تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أين الأحباش من صعود خصومهم السلفيّين؟



من هناك
08-23-2008, 03:29 AM
أين الأحباش من صعود خصومهم السلفيّين؟



http://www.al-akhbar.com/files/images/p06_20080823_pic1.preview.jpg
المفتي قباني في أحد نشاطات الأحباش المؤيدة لبقاء الجيش السوري في لبنان (أرشيف)



مع صعود القوى السلفيّة، تتجه الأنظار إلى جمعية المشاريع الخيريّة الإسلاميّة (الأحباش)، الخصوم التقليديين للسلفيين على الساحة الإسلاميّة. لكنّ الأحباش يضاعفون اليوم حذرهم، ويكتفون بتسجيل النقاط، معزّزين حضورهم وتنظيمهم في انتظار اللحظة المناسبة
غسان سعود

الرسالة الصوتيّة نفسها، يسمعها طارق باب جمعيّة المشاريع الخيرية الإسلاميّة سعياً وراء معلومات صحافيّة. فبعد الترحيب الإسلامي اللبق المعتاد، وفنجان القهوة، والدردشة العامة الصغيرة، يردّد كبار الجمعيّة وصغارها الاعتذار نفسه عن الإدلاء بأي تصريح.

هكذا، دون تصاريح ودون إطلالات إعلاميّة، ودون نشاطات جماهيريّة وتظاهرات، يستمر الأحباش، تحت الطاولة قوة إسلاميّة سنيّة تكاد تكون الأولى في لبنان عددياً إن كان التنظيم هو المعيار، وفوق الطاولة، في صناديق الاقتراع، أكبر كتلة ناخبة في بيروت بعد تيار المستقبل، بحسب نتائج انتخابات 2005 النيابيّة.

■ حضورهم السياسي
يحضر الأحباش اليوم بشكل أساسي في بيروت (مسؤولهم هو الشيخ حسام قراقيرة) ثم طرابلس (مسؤولهم هو طه ناجي)، فصيدا (مسؤولهم هو أسامة السيّد). وأجمعت قراءات نتائج انتخابات 2005 النيابيّة على أن قوتهم التجييريّة في دائرة بيروت الأولى (الأشرفيّة، المزرعة، والصيفي) قاربت 6500 صوت سنّي، وفي دائرة بيروت الثانية (المصيطبة، الباشورة، والرميل) قرابة 4000 صوت، وفي دائرة بيروت الثالثة (المريسة، رأس بيروت، زقاق البلاط، المدور، المرفأ، وميناء الحصن) قرابة 4000 صوت أيضاً. ليكونوا بذلك القوة الناخبة (السنيّة وغير السنيّة) الثانية في بيروت بعد تيار المستقبل. وقد فوجئ المتابعون يومها بأن الأحباش بعد خروج السوريين، الذين قيل كثيراً إنهم صنيعتهم، كانوا أقوى مما كانوا عليه خلال وجودهم في لبنان (هذا ما تدلّ عليه المقارنة بين نتائجهم في الانتخابات النيابية عامي 2000 و2005).

لكن بعدما سُلّطت الأضواء على الجمعية نتيجة اشتباه القاضي ديتليف ميليس بضلوع اثنين من أهم مسؤوليها (أحمد عبد العال، الرجل الأبرز أمنياً في الجمعية، وشقيقه الشيخ محمود عبد العال) بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري (ذكر ميليس الجمعية باسمها الشعبي «الأحباش» لا باسمها الرسمي) وتوقيفهما، انقسمت الجمعيّة التي شاركت بقوة في تظاهرة 8 آذار وكانت قبلها إحدى ركائز لقاء عين التينة، بحسب أحد مسؤوليها، بين من يؤمن بضرورة حصر نشاطهم بنشر علوم الدين فقط، ومن يصر على توأمة العملين السياسي والديني.

وسرعان ما دخلت قوى الأكثريّة على خط الجدل الداخلي في الجمعيّة، التي اشتهرت بإحيائها سنوياً عيد الجيشين اللبناني والسوري، عبر إعلان مفتي الجمهورية الشيخ رشيد قباني أن المديرية العامة للأوقاف الإسلامية ستباشر إجراءات قانونية ونظامية لاستعادة عدد من المساجد في بيروت كانت جمعية المشاريع قد «وضعت يدها عليها بالقوة» مما أدى إلى طغيان حضور الفريق الحبشي المطالب بإبعاد الجمعية عن السياسة، ومسايرة تيار المستقبل تحت شعار «حماية المؤسسات والمراكز والمساجد». وخصوصاً أن أهم مؤسسات الجمعية «ثانوية الثقافة» تقع في قلب طريق الجديدة. ويقال إن وزير الداخلية السابق حسن السبع، صديق الجمعية، كان عرّاب التسوية بينها وبين المستقبل، التي أدت إلى غض مفتي الجمهورية ومديرية الأوقاف النظر عن «وضع الجمعية يدها بالقوة على بعض المساجد». ونتيجة ذلك، خرج الأحباش من صفوف المعارضة، وانسحب ممثّلوهم في لقاء الأحزاب اللبنانيّة والمنظمات الشبابيّة والطالبيّة، ولم يشاركوا لا في اعتصام المعارضة في وسط بيروت ولا في أي نشاط معارض آخر. مع العلم، أن بعضهم، بحسب أحد مسؤولي الجمعيّة، كان يرى بانضمام الجماعة الإسلاميّة إلى قوى 14 آذار مبرّراً عقائدياً أيضاً لانضمام الأحباش إلى المعارضة.

واليوم، تنقسم الجمعيّة، وفق مسؤول آخر، فريقين يتمسّكان بإبقاء الخلاف عند مستوى التمايز في الرأي وعدم الخروج به إلى العلن. واحد قريب من تيار المستقبل، أبرز من فيه الدكتور أحمد الدبّاغ ومجموعة كبيرة من المسؤولين الذين يقيمون في منطقة طريق الجديدة. وآخر يتزعمه النائب السابق عدنان طرابلسي (دورة 1992) يريد فتح علاقة جديدة وشفافة مع حزب الله والمعارضة وسوريا. وتستند هذه المجموعة إلى تجربة ثلاث سنوات من «العلاقات الجيدة» مع تيار المستقبل، التي لم تعد عليها بأية إيجابيات على الصعيد السياسي، فيما شاهدت تيار المستقبل الذي عامل الأحباش كأهل ذمّة، يسرف على الصعيد الديني في دعم الجمعيات السلفيّة التي تكاد تكون المنافس الأول بالنسبة إلى الأحباش.

■ التمايز السنّي
فوسط كثرة الجماعات الإسلاميّة التي غالباً ما تتحكم في النظرة إليها أفكار مسبقة وحسابات على النيّات، يبدو مفاجئاً أن سبباً دينياً عنوانه «الغيرة على الطائفة السنيّة من نمو السلفيّة» هو الدافع الأساسي، بالنسبة إلى الأحباش، ليستنهضوا أنفسهم ويعززوا حضورهم. فهم يجدون أنفسهم قبالة تمدد غير مسبوق للحالة السلفيّة التي يركّز الأحباش على دحض تعاليمها، ورفض أفكارها «المتطرّفة كفكرة الخوارج» التي أحياها سيد قطب، الذي كان، بحسبهم، ملحداً. ويخالفون المنهج التكفيري الشمولي، رافضين استباحة الدماء تحت أي عذر كان. ومن العناوين الكبيرة إلى الصغيرة، يستغرب الأحباش كيف يكفّر البعض المسلمين لمجرّد أنّهم يحتفلون بذكرى المولد النبويّ الشريف أو يزورون قبر النبي محمد. وفي معظم نشاطاتهم وكتاباتهم، يحذرون من انتشار «الفكر المتطرّف المنحرف والهدّام».

هكذا، يبدو الأحباش، الذين ارتبطت صورتهم محلياً منذ 13 نيسان 2004 بالبلطات (بعد تظاهرتهم الشهيرة)، ثم بالضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري (على ما درج على التسويق له بعض أهل تيار المستقبل) أكثر اعتدالاً من جماعات إسلاميّة كثيرة كان ظن اللبنانيين أنها أكثر اعتدالاً من الأحباش الذين يحافظون على هالة أمنيّة تفرض على معارفهم عن قرب بعض الحذر في التعاطي معهم. ونتيجة كثرة القيل والقال، يلتزم هؤلاء استراتيجيّة العمل الهادئ ريثما تتبلور الصورة السلفيّة أكثر. فيكتشف سياسيّو السنة حاجتهم إلى الأحباش لإعادة التوازن إلى الحياة الإسلاميّة (السنيّة) في لبنان، ويدرك المعارضون (المسيحيّون خصوصاً) أن الأحباش المعتدلين بتديّنهم حاجة لا يمكن محاسبتها على نيّاتها أو على تاريخها، وأنهم قوة ناخبة منظّمة يفترض بذل كل جهد ممكن لدعمها بدل البحث عن تعويم مجموعات لا حجم لها ولا مستقبل.


انطلاقة واستمراريّة

التحوّل الأساسي في تاريخ جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، ذات النفوذ القوي في الدنمارك والسويد وكندا، التي أسسها الشيخ أحمد محيي الدين العجوز، حصل عام 1970، مع بدء الشيخ عبد الله الهرري الحبشي الذي قدم عام 1950 من الحبشة إلى بيروت استقطاب الطلاب في ثلاثة جوامع أساسية ما تزال تعدّ أهم معاقل الجمعية، وهي جوامع برج أبي حيدر، البسطة، وزقاق البلاط. وسنة 1983، تنازل العجوز عن حقوقه التأسيسيّة لهيئة جديدة رأسها الشيخ نزار الحلبي الذي اغتيل عام 1995، وخلفه الشيخ حسام قراقيرة. ويقول المشاريعيّون إنهم يتبعون مَن قبلهم من السلف والخلف، وليس عندهم أفكار جديدة يدعون إليها الناس، «فمن عرفها قد عرفها ومن لم يعرفها فليعرفها الآن». مع الأخذ بعين الاعتبار، أنهم بحسب عدة مراجع، أهم من درس علم التوحيد في لبنان، ونشر مبدأ «الحرام والحلال».

على صعيد آخر، تزامن صعود الأحباش مع بدء الحرب اللبنانيّة، التي شاركوا فيها، بحسب أحد أعضاء الجمعيّة، بشكل سرّي. وانخرط معظمهم في صفوف «حركة أنصار الثورة»، وعُرف مقاتلو الجمعية يومها باسم «مجموعة الرابع». وهم تدربوا لدى فتح. وقد انطبعت سمة الاستخبارات بالأحباش نتيجة قربهم منذ نشأتهم من الجيش السوري واستخباراته. واستؤنفت العلاقة أخيراً بين بعض مسؤولي الأحباش ومسؤولين سوريين كبار.

من جهة أخرى، ثمة مآخذ سلفيّة كثيرة على الأحباش المتهمين سلفياً بإفساد العقيدة وتفكيك وحدة المسلمين. ويتخصص موقع http://www.antihabashis.com في انتقاد الأحباش، وينشر فيه مقال نقدي طويل ضد الأحباش للشيخ أبي طلال القاسمي عنوانه «إقامة الحجّة على الحبشي».