تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جواسيس جدعون ..



no saowt
08-05-2003, 08:45 PM
جواسـيس جـدعـون.
أسوأ الحقائق تلك التي تقال بنية سيئة .
هذا المبدأ لا يزال يحتفظ بقيمته ودلالته لكن الذي تغير هو تنامي القدرة على إساءة توظيف واستغلال الحقيقة. من وجوه هذا الاستغلال أن تقال الحقيقة متأخرة ، عندما يكون إصلاح نتائج إخفائها متعذراً". ويتضخم سوء الاستغلال هذا عندما يكون الإعلان عن الحقيقة هادفا" لتوريط جهات إضافية ولو بعد حين .
الرئيس السابق للموساد الإسرائيلي يؤلف كتاباً" بعنوان (جواسيس جدعون / التاريخ السري للموساد) يزعم فيه إعلان أسرار وحقائق خافية ، ومنها عدم مسؤولية ليبيا عن حادثة (لوكربي) واتهام إيران بهذه الحادثة . لكننا وأمام مخابراتي من هذا العيار نسأل عما إذا كانت إيران هي الفاعل الحقيقي بعد ثبوت البراءة الليبية أم أنها كذبة أخرى تقال على شكل حقيقة .
بغض النظر عن إساءات توظيف الحقائق ، فإن الكتاب يستحق الوقوف عنده وقراءته بالحذر اللازم وسنعرض أدناه لقراءتنا لهذا الكتاب .

* في كتابه (جواسيس جدعون… التاريخ السري للموساد) يقول ضابط الموساد السابق (غوردون توماس) بأن طائرة (البان ام) ، التي تفجرت فوق (لوكربي) ، كانت تضم بين ركابها ضباطاً من وكالة الاستخبارات الأميركية حيث وجدت إحدى حقائبهم فارغة تماماً! وتبين فيما بعد أن الموساد وبمساعدة المخابرات الإنكليزية قامت بسرقة محتويات هذه الحقيبة وكانت عبارة عـن مستندات تؤكد تورط إسرائيل في تجارة المخدرات في الشرق الأوسط وأخرى تتعلق بصفقات أسلحة إسرائيلية سرية .
وتأتي هذه المعلومات لتضاف إلى أخرى شبيهة تراكم الدلائل على السبـل التي تعتمدها إسرائيل في محاولاتها للاستغناء عن الدعم الأميركي لاقتصادها ، وذلك تحسباً لمحاولات تقنين هذا الدعم بعد نهاية الحرب الباردة، حيث ارتفعت أصوات أميركية تطالب بوضع استراتيجية ملائمة للمصالح الأميركية لما بعد هذه الحرب ومنها تقليص الدعم الأميركي الموجه أساساً لمواجهة الشيوعية والذي لم يعد مبرراً بعد سقوطها .
ولقد تبين لغاية الآن عجز إسرائيل عن تحقيق استقلاليتها الاقتصادية بالأساليب المشروعة ، خصوصاً عندما نأخذ في الاعتبار أن متوسط الدخل الفردي في إسرائيل يصل إلى حدود 16 ألف دولار سنوياً وهو يعادل مثيله في بعض الدول الأوروبية الكبرى . ومن أمثلة الكسب الإسرائيلي اللا مشروع المدعومة بالأدلة نذكر :
ـ التورط في تجارة المخدرات في المنطقة وفي العالم ، ولكن مع التركيز على اختراق الدول العربية المجاورة بهذه التجارة ، وهو اختراق يجمع بين الكسب المادي وبين التخريب المعنوي والإنساني لهذه الدول .
ـ صفقات الأسلحة السرية مع جهات متعددة .
ـ بيع الأسرار التكنولوجية- العسكرية (أميركية في أغلبها وتحصل عليها إسرائيل عن طريق التجسس والعلماء اليهود الأميركيين) ، وبرزت من هذه الصفقات في العام 1999 تلك التي أبرمتها إسرائيل مع الصين . وظهرت شكوك جديدة في نيسان/أبريل 2000 حول صفقة إسرائيلية لبيع طائرات الأواكس إلى الصين .
ـ حماية أثرياء اليهود المطلوبين من العدالة الدولية واستقطاب ثرواتهم ، وهؤلاء المجرمون يتحولون إلى مواطنين إسرائيليين فور وصولهم إلي إسرائيل ، وذلك وفق قانون العودة اليهودي .
ـ العلاقات مع الجريمة العالمية المنظمة ، وهي علاقات متعددة الصعد ، وقد تكشفت من أساليبها الآتية :
أ ـ المشاركة اليهودية في الجريمة المنظمة ، حيث تحول بعضهم إلى الصفوف الأولى فيها . ومنهم المافياوي الروسي (بيريزينوفيسكي) الذي تحكم بالكرملين طـوال عهد (يلتسين) والذي لا يزال نافذاً في عهد خلفه (بوتين) ، والأمثلة عصية على الحصر.
ب ـ مشاركة إسرائيلية عن طريق ضباط متقاعدين يقومون بأدوار تدريبية واستشارية لتجار المخدرات (في كولومبيا خصوصاً) .
ج ـ التسهيلات التي تقدمها إسرائيل بصورة مموهة لزعماء الجريمة المنظمة ولمصالحهم .
د ـ المشاركة الإسرائيلية النشطة في تجارة الأسلحة وتهريبها ، حيث نجد بصمات إسرائيلية في مناطق الفوضى الديموغرافية في العالم كافة .
ه ـ تهريب البضائع الإسرائيلية إلى الدول العربية بكل الوسائل الاحتيالية المتاحة ، بما في ذلك تزوير شهادات المنشأ وإعادة التصدير عبر قبرص أو عبر الدول العربية المتاخمة لإسرائيل .
و ـ المشاركة في عمليات تبييض(غسيل) الأموال القذرة ، ومنها ما تبين عن دور الموساد في فضيحة غسيل الأموال الروسية في الولايات المتحدة(1999) والتي تسببت بأزمة دبلوماسية أميركية – روسية ، حتى أن بعضهم ربط بينها وبين استقالة (يلتسين) في 1/1/2000 .
ز ـ دفن النفايات النووية والكيميائية في أراض عربية محتلة أو متاخمة لحدود الدول العربية .
ح ـ وجود أصابع يهودية في الكوارث الاقتصادية العالمية كافة . فقد كان اليهودي (بيريزينوفيسكي) مسؤولاً عن الانهيار الاقتصادي الروسي ، واليهودي (جورج شوروش) كان مسؤولاً عن انهيار النمور الآسيوية… الخ
ط ـ بيع المعلومات الجاسوسية ، وما خفي منها أكثر مما هو معلن ، والأمر يحتاج إلى بضع سنوات كي تتضح هذه الأسرار .
ك ـ ابتزاز العالم تحت ستار "الهولوكوست" وصولاً لابتزاز الفاتيكان نفسه (تبدى في زيارة البابا الأخيرة لإسرائيل) وصولاً إلى مطالبة المصارف السويسرية بكميات هائلة من الذهب بحجة أنها مسروقات نازية من أموال اليهود .
ل ـ التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول ومحاولـة ابتزازها بصور مختلفة ، وأحدث الأمثلة على ذلك تلك الضجة التي أثارتها إسرائيل حول النمسا بعد انتخاب (هايدر) اليميني حيث لا تزال إسرائيل تحاول تحقيق المكاسب مقابل تخفيف الضغوطات على النمسا .
هذه هي النماذج التي تحاول إسرائيل عبرها تحقيق كفايتها الاقتصادية ومع ذلك فهي تحافظ على وضعية دولية مثالية إذ تتمتع بـ :
أ ـ أعلى نسبة من المساعدات الخارجية الأميركية .
ب ـ اعتبارها دولة نظيفة من الإرهاب ومن دعمه بالرغم من تحديها المتكرر للقرارات الدولية .
ج ـ اعتبارها واحة ديمقراطية في المنطقة ، بما في ذلك من تجاهل كونها مجتمعاً عسكرياً يحكمه جنرالات ويقررون مصيره .
د ـ دولة تحترم مبادئ حقوق الإنسان (بالرغم من التقارير المخالفة) .
هـ ـ تحتكر تمثيل المصالح الأميركية والغربية في المنطقة حتى بعد زوال الخطر الشيوعي .
لهذه الأسباب مجتمعة يتهيب الإعلاميون والمفكرون الغربيون التعامل الواقعي مع حقائق الشرق الأوسط والتجاوزات الإسرائيلية ، حتى لا يلقوا النبذ والعقاب اللذين لاقاهما زملاء لهم تجرأوا على ذلك ، وعوملوا وفق المبادئ الرومانية (الصهيونية) الجاهزة لتجاهل الليبرالية في مثل هذه الحالات .
أما عن مناسبة استحضار هذه المعطيات فهي متشعبة ومنها مأزق المسار اللبناني – السوري الذي تحاول إسرائيل اختراقه على طريقة الكوزانوسترا (المافيا). حيث تقوم بتهديد وابتزاز الأطراف كافة وتصر على وجود طرف يقدم لها مكاسب مالية(الولايات المتحدة في هذه الحالة).
لكن مناسبة مميزة من جملة مناسبات دعتنا لاستحضار هذه الحقائق وهي تتعلق بالمستقبل ، والمناسبة هي دراسة قدمتها باحثة من جامعة (بن غوريون) الإسرائيلية تشير إلى نمو طبقة من مليونيرات المخدرات الإسرائيليين ، والى وجود علاقات وثيقة بينهم وبيـن بعض كبار ضباط الشرطة الإسرائيليين الذين يحصلون نتيجة هذه العلاقة على مبالغ طائلة تحول إلى حساباتهم المصرفية في الولايات المتحدة .
كما تشير هذه الدراسة إلى أن هؤلاء التجار بدأوا يلجأون إلى حلول عملية تخفض تكلفة بضاعتهم ، وخصوصاً البانجو(مخدر رخيص ورائج) . حيث تفتق ذهنهم عن تصدير شتول هذا المخدر إلى الدول العربية ، التي تقيم علاقات مع إسرائيل لزراعتها هناك ، وفي ذلك توفير مهم في التكاليف واعتماد عصري لمبدأ الشركة العملاقة حيث يطاول التوفير عناصر عديدة ، منها رخص الأراضي واليد العاملة وتوفير تكاليف ومخاطر التهريب . ثم ، وهذا هو الأهم ، هنالك مكسب السبق الذي يحققه التجار الإسرائيليون في ما يتعلق بمستقبل تجارة المخدرات في المنطقة ، وهكذا فإنهم يفكرون دائماً في المستقبل ويحسبون الحسابات لمختلف الاحتمالات !

ولقد وصلت القضية إلى الكنيست الإسرائيلي حيث أثارها عضو ينتمي إلى حزب العمل الحاكم ، مؤكداً أنه يملك الوثائق التي تدين التجـار وضباط الشرطة معاً .
إلا أننا نتساءل عما إذا كان يمكن للجهتين معاً أن يعملا بعيداً عن أعين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية معاً ؟ وعن مدى تورط هذه الأجهزة مع هؤلاء ؟ وعن إمكانية التدخل الفاعل لمنع هذا المدخول الإضافي للخزينة الإسرائيلية؟
وعن هذا السؤال الأخير أجابنا مؤلف (جواسيس جدعون) المدعو (غوردون توماس) . ولكن من يجيبنا عن سؤال منع هذه الزراعات في لبنان بهدف إتمام حصاره الاقتصادي الضاغط وليس لأسباب أخلاقية أو إنسانية؟ وكيف تصنع هذه الأخلاقيات والإنسانيات وتطبق على الجميع لتستثني منها اسرائيل؟ وهل يعني ذلك أن من شروط السلام احتكار إسرائيل لتجارة المخدرات حتى تكفل لنفسها دخلاً يعوضها من خفض المساعدات الأميركية لها ويؤمن لها مستقبلها؟ أم أنها سياسة التطبيع عن طريق البانجو (وغيره من مواد الآدميان) بأسعار في متناول الأيدي الفقيرة؟.
لقد يئست إسرائيل من كل أساليب التطبيع (الهادفة لتحويل الأغيار من أبناء إسماعيل _ العـرب إلى مجرد أسماك ملونة في حوض يتفرج عليه الإسرائيليون ويتحكمون بمياهه ونظافته وغذائه) وها هي تلجأ إلى أسلوب التطبيع البانجو ، فهل يتحرك مكتب المخدرات في الأمم المتحدة : وهل يمكن لأحد أن يخبرنا بالحصة الإسرائيلية في سوق المخدرات العالمي المسموح بها أميركياً؟ وكلها أسئلة فرعية لأن السؤال الرئيسي يبقى: من يحمينا من الإرهاب الإسرائيلي في صورته هذه كما في صوره الأخرى؟.