no saowt
08-04-2003, 07:25 PM
أبن تيمية حياته و تحصيله العلمي
واذا كان تقي الدين أبن تيمية ولد ونشأ في حران، فانه هو وعائلته ينتقل للاستقرار في دمشق، وذلك سنة 667 هـ فرارا من طلائع الجيش المغولي. التي أضحت على ابواب حران والمناطق المجاورة لها. في دمشق استقرت الاسرة الهاربة من بطش المغول، لتبدأ حياة جديدة للطفل الحراني نحو التحصيل العلمي والمطالعة في كتب التراث الاسلامي، وصولا الى مرحلة الاستاذية والتدريس في مدارس دمشق وجوامعها.
الفتوى الحموية وتفجير الصراع
الصفات الخبرية والنص على التجسيم:
في سنة 698 هـ وردت على أبن تيمية رسالة من أهالي حماة يسألونه:"قول السادة العلماء أئمة الدين أحسن الله اليهم جميعا في آييات الصفات كقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) وقوله ثم (استوى الى السماء) وغير ذللك من الآيات والصفات. وأيضا لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):"ان قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن) وقوله (يضع الجبار قدمه في النار) الى غير ذلك، وما قالته العلماء فيه، وليبسطوا القول في ذلك مأجورين انشاء الله(9) ، فكان ان أجاب بما نص في التجسيم (10).
أي بما تعتقده الحشوية في مسألة الصفات الخبرية سواء ما صح منها أي ما ورد في القرآن، وما صح من سنة الرسول (ص) أو ما جاء في الاحاديث التي اختلقها الوضاعون او مرويات اهل الكتاب على خصوص مجسمة اليهود.
اعتمد ابن تيمية عقيدة سلفية، ودافع عنها بكل ما اوتي من قوة بيان وحجج عقلية. وناصر فيها عقيدتهم حيث نسبوا الى الله سبحانه وتعالى صفات هي من صفات الاجسام، كالوجود في جهة واحدة والاستواء على العرش حقيقة. والحركة والانتقال، وان الوجه والايدي والاعين والارجل المذكورة في بعض الايات والاحاديث انما هي على الحقيقة دون المجاز(11).
لقد كانت الفتوى الحموية السبب الرئيسي لمحنته وشهرته معا، وذلك لان ابن تيمية سيبدأ بعرض هذه العقيدة على العامة ومن على منبر الجامع في دمشق. يقول ابن بطوطة في رحلته تحت عنوان "الفقية ذي اللوثة"(12) كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية. كبير الشام يتكلم في الفنون، الا ان في عقله شيئا..الى ان قال:"وكنت اذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس من على منبر الجامع، قكان من جملة كلامه أن قال:"ان الله ينزل الى السماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من المنبر"(13).
وهذه الحادثة ذكرها أكثر من مؤرخ. الا انها ليست المأخذ الوحيد لدى خصومه من أهل السنة، لان اغلبهم سيعتمد على ما ورد في الفتوى الحموية وكذا ما يتناقله الطلبة والعامة من مستمعيه في المسجد الجامع.
لقد وصلت عقيدة ابن تيمية وفتواه مسامع العلماء المعاصرين له فقاموا للرد عليه ولبيان ان مذهبه في الصفات الخبرية يفضي الى التشبيه والتجسيم، خلاف التنزيه الذي يعتقده أهل السنة والجماعة من الاشاعرة. كما ردوا على فتاويه الفقهية، اما لمخالفتها الاجماع –اي اجماع فقهاء المذاهب الاربعة- او لخطئها وعدم صحتها بالمرة.
ان اعلان ابن تيمية لعقيدة التجسيم وغيرها من الآراء الفقهية المخالفة وما تبع ذلك من ردود كتابية و فتاوي مناهضة و مناقضة لما ذهب له. قد اثارت الرأي العام حوله فوقعت بعض الفتن، تدخلت على اثرها السلطات السياسية آنذاك فعقدت لهذا الفقيه الحنبلي عدة محاورات و مناظرات، بحضور علماء المذاهب الفقهية والاصولية باشراف السلطات السياسية.
يقول ابن كثير في حوادث سنة 698هـ "قام عليه –اي على ابن تيمية- جماعة من الفقهاء وارادوا احضاره الى القاضي (جلال الدين الحنفي) فلم يحضره. فنودي في البلد في العقيدة التي كان قد سأله عنها أهل حماة المسمى بالحموية(14).
علماء أهل السنة يردون على ابن تيمية:
لم تهدأ ثائرة الفقهاء مع كثرة الردود والتعرض والنقد لعقيدة هذا المجتهد الحنبلي. وذلك لان ابن تيمية لم يتوان و لم يتراجع عن افشاء و عرض ما يراه من آراءه، وان كانت خلاف ما تراه غالبية اهل السنة والجماعة وفقهائهم.
ففي سنة 705 هـ احضر ابن تيمية الى نائب السلطنة بالقصر واجتمع القضاة لمناقشة "عقيدته الواسطية" وتوالت بعدها عدة مجالس، وناظره علماء اهل السنة مثل الشيخ تقي الدين الهندي والشيخ كمال الدين الزملكاني، وقد انتهت هذه المساجلات الكلامية والمناظرات العقائدية والفقهية بين ابن يمية وخصومه كما يقول ابن كثير "بأن ادعى عليه عند ابن مخلوف المالكي بأنه يقول: ان الله فوق العرش حقيقة، وان الله يتكلم بحرف وصوت. فحكم عليه القاضي بالسجن في برج أياما، ثم نقل منه الى الحبس المعروف بالجب، وكتب كتاب نودي به في البلاد الشامية والمصرية وفيه الحط على الشيخ تقي الدين.
فانضم الى صفه جماعة من الفقهاء والفقراء. وجرت فتن كثيرة منتشرة وحصل للحنابلة في الديار المصرية اهانة عظيمة(15).
ظل الشيخ مسجونا في مصر قرابة السنة والنصف، الى ان افرج عنه في ربيع الاول من سنة 707هـ ولكنه لم يبرح ان ادخل سجن القضاة مرة ثانية، بدعوى ان في آراءه قلة أدب بساحة النبي (ص). ولما افرج عنه في مستهل عام 708 هـ أخذ للاقامة في مدينة الاسكندرية حيث وقعت بينه وبين طوائف الصوفية مساجلات و فتن كثيرة.
عاد ابن تيمية الى موطنه دمشق سنة 712هـ فاشتغل بالتدريس و الافتاء، وبقى على حاله في اصدار الآراء والفتاوي الجديدة المخالفة لما عليه المذاهب الاربعة، سواءا في الاصول او الفروع. فعقدت له مجالس أخرى للمناظرة حبس على أثرها بالقلعة خمسة اشهر ليطلق سراحه بعد ذلك.
في سنة 726هـ حدثت فتن كبيرة في دمشق بسبب فتواه بتحريم شد الرحال لزيارة قبور الانبياء و الاولياء، فأمر السلطان بادخاله القلعة حيث تفرغ للتأليف والرد على خصومه ومراسلة اتباعه و محبيه. مما جعل الفتنة غير قابلة للاخماد، حتى منع الورق والدواة واخرجت كل كتبه من عنده.
وفي ليل الاثنين (20 ذي القعدة من سنة 728هـ) لفظ الشيخ أحمد بن عبدالحليم بن تيمية انفاسه الاخيرة في قلعة دمشق عن عمر يناهز الثامنة والستين عاما ودفن في مقابر الصوفية. يقول ابن كثير: وكثير من الفقهاء والفقراء يذكرون عنه اشياء كثيرة ، مما ينفر منها طباع أهل الاديان فضلا عن أهل الاسلام(16).
الفتاوي الجديدة لأبن تيمية:
لم تكن الفتوى الحموية او القول بالجهة وما يتبع ذلك من التجسيم والتشبيه، الخلاف العقائدي الوحيد بين ابن تيمية ومخالفيه من أهل السنة والجماعة. ولكن يضاف الى ذلك مجموعة آراء أخرى جريئة في العقائد والفقه وكذا في التاريخ. اما فيما يخص الفقه فقد ذكر ابن عماد الحنبلي أهم هذه الفتاوي المخالفة وهي:
1-ارتفاع الحدث بالماء المعتصر، كماء الورد ونحوه.
2-الماء القليل لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه، حتى يتغيير. حكمه حكم الكثير.
3-جواز التيمم خشية فوات الوقت مع وجود الماء.
4-تارك الصلاة عمدا لا يجب عليه القضاء ولا يشرع له.
5-جواز القصر في مسمى السفر طويلا كان او قصيرا.
6-من أكل في شهر رمضان معتقدا انه ليل، وكان نهارا فلا قضاء عليه.
7-جواز طواف الحائض ولا شيء عليه.
8-الحلف بالطلاق لا يقع وعليه كفارة.
9-الطلاق المحرم لا يقع.
10-الطلاق الثلاث لا يقع الا واحدة.
وهذه الفتاوي التي تفرد بها عن مذهبه او خالف بها اجماع المذاهب الفقهية الاخرى لم تكن لتثير عليه ما أثارته فتواه الخاصة بالعقيدة. بالاضافة الى مسألة الطلاق الثلاث ، والتي قال بانها لا تقع الا واحدة خلافا لعمر بن الخطاب، الذي اخذ الجمهور منه هذا الاجتهاد واعتمدوه.
ومن القضايا المهمة التي وقع الاختلاف حولعا بينه وبين خصومه، والتي انبعثت من جديد على ايدى اتباعه واتباع تلميذه محمد بن عبدالوهاب نذكر:
تحديد مفهوم العبادة والشرك.
تحديد مفهوم البدعة والابتداع في الدين وحدهما.
التبرك والتوسل بالنبي وآثاره.
التوسل بالاولياء والائمة.
شد الرحال لزيارة قبور الانبياء والاولياء.
البناء على القبور والصلاة عندها سواءا قبور الانبياء ا الاولياء، وكذا النذر لأهلها، اضافة الى مواضيع أخرى متفرعة.
او قضايا أخرى تمس تاريخ الاسلام، ورأيه المتميز في ملوك بني أمية ودفاعه المستميت عن يزيد بن معاوية قاتل الحسين بن علي رضي الله عنه.
المصادر:
1- يلقب لأبن تيمية بالحراني نسبة الى حران، وأعترض صاحب القاموس على ذلك لان النسبة الى حران هي حرتاتي وهي نسبة سماعية ، ويخطيء من يقول حراني وهي للنسبة القياسية. يقول الدكتور السيد الجميلي :"وقد لفت الانظار الى انه ليس عربي الاصل نسبة الى نسبة الى القبيلى ، لان العرب عادة تنتسب الى القبيلة. ولكن هذا لا يقدح في كرامة الرجل و لايقلل من شأنه وعلمه بحال".
2- البداية والنهاية، ج14 ص142 ، كان سقوط بغداد سنة 656هـ.
3- تقع حران في أرض الجزيرة بين الدجلة والفرات وقد كانت موطن الصائبة قبل الاسلام فيها سدنهم السبعة عشر، وبها تل عليه مصلاهم الكبير يعبدونه ويعظمونه وينسبونه الى ابراهيم الخليل عليه السلام. فتحها المسلمون على عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وبقيت في حوزة المسلمين يتولها أمراء الدولة التي حكمت المنطقة خصوصا السلاجقة والايوبين والمماليك وقد احتلها الروم أكثر من مرة، ولما استولى المغول على بغداد وعقدوا العزم على غزو الشام كانت حران أولى المحطات في طريقهم لأنها بوابة الشام جانب الموصل لذلك لم تسلم من التخريب والسلب والنهب مما دفع بسكانها الى الهجرة والهروب عنها خوفا من القتل. ومنهم أسرة أبن تيمية، أنظر للمزيد من التفصيل، معجم البلدان وأحسن التقاسيم.
4- أي برد الصباح وبرد المساء.
5- أبن تيمية حياته عقائده، موقفه من الشيعة وأهل البيت، صائب عبدالحميد مركز الغدير للدراسات الاسلامية ط1-1994م، ص25
6- دكتور علي الوردي، وعاظ السلاطين. دار كوفان، لندن ط2-1995م، ص163.
7- أبن تيمية، مرجع سابق ص25.
8- أبن تيمية، مرجع سابق ص57.
9- الرسالة الحموية، ص 425 طبعت ضمن مجموعة الرسائل الكبرى ج1.
10-بحوث في الملل والنحل. ج4 ،ص32.
11-ابن تيمية، مرجع سابق ص59-76.
12-اللوثة: بالضم ، جنون.
13-رحلة ابن بطوطة، ص59، ذكر القصة ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة ج1، ص154. أنظر ايضا ابن تيمية، صائب عبدالحميد.
14-البداية والنهاية، ج14 ص4-26
15-البداية والنهاية، ج14 ص40
16-المرجع السابق، ج14 ص143
واذا كان تقي الدين أبن تيمية ولد ونشأ في حران، فانه هو وعائلته ينتقل للاستقرار في دمشق، وذلك سنة 667 هـ فرارا من طلائع الجيش المغولي. التي أضحت على ابواب حران والمناطق المجاورة لها. في دمشق استقرت الاسرة الهاربة من بطش المغول، لتبدأ حياة جديدة للطفل الحراني نحو التحصيل العلمي والمطالعة في كتب التراث الاسلامي، وصولا الى مرحلة الاستاذية والتدريس في مدارس دمشق وجوامعها.
الفتوى الحموية وتفجير الصراع
الصفات الخبرية والنص على التجسيم:
في سنة 698 هـ وردت على أبن تيمية رسالة من أهالي حماة يسألونه:"قول السادة العلماء أئمة الدين أحسن الله اليهم جميعا في آييات الصفات كقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) وقوله ثم (استوى الى السماء) وغير ذللك من الآيات والصفات. وأيضا لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):"ان قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن) وقوله (يضع الجبار قدمه في النار) الى غير ذلك، وما قالته العلماء فيه، وليبسطوا القول في ذلك مأجورين انشاء الله(9) ، فكان ان أجاب بما نص في التجسيم (10).
أي بما تعتقده الحشوية في مسألة الصفات الخبرية سواء ما صح منها أي ما ورد في القرآن، وما صح من سنة الرسول (ص) أو ما جاء في الاحاديث التي اختلقها الوضاعون او مرويات اهل الكتاب على خصوص مجسمة اليهود.
اعتمد ابن تيمية عقيدة سلفية، ودافع عنها بكل ما اوتي من قوة بيان وحجج عقلية. وناصر فيها عقيدتهم حيث نسبوا الى الله سبحانه وتعالى صفات هي من صفات الاجسام، كالوجود في جهة واحدة والاستواء على العرش حقيقة. والحركة والانتقال، وان الوجه والايدي والاعين والارجل المذكورة في بعض الايات والاحاديث انما هي على الحقيقة دون المجاز(11).
لقد كانت الفتوى الحموية السبب الرئيسي لمحنته وشهرته معا، وذلك لان ابن تيمية سيبدأ بعرض هذه العقيدة على العامة ومن على منبر الجامع في دمشق. يقول ابن بطوطة في رحلته تحت عنوان "الفقية ذي اللوثة"(12) كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية. كبير الشام يتكلم في الفنون، الا ان في عقله شيئا..الى ان قال:"وكنت اذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس من على منبر الجامع، قكان من جملة كلامه أن قال:"ان الله ينزل الى السماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من المنبر"(13).
وهذه الحادثة ذكرها أكثر من مؤرخ. الا انها ليست المأخذ الوحيد لدى خصومه من أهل السنة، لان اغلبهم سيعتمد على ما ورد في الفتوى الحموية وكذا ما يتناقله الطلبة والعامة من مستمعيه في المسجد الجامع.
لقد وصلت عقيدة ابن تيمية وفتواه مسامع العلماء المعاصرين له فقاموا للرد عليه ولبيان ان مذهبه في الصفات الخبرية يفضي الى التشبيه والتجسيم، خلاف التنزيه الذي يعتقده أهل السنة والجماعة من الاشاعرة. كما ردوا على فتاويه الفقهية، اما لمخالفتها الاجماع –اي اجماع فقهاء المذاهب الاربعة- او لخطئها وعدم صحتها بالمرة.
ان اعلان ابن تيمية لعقيدة التجسيم وغيرها من الآراء الفقهية المخالفة وما تبع ذلك من ردود كتابية و فتاوي مناهضة و مناقضة لما ذهب له. قد اثارت الرأي العام حوله فوقعت بعض الفتن، تدخلت على اثرها السلطات السياسية آنذاك فعقدت لهذا الفقيه الحنبلي عدة محاورات و مناظرات، بحضور علماء المذاهب الفقهية والاصولية باشراف السلطات السياسية.
يقول ابن كثير في حوادث سنة 698هـ "قام عليه –اي على ابن تيمية- جماعة من الفقهاء وارادوا احضاره الى القاضي (جلال الدين الحنفي) فلم يحضره. فنودي في البلد في العقيدة التي كان قد سأله عنها أهل حماة المسمى بالحموية(14).
علماء أهل السنة يردون على ابن تيمية:
لم تهدأ ثائرة الفقهاء مع كثرة الردود والتعرض والنقد لعقيدة هذا المجتهد الحنبلي. وذلك لان ابن تيمية لم يتوان و لم يتراجع عن افشاء و عرض ما يراه من آراءه، وان كانت خلاف ما تراه غالبية اهل السنة والجماعة وفقهائهم.
ففي سنة 705 هـ احضر ابن تيمية الى نائب السلطنة بالقصر واجتمع القضاة لمناقشة "عقيدته الواسطية" وتوالت بعدها عدة مجالس، وناظره علماء اهل السنة مثل الشيخ تقي الدين الهندي والشيخ كمال الدين الزملكاني، وقد انتهت هذه المساجلات الكلامية والمناظرات العقائدية والفقهية بين ابن يمية وخصومه كما يقول ابن كثير "بأن ادعى عليه عند ابن مخلوف المالكي بأنه يقول: ان الله فوق العرش حقيقة، وان الله يتكلم بحرف وصوت. فحكم عليه القاضي بالسجن في برج أياما، ثم نقل منه الى الحبس المعروف بالجب، وكتب كتاب نودي به في البلاد الشامية والمصرية وفيه الحط على الشيخ تقي الدين.
فانضم الى صفه جماعة من الفقهاء والفقراء. وجرت فتن كثيرة منتشرة وحصل للحنابلة في الديار المصرية اهانة عظيمة(15).
ظل الشيخ مسجونا في مصر قرابة السنة والنصف، الى ان افرج عنه في ربيع الاول من سنة 707هـ ولكنه لم يبرح ان ادخل سجن القضاة مرة ثانية، بدعوى ان في آراءه قلة أدب بساحة النبي (ص). ولما افرج عنه في مستهل عام 708 هـ أخذ للاقامة في مدينة الاسكندرية حيث وقعت بينه وبين طوائف الصوفية مساجلات و فتن كثيرة.
عاد ابن تيمية الى موطنه دمشق سنة 712هـ فاشتغل بالتدريس و الافتاء، وبقى على حاله في اصدار الآراء والفتاوي الجديدة المخالفة لما عليه المذاهب الاربعة، سواءا في الاصول او الفروع. فعقدت له مجالس أخرى للمناظرة حبس على أثرها بالقلعة خمسة اشهر ليطلق سراحه بعد ذلك.
في سنة 726هـ حدثت فتن كبيرة في دمشق بسبب فتواه بتحريم شد الرحال لزيارة قبور الانبياء و الاولياء، فأمر السلطان بادخاله القلعة حيث تفرغ للتأليف والرد على خصومه ومراسلة اتباعه و محبيه. مما جعل الفتنة غير قابلة للاخماد، حتى منع الورق والدواة واخرجت كل كتبه من عنده.
وفي ليل الاثنين (20 ذي القعدة من سنة 728هـ) لفظ الشيخ أحمد بن عبدالحليم بن تيمية انفاسه الاخيرة في قلعة دمشق عن عمر يناهز الثامنة والستين عاما ودفن في مقابر الصوفية. يقول ابن كثير: وكثير من الفقهاء والفقراء يذكرون عنه اشياء كثيرة ، مما ينفر منها طباع أهل الاديان فضلا عن أهل الاسلام(16).
الفتاوي الجديدة لأبن تيمية:
لم تكن الفتوى الحموية او القول بالجهة وما يتبع ذلك من التجسيم والتشبيه، الخلاف العقائدي الوحيد بين ابن تيمية ومخالفيه من أهل السنة والجماعة. ولكن يضاف الى ذلك مجموعة آراء أخرى جريئة في العقائد والفقه وكذا في التاريخ. اما فيما يخص الفقه فقد ذكر ابن عماد الحنبلي أهم هذه الفتاوي المخالفة وهي:
1-ارتفاع الحدث بالماء المعتصر، كماء الورد ونحوه.
2-الماء القليل لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه، حتى يتغيير. حكمه حكم الكثير.
3-جواز التيمم خشية فوات الوقت مع وجود الماء.
4-تارك الصلاة عمدا لا يجب عليه القضاء ولا يشرع له.
5-جواز القصر في مسمى السفر طويلا كان او قصيرا.
6-من أكل في شهر رمضان معتقدا انه ليل، وكان نهارا فلا قضاء عليه.
7-جواز طواف الحائض ولا شيء عليه.
8-الحلف بالطلاق لا يقع وعليه كفارة.
9-الطلاق المحرم لا يقع.
10-الطلاق الثلاث لا يقع الا واحدة.
وهذه الفتاوي التي تفرد بها عن مذهبه او خالف بها اجماع المذاهب الفقهية الاخرى لم تكن لتثير عليه ما أثارته فتواه الخاصة بالعقيدة. بالاضافة الى مسألة الطلاق الثلاث ، والتي قال بانها لا تقع الا واحدة خلافا لعمر بن الخطاب، الذي اخذ الجمهور منه هذا الاجتهاد واعتمدوه.
ومن القضايا المهمة التي وقع الاختلاف حولعا بينه وبين خصومه، والتي انبعثت من جديد على ايدى اتباعه واتباع تلميذه محمد بن عبدالوهاب نذكر:
تحديد مفهوم العبادة والشرك.
تحديد مفهوم البدعة والابتداع في الدين وحدهما.
التبرك والتوسل بالنبي وآثاره.
التوسل بالاولياء والائمة.
شد الرحال لزيارة قبور الانبياء والاولياء.
البناء على القبور والصلاة عندها سواءا قبور الانبياء ا الاولياء، وكذا النذر لأهلها، اضافة الى مواضيع أخرى متفرعة.
او قضايا أخرى تمس تاريخ الاسلام، ورأيه المتميز في ملوك بني أمية ودفاعه المستميت عن يزيد بن معاوية قاتل الحسين بن علي رضي الله عنه.
المصادر:
1- يلقب لأبن تيمية بالحراني نسبة الى حران، وأعترض صاحب القاموس على ذلك لان النسبة الى حران هي حرتاتي وهي نسبة سماعية ، ويخطيء من يقول حراني وهي للنسبة القياسية. يقول الدكتور السيد الجميلي :"وقد لفت الانظار الى انه ليس عربي الاصل نسبة الى نسبة الى القبيلى ، لان العرب عادة تنتسب الى القبيلة. ولكن هذا لا يقدح في كرامة الرجل و لايقلل من شأنه وعلمه بحال".
2- البداية والنهاية، ج14 ص142 ، كان سقوط بغداد سنة 656هـ.
3- تقع حران في أرض الجزيرة بين الدجلة والفرات وقد كانت موطن الصائبة قبل الاسلام فيها سدنهم السبعة عشر، وبها تل عليه مصلاهم الكبير يعبدونه ويعظمونه وينسبونه الى ابراهيم الخليل عليه السلام. فتحها المسلمون على عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وبقيت في حوزة المسلمين يتولها أمراء الدولة التي حكمت المنطقة خصوصا السلاجقة والايوبين والمماليك وقد احتلها الروم أكثر من مرة، ولما استولى المغول على بغداد وعقدوا العزم على غزو الشام كانت حران أولى المحطات في طريقهم لأنها بوابة الشام جانب الموصل لذلك لم تسلم من التخريب والسلب والنهب مما دفع بسكانها الى الهجرة والهروب عنها خوفا من القتل. ومنهم أسرة أبن تيمية، أنظر للمزيد من التفصيل، معجم البلدان وأحسن التقاسيم.
4- أي برد الصباح وبرد المساء.
5- أبن تيمية حياته عقائده، موقفه من الشيعة وأهل البيت، صائب عبدالحميد مركز الغدير للدراسات الاسلامية ط1-1994م، ص25
6- دكتور علي الوردي، وعاظ السلاطين. دار كوفان، لندن ط2-1995م، ص163.
7- أبن تيمية، مرجع سابق ص25.
8- أبن تيمية، مرجع سابق ص57.
9- الرسالة الحموية، ص 425 طبعت ضمن مجموعة الرسائل الكبرى ج1.
10-بحوث في الملل والنحل. ج4 ،ص32.
11-ابن تيمية، مرجع سابق ص59-76.
12-اللوثة: بالضم ، جنون.
13-رحلة ابن بطوطة، ص59، ذكر القصة ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة ج1، ص154. أنظر ايضا ابن تيمية، صائب عبدالحميد.
14-البداية والنهاية، ج14 ص4-26
15-البداية والنهاية، ج14 ص40
16-المرجع السابق، ج14 ص143