تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لمن هذه العقيدة يا ترى؟



معتز بدينه
08-02-2008, 07:04 PM
اعلم أن الله تعالى أول ، لم يزل أولا ، وليس بالأول الذي كان أول ما كان من الأشياء ، وقد كان هو الآخر الذي لم يزل ليس بالآخر الذي يكون آخرا ثم لا يكون ، وهو الآخر الذي لا يفنى ، والأول الذي لا يبيد ، والقديم الذي لا بداية له ، لم يحدث كما حدثت الأشياء ، لم يكن صغيرا فكبر ، ولا ضعيفا فقوي ، ولا ناقصا فتم ، ولا جاهلا فعلم ، لم يزل قويا ، عالما ، كبيرا ، متعاليا ، لم تأت طرفة عين قط إلا وهو الله لم يزل ربا ، ولا يزال أبدا ، كذلك فيما كان ، وكذلك فيما بقي يكون ، وكذلك هو الآن ، لن يستحدث علما بعد أن لم يكن يعلم ، ولا قوة بعد قوة لم تكن فيه ، ولم يتغير عن حال إلى حال ، بزيادة ولا نقصان ، لأنه لم يبق من الملك والعظمة شيء إلا وهو فيه ، ولن يزيد أبدا عن شيء كان عليه ، إنما يزيد من سينقص بعد زيادة كما كان قبل زيادته ناقصا ، وإنما يزداد قوة من سيضعف بعد قوته ، كما كان قبل زيادته ناقصا ، وإنما يزداد علما من سيجهل بعد علمه ، كما كان قبل علمه جاهلا ، فأما الدائم الذي لا نفاد له ، والحي الذي لا يموت ، خالق ما يرى وما لا يرى ، عالم كل شيء بغير تعليم ، فإن ذلك هو الواحد في كل شيء ، المتوحد بكل شيء، ليس كمثله شيء ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، وراجع إلى ما كان عليه بدء أمره ، ولم يكن تبارك وتعالى من شيء فيرجع إليه ، ولم يكن قبله شيء فيقضى عليه ، لا ينبغي أن يكون من صفته أنه لم يكن مرة ثم كان، وإنما تلك صفة المخلوقين ، وليست بصفة الخالق ، لأنه خلق ولم يكن يُخلق ، وبدأ ولم يُبدأ ، فكما لم يُبدأ لا يفنى ، وكما لا يفنى ولا يبلى فكذلك ـ وعزة وجهه ـ لم يزل ربا ، وإنما يبلى ويموت من كان قبل حياته ميتا ، قال الله عز وجل : (( وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون )) وقال عز وجل : (( ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين )) فكلتاهما موتتان ، ربنا لم يكن ميتا فحيي ، وكذلك هو الحي الذي لا يموت ، هو رب الخلق قبل أن يخلقهم ، كما هوربهم بعد أن خلقهم ، وقد أحاط بهم قبل خلقهم علما ، وأحصاهم عددا ، وأثبتهم كتابا ، فكان من أمره في تقديره إياهم قبل أن يكونوا على ما هم عليه من أمرهم بعد ما كانوا ، ليس خلقه إياهم بأعظم في ملكه من تقديره ذلك منهم قبل أن يكونوا بعلمه ، إنما هو علمه وفعله ، لا يستطيع أحد أن يقدر واحدا منهما قدره ، وهو مالك يوم الدين قبل أن يأتي ، وهو مالكه حين يأتي ، لم يكن الخلق شيئا قبل أن يخلقهم حتى خلقهم ، ثم يردهم إلى أن لا يكونوا شيئا ، ثم يعيد خلقهم ، قال تعالى : (( كما بدأنا أول خلق نعيده )) فهو ابتدع الخلق وابتدأهم ، وعلم قبل أن يكونوا ما يصيرون إليه ، ثم هين بعد ذلك تكوينهم عليه ، قال : (( وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه )) وليس بأهون عليه من شيء ، ولكنه قال ذلك مثلا وعبرة ، ليعرف العباد ما وصف به من القدرة ، وله المثل الأعلى ، وكيف يكون شيء أهون عليه من شيء وإذا أراد شيئا يقول له : كن فيكون ، إنما هو كلمة ليس لها عليه مؤونة ، لا يبعد عليها كبير ، ولا يقل عليها صغير ، خَلْقُ السماوات والأرض وما بينهما كخلق أصغر خلقه ، قال : (( وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة )) قال : (( إن كانت إلا صيحة واحدة )) وقال : (( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر )) فهذا كله كن فيكون (( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون )) غَيَّب الغيوب عن خلقه ، ولم يغيبها عن نفسه ، علمه بها قبل أن تكون كعلمه بها بعد ما كانت ، ما علم أنه كائن قد قضى أن يكون ، وذلك أنه قد كتب ما علم ، وقضى ما كتب ، لم يكتب ما علم تذكرا ، ولم يزدد بخلقه بعد ما خلقهم علما لم يزده إلى ملكه شيئا ، وهو الغني عنهم بملكه الذي به خلقهم .
قال : (( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ، وما ذلك على الله بعزيز )) هو أبد الأبد ، الواحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد .