تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ثقافة التبرير



عزام
08-15-2008, 09:43 PM
التبرير كذب مقنع
(ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) [التوبة :50 ]
أجمل الله حال هؤلاء المستأذنين عن الجهاد يوم يكون النفير ، حاكما عليهم بالنفاق بشكل عام ، ثم بدأ يذكر أصناف هؤلاء المنافقين من خلال كلامهم الذي يعبر عن نفاقهم ، فبدأ بالنموذج الأول من هؤلاء المنافقين المستأذنين الذين يستأذنون و يعتذرون بما ليس عذراً إذ يطلبون الإذن بحجة أنهم إذا خرجوا للجهاد ورأوا النساء لا يصبرون عنهم فيقعون في الحرام .
فلما كان الجهاد والنفير فعل إيجابي يحتاج إلي تضحية وتقديم تنازلات قد يصعب علي النفس احتمالها ولما كانت النفس البشرية قد فطرة علي عدم التسليم بالخطأ فإنها تستدرج في اللاوعي إلي تبريره .
ولذلك فالتبرير في علم النفس هو نوع من الكذب ولكنه كذب في اللاوعي وهو حيله من الحيل أو الآليات الدفاعية التي تبرر بها النفس حيودها عن الحق والعدل وتتهرب بها من الوقوف المباشر أمام عجزها أو ضعفها عن تحميل التكاليف المفروضة عليها إزاء ذلك الموقف أو ذاك .
التبرير اصل صحيح وفهم مغلوط
ويساعد ويدعم الكذب في اللاوعي عند أصحاب ثقافة التبرير أن لثقافة التبرير دائما أصل صحيح يتم استخدامه بشكل مغلوط. والحرفية المطلوبة في ممارسته هو استخدام خداع لفظي أو فقهي قد يسوغ الإسقاط المطلوب . ووجود ذلك الأصل ركن أساسي في ممارسات ثقافة التبرير .
يقول الله سبحانه وتعالى : " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا" النساء : 97" .
النص يقدم ويجسد لنا ثقافة التبرير ويأتي إعجاز النص فأنه يقدم ويختزل ثقافة التبرير في مشاهد ثلاثة فابتداءً هم ظالمين لأنفسهم ولهم الذلة والمهانة في الحياة الدنيا وانتهاءاً بمصيرهم التعس في اليوم الآخر فهم أصحاب الجحيم. ذلك لأن الله سبحانه وتعالي شرع لضعفاء العاجزين عن إقامة الدين حق الهجرة من أرض الضعف إلي أرض أخري يستطيعوا أن يمار سوا فيها بحرية كاملة شعائرهم الدينية.
فالاستضعاف يعتبر سببا يسقط فرضية الهجرة كما في النص التالي " إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا" [سورة النساء :8 ]ولكن رفض الحق سبحانه تعالى ثقافة التبرير في الآية لأنه تم استخدامه بشكل تبريري وتم توظيفه كحيلة للفرار من استحقاق الهجرة المفروضة .
ولقد عرف السلف الصالح هذا التعامل المغلوط مع الأصول الصحيحة وأدانوا ذلك الاستخدام المبني علي خلفية ثقافة التبرير والذي عرف في الممارسة الفقهية بمعني الحيل في الفقه وهو توظيف تبريري للأحكام الشرعية التي تفرض استحقاقات معينة.
حينما يصبح التبرير بديلا عن النقد الذاتي
وكتب الإمام ابن القيم في مصنفه الرائع "إعلام الموقعين عن رب العالمين" فصلاً كاملاً في ذم الحيل في الفقه حتى وصل الأمر إلي قوله "من كان عنده كتاب الحيل في بيته يفتي به فهو كافر بما أنزل الله علي محمد صلي الله عليه وسلم" ونقل قول الإمام أحمد "من أفتي بهذه الحيل فقد قلب الإسلام ظهر البطن ونقض عري الإسلام عروة عروة". ويعلم الله وحده لو لم يقيد الله لهذه المدرسة الفقهية من يقف لها ويفند أركان هذه الطريقة في التفكير والتي لو شاعت في الأمة لكانت عائق وسبب مباشر من أسباب إعاقة الانطلاقة الحضارية الأولي بأنعكاستها الثقافية والفكرية علي أبناء النخبة وطلائع الفكر. فأمة تتربي وتتشكل علي ثقافة التبرير وعقلية الحيل التي تجد لأصحاب النفس الضعيفة مخرج بتأويل فاسد ومهرب من تحمل تبعات ومسئوليات يفرضها منطق المواجهة هي أمه أبدأ لن تستفيد من تجاربها ولن تملك القدرة علي المراجعة والتقييم لإحداثها ومواجهة النفس بأسباب السقوط وشحن الهمم بعوامل النهضة والتحدي.
فالأمم الواعية حين تحس بأزمة معينة أو خلل في الأداء ونقص في الفاعلية والإنجاز فإنا أول شيء تفعله هو القيام بتشخيص القيم الثقافة السائدة والنظم التربوية القائمة .
هذا ما فعلته بريطانيا حين رأت التفوق الألماني خلال الحرب العالمية الثانية وما فعلته الولايات المتحدة حين رأت الاتحاد السوفيتي يسبقها في النزول علي سطح القمر وما تفعله حالياً لدراسة عوامل الفاعلية في التجربة اليابانية. وكل بلد نجح في الخروج من أزماته ومجابهة تحدياته بدأ بفحص النظم التربوية والثقافة السائدة , وما نجح حزب أو جماعة أو منظمة في برامجها إلا بعد اعتماد مبدأ المراجعة والتقييم الدوري لمبادئها وأفكارها واختبار صلاحية هذه المبادي للظرف الزمني والمكاني ووضع مجموعة الأخطاء التي كشفت عنها الممارسة العملية تحت المراجعة والتقييم وهذا ما يسقط بالكلية في بيئة محكومة بثقافة التبرير .
لم أملك تفسيرا لظاهرة سجلتها علي أطفال بيئتنا المعاصرة تلك التي تمثلت في المسارعة إلي التبرير عند المواجهة بالخطأ إلا عندما أطلعت علي قانون في علم الوراثة يقول "أن الصفات المكتسبة بالمعايشة والممارسة تنقلب إلي صفات وراثية" ويؤكد علم الوراثة على أن البيئة تغلب الوراثة وفي ظلال ذلك المعني يفهم حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "فأبواه يهودانا أو ينصرانه أو يمجسانه" أي أن الصفات المكتسبة تورث.
ما أروع ثقافة المواجهة بالخطأ والتقييم والمراجعة علي أساس القوانين والنواميس التي لا تحابي أحد حتى لو كان مؤمناً. وعلى هذا المنهج كانت معالجة القرآن الكريم وكانت المنهجية التي تمثلت في المواجهة بالخطأ تلك المواجهة التي كان لها الأثر والأثر العميق في مناهج التربية والتكوين في الفكرة الإسلامية لا لأجيال الصحابة فحسب بل لأجيال الأمة حتى يرث الله الأرض. فمن خلال رؤية نقدية لإحداث غزوة أحد و بعيداً عن ثقافة التبرير جاءت المواجهة.
"منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ...." "آل عمران : " .152
"إن الذين تولوا منكم يوم التقي الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا" "آل عمران : " - 155
" أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير " [آل عمران :65]
وعلى نفس المنهج كانت المعالجة القرآنية في سورة التوبة لمواقف المؤمنين والمنافقين علي السواء فلقد تم فضح وكشف ثقافة التبرير والتأكيد علي أنها ثقافة هلاك ومن هنا ومن خلال منهج المواجهة جاءت ألتسميه فتعرف سورة التوبة بالكاشفة والفاضحة والمقشقشه والمبعثره .
التبرير في الاحداث التاريخية

أين الأمة من هذه الثقافة وتلك العقلية وأين أثر هذه الثقافة والعقلية في مواجهة الأمة لمجموع تلك النكبات التي مرت بها أنه باستشراف الأبعاد التاريخية والاجتماعية التى مرت بالأمة نرى أن ثقافة التبرير قد تجسدت في الأمة في أبعاد و ممارسات تمثلت في – تبرير الأحداث التاريخية-تبرير أخطاء القادة- تبرير أخطاء الممارسات التاريخية – الاستسلام للأعذر والاحتجاج بالقدر. "الأمة الإسلامية أصبحت تتلقي الانتصارات والهزائم دون وعي ودون استفادة ودون البحث في أسباب النصر وعوامل الهزيمة وران عليها هذا حتى في كتابة التاريخ فهي لا تكاد تعي ما يقع بها من مآسي أنا أنظر الآن فأجد أن المسلمين تنزل بهم النكبات التي تقصم الظهر ثم تنتهي بغير شيء مأساة الأندلس التعليق عليها قصيدة: لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان. هل هذا هو التعلق أين تعليق العلماء والأمراء والساسة والقادة والنظر في هذا كله نظره فيها محاسبة للنفس ؟ إذا أفلست شركة مثلاً فإن تقرير يوضع عن أسباب الإفلاس فكيف لم توضع أي تقارير عن فساد الأمة الإسلامية الذي أدى إلي هزيمتها في الأندلس " أ.هـ .
من أعجب ما قرأت ويجسد لنا أثر ثقافة التبرير والعقلية التبريرية في قراءة أحداثنا التاريخية أني قرأت من يعلق علي مأساة ضياع وإلقاء مكتبة بغداد في دجلة تلك المأساة التي كتب العديد حتى من غير المسلمين فقالوا أن الأرض والوجود الإنساني كله والتطور الحضاري تأخر عدة قرون لضياع الكنوز الفكرية والثقافية التي كانت بمكتبة بغداد. ولكن بعقلية تبررية باردة كتب ذلك يقول "من رحمة الله بالأمة أن تلك المكتبة قد هلكت لأن هذه الكتب كان فيها عدد من الأحاديث الضعيفة التي لو خرجت إلي الأمة لأحدثت فتنة ولكن بضياع وإتلاف هذه المخطوطات وقي الله الأمة شرها". وكأن الأمة لم تعرف الأحاديث الضعيفة بعد هلاك ومحنة مكتبة بغداد وكأن الله لم يقيد لنا علماء افنوا عمرهم في تنقية السنة الشريفة من الأحاديث الضعيفة ووضعوا لها قواعد صارمة لتعامل مع النص من حيث السند والمتن وبفضل هذه العلوم والمعارف وبثقافة السند المتصل تم تنقيح ومراجعة التراث كله.
هل يعقل أننا مازلنا حتى يومنا هذا ومن أثر تلك الثقافة التبريرية نعلل هزيمة العام 1948 من أثر الأسلحة الفاسدة وألم نلقن منذ نعومة أظفارنا أن أسباب هزيمة الجيوش العربية كانت الأسلحة الفاسدة. فإذا ما ملكنا العقلية التحليلية وامتلكنا القدرة علي الإطلاع علي ما كان يخفي علينا من معلومات تبين لنا ذلك الذي سجله الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه "عروش وجيوش" . يقول أن عناصر المعركة بين عصابات صهيون والجيوش العربية كانت علي النسق التالي عدد الجيوش العربية 20 ألف وعدد الجيش الإسرائيلي 100 ألف ؛ الجيوش العربية لم تمارس أي عملية قتالية من قبل وكل ما لها من خبرات قتالية كانت الاستعراضات العسكرية في المناسبات الوطنية والدينية ؛ الجيش الإسرائيلي معظمهم كان يقاتل في صفوف الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية؛ الجيش العربي لم يتعرف من قبل علي ميدان المعركة ولم يتدرب عليها من قبل ولا يملك أي معلومات عن ميدان المعركة حتى أن الجيش كان يرتدي ملابس صيفية وميدان القتال كان بارداً ؛ العصابات الصهيونية كانت مقيمة في الأرض ولها بها معرفة كاملة وتدريبات وتحصينات سابقة. أمام هذه المفردات تتضح الصورة وتتضح أسباب الهزيمة ولكن بسلطان العقلية التبريرية تم تغليف ذلك العوار وقدمت الصورة إلي الضمير العربي بأننا لم نقاتل والأسلحة فاسدة وبذلك التبرير فقدنا القدرة علي المراجعة والتصويب وظل هناك فرق كبير بين التدريب والتسليح والإعداد والتجهيز حتى تم تكرار السيناريو في العام 56 / 67. وهل يتصور عاقل إننا حتى يومنا هذا لم تصدر لنا دراسات معتمدة تقدم لنا أسباب هزيمة العام 67.
هل يعقل أننا مازلنا وحتى يومنا هذا ومن أثر ثقافة التبرير والعقلية التبريرية التي تحيط بوسطنا الثقافي مازلنا لا نملك القدرة حتى بين صفوف النخبة المثقفة علي الاتفاق علي عناصر التقييم للشخصيات التاريخية والقيادية في الأمة. لقد تجاوز العالم المتحضر ثقافياً تلك الإشكالية وذلك بالاتفاق علي مرجعية معتمدة يخضع لها الجميع وعلي ضوء تلك المرجعية يستطيع الجميع أن ينقد ويراجع سلوكيات ومواقف ويؤيد سلوكيات ومواقف. فلو توجهنا إلي المثقف الفرنسي مثلاً وسألنا - عن رأيه في الجنرال ديجول - يقول أصاب في المواقف التالية وأخطاء في المواقف التالية وذلك يتم بشفافية ومرجعية معتمدة (موقفة من حقوق الإنسان – موقفة من الديمقراطية في الممارسة – موقفة من الذمة المالية - التقييم السياسي لمواقفه المحورية). ولكنا في وسطنا ومن أثر ثقافة التبرير يتم خلط الحسنات بالسيئات ويحدث خلط متعمد وتضيع المرجعية ويبقي الاختلاف والتباين – الأفغاني مثلاً ومحمد عبده ومحمد علي , وغيرهم كثير لا يوجد أتفاق أو حتى أتزان في التقييم والحكم.
التوبة رد فعل ايجابي ضد ثقافة التبرير
في ثقافة وسطنا الإسلامي الأول قال ابن عباس في سبب نزول الآية :
(وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم) [التوبة : 102]
أرسل بني قريظة إلي أبي لبابه بن عبد المنذر – وكانوا حلفاؤه – فاستشاروه في النزول علي حكم رسول الله صلي الله عليه وسلم فأشار إلي حلقه – يعني الذبح – ثم ندم فتوجه إلي المسجد النبي صلي الله عليه وسلم فارتبط بجذع حتى تاب الله عليه وظل مرتبطاً بالجذع في المسجد ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيربط في الجذع وقد قال أبو لبابه : لا ابرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت
فأبو لبابه لم يحاول التكتم علي ما بدر منه والظهور أمام رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمين بمظهر الرجل الذي أدي مهمته بنجاح وأنه لم يحصل منه شيء من المخالفات , وكان بإمكانه أن يخفي هذا الأمر حيث لم يطلع عليه احد من المسلمين أو يقدم له من التبرير ويتحايل علي ما فعل ليبرر لنفسه بممارسة هذا الذي عرفناه بأنه فرار من استحقاق الوقوف المباشر أمام الخطأ بممارسة الكذب في اللاوعي والقيام بفعل التبرير ولكنه قدم صورة فريدة لتوقيع العقوبة من الإنسان علي نفسه وعرض ذلك أمام مجموع الناس في المسجد طالباً التوبة والغفران من رسول الله صلي الله عليه وسلم .
تأملت شروط التوبة في شرع الله وكم كان رائعاً ملمح الاعتذار ورد الحقوق لأصحاب الحقوق حتى يتم قبول التوبة فالتوبة بهذا الشكل فعل ايجابي ينافي طبيعية العقلية التبريرية فهو يضع النفس أمام حجم الخطأ ويشترط لمحو هذا الخطأ أن تتحمل النفس تبعات وتكاليف التقويم والإصلاح. أما أصحاب التمني والتعليل والحيل وخداع النفس والأخريين فستبقي صحائفهم سوداء بفعل الخطيئة حتى يلاقوا مصيرهم المحتوم.
فلسفة الجبر من صميم ثقافة التبرير
للأسف وجد في الأمة الإسلامية خطأ قديم ولا تزال بعض أثاره باقية إلي اليوم وهو شيوع فلسفة الجبر وهي فلسفة عطلت قانون السببية تعطيلاً كاملاً. لقد عطلته في السنن الكونيه فتخلفنا في عمارة الأرض وعطلته في السنن النفسية فسادنا التواكل وعطلته في السنن العقلية فسادنا التبرير والتحايل بالقدر.
وهذا واثلة بن الأسقع نتركه يحدثنا عن قصته .. يقول "عندما نادي رسول الله في غزوة تبوك خرجت إلي أهلي فأقبلت – وقد خرج أول صحابه رسول الله – فطفت في المدينة أنادي ألا من يحمل رجلاً وله سهمه , فإذا شيخ من الأنصار فقال : لنا سهمه على أن نحمله عقبة وطعامه معنا فقلت : نعم قال فسر على بركة الله فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا فأصابني قلائص (إبل) فسقتهن حتى أتيته فخرج ثم قال سقهن مدبرات ثم قال سقهن مقبلات فقال ما أرى قلائصك إلا كراما, قلت إنما هي غنيمتك التي شرطت لك, قال خذ قلائصك يا ابن أخي فغير سهمك أردنا. وهنا يضعنا واثلة بن الأسقع أمام تجليات الوسط الثقافي لمدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم ويضعنا أمام طبية العقلية الإسلامية في مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم
والمغايرة لطبيعة عقلية وثقافة النفاق المتمثلة في التبرير والتماس العذر والاستسلام لوهمه فأن كنا نشكو في وسطنا الثقافي المعاصر من العقلية التبررية القائمة علي التماس العذر الكاذب، لخداع النفس أو الآخرين أو للفرار من استحقاقات الموقف فواثلة وضربائه من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم كانوا من أصحاب عقلية قهر العذر والسخرية والاستعلاء علي علل العجز فالنص والحكم الشرعي يعطي لواثلة بن الأسقع ومن هم علي شاكلته من أصحاب الأعذار حق القعود عن الخروج إلي الجهاد.
"ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم" التوبة : 92 " .
ولكن واثلة بن الأسقع نراه هنا يتعامل بعقلية مغالبة العذر لا الاستسلام للعذر فضلاً عن ايجاده كما هو السلوك في العقلية التبريرية. فالعقلية الإسلامية المنافية للعقلية التبربرية هي التي تدفع قدر الله بقدر الله وتفر من قدر الله إلي قدر الله , كما قال الفيلسوف الشاعر محمد إقبال المؤمن الضعيف يحتج بقدر الله وقدره والمؤمن القوي يرى أنه قدر الله الذي لا يغلب وقضاؤه الذي لا يرد. يقول ابن القيم –رحمه الله- :ليس الرجل الذي يستسلم للقدر الله ؛ بل الرجل الذي يحارب قدر الله بقدر أحب إلى الله (مدارج السالكين ؛ج1 ) .
حسام حميده