعل كل شريك وكيلا عن الآخر فى عمليات الاستثمار، فى حين أن الشركاء فى شركة الملك كل واحد منهم يستقل بتصرفه فى حصته، وهو أجنبي بالنسبة لحصة شريكه أو شركاءه الآخرين. الثالث: أن الشركاء أحرار فى شركة العقد بتوزيع الربح فيما بينهم بأية نسبة مشاعة يتفقون عليها فيما بينهم، بخلاف شركة الملك، فإن كل شريك فيها يستقل بالاسترباح من حصته، ولو استغل كل واحد حصته منفردا، فإن كل واحد ينفرد بماكسب من غلة حصته فقط. وإن هذه الخصائص كلها متوافرة فى الشركة التى تحدث بالصكوك.
وإن الشيخ مصطفى الزرقاء رحمه الله تعالى قد تكلم فى الفرق بين النوعين من الشركة بكلام واضح ود قيق. وإليكم عبارته بنصه:
"إن الملكية الشائعة إنما تكون دائما فى شيئ مشترك، فهذه الشركة إذاكانت فى عين المال فقط، دون الاتفاق على استثماره بعمل مشترك، تسمى "شركة ملك".وتقابلها "شركة العقد" وهى أن يتعاقد شخصان فأكثر على استثمارالمال أوالعمل واقتسام الربح، كما فى الشركات التجارية والصناعية."15 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote15sym)
وقد تحدث الشيخ رحمه الله تعالى عن الفارق بين القسمين فى محل آخر فقال:
"عقد الشركة: وهو عقد بين شخصين فأكثر على التعاون فى عمل اكتسابي واقتسام أرباحه. والشركة فى ذاتها قد تكون شركة ملك مشترك بين عدة أشخاص ناشئة عن سبب طبيعي كالإرث مثلا، وقد تكون شركة عقد بأن يتعاقد جماعة على القيام بعمل استثماري يتساعدون فيه بالمال أو بالعمل ويشتركون فى نتائجه. فشركة الملك هى من قبيل الملك الشائع وليست من العقود، وإن كان سببها قد يكون عقدا، كما لو اشترى شخصان شيئا، فإنه يكون مشتركا بينهما شركة ملك، ولكن ليس بينهما عقد على استغلاله واستثماره بتجارة أو إجارة ونحوذلك من وسائل الاسترباح. وأما شركة العقد التى غايتها الاستثمار والاسترباح فهى المقصودة هنا والمعدودة من أصناف العقود المسماة."16 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote16sym)
فأوضح الشيخ رحمه الله تعالى أن الشركة متى قُصِد بها الاستثمارأو الاستغلال، سواء عن طريق التجارة أو عن طريق الإجارة، أصبحت الشركة شركةَ عقد. ومن البديهي أن الصكوك يُقصد بها الاستثمار أو الاستغلال من الأعيان المؤجرة، فلا سبيل إلى القول بأنه شركة ملك. ولذا فلا يجوز أن يضمن أحد الشركاء رأس مال الآخر بطريق مباشر أو غير مباشر.
والواقع أن عدم جواز التعهد المذكور من الشريك أو المضارب أمر لايحتاج إلى كثير من التدليل، فإنه أمر مقرر فى الفقه، وقد أكدته المجامع والندوات الفقهية، والمجلس الشرعى نفسه. ولو فتحنا هذاالباب لجاز لمديري المصارف الإسلامية أن يضمنوا رأس مال المودعين بأن يتعهدوا بشراء حصصهم المشاعة فى وعاء الاستثمار بقيمتها الاسمية، وبهذا ينتفى الفارق الوحيد بين ودائع المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية.
التعهد من وكيل الاستثمار
ولا يكون مدير العمليات فى بعض الصكوك شريكاأو مضاربا، وإنما يكون وكيلا لحملة الصكوك فى استثمار الأصول التى تمثلها الصكوك. فهل يجوز أن يتعهد لحملة الصكوك أنه سوف يشترى الأصول فى نهاية المدة بقيمتها الاسمية؟ والجواب أن التعهد من الوكيل وإن كان أخف من تعهد الشريك أوالمضارب، فإنه لايجوزأيضا، لأن الوكالة عقد أمانة ليس فيها ضمان على الوكيل إلا فى حالة التعدى أوالتقصير. والتعهد المذكوربمثابة الضمان منه، فلايجوزهذاالضمان أيضا.وبهذا أخذ معيارالضمانات الصادر من المجلس الشرعي، حيث جاء فى البند2/2/1منه مانصه:
"لايجوز اشتراط الضمان على المضارب أو وكيل الاستثمار أوأحد الشركاء سواء كان الضمان للأصل أم للربح، ولايجوز تسويق عملياتها على أنهااستثمار مضمون."
وجاء فى البند التالى:
"لايجوز الجمع بين الوكالة والكفالة فى عقد واحد لتنافى مقتضاهما، ولأن اشتراط الضمان على الوكيل بالاستثمار يحوّل العملية إلى قرض بفائدة ربوية بسبب ضمان الأصل مع الحصول على عائدالاستثمار."
وقد يستدل على جواز هذاالتعهد من وكيل الاستثمار بمسئلة أقرها المعيار فى البند نفسه، حيث جاء فيه:
"أماإذاكانت الوكالة غير مشروطة فيهاالكفالة، ثم كفل الوكيل من يتعامل معه بعقد منفصل، فإنه يكون كفيلا لابصفة كونه وكيلا، حتى لوعزل عن الوكالة يبقى كفيلا."17 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote17sym)
فيقول المستدلون إن وكيل الاستثمار وإن لم يكن ضامنا فى الأصل، ولكنه أصبح ضامنا بحكم هذاالتعهد المستقل المنفصل عن عقد الوكالة.
والجواب أن هذاقياس مع فارق كبير، لأن الوكيل فى الصورة المذكورة فى المعيار يكون كفيلا عن مديون العمليات بعقد منفصل، وإنه لايضمن إلا إذا تخلف المديون عن سداد واجباته فقط، ولكنه لايضمن للبائع أن يكون البيع رابحا فى كل حال. أما فى صورة الصكوك، فإن وكيل الاستثمار لا يضمن مديونا معينا، وإنما هو يضمن خسران العمليات، حتى أن ضمانه يظل قائما، وإن سدّدجميع المديونين واجباتهم، ولكن كانت العمليات خاسرة لنزول الأسعار فى السوق، أو لأى سبب آخر، فكيف يقاس هذا على ذاك؟
ثم يزيد الضغث على الإبّالة فى هذاالتعهد إن كان المدير هوالبائع للأصول على حملة الصكوك، كماهوالشأن فى كثير منها، حيث يتضمن هذاالتعهد العينة، لأنه تعهد بشراء ما باعه المتعهد، إلا إذاانتفت العينة بالشروط المعروفة فى الفقه.

من هناك
09-01-2008, 04:34 AM
سياسة الاقتصاد الإسلامي
وإن هذا البحث كله كان من الناحية الفقهية البحتة. أماإذا تأملنا من منظور مقاصد التشريع وأهداف الاقتصادالإسلاميّ، فإن الصكوك التى اجتمعت فيها معظم خصائص السندات الربوية، مخالفة تماما لهذه المقاصد والأهداف. إن الهدف النبيل الذى حُرّم من أجله الربا، هوأن يوزّع محصول العمليات التجارية والصناعية فيمابين الشركاء على أساس عادل. وآليات الصكوك المذكورة تهدم هذالأساس من رأسه، وتجعل الصكوك مشابهة للسندات الربوية سواء بسواء من حيث نتائجُها الاقتصادية. وإن إنشاء المصارف الإسلامية لم يكن للمماشاة مع النظام الربوى السائد فى العالم فى جميع منتجاته وعملياته، وإنما كان المقصود من وراء ذلك أن نفتح بتدريج آفاقا جديدة للأعمال التجارية والمالية والمصرفية يسود فيها العدل الاجتماعي حسب المبادئ التى وضعهتا الشريعة الإسلامية الخالدة. ولاشك أن هذاالعمل العملاق كان يحتاج إلى تدريج، ولكن التدريج الحقيقي إنما يُتصور بخطة ترسُم مراحله المختلفة بدقة ووضوح، وبأن يكون هناك متابعة مستمرة للتقدم إلى هذه المراحل، وليس المراد من التدريج أن تقف الحركة على خطوة واحدة إلى أمد غير محدد.
لاشك أن هيئات الرقابة الشرعية والمجامع والندوات الفقهية أجازت للمصارف الإسلامية بعض العمليات التى هى بالحيل أشبه منها بالعمليات الحقيقية، ولكن هذه الإجازة كانت لتسيير عَجَلتها فى ظروف صعبة عددُالمصارف الإسلامية فيها قليل جدا. وكان المفروض أن تتقدم المصارف الإسلامية إلى العمليات الحقيقية المؤسسة على أساس أهداف الاقتصاد الإسلامي، وإلى الابتعاد من مشابهة العمليات الربوية، ولو خطوة فخطوة، ولكن الذى يحدث الآن هو عكس ذلك، فإن المؤسسات المالية الإسلامية أصبحت تتنافس فى أن تتقدم بجميع خصائص السوق الربوية بعُجَرها وبُجَرها، وتأتى بمنتجات جديدة ترجع القهقرى إلى الاقتراب من العمليات الربوية بدلا من أن تبتعد عنها، وكثيرا مّا تُبدّر هذه المنتجات بالحيل التى يمجّها الفكرالسليم، ويضحك عليها الأعداء.
وقد يستدل لتمشية هذه الصكوك بأن هيئات التصنيف العالمية لاتصنّفها بالمستوى العالى المطلوب إلا بمثل هذه الآليات التى تضمن لحملتها رأس مالهم، وتوزع عليهم الربح بنسبة معينة من رأس المال، ولذلك لايتيسر تسويقها على نطاق واسع إلا بمثل هذه الآليات. والجواب عنه أننا لومشينا خلف هيئات التصنيف العالمية التى لاتفرّق بين الحلال والحرام، لماأمكن لنا أبدا أن نتقدم إلى منتجات إسلامية خالصة تخدم أهداف الاقتصاد الإسلامي، وذلك لأن هذه الهيئات نشأت فى جوّ ربوى لا تعترف بجودة الاستثمار إلا بضمان رأس المال وتوزيع العائد على أساس ربويّ، والحال أن جودة المنتج من الناحية الشرعية تعتمد على تحمل الأخطار وتوزيع الربح العادل فيمابين المستثمرين، فالعقلية الإسلامية مضادة تماما لعقلية هذه الهيئات.
وبالتالى، فإن الصكوك الإسلامية إنما وضعت للمصارف والمؤسسات الإسلامية التى تهدف إلى الابتعاد عن الربا، فينبغى تسويق الصكوك فيما بينها على ذلك الأساس، وينبغى أن تكون الصكوك مقبولة لديهم، دون احتياجها إلى التصنيف التقليدي. وقد أُنشأت هيئة للتصنيف الشرعي الآن، فينبغى أن تدعمها المصارف والمؤسسات الإسلامية حتى نستغنى عن هيئات التصنيف التقليدية.
والواقع أن عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية الآن عدد لايُستهان بشأنه والحمد لله، ولايزال فى تزايد يوما فيوما، ونسبة نموّها فى كثير من البلاد أكثر من نموّ البنوك التقليدية، فيتعين عليها الآن أن تتعاون فيما بينها لتقديم منتجات حقيقية بعيدة عن التحايل خالية عن شبهات الربا، وهادفة إلى خدمة مقاصد الشريعة فى مجال الاقتصاد والتنمية والعدل الاجتماعي. ولا يتحصل ذلك إلا بترشيد وتأكيد من قبل هيئات الرقابة الشرعية. ولو استمرت هيئات الرقابة الشرعية على سياستها السابقة، فإن المصارف الإسلامية سوف تخطئ الطريق، ويُخشى أن تفشل هذه الحركة الطيبة لاقدرالله. وقد حان للهيئات الشرعية أن تُعيد النظر فى سياستها، وتُقلّل من الرُخص التى استفادت بها المؤسسات المالية الإسلامية حتى الآن، وتصمُد على المعايير الشرعية الصادرة من المجلس الشرعي، التى لم تُغفل الحاجات الحقيقية لهذه المؤسسات. وإنى على يقين بأنه إن صمدت الهيئات الشرعية على هذه المعايير، فإن الكفاءات الفنّية العالية الميسرة للمؤسسات لاتعجز عن إيجاد بدائل جيدة للمنتجات المشبوهة إن شاء الله تعالى.
خلاصة البحث والاقتراحات
1-ينبغى إصدار الصكوك على أساس مشروعات تجارية أو صناعية جديدة. وإن أصدرت على أساس مشروع قائم، فالواجب أن تمثل الصكوك ملكية تامة لحملتها فى موجودات حقيقية.
2-ينبغى أن توزّع عوائد المشروع على حملة الصكوك بالغة مابلغت بعد حسم المصروفات بما فيها من أجرة المدير، أو حصة المضارب فى الربح. ولئن كان هناك حافز للمدير فليكن على أساس الربح المتوقع من العمليات، وليس على أساس سعرالفائدة.
3-لايجوز التزام المدير أن يقدم قرضا عند نقص الربح الفعليّ من الربح المتوقع.
4-لايجوز للمدير، سواء كان مضاربا، أو شريكا، أو وكيلا للاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول بقيمتها الاسمية. بل يجب أن يكون الشراء على أساس صافى قيمة الأصول، أو بثمن يُتفق عليه عند الشراء.
5-يتعين على هيئات الرقابة الشرعية أن تلتزم بالمعاييرالشرعية الصادرة عن المجلس الشرعيّ.


وآخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين








1 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote1anc) صحيح البخارى، كتاب الإجارات، باب أجر السمسرة

2 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote2anc) الكافى لابن قدامة، كتاب الوكالة 2:253

3 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote3anc) راجع مصنف ابن أ بي شيبة، كتاب البيوع والأقضية،باب46،ج6ص107و108 من طبع إدارة القرآن، كرا تشى ، ومصنف عبدالرزاق،8:234 رقم الحديث 1518إلى 1522

4 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote4anc) فتح البارى، كتاب الإجارات، باب أجرالسمسرة، 4:451

5 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote5anc) عمدة القارى، الكتاب والباب المذكور أعلاه، 12:133

6 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote6anc) المعيار الشرعى، رقم 13،بند 8:5

7 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote7anc) موطأ الإمام مالك2:657 وسنن أبى داود،باب فى الرجل يبيع ماليس عنده،رقم 3504، وجامع الترمذى ،باب ماجاء فى كراهية ماليس عنده، رقم 1234

8 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote8anc) التمهيد لابن عبدالبر24:384

9 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote9anc) المغنى لابن قدامة 4:162

10 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote10anc) المغنى 4:211

11 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote11anc) المعيارالشرعي رقم 13،بند7:8

12 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote12anc) المعيارالشرعي رقم 12، بند3/1/5/7

13 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote13anc) المرجع السابق، بند 3/1/6/2

14 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote14anc) المعايير الشرعية، ص230

15 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote15anc) المدخل الفقهي العام للشيخ مصطفى الزرقاء1/263

16 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote16anc) المرجع السابق551:1

17 (http://docs.google.com/RawDocContents?docID=dc2bp68v_374c5 5jnvgs&justBody=false&revision=_latest&timestamp=1220243043407&editMode=true&strip=true#sdfootnote17anc) أنظرالمعيارالشرعي،رقم 5، بند2/2/1، و2/2/2


http://www.islamfeqh.com/4/1.pdf (http://www.islamfeqh.com/4/1.pdf)
http://docs.google.com/Doc?id=dc2bp68v_374c55jnvgs (http://docs.google.com/Doc?id=dc2bp68v_374c55jnvgs)