تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اساس الخلاف بين المدارس الفقهية



عزام
08-11-2008, 08:03 PM
السلام عليكم
ساصيغ هذا المقال بلغتي الخاصة راجيا من الله ان اوفق في ايصال الفكرة عن موضوع كثيرا مؤخرا في حوارات الاخوة ولكن بدون الدخول في صميمه. الا وهو موضوع الخلاف بين المدارس الفقهية.
فكما يضيق الاخوة السلفيين ذرعا بمن يصم مدرسة اهل الحديث او المدرسة السلفية بكونها تابعة لشخص ابن تيمية ويصوبونه بقولهم انها قائمة على الاصول التي وضعها وليس فقط على فتاويه. اجد من الغريب ان تحول مدرسة الاحناف الى شخص الامام ابي حنيفه وحده. مدرسة الاحناف هي مدرسة عريقة ويقال انها الغالبة على معظم بلاد المسلمين خاصة انها اعتمدت كمذهب رسمي لدولة الخلافة العثمانية. فحتى لو كان الامام ابو حنيفة اخطأ لما يشاع عند الاخوة السلفيين عن ضعفه في علم الحديث فمدرسة الاحناف والله اعلم تصحح اخطائه. لتقريب الفكرة الى الذهن فمن عمل قليلا في برنامج الاكسل يعرف ان هناك شيء اسمه فورمولا وهذه الفورمولا تضع جوابا معينا لمعطيات معينة فاذا تغيرت المعطيات تتغير الارقام. وهكذا المدارس الفقهية فهي تضع اصولا لمذهبها وعليها ان تعيد برمجة نفسها في كل عصر لترى ان كانت ستحصل على نفس النتائج ان طبقت نفس الاصول على المعطيات المتغيرة والمعلومات المستجدة في كل عصر. فإن كان الشافعي غير في مذهبه حين ارتحل من العراق الى مصر لتغير الاحوال .. الا يحق لعلماء الجيل الجديد ان يغيروا في فتاوى المذهب بناء على ما استجد من احوال ومعطيات. (ومن هذه المستجدات جمع الاحاديث وتصحيحها وتغير العرف...). في عودة الى موضوعنا فإننا نحب ان نميز بين فتاوى ابي حنيفة كشخص والتي يمكن أن يخطىء فيها لحديث لم يصله او لاجتهاد خاطىء انفرد به وبني على دليل ضعفه من هم في مرتبته في العلم وبين فتاوى مدرسته التي بنيت على اصول فقهية ثابتة فهذه لا يطالها النقد كمحتوى وخلاصة ونتيجة انما يطال النقد فقط الاساس المعتمد في الاصول والذي بنيت عليه الفتوى. (طبعا بعض هذه الاصول نص عليها الفقهاء الاربعة بانفسهم وبعضها الآخر استنبط من فتاويهم واعتمد عليه كاساس للمدرسة). المهم وبغض النظر عن الطريقة التي تم فيها الوصول للاصول فهي التي ينبغي النقاش فيها وليس النتائج المترتبة عنها حتى لو كانت غريبة بنظرنا. مثلا بدلا من التركيز على فتوى الاحناف بصحة الصلاة بدون فاتحة الكتاب علي ان اركز على ضعف الاصل (من اصول الفقه) والذي يقول ان القرآن لا يخصص بالسنة (او القطعي لا يخصص بالظني). وبالنسبة لي فأنا ارى ان الاهم هو ان يعتمد الانسان على اصول واضحة يفتي على اساسها لأن التقلب بين الاصول يجعل الانسان يشعر انه يختار ما يناسب هواه من فتاوى وهذا امر مقيت. ولكم استغرب ان يفتي القرضاوي - وهو من نحترم علمه - في بعض المسائل معتمدا على قاعدة "العبرة بعموم اللفظ" ثم يفتي باخرى معتمدا على القاعدة المعارضة وهي التي تقول "العبرة بخصوص السبب". وهذا الفرق والله اعلم بين علماء الامس واكثر علماء اليوم الذين لا نكاد نرى فيهم قواعدا واصولا ثابتة يرتكزون عليها في اجتهاداتهم. هذا ما فهمته من خلال قراءاتي والدروس التي اخذناها عن مشائخنا واكون ممتنا مع ذلك لاي اخ يأتي ويصوب لي معلوماتي.

من هناك
08-11-2008, 11:00 PM
الا يحق لعلماء الجيل الجديد ان يغيروا في فتاوى المذهب بناء على ما استجد من احوال ومعطيات.

بلى يحق لهم ولكن اسألهم لم لا يفعلوا هذا.

لديك مثلاً مسألة الزواج بدون ولي والتي اثرتها انت وانا اكيد ان الأحناف يرون الضرر خلفها ولكنها بقيت بسبب التقليد الأعمى ولديك مثلاً تعدد الطلقات في المرة الواحدة ولديك ايضاً مسألة لمس الزوجة بعد الوضوء عند الشافعية ولديك الكثير من الفتاوى التي بقيت لسبب او لآخر ولم يغيرها اهل المدرسة.


في عودة الى موضوعنا فإننا نحب ان نميز بين فتاوى ابي حنيفة كشخص والتي يمكن أن يخطىء فيها لحديث لم يصله او لاجتهاد خاطىء انفرد به وبني على دليل ضعفه من هم في مرتبته في العلم وبين فتاوى مدرسته التي بنيت على اصول فقهية ثابتة فهذه لا يطالها النقد كمحتوى وخلاصة ونتيجة انما يطال النقد فقط الاساس المعتمد في الاصول والذي بنيت عليه الفتوى.
وهل المدرسة شخص معنوي او مادي تصدر الفتاوى عنه. اليست الفتاوى تصدر عن شخص بعينه اولاً ثم تتباها المدرسة او ترفضها؟
لذلك فإن احتمال الخطأ الذي ينطبق على الفقيه مؤسس المدرسة ينطبق ايضاً على من جاء بعده ولكن إحتمال الخطأ اقل على مجموعة تتناقش قبل ان تتبنى امراً ما.

لسنا هنا في وارد الحكم على ابي حنيفة ولسنا اهلاً لذلك ولسنا اهلاً للحكم على فقهاء المدرسة الحنفية ولكن انا اشير لخطأ منطقي في النظر للموضوع او الاساس الذي يقوم التمييز عليه.


وبالنسبة لي فأنا ارى ان الاهم هو ان يعتمد الانسان على اصول واضحة يفتي على اساسها لأن التقلب بين الاصول يجعل الانسان يشعر انه يختار ما يناسب هواه من فتاوى وهذا امر مقيت.
الأصل والله اعلم ان يكون الرأي مؤصلاً شرعاً ولذلك لا يمكن للشخص الحكم من منطلق رأيه الشخصي.
ثانياً، ليس كل إنسان قادر على الإفتاء ولذلك يجب ان نقول على المجتهد ان يبين اصوله التي يفتي على اساسها وهذا ما كانت المدارس الفقهية تقوم به في السابق بينما صار الفقهاء اليوم يلفقون بين مصدر وآخر بحسب ما يرونه مناسباً ولذلك صارت الناس تأخذ وترد بحسب الخوف من التقلب الفقهي الذي يسير عليه المجتهد

مقاوم
08-12-2008, 06:33 AM
أما الأصول (أصول الفقه والاستنباط) فقد تختلف بين المذاهب وإن كان المسلمون يدينون للمذهب الشافعي بتفصيل وتبويب هذا العلم. فالدليل والتعامل معه وكيفية إسقاطه على الواقع وفق هذه الأصول كلها أمور مهمة جدا في الوصول إلى الحكم. لكن مناط هذا كله صحة الدليل وقوته.

الشيخ الألباني رحمه الله كان يستخدم أصول الأحناف وقواعدهم في الاستدلال والاستنباط لكنه لا يقبل من الأدلة إلا الصحيح الثابت بينما الكثير من المتمذهبين في زماننا لا يحيدون عن مذهبهم مع قيام الدليل على خلافه.

وقد حفظت عن أحد مشائخي قولا بديعا: لا بأس أن يتفقه المسلم في مذهب معين أو المذاهب كلها لكنه لا يتعين عليه التعبد وفقها إلا بما صح به الدليل من كتاب أو سنة أو قياس سليم أو إجماع.

وهناك نقطة أثارها عزام وهي مهمة برأيي، أن المعتمد في مذهب معين قد يخالف قول إمام المذهب في المسألة وهذا كثير الحدوث عند الأحناف خاصة فأكثر المعتمد في المذهب هو قول الشيخان أو الصاحبان أبو يوسف وأبو الحسن.

والله أعلم.

أما تقلب الفقيه بين القواعد والأصول بهدف التيسير فلا أرى به بأسا طالما أنه يوافق الشروط أعلاه وليس ذلك للعوام!!

عزام
08-12-2008, 06:49 AM
اخي بلال رعاك الله وهل تراني افتي من عندي؟ بل هل ترى هنا احدا في المنتدى يجرؤ على تنصيب نفسه اهلا للافتاء؟
اما قولي "بالنسبة لي" فاقصد ان هذه قناعتي الشخصية في الطريقة التي اقبل فيها الفتاوى فلا تقنعني انه ليس لديك ايضا قناعة شخصية لتصفية الفتاوى الصحيحة من المغلوطة.. كل واحد منا له طريقة.. الا الانسان من عامة الناس فهو يتبع مفتيه على عماها لقصور قدرته على التمييز بين الادلة. وقناعتي الشخصية ان ان تكون الفتوى مؤصلة حسب اصول ثابتة يلتزم بها الفقيه واما استعمالي لفظ انسان في حق من يفتي فلا اقصد فيه الانسان مطلق انسان بل اقصد فيه المجتهد الفقيه وهذا واضح من سياق الكلام وان التبس عليكم فاعتذر عن ذلك. بعيدا عن هذه الملاحظة الجانبية فنحن متفقون على وجوب اعادة النظر عند اتباع المذهب بفتاوى امامهم اذا تغيرت المعطيات التي بنى عليها امامهم فتواه وذلك فقا لمقتضى اصولهم الفقهية. وتقصيرهم عن فعل هذا تعصب مقيت. ولكن انا اشك في قولك ان هذه المراجعات لم تحصل فنحن نعرف ان تلميذي ابي حنيفة القاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسنخالفاه في مسائل كثيرة وهم مع ذلك يعدون من الاحناف. وهناك دائما تبينات بين متأخري الاحناف ومتقدميهم في كثير من الامور. اما كون هذه المراجعات لم تحصل للفتاوى التي ذكرت فلربما لانهم لم يجدوا عندهم اي تغير في المعطيات.. يا اخوان المسألة ليست في الفتوى نفسها بل هي في استغلالها لفعل ما هو محرم بداهة.. وفي هذا تستوي الفتاوى الصحيحة مع الخاطئة فكل منها قد تستعمل لنوايا خبيثة. ولي في هذا تفصيل ان احببتم. واطرح عليكم هذا السؤال لتتفكروا فيه: اليس من الانكحة المباحة شرعا من حيث الظاهر ما فيه ضرر كبير؟ الا يجب أن يعاد النظر في فلسفة النظر الى الزواج على انه عقد مماثل للعقد التجاري يتم التركيز فيه على شكل العقد فقط. اليس المضمون مهما ايضا ؟ اليس الزواج رباطا ربانيا له قدسية معينة من جانب آخر؟ هذا سؤالي اليك اخي بلال..

عزام
08-12-2008, 06:53 AM
وهناك نقطة أثارها عزام وهي مهمة برأيي، أن المعتمد في مذهب معين قد يخالف قول إمام المذهب في المسألة وهذا كثير الحدوث عند الأحناف خاصة فأكثر المعتمد في المذهب هو قول الشيخان أو الصاحبان أبو يوسف وأبو الحسن.

بارك الله فيك
حصل توارد افكار في هذ النقطة فقد كتبتها في نفس الوقت التي كتبتها انت ولي عودة ان شاء الله للتمعن في مضمون كلامك

عزام
08-12-2008, 07:00 AM
أما تقلب الفقيه بين القواعد والأصول بهدف التيسير فلا أرى به بأسا طالما أنه يوافق الشروط أعلاه وليس ذلك للعوام!!
اخي مقاوم
هل افهم منك انك تتقبل من الفقيه ان يقول لك في فتوى معينة "الامر في الاصل يفيد الوجوب" كي يصل الى فتوى تناسب ما يريد ان يصل اليه ومن ثم يقول لك في فتوى اخرى "الامر في الاصل يفيد الندب"? هذا تناقض لا يليق بعالم مجتهد.

مقاوم
08-12-2008, 08:44 AM
أنا قيدت المسألة بقيدين إن كانت نية الفقيه التيسير على المسلمين (وليس الوصول إلى ما يريد) طالما له مستند شرعي معتبر:
1- أن تستند إلى قاعدة أصولية أو فقهية معتبرة.
2- أن تستند إلى دليل ثابت صحيح.

وهذا ليس بدعا من القول فالسنة العمل بالأيسر وتفويت أدنى المصلحتين واختيار أهون الشرين.

عزام
08-12-2008, 10:51 AM
أنا قيدت المسألة بقيدين إن كانت نية الفقيه التيسير على المسلمين (وليس الوصول إلى ما يريد) طالما له مستند شرعي معتبر:
1- أن تستند إلى قاعدة أصولية أو فقهية معتبرة.
2- أن تستند إلى دليل ثابت صحيح.
وهذا ليس بدعا من القول فالسنة العمل بالأيسر وتفويت أدنى المصلحتين واختيار أهون الشرين.
موضوع الايسر والاحسن تعريف مطاط فالقرضاوي يفتي بكثير من الامور تحت بند التيسير على الناس اما انا فمقتنع ان الحسن ما حسنه الشارع واليسر ما اقره الشرع. وانا لا استطيع شخصيا ان اتقبل مدرسة تنقلب على اصولها لتحصل على نتيجة تناسب ما تريد الوصول اليه.. حتى لو كان هذا الشيء تحت مسمى "التيسير".
بالاجمال نحن لسنا مختلفين فانت تتحدث عن شيء وانا اتحدث عن شيء آخر. انت تتحدث عن الايسر بين اجتهادين مقبولين وانا اتحدث عن استعمال القاعدة الاصولية في مكان واستعمال نقيضها في مكان آخر.

مقاوم
08-12-2008, 10:59 AM
عبارتك الأخيرة تنم عن فهم صحيح لما كتبت أنا أما مقدمتك فلم تكن موفقة.

فتيسير القرضاوي في الأغلب يخالف كل القواعد ويأتي بما لم يسبقه به أحد من علماء السلف والخلف. وهناك حالات يساء فهمه فيها كذلك فهو ليس مثالنا هنا.

أما عدم التزام الفقيه المجتهد مذهبا معينا وتحريه الأيسر الذي يقره الشرع مدعوما بالأدلة الصحيحة هو مثال الفقيه الملم المحيط بحر العلوم.

عزام
08-12-2008, 11:24 AM
غير موفقة.. غير موفقة .. لا بأس.. كما تريد :)

مرة اخرى اكرر انا اقصد انه لا يحق لفقيه معين ان يقول في مسألة "لا مجاز في القرآن" وفي مسألة اخرى "هناك مجاز في القرآن" بغرض التيسير فهذا جعل النتيجة هي المعيار للوصول للحكم وجعل الادلة خادمة لرأيه المسبق بل عليه الالتزام بقاعدة موحدة .. لعلنا ان بسطنا كلام غيرنا وضح المعنى اكثر

عزام



فضائل المتصدي للفتيا


1- الخضوع للوحي
من اهم الاهتمام بعلم أصول الفقه هو محاولة تدريب الناشئة على الخضوع للوحي. ومن أبرز مظاهر هذا الخضوع: التواضع وإخضاع النفس للحق، ونبذ الكبر والغرور، لأنهما يبعدان صاحبهما عن الحق وإن كان واضحاً. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " الكبر بطر الحق وغمط الناس". ومعنى بطر الحق دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً، وغمط الناس يعني احتقارهم. ولتحقيق الخضوع للوحي – أيضاً – لا بد أن يكون البحث في نصوص الوحي، لمعرفة الحق الذي تضمنته. وليس البحث في تلك النصوص لما يخدم فكرة سابقة لدى الباحث أو رأي شخص أو فرقة أو مذهب ليؤيده بالنصوص حقاً أم باطلاً، فذلك شأن صاحب الهوى، حيث يسعى إلى إخضاع نصوص الوحي لتوافق هواه، فالنصوص عنده تابعة لا متبوعة، والأدلة لديه خادمة لا مخدومة، والنتائج عنده سابقة على المقدمات، والمدلول متقدم على الدليل، فهو لا يبحث ليصل إلى الحقيقة أياً كانت بل يبحث عما يعضد فكرته وينصر رأيه، ويغض الطرف ويتجاوز عما لا يخدم فكرته، " فصاحب الهوى يعتقد ثم يستدل وطالب الحق يستدل ثم يعتقد". أما الحريص على فهم نصوص الوحي بوجهها الصحيح فلا يضع لنفسه أفكاراً مسبقة ثم يلوي رقاب النصوص الشرعية ليسوقها إلى تلك الأفكار، ولكنه يستمد من نصوص الوحي حكمها على تلك الأفكار. والفرق بين الطريقتين شاسع، إذ أن أحدهما يجعل عقله حاكماً على نصوص الوحي، والثاني يخضع عقله لحاكمية الوحي. وكذلك : الأول يبرر بالنصوص الشرعية قناعاته المسبقة، والآخر يقوّم قناعاته بنصوص الشريعة.
2- فهم اصل الخلاف
الخلاف بين المسلمين في المسائل الخلافية من كلاميةٍ وفقهيةٍ ليس أساسه ـ إذا أرجعناه إلى مراجعه الأولى ـ أن هؤلاء حنفية، وهؤلاء شافعية أو مالكية... الخ، ولكن أساسه هو: اختلاف النظر والتقدير وما ترجح عند كل فريقٍ، ثم جاء الأتباع فورثوا هذا عن المتبوعين وتعصبوا له، ووجد من متأخريهم من يصور المذهبية على أنها التزام لمذهبٍ معينٍ، فما دام الإنسان قد اختار أن يكون حنفياً ـ مثلاً ـ فليس له أن يعمل بمذهبٍ غير الحنفية، وإذا كان عالماً بالفقه كان عليه أن يدور في فلك الحنفية، فيخرج أقوالهم ويدافع عنها، ويجتهد في إبطال آراء الآخرين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وتفرع على ذلك أنهم قرروا أن من قلد مذهباً ليس له أن ينتقل إلى غيره، وقد جاء في فرع باب التعزير من كتاب ( الدر المختار): ( من ارتحل إلى مذهب الشافعي يعزر) وقرروا أن ليس للإنسان إذا قلد مذهباً معيناً أن يقلد غير هذا المذهب في بعض الوقائع إلاّ بشروط، وقرروا أن ليس للمتأخر أن يبحث أو يرجح فيما بحثه المتقدم أو رجحه...الخ ). وليس هذا صحيحاً، وإنما قاله بعض المتأخرين حينما تحكمت فيهم روح الخلاف، وملكتهم العصبية المذهبية، فراحوا يضعون من القوانين ما يمنع الناس من الخروج عن مذاهبهم، وانتقلت المذاهب بهذا الوضع عن أن تكون أفهاماً يصح أن تناقش فترد أو تقبل إلى التزامات دينية لا يجوز لمن نشأ فيها أن يخالفها أو يعتنق غيرها.
3- تقبل الاختلاف وعدم التعصب
إن كلا من الاتفاق والاختلاف أمر لازم لا مناص منه، فلا يمكننا أن نتصور المسلمين أو أية أمة من الأمم متفقين في كل شيء، ولا أن نتصور هؤلاء وأولئك مختلفين في كل شيء، ولكن الذي هو واقع فعلاً ولا مناص من أن يقع هو: أن الأمة الواحدة لها مواضع كثيرة تتفق عليها، وهي التي ربطت بينها وجعلتها أمة واحدة، ولها مع ذلك مواضع كثيرة تختلف فيها لاختلاف العقول والمصالح والأدلة بينها، وهي بحكم اتفاقها فيما اتفقت فيه أمة واحدة، وبحكم اختلافها فيما اختلفت فيه مذاهب متعددة، والمذهبية الخاصة لا تخرج أهلها عن كونهم من الأمة، ولا تعطيهم في نفس الوقت قرباً أو نسبةً في القرب من الدين ليست لأصحاب مذهبٍ آخر، ومن ثم لا يستطيعمنصف أن يقول: إن مذهبي حق كله وصواب كله، ومذهب غيري باطل كله وخطأ كله، ولكن يقول: إن هذا هو ما رأيته بحسب فهمي واجتهادي وما علمته، فأنا أرجحه ولا أقطع به، ويحتمل أن يكون ما رآه غيري هو الحق والصواب، ولست مكلفاً إلاّ بما وصلت إليه، وليس مخالفي مكلفاً إلاّ بما وصل هو أيضاً إليه. وقد اشتهرت في هذا المعنى عبارة جيدة تصور اختلاف المختلفين المنصفين لأنفسهم وغيرهم، إذ تقول بلسان كل مجتهد:"مذهبي صواب يحتمل الخطأ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب". وما من مجتهد إلاّ وقد روي عنه ما يدل على سماحته العلمية، وأنه كان يأبى على الناس أن يقلدوه في كل ما قال، ويلغوا ما سواه. فأبو حنيفة رضي الله عنه ـ كان يقول: " لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي" وكان إذا أفتى يقول: "هذا رأي النعمان بن ثابت ـ يعنى: نفسه ـ وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب". والشافعي ـ رضي الله عنه ـ كان يقول: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" وقال يوماً للمزني: "يا إبراهيم لا تقلدني في كل ما أقول، وانظر في ذلك لنفسك فإنه دين". وكان الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ يقول: "ليس لأحدٍ مع الله ورسوله كلام" وقال يوماً لرجلٍ: "لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الأوزاعي ولا النخعي ولا غيرهم، وخذ الأحكام من حيث أخذوا من الكتاب والسنة". وهذه النظرة المنصفة تغيب أحياناً عن بعض أهل العلم، أو تغمرها العصبية، أو المصلحة الشخصية، فيشتد الخلاف، وينقلب لجاجاً وخصومة، وربما أدى إلى قطيعة.

مقاوم
08-12-2008, 11:51 AM
مرة اخرى اكرر انا اقصد انه لا يحق لفقيه معين ان يقول في مسألة "لا مجاز في القرآن" وفي مسألة اخرى "هناك مجاز في القرآن" بغرض التيسير فهذا جعل النتيجة هي المعيار للوصول للحكم وجعل الادلة خادمة لرأيه المسبق بل عليه الالتزام بقاعدة موحدة

هداك ربي !! وهل في هذه نقاش؟ هذا تناقض في مسألة واحدة!!

عزام
08-12-2008, 02:33 PM
هداك ربي !! وهل في هذه نقاش؟ هذا تناقض في مسألة واحدة!!
ما فهمت علي... المسألة المطروحة لا تكون المجاز في القرآن بل مسألة اخرى معتمدة على هذه القاعدة الاصولية.. فموضوع الحكم لا يكون قضية المجاز في القرآن انما حكم فقهي آخر مستند على هذه القاعدة.
او خلينا نقول يعتمد قاعدة "الاصل في الكلام الحقيقة" في مسألة ومن ثم يعتمد قاعدة " الاصل في الكلام المجاز"..
يعتمد قاعدة "المنطوق مقدم على المفهوم" في مكان وقاعدة "المفهوم مقدم على المنطوق" في مكان آخر".
يعتمد قاعدة "السنة تخصص القرآن" في فتوى ويرفض هذه القاعدة في فتوى اخرى.
وكثير من العلماء المعاصرين يقع في هذا التخبط في فتاويه للاسف..

مقاوم
08-12-2008, 02:45 PM
نعم فهمت عليك.

لكن حتى نخرج من الجدل الافتراضي يجب أن نبقى في إطار المعمول به والمعتمد من القواعد وعندها ستضيق الدائرة كثيرا.

فعلى سبيل المثال، لا يوجد قاعدة أصولية ولا فقهية تقول بأن الأصل في الكلام المجاز ومن قال بذلك خرج من الدائرة التي رسمتها أنا للفقيه المجتهد الذي ينتهج التيسير على الناس ضمن حدود الشرع.

عزام
08-12-2008, 02:56 PM
نعم فهمت عليك.

لكن حتى نخرج من الجدل الافتراضي يجب أن نبقى في إطار المعمول به والمعتمد من القواعد وعندها ستضيق الدائرة كثيرا.

فعلى سبيل المثال، لا يوجد قاعدة أصولية ولا فقهية تقول بأن الأصل في الكلام المجاز ومن قال بذلك خرج من الدائرة التي رسمتها أنا للفقيه المجتهد الذي ينتهج التيسير على الناس ضمن حدود الشرع.
بلا شك انا لا اقول اننا مختلفان بل نحن متفقون ان شاء الله.
صحيح ان ليس هناك من يقول ان الاصل في الامور المجاز ولكن هناك من لا يطبق قاعدة الاصل في الكلام الحقيقة ولولا ذاك لما سطرت هذه القاعدة.
وانت تعرف ان هذه الامور ليست بهذه البساطة فاحيانا يدخل المعنى المجازي في لغة الناس ويصبح قويا مثله مثل المعنى الحقيقي.. خذ مثلا لفظ لامستم النساء.. لفظ النكاح.. لفظة دابة... وهكذا...

من هناك
08-12-2008, 04:32 PM
ومن قال بذلك خرج من الدائرة التي رسمتها أنا للفقيه المجتهد الذي ينتهج التيسير على الناس ضمن حدود الشرع.
كيف رسمت هذه الدائرة اخي مقاوم؟ هل لديك بيكار خاص :)

بارك الله بكم على هذا الحوار ومنكم نستفيد