تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اسئلة مهمة في اسس الدين



عزام
08-02-2008, 07:35 AM
هذه اسئلة تطرح علي من بعض الاخوة الغير متعمقين في الدين ولكنها تنفعنا في تقويم انفسنا وفي دعوة غيرنا الى الاسلام ومحاولة فهم طريقة تفكيرهم. يقولون ان رحمة الله واسعة والحسنة بعشر امثالها فيما السيئة بمثلها. كذلك الصلوات كفارات لما بينهن والاسلام يجب ما قبله والتوبة تمحو الكبائر. فمن أين يأتي الخوف على مسلم يقوم بما افترضه الله عليه؟ وهل دخول الجنة صعب؟ واذا كان صعبا فما الذي يجعله كذلك حتى ننتبه إلى هذه الأمور التي تمنعنا من ذلك ونتجنبها؟ والسؤال استفهامي وليس اعتراضيا فلا داعي للتشنيع على صاحب السؤال.

أم ورقة
08-02-2008, 09:35 AM
السلام عليكم

هل يحق للجميع الاجابة؟

اذا كان كذلك فسأحاول أن أجيب بالتالي:

الخوف يأتي حتى للمسلم المواظب على الطاعات و ليس هذا مؤشر سلبي بل مؤشر ايجابي
فطالما أن المؤمن يستشعر هذا الخوف فهو على خير ان شاء الله
انما لماذا يكون هذا الخوف المزمن ما دام المؤمن مواظباً على الطاعات و يفعل ما أمر به و ينتهي عما نهي عنه؟

فذلك لأن بطبيعة البشر ان النفس متقلّبة، و القلب متقلّب،
فهو صحيح في هذه اللحظة يعيش لحظات الطاعة و الإيمان و الاستقامة،
و لكنه يخاف على ما هو آت... و أكثر ما يخيف المؤمن هو الخاتمة
فالمؤمن يعلم ان الاعمال بالخواتيم
فهو الآن هذه اللحظة هو مدرك لها و لكن لا يضمن كيف ستكون العواقب لا يضمن كيف ستكون خاتمة أعماله
فلذلك هذا من أبرز الاسباب التي تجعل المؤمن يخاف و يخشى ( و ليست كل الاسباب)
وهذا الخوف محمود و ليس مذموم لأنه دليل يقظة قلب المؤمن

و انتم تعلمون ان الصحابة و الصالحين سبقونا في هذا الخوف و الخشية
و لم يكونوا مقصّرين في الطاعة

و لكن لأنهم يعلمون أيضاً ان المؤمن لا يدخل بعمله الجنة

فلذلك أمر دخول الجنة لا يقتصر على الفعل الآلي للطاعات و الواجبات

فلذلك المؤمن قد يعمل العمل و لكن ما هو أهم من العمل هل تم قبوله أم لا؟

لذلك في هذه الحالة اذا خشي المؤمن قليلاً من ان لا يكون عمله مقبولاً فهذا ليس مؤشر سيء
بل مؤشر خير بإذن الله لأن قلبه يقظ
و لأنه حريص على ان يقبل الله أعماله

وفي النهاية فإنه يؤجر حتى على خوفه هذا بإذن الله

لأن هذا الخوف محمود و هو من عمل القلب... بل الخوف المحمود هذا هو نوع من أنواع العبادة لله عز وجل

al_muslim
08-02-2008, 05:08 PM
الأخ عزام السلام عليكم ورحمة الله
سؤالك مهم جدا وجميل جدا
وقد أجابت الأخت الكريمة بجزئية من الجواب
وإن الجواب بتمامه ليس قصيرا وسأحاول الإجابة على مراحل بإذن الله
أولا : الشرك بالله
لو درست موضوع الشرك بالله لوجدت أنه أمر يستوجب دائما الخوف من الله تعالى للاسباب التالية :
1- لا يُغفر ( إن الله لا يغفر أن يشرك به )
2- يختلف الشرك عن باقي الذنوب بأنه قد يرتكبه المسلم وهو لا يدري فقد قال ابن عباس رضي الله عنه : الشرك بالله أخفى من دبيب نملة سوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء .
فمن كان يظن أنه خالصا من الشرك فهذا في خطر عظيم .
وقد أخبر الله تعالى عن قوم يلقون ربهم مشركين وهم لا يعلمون فقال تعالى : ويوم يناديهم أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ..
الله أكبر هؤلاء قوم يقسمون بالله أمام ربهم أنهم لم يكونوا مشركين ،، فبالله عليك هل تأمن أن تكون منهم ؟؟
و
عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
: ( لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا . فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لانعلم . قال ( أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم . ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله أنتهكوها
أليس هذا أمر مخيف قوم من أمة محمد ( يأخذون من الليل ) يعني يصلون قيام الليل تحبط أعمالهم وتذهب حسناتهم جراء الشرك ( وهو هنا الرياء) ماذا نعد نحن اليوم من يقوم الليل ؟؟ أليس من اتقى الناس ؟؟ ذلك لأنهم يجتنبون محارم الله أمام الناس وإذا خلوا بها استحلوها )
وهكذا هم دائما لأن كلمة (إذا ) تفيد معنى (كلما ) أي أنهم دائما كلما خلوا بمحارم الله استحلوها ..
فأي أمان واطمئنان بعد هذا الحديث ؟؟
ونتابع في وقت آخر إن شاء الله تعالى .

al_muslim
08-03-2008, 07:38 PM
ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يقول : اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه ..
وهذا يدل أيضا على أن الإنسان قد يشرك بالله وهو لا يعلم
إن حياة المؤمن كلها هي صراع مع الشرك فلو ضمنت أن لا شرك ( صغيرا أو كبيرا) عندك فقد ضمنت الجنة لأن كثيرا من الأحاديث تفيد : ولو لقيني عبدي بقراب الأرض خطايا لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة ولا أبالي

معتز بدينه
08-04-2008, 11:47 AM
المؤمن عليه ان يكون جازما باسلامه . لذلك صرح العلماء بانه لا يجوز ان يقول المرء انا مؤمن ان شاء الله , لان فيها انه غير قاطع بايمانه , والشاك في ايمانه مرتاب فلا يكون مؤمنا بحال, واجاز البعض الآخر من السادة الماتريدية الاحناف ذلك ان كان على وجه التبرك بذكر الله او على معنى انه اراد الدعاء بالموت على الايمان حين يأتي اجله.
اما ان يشك المرء هل هو مشرك ام لا فهذا كفر والعياذ بالله لانه شك في اسلامه , فالمسلم عليه ان يكون جازما باسلامه متيقنا بايمانه وهذا لا ينفي ان يخاف من الوقوع في الكفر وان يتعوذ بالله منه. فان الخوف من الكفر شيء والشك هل هو مشرك ام لا شيء آخر. فالاول مسموح به والثاني ممنوع.

عزام
08-04-2008, 05:00 PM
بارك الله فيكم جميعا
اختي ام ورقة طبعا السؤال مفتوح للجميع
واخذ من جوابك المهم جدا
ان من اسباب الخوف
1- الخوف من الانحراف بسبب الفتنة
فكم من شخص مؤمن ضل وانحرف عن سواء السبيل
وهذا ابليس كان معجبا بعبادته التي ضاهى فيها الملائكة ثم فتن وضل
وقصة بلعم بن باعوراء معروفة ايضا
لذا يدعو المؤمن ويقول "اللهم العفو والعافية وحسن الختام"
2- ايضا نأخذ ان من اسباب الخوف هو عدم اطلاعنا على قبول اعمالنا فكل ما يشير اليه الفقه هو صحة العبادة اما قبولها فهو سر لا نستطيع الاطلاع عليه.
هل اصبت اختي ام ورقة في فهم نقاطك؟

عزام
08-04-2008, 05:11 PM
بارك الله فيك اخي المسلم
الاجمل من سؤالي هو الخلاصة التي ستنتج نتيجة هذا الحوار ان شاء الله
جوابك مهم جدا ايضا وبالفعل.. كم من فئات ضالة نستقل عبادتنا الى عبادتهم وهم مع ذلك الى النار وبئس المصير ذلك لانهم اخلوا بركن اساسي من اركان العقيدة.
الرياء ايضا خطير ولكن لا يكون شركا مخرجا من الملة ومحبطا للعمل حسب فهمي للامور الا ان وصل الى حد النفاق.. اليس كذلك؟ فمن منا لا يسقط في هذا الفخ احيانا؟ ويقوم بالعمل ليقول عنه الناس كذا وكذا وينسى الاخلاص لله عز وجل؟
عزام

صرخة حق
08-04-2008, 05:11 PM
جزاك الله خيرا أخي المسلم ... نرجو منك الإكمال

عزام
08-04-2008, 05:22 PM
المؤمن عليه ان يكون جازما باسلامه . لذلك صرح العلماء بانه لا يجوز ان يقول المرء انا مؤمن ان شاء الله , لان فيها انه غير قاطع بايمانه , والشاك في ايمانه مرتاب فلا يكون مؤمنا بحال, واجاز البعض الآخر من السادة الماتريدية الاحناف ذلك ان كان على وجه التبرك بذكر الله او على معنى انه اراد الدعاء بالموت على الايمان حين يأتي اجله.
اما ان يشك المرء هل هو مشرك ام لا فهذا كفر والعياذ بالله لانه شك في اسلامه , فالمسلم عليه ان يكون جازما باسلامه متيقنا بايمانه وهذا لا ينفي ان يخاف من الوقوع في الكفر وان يتعوذ بالله منه. فان الخوف من الكفر شيء والشك هل هو مشرك ام لا شيء آخر. فالاول مسموح به والثاني ممنوع.
بارك الله فيك
لا خلاف في ذلك
واحب ان اطرح سؤالا من هذا الباب.. هل يعاب من يقول "ان شاء الله يكون لنا في الجنة كذا وكذا" او "ان شاء الله سعوضنا الله في الجنة عما حرمنا منه في الدنيا" ويقال له "كيف تتكلم وكأنك تضمن الجنة".. انا لا ارى في هذا الامر شيئا خاصة انه كما تفضل الاخ معتز بدينه وقال "الانسان عليه ان يكون واثقا من ايمانه" وهو كذلك واثق من صدق وعد الله عز وجل ووعيده فلا مشكلة ان يتكلم بثقة احيانا.. خاصة اذا تذكرنا الحديث الشريف أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا فله وإن ظن شرًا فله".. رواه مسلم

al_muslim
08-04-2008, 06:01 PM
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم
: قال يقول الله تبارك وتعالى لأهون أهل النار عذابا لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا بها ؟ فيقول نعم فيقول قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك ( أحسبه قال ) ولا أدخلك النار فأبيت إلا الشرك
تأمل أخي هذا الحديث :
يقول تعالى لأهون أهل النار عذابا : يعني أن أهون أهل النار عذابا ما أدخله النار إلا الشرك . ويبين الله تعالى أن العقد والعهد بين الله وعبده هو : أن لا تشرك بي شيئا ولا أدخلك النار )
ثم تأمل هذا الحديث :
عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول له أتنكر من هذا شيئا أظلمتك كتبتي الحافظون قال لا يا رب فيقول ألك عذر أو حسنة فيبهت الرجل فيقول لا يا رب فيقول بلى ان لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم اليوم عليك فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله الا الله وان محمدا عبده ورسوله فيقول أحضروه فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال انك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة قال فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل شيء
هذا الحديث هو بنفس معنى الحديث : ولو لقيني عبدي بقراب الأرض خطايا لقيته بمثلها مغفرة .. )
فهذا الرجل الذي استخلصه الله تعالى ليس مشركا بدليل أن بطاقة الشهادتين هي له في ميزانه وفي صفه ولو لم يكن قائما بها في الدنيا لما كانت له يوم القيامة .
ولكن : أعد حساباتك !!
إن الشرك قد يكون بكل اسم من اسماء الله تعالى التسع وتسعين
فربما دخل الشرك على المسلم من باب ( الرزق ) فيظن أن فلانا يمكن أن يرزق أو بيده قطع الرزق
وربما من باب النصر فيتقرب إلى من لا يحبهم الله تعالى ظنا منه أنهم يمكن أن ينصروه
وربما اتخذ معارف وتقرب إلى طواغيت ليكونوا له عزا .
وربما من باب ذي الطول
وربما .. وربما وربما ..
وأكثر ما وقعت به الأمة اليوم هو الشرك باسم (الحكم ) إذا استطاع أعداؤنا أن يدخلوا علينا عقيدة ( فصل الدين عن الحياة) فعندما يريد الصلاة تحرى الشرع وإذا أراد الصوم تحرى الشرع ولكن إذا أراد الإجارة رجع إلى القانون وإذا أراد أن يكون له سهم في السياسة أو الاقتصاد أو .. الخ . كان له في ذلك إلاها آخر
غير الله وهو غافل لاه تسأل أحدهم ما حكم توظيفك في الجمارك شرعا ؟؟
ما حكم انتخابك للرئيس شرعا ؟؟
فلا تراه يستند إلى ىية أو حديث أو حتى رأي فقيه أو عالم لأننا فصلنا الدين عن الحياة فالله تعالى له الحكم في العبادات والنكاح والإرث والطلاق والمناسك ولكن في نظام الحكم والملكية والإمارة وقرارات الأمم المتحدة والسياسة والاقتصاد فهذا لمجلس الشيوخ وللملك وللرئيس ..
هذا للأسف هو حال الأمة وهذا هو الشرك الذي به يسلط الله علينا أحقر خلقه واسفههم إطلاقا من عرب ومن عجم

عزام
08-05-2008, 06:39 PM
بارك الله فيك اخي المسلم
لكن سؤالي اليك.. الا يجب التفصيل في موضوع الرياء او الشرك كما سميته فهو على درجات اعلاها النفاق وادناها دخول حظ النفس في ما نقوم به لوجه الله وهو ما لا يكاد لاحد منا ان يخلو منه.
عزام

مفهوم الرياء


الرياء مشتق من الرؤية، والمراد به إظهار العبادة ليراها الناس فيحمدوا صاحبها. [فتح الباري]. والرياء داء عضال، يغضب الرب ويحبط الأعمال حذر منه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة، لسوء عاقبته، وخدشه للتوحيد.
خطورة الرياء
التحذير من الرياء وصية ربانية: إن الله حذرنا من الرياء في الأقوال والأفعال وذلك في كثير من آيات القرآن الكريم، وبين لنا سبحانه أن الرياء يحبط الأعمال الصالحة.

قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر [البقرة:462]. قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ عند تفسيره لهذه الآية: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كما تبطل صدقة من راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله، وإنما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة، ليُشكر بين الناس أو يُقال إنه كريم جواد ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى وابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه، ولهذا قال سبحانه: ولا يؤمن بالله واليوم الآخر.
وقال سبحانه: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا [النساء:241]. قال ابن كثير في هذه الآية: لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله، بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة، ولهذا يتخلفون كثيرًا عن الصلاة التي لا يُرون فيها غالبًا كصلاة العشاء في وقت العتمة وصلاة الصبح في وقت الغلس. فاحذر أخي المسلم من الرياء لأنه من صفات المنافقين الذين قال الله عنهم في كتابه العزيز إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا [النساء:541].
وقال سبحانه وتعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف:011]. قال ابن كثير في قوله تعالى: فليعمل عملا صالحا أي ما كان موافقًا لشرع الله، وقوله ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وهو الذي يُراد به وجه الله تعالى وحده لا شريك له.
وقال جل شأنه: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون [الزمر:74]. قال مجاهد في معنى هذه الآية: عملوا أعمالا توهموا أنها حسنات فإذا هي سيئات، وقال سفيان الثوري في هذه الآية: ويل لأهل الرياء، ويل لأهل الرياء، هذه آيتهم وقصتهم. [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي]
وقال سبحانه موضحًا عقوبة المرائين يوم القيامة: فويل للمصلين (4) الذين هم عن صلاتهم ساهون (5) الذين هم يراءون (6) ويمنعون الماعون [الماعون:4-7].
وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه "
قال صلى الله عليه وسلم : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال : " الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم :"اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء".
· عن أبي سعيد الخدري ? قال : خرج علينا رسول الله ? ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال " ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟" فقلنا بلى يا رسول الله ! قال "الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل" (حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي )



بعض مظاهر الرياء
والرياءُ بابه واسع فقد يكون بإظهار نُحُول وصُفرةٍ وتشعُّث وخفض صوتٍ ليُظَنَّ أنه شديد الاجتهاد في العبادة، وقد يكون بتقليل الأكل وعدم المبالاة بلبسه ليُظنَّ أنه مشتغل عن لُبْسه بما هو أهم أو بإكثار الذّكر وملازمة المساجد ليُظنَّ أنّه صوفي مع أنه مفلس من حقيقة التصوّف وما أكثر هؤلاء في أيّامنا فإذا زاد على ذلك قصدَ مبرَّة الناس له بالهدايا والعطايا كان أسوأ حالاً لأنَّ ذلك من أكل أموالِ الناسِ بالباطل. وقد يكون الرياء بطلب كَثْرةِ الزُوّار له كأن يطلبَ من نحو عالِم أو ذي جاه أن يزوره ويأتي إليه إيهاماً لرفعته وتبَرُّكِ غيره به، وقد يكون الرياء بذكر أنه لقي كثيراً من أهل الفضل افتخاراً بهم وترفّعاً على غيره.
وقد روى مسلم من حديث أبي هُريْرة قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ أوّلَ الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجُلٌ استُشهِدَ (أي مات وهو يقاتل في المعركة) فأتي به فعرَّفه نِعَمَهُ فعرفَها قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: قاتلت فيكَ حتى استُشهِدْتُ. قال: كذبْتَ ولكنك قاتلت لأن يقال جرىء (أي شجاع بطل) فقد قيل (أي أخذت جزاءك في الدنيا) ثم أُمِرَ به فَسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار. ورجُلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرءان فأُتي به فعرَّفه نِعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمْتُ العِلْمَ وعلَّمتُه وقرأتُ فيكَ القُرءانَ. قال: كذبْتَ ولكنك تعلَّمت العلم ليقال عالمٌ، وقرأتَ القرءانَ ليُقالَ هو قارىءٌ فقد قيل (أي أخذت جزاءك في الدنيا) ثم أُمِرَ به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقِيَ في النار، ورجل وسَّع اللهُ عليه وأعطاهُ من أصناف المال كله فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عمِلْتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تُحبُّ أن يُنفَقَ فيها إلاّ أنفقتُ فيها لكَ قال: كذَبْتَ ولكنك فعلتَ ليُقال هو جَوَاد (كريم) فقد قيل (أي أخذت جزاءك في الدنيا) ثم أمر به فسُحِبَ على وجهه ثم أُلقي في النار".
بيان الرياء الخفي :
الرياء جلى وخفي : فالجلي هو الذي يبعث على العمل يحمل عليه ولو قصد الثواب وهو أجلاه ، وأخفى منه قليلا الذي لا يحمل على العمل بمجردة إلا أنه يخفف العمل الذي يريد به وجه الله كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف تنشط له وخف عليه ، ومن الرياء الخفي كذلك أن يخفي العبد طاعاته ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يقابلوه بالبشاشة والتوفير، وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يثنوا عليه وأن يوسعوا له المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه ، ولم يزل المخلصون خائفين من الرياء الخفي يجتهدون في إخفاء طاعاتهم أعظم مما يحرص الناس على إخفاء فواحشهم ، كل ذلك رجاء أن يخلص أعمالهم الصالحة فيجازيهم الله يوم القيامة بإخلاصهم إذ علموا أنه لا يقبل يوم القيامة إلا الخالص ، وعلموا شدة حاجتهم وفاقتهم في القيامة .
الرياء يحبط العمل
إن الرياء يُحبط ثواب العمل الذي قارنه فإن رجع الشخص عن ريائه وتاب أثناء العمل فما فعله بعد التوبة منه له ثوابُه، وأيُّ عمل من أعمالِ البرِّ دخله الرياءُ فلا ثواب فيه سواء كان جرَّد قصده للرياء أو قرن به قصد طلب الأجر من الله تعالى. ولنعلم أنَّ الثواب والرياء لا يجتمعان وذلك لحديث أبي داود والنسائي بالإسناد الى أبي أُمامة قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله أرأيت رجُلاً غزا يلتمِسُ الأجْر والذِكْرَ ما لَهُ؟ قال: "لا شىء له"، فأعادها ثلاثاً كل ذلك يقول: "لا شىء له" ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لا يَقبَلُ من العمل إلا ما كان خالصاً له وما ابتُغِيَ وجْهُه". فيعلم من هذا الحديث أن الذي قصد بجهاده الحصول على مال من طريق الغنيمة لا أجْر له وكذلك من كانت نبيته أن يحمَده الناس وكذلك من كانت نيتُه السُّمعَة.
بيان الخطأ في ترك الطاعات خوفا من الرياء :
من الناس من يترك العمل خوفا من أن يكون مرائيا به ، وذلك غلط ومواقفه للشيطان وجر إلى البطالة وترك للخير ، فما دام الباعث على العمل صحيحا وهو في ذاته موافق للشرع الحنيف فلا يترك العمل لوجود خاطر الرياء ، بل على العبد أن يجاهد خاطر الرياء ويلزم قلبه الحياء من الله وأن يستبدل بحمده حمد المخلوقين .
قال الفضل بن عياض : العمل من أجل الناس شرك ، وترك العمل من أجل الناس رياء ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما. وقال غيره : من ترك العمل خوفا من الرياء فقد ترك الإخلاص والعمل.

انواع الرياء
1- عمل فيه رياء خالص:
إن العمل تارة يكون رياءً خالصًا، بحيث لا يُراد به سوى مراآة المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم، وهذا الرياء الخالص لا يكاد يصدر من مسلم في فرض الصلاة والصيام ولكن قد يصدر منه في الصدقة الواجبة أو الحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
وهو العمل الذي لا يُراد به وجه الله بحال من الأحوال، وإنما يراد به أغراض دنيوية وأحوال شخصية، وهي حال المنافقين الخلص كما حكى الله عنهم:

· "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً".

· "ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله".

· "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون".


2- عمل لله مع رياء:
وتارة أخرى يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه في أصله، فالنصوص الصحيحة من السنة تدل على بطلان هذا العمل وحبوطه ثوابه.
· · عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدَّق يرائي فقد أشرك، وإن الله يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي شيئاً، فإن جدة عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به، أنا عنه غني".

· · وعن أبي سعيد بن أبي فضالة الصحابي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ: من كان أشرك في عمل عمله لله عز وجل فليطلب ثوابه من عند غير الله عز وجل، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك".

· · وخرج الحاكم من حديث ابن عباس: "قال رجل: يا رسول الله: إني أقف الموقف وأريد وجه الله، وأريد أن يُرى موطني، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً".


3- عمل يخالطه غير الرياء:
إن العمل إذا خالطه شيء غير الرياء لم يبطل بالكلية، فإن خالط نية الجهاد مثلا نية أخرى غير الرياء، مثل أخذ أجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر المجاهد ولم يبطل بالكلية. كمن يريد الحج وبعض المنافع، والجهاد والغنيمة، ونحو ذلك، فهذا عمله لا يحبط، ولكن أجره وثوابه ينقص عمن نوى الحج والجهاد ولم يشرك معهما غيرهما.


روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثُلُثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تمَّ لهم أجرهم». [مسلم 6091]
· وروي عن عبد الله بن عمرو كذلك قال: "إذا أجمع أحدكم على الغزو فعوضه الله رزقاً، فلا بأس بذلك، وأما أن أحدكم إن أعطي درهماً غزا، وإن مُنع درهماً مكث، فلا خير في ذلك".


4- عمل خالص لله ثم تطرأ عليه نية الرياء:
إذا كان أصل العمل لله وحده ثم طرأت عليه نية الرياء، فإن كان خاطرًا ودَفَعهُ فلا يضره بغير خلاف بين العلماء، فإن استرسل معه، فهل يَحبطُ عمله أم لا يضره ذلك ويُجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، ورجَّحا أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يجازي بنيته الأولى، وهذا القول مروي عن الحسن البصري وغيره، وذكر ابن جرير الطبري أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذِّكر وإنفاق المال، ونشر العلم، فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة، ويحتاج إلى تجديد نية. [جامع العلوم والحكم]
ويستدل لهذا القول بما خرجه أبو داود في "مراسيله" عن عطاء الخرساني أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن بني سَلَمَة كلهم يقاتل، فمنهم من يقاتل للدنيا، ومنهم من يقاتل نجدة، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله، فأيهم الشهيد؟ قال: كلهم، إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا".


5- عمل لله يصاحبه ثناء الناس:
إذا كان عمل المسلم عملا خالصًا لوجه الله تعالى ثم ألقى الله له الثناءَ الحسن في قلوب المؤمنين بذلك، ففرح المسلم بفضل الله ورحمته واستبشر به لم يضره ذلك.

روى مسلم عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجلَ يعملُ العمل من الخير، ويَحْمَدُهُ الناس عليه؟ قال: «تلك عاجل بُشرى المؤمن». [مسلم 2462]
· وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل فيُسِِرُّه، فإذا اطلع عليه، أعجب، فقال: "له أجران: أجر السر وأجر العلانية".

منال
08-28-2008, 07:48 PM
يرفع للمتابعة

بارك الله فيكم

أم ورقة
08-28-2008, 07:56 PM
بارك الله فيكم جميعا
اختي ام ورقة طبعا السؤال مفتوح للجميع
واخذ من جوابك المهم جدا
ان من اسباب الخوف
1- الخوف من الانحراف بسبب الفتنة
فكم من شخص مؤمن ضل وانحرف عن سواء السبيل
وهذا ابليس كان معجبا بعبادته التي ضاهى فيها الملائكة ثم فتن وضل
وقصة بلعم بن باعوراء معروفة ايضا
لذا يدعو المؤمن ويقول "اللهم العفو والعافية وحسن الختام"
2- ايضا نأخذ ان من اسباب الخوف هو عدم اطلاعنا على قبول اعمالنا فكل ما يشير اليه الفقه هو صحة العبادة اما قبولها فهو سر لا نستطيع الاطلاع عليه.
هل اصبت اختي ام ورقة في فهم نقاطك؟

نعم أصبت..

عزام
08-28-2008, 08:00 PM
وماذا من الخوف من اللسان؟
ماذا لديكم بهذا الخصوص؟
الا يودي بنا في المهالك؟
عزام

أم ورقة
08-28-2008, 08:19 PM
بلى، اللسان يودي الى الهلاك
أولم يقل رسول الله صلى الله عليه و سلم :
وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم

و هناك الكثير من انواع الكلام التي قد توقع بصاحبها في النار

أذكر أبرزها بداية من أخطرها الى الأقل خطراً:

1- كلام الكفر و الشرك، و الحلف بغير الله
2- الكذب
3- الغيبة والنميمة
4- كثرة الحلف
5- الكلام البذيء و السباب و الشتم و الفظاظة بالكلام
6- القيل و القال
7- كثرة السؤال
8- الكلام الليّن بين النساء و الرجال الأجانب { و لا تخضعن بالقول}
9- اللغو

و قد يكون هناك مزيد من أنواع الكلام الذي قد يكون أقلّه مذموماً أو مكروهاً،
و لكن هذا ما تذكرته الآن...

فإذا الواحد صفّى كلامه من كل هذه الأصناف فربما بالآخر سيقلّ كلامه كثيراً
و ربما لن يتكلّم سوى بما هو مفيد

عبد الله بوراي
08-31-2008, 07:25 PM
وماذا من الخوف من اللسان؟
ماذا لديكم بهذا الخصوص؟
الا يودي بنا في المهالك؟
عزام


بلى
فهو مُفتاحها

وإنما يكون عليه حافظ من الله بالتقوى فهي وقاية وجنة

( فواصل أخي ولا تُفاصل )

ولا تُطل الغيبة ولا تفجعنا بغيابك، فعلى ما في محبرتك تتشوق الذاوئق

أخوكم
عبد الله

عزام
09-05-2008, 06:57 PM
بارك الله فيكم اخوتي ام ورقة وعبدالله
كنت احب ان اتكلم عن مخاطر اللسان ولكن وجدت ان مخاطر الخواطر مقدمة على اللسان لذا سنؤجل الكلام عن اللسان الى مقال آخر ان شاء الله.
عذرا اخت منال.. صحيح اني وعدتك الا اطيل المقالات ولكن هذا المقال اعجبني ولم استطع ان اختصره فوق هذا.. لكني سهلت عليكم فقسمته الى مقاطع كعادتي
عزام





الحذر من الخواطر


الشيخ محمد صالح المنجد
الله يعلم السر والجهر

إن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم السر وأخفى، يعلم الكلام الجهري والكلام السري، والكلام الذي في نفسك، والخواطر التي في عقلك وذهنك وقلبك، والشيء الذي لم يخطر بعد أو أنه سيخطر. فهو الحي القيوم الذي لكمال حياته وقيوميته لا تأخذه سنة ولا نوم، ملك السماوات والأرض، الذي لكمال ملكه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، العالم بكل شيء الذي لكمال علمه يعلم ما بين أيدي الخلائق وما خلفهم، فلا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه، يعلم دبيب الخواطر في القلوب، حيث لا يطلع عليها إلا الله.
النفس شبيهة بالرحى
فالقلب لوح فارغ، والخواطر نقوش تنقش فيه، ولا بد من الخواطر، أي: هل تستطيع أن تمنع نفسك من الخواطر؟ هل تستطيع أن تغلق ذهنك وتبقى بدون خواطر؟ لا يمكن. حاول أن تقفل عقلك ولا يخطر في بالك أي شيء وأنت صاح، وقد خلق الله سبحانه وتعالى النفس شبيهة بالرحى الدائرة -الرحى: آلة الطحن- التي لا تسكن ولا بد لها من شيء تطحنه، فإن وضع فيها حب طحنته، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته، فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحَبِّ الذي يوضع في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط، بل لا بد لها من شيء يوضع فيها، فمن الناس من تطحن رحاه حباً يخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن حصىً ورملاً وتبناً ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه.
لا يؤاخذ الانسان بحديث النفس
ومعلوم أنه لم يعط الإنسان إماتة الخواطر ولا القوة على قطعها، فإنها تهجم عليه هجوم النفس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها ورضاه به ومساكنته له، وعلى دفع أقبحها وكراهته له ونفرته منه، كما قال الصحابة: (يا رسول الله ! إن أحدنا يجد في نفسه ما أن يحترق حتى يصير حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان) وفي لفظ: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة). ولذلك من رحمته تعالى -لما كانت الخواطر لا بد منها- أنه لا يؤاخذنا على ما حدثتنا به نفوسنا ما لم نتكلم أو نعمل، وما حدثنا به أنفسنا، وما كان من الخواطر والأفكار لا نؤاخذ عليه ولكن لو لم نصلح الأمر من بدايته فإن الخراب هو المصير.
الحذر من تحول الخاطرة الى عادة
فمبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار، فالخاطرة: تتحول إلى فكرة، والفكرة إلى تصور، والتصور إلى إرادة، والإرادة إلى فعل، وكثرة الفعل يصير عادة.فاعلم أن الخاطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها إلى الفكر، فيأخذها الفكر فيؤديها إلى التذكر، فيأخذه الذكر فيؤديها إلى الإرادة، فتأخذه الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل، فتستحكم فتصير عادة، وهذه الخطورة الكبرى أن يصبح الشر عادة.
والخواطر الباطلة نوعان:
1- منها في الحرام والفواحش، كم من الشباب لو قدر لنا أن نرى ما في أذهانهم وهم في حال الوحدة، شخص وحيد فماذا يدور في باله الآن؟ لربما ترى أكثرهم تدور في أذهانهم خواطر الفاحشة والحرام من كثرة الصور، ومن كثرة ما يرون وما يسمعون يخطر في بالهم الحرام والفواحش.
2- خيالات وهمية لا حقيقة لها، أو أشياء باطلة أو فيما لا سبيل في إدراكه من أنواع ما طوي عنا علمه، فإذا كان هذا مجال التفكير ومسرح الخواطر فالعاقبة وخيمة، ولذلك فإن التمني واحد قال: رأى أحدهم رجلاً عنده مال يذهب به إلى الحرام ويسافر في الحرام، فقال: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله فهما في الإثم سواء كما في الحديث، ولذلك فإن تمني الخيانة وإشغال الفكر والقلب بها ربما يكون أضر على القلب من الخيانة نفسها، فإذا جعل الإنسان الخيانة هي تفكيره وهمه، وانشغل تفكيره بالخيانة، وكيف يستدرج امرأة أو يخرج إلى سوق أو مكان فيظفر بفريسة، وكيف يخون الأمانة ويعتدي على ما استؤمن عليه، فإن هذا عاقبته وخيمة.
اصلاح الخواطر شغل البال بطاعة الله
فإذا علمت هذا -يا عبد الله!- فماذا ينبغي أن تفعل من أجل إصلاح الخواطر؟ إذا علمت الآن أن المشكلة تبدأ من الخواطر فكيف تعالج مسألة الخواطر؟ أن تشغل هذا البال بطاعة الله، وأن تفرغ قلبك لله بكليته، وتقيمه بين يدي ربه مقبلاً بكليته عليه، يصلي لله تعالى كأنه يراه، قد اجتمع همه كله على الله، وصار ذكره ومحبته والأنس به في محل الخواطر والوساوس. اجعل عقلك وذهنك وقلبك منشغلاً بالله وذكره، والتفكير في جنته وناره، وعذابه ونعيمه، وعقابه وحسابه، والموت وما بعده. أشغل نفسك بالله، إذا أشغلت فكرك بالله فإنك ستكون بمنأى عن هذه الترهات والمحرمات، وتستريح نفسياً وقلبياً وذهنياً وجسمياً.
اصلاح الخواطر قبل ان تستفحل
قلنا فيما سبق ان الخواطر تتحول إلى أفكار، والأفكار تتحول إلى إرادات، والإرادات تتحول إلى عمل، والعمل يتحول إلى عادة. ومن المعلوم أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار، وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات، وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل، وتداركه أسهل من قطع العوائد، كيف تقطع عادة؟ قد تنقل جبلاً ولا تستطيع أن تغير عادة، إلا من رحم الله. وأول ما يطرق القلب الخطرة، فإن دفعها استراح مما بعدها، وإن لم يدفعها قويت فأصبحت وسوسة وكان دفعها أصعب، فإن بادر ودفعها وإلا قويت وأصبحت شهوة، فإن عالجها وإلا أصبحت إرادة.
ولا ريب أن دفع مبادئ هذا الداء من أوله أيسر وأهون من استفراغه بعد حصوله إن ساعد القدر وأعان التوفيق، والدفع أولى وإن آلم النفس مفارقة المحبوب. إذاً: لماذا ننتظر حتى نوشك أن نقع في الحرام؟ لماذا لا نستدرك القضية ونصلح من البداية، إن مسايسة النفس وترويضها يقتضي أن تتدارك المسألة من أولها، وأول المسألة الخواطر، فاطرد الخواطر السيئة ولا تسمح لها بالاستقرار، واجعل مكانها خواطر طيبة. فإذا دفعت الخاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده، وإن قبلته أصبح فكراً جوالاً، فاستخدم الإرادة فإنها تساعد الفكر على استخدام الجوارح، فإن تعذر استخدامها رجع إلى القلب بالمنى والشهوة، وتوجه إلى جهة مراده.
اعتناء الصالحين بالخواطر
ولأهمية هذا الموضوع فقد كان الصالحون يعتنون بالخواطر، ذكر ابن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=35&ftp=alam&id=1000065&spid=35) في ترجمة أبي صالح (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=35&ftp=alam&id=1000105&spid=35) قال: كنت أطوف وأطلب العُبَّاد، فمررت برجل وهو جالس على صخرة مطرق رأسه، فقلت له: ما تصنع هاهنا؟ قال: أنظر وأرعى، فقلت له: لا أرى بين يديك شيئاً ولا ترعى إلا هذه العصاة والحجارة! فقال: بل أنظر خواطر قلبي وأرعى أوامر ربي، وبالذي أطلعك عليَّ إلا صرفت بصرك عني، فقلت له: نعم. ولكن عظني بشيء أنتفع به حتى أمضي عنك، فقال: من لزم الباب أثبت في الخدم -إذا لزمت طاعة الله تعالى أثبتك الله في أوليائه- ومن أكثر ذكر الموت أكثر الندم، ومن استغنى بالله أمن العدم، ثم تركني ومضى.
الخواطر السيئة بذور الشيطان
والخواطر السيئة هي بذور يبذرها الشيطان في نفسك -يا عبد الله- فانتبه؛ بذر الشيطان في أرض القلب فإن تمكن من بذرها تعاهدها الشيطان بسقيها مرة بعد مرة حتى تصير إرادة. يقول: الخواطر السيئة إذا لم تدفعها من البداية فهي بذور تصبح في أرض قلبك مزروعة يتعاهدها الشيطان بالسقيا، ويغذيها مرة بعد مرة حتى تصير إرادات، ثم يسقيها (يعدك ويحفزك ويمنيك ويدفعك ويحثك) حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال، ولا ريب أن دفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم، فيجد العبد نفسه عاجزاً أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة، وهو المفرط إذ لم يدفعها وهي خاطر ضعيف، كمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطب يابس، فلما تمكنت منه عجز عن إطفائها.

الانسان يترك محبوبا لمحبوب اعلى منه
لو قلت لي: إن الخواطر السيئة لذيذة وأنت تريد أن أترك هذه اللذة وهذا الشيء المحبوب إلى النفس، يعني: أتخيل في الإجازة أني أسافر إلى أماكن معصية، وأسكر وأفعل الفواحش، كيف تريديني أن أترك هذه الأشياء المحبوبة ولا أفكر فيها؟ الشخص لا يترك محبوباً إلا لمحبوب أعلى منه وأقوى، ولذلك إذا كانت محبة الله فوق كل شيء هانت كل المحبوبات الأخرى، إذا كانت محبة الله أعلى من كل شيء ذهبت محبة الزنا والخمر والشهوات المحرمة، ومحبة صور النساء؛ لأن محبة الله أصبحت فوق كل هذه وهذا الكلام لأصحاب العقول -العناصر المفكرة العاقلة- فالعقل يمنع ويعقل ويحجز عن كل شيء ضار.
وازن بين محبوب المعصية ومحبوب ما سيفوتك
فهناك موازنات، فإذا وازنت اقتنعت، وإذا اقتنعت تركت، فخذ هذه الموازنة ووازن بين فوات المحبوب الأخس المنقطع النكد المشوب بالآلام والهموم، وبين فوات المحبوب الأعظم الدائم الذي لا نسبة لهذا المحبوب الخسيس إليه البتة؛ لا في قدره ولا في بقائه. فمحبوب المعصية إذا قارنتها بما سيفوتك، مثلاً: قارن الزنا بما يفوتك من الحور العين، وقارن شرب الخمر في الدنيا إذا فعلته بما سيفوتك من خمر لذة للشاربين، لا فيها غول (لا يذهب عقلك، ولا يصاب رأسك بالصداع، ولا بطنك بالمغص) ولا هم عنها ينزفون. قارن إذا شربت الخمر بين هذه الخمر الخسيسة النجسة التي يعقبها زوال العقل، والتي تسبب في النهاية النكد، وربما طلاق الزوجة واحتقار الناس، والسكران حتى عند الكفار يعتبر صورة مزرية، وحادث السيارة وما ترتب على السكر والمخدرات من الأشياء، وممكن أن يكون في أوله لذة ولكن في آخره حسرة وألم. إذا استعملته قارن بينه وبين ما سيفوتك في الآخرة؛ قارن ووازن واخرج بنتيجة.

كيف ترضى الجمع بين خواطر الخير وخواطر الشر
فموضوع الخواطر موضوع مهم جداً، فأنت الآن مدعو إلى التدبر في مسائل العلم، ومدعو إلى التدبر في معاني الآيات والأحاديث؛ كيف ترضى أن تجمع في عقلك بين معاني http://www.saowt.com/forum/cid:007701c90f81$c29f2fe0$4001a8c0@ azzamالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ http://www.saowt.com/forum/cid:007801c90f81$c29f2fe0$4001a8c0@ azzam[الفاتحة:2-5] وبين خواطر سيئة وخسيسة ودنيئة؟ كيف تجمع بين تدبر خواطر الخير وبين خواطر الشر؟ قال: فالقلب لوح فارغ، والخواطر نقوش تنقش فيه، فكيف يليق بالعاقل أن تكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور وخداع وأماني باطلة، وسراب لا حقيقة له، فأي حكم وعلم وهدى ينتقش مع هذه النقوش؟ وإذا أراد أن ينتقش ذلك في لوح قلبه كان في منزلة كتابة العلم النافع في محل مشغول بكتابة ما لا منفعة فيه لو أتيت بخنزير ووضعت في عنقه قلادة من الجواهر ما رأيك بهذا المنظر؟ هل ترى أن الجواهر تصلح أن تكون على الخنزير، إذا كان لا يصلح فكيف تجعل عقلك مستودعاً للخواطر الشيطانية الخسيسة والدنيئة، ومستودعاً للذنوب والمعاصي الحقيرة التافهة والسيئة، وتجمع معها خواطر القرآن والقيامة والجنة وصفات الله تعالى تدبراً؟! فإن كل واحد يطلب علماً لا بد أن يسأل نفسه هذا السؤال: كيف أطلب العلم وأفكر في مسائل الطهارة والصلاة والزكاة والحج، وقبلها مسائل العقيدة وأسماء الله وصفاته، واليوم الآخر والسيرة النبوية والأحاديث ... إلى آخره. أفكر بهذا كله ثم أدخل عليها خواطر في الزنا والعشق، والأشياء المحرمة والصور العارية ... الخ. فكيف ينطبق هذا على هذا، وإذا أراد أن ينتقش ذلك في لوح قلبه كان بمنزلة كتابة العلم النافع في محل مشغول بكتابة ما لا منفعة فيه، فإن لم يفرغ القلب من الخواطر الرديئة لم تستقر فيه خواطر نافعة، فإنها لا تستقر إلا في محل فارغ لتتمكن .
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
تفريغ القلب من الخواطر السيئة عبر الحياء من الله
فمن المهم جداً أن يكون هناك تفريغ للقلب من الخواطر السيئة، نعم. لا يمكن أن نمنعها من الورود لكن إذا وردت لا نجعلها تعشعش، ولا نترك لها مجالاً للاستقرار في القلب، والإنسان إذا كان قريباً من الله أصبحت الخواطر التي ترد عليه خواطر رحمانية فصلاح الخواطر بأن تكون مراقبة لوليها وإلهها صاعدة إليه دائرة على مرضاته ومحبته، فإنه سبحانه عنده كل صلاح، ومن عنده كل هدى ومن توفيقه كل رشد، ومن توليه لعبده كل حفظ، ومن إعراضه كل ضلال وشقاء، فيظفر العبد بكل خير وهدى ورشد بقدر إثبات عين فكرته في آلاء ربه ونعمه، وتوحيده وطرق معرفته وعبوديته، وهو يستحضر أنه مشاهد له، ناظر إليه، رقيب عليه، مطلع على خواطره وإرادته وهمه، فحينئذ يستحيي منه ويجله أن يطلع منه على عورة يكره أن يطلع عليها مخلوق مثله. لو أنك فكرت بحرام أو فاحشة هل تستحي أن أباك يطلع عليها؟ أو يطلع عليها أستاذك أو إمام المسجد؟ فكيف والله مطلع على خواطرك.
الانشغال بما يعنيك
فالإنسان خير المخلوقات إذا تقرب من بارئه والتزم أوامره ونواهيه وعمل بمرضاته وآثره على هواه، وشر المخلوقات إذا تباعد منه ولم يتحرك قلبه لقربه وطاعته وابتغاء مرضاته، وكذلك فإن الإنسان ينبغي عليه أن يشتغل بمصلحته وما يعنيه، ويجعل الخواطر حول ما يصلحه وما يعنيه، فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك. فالفكر فيما لا يعنيك باب كله شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك، فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي تبتعد بها أو تقرب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئاً خسيساً لم يكن في سائر أمره إلا كذلك. فإن قلت: وبماذا أشغل عقلي؟ اشغله في باب العلوم في معرفة ما يلزمك من التوحيد وحقوق الله تعالى، وفي الموت وما بعده إلى دخول الجنة والنار، وفي آفات الأعمال والتحرز منها، وكيف تنفذ العبادات على الوجه المطلوب، وفكر في مصالح دنياك كيف تتزوج وما هي الطريقة للزواج؟ في معاشك وكسب مالك، فكر في هذا ولا بأس به على الإطلاق، إذا كان الذي يشغلك الله عز وجل والعلم به والشريعة، ومسائل العلم المفيد والتفكير فيما يعنيك وترك ما لا يعنيك، والتفكير في عيوب نفسك وكيف تتخلص منها، والتفكير بهموم المسلمين وما يصلح حالهم، والتفكير في معاشك وفيما يصلحك في الدنيا؛ إذا صار فكرك في هذا فإنك على حال طيب. وتصبح في حصن حصين وفي بيت السلطان عليك الحراس قال إبليس: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83] وقال تعالى له: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:42] وقال: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:99-100]. وقال في حق الصديق: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] فما أعظم سعادة من دخل هذا الحصن الحصين، لقد أوى إلى حصن لا خوف على من تحصن به، ولا ضيعة على من أوى إليه، ولا مطمع للعدو من الدنو منه: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الجمعة:4]

عبد الله بوراي
09-05-2008, 07:02 PM
http://www9.0zz0.com/2008/09/05/18/749062623.gif (http://www.0zz0.com)


اخي عزام أثابك الله وجعلها في ميزان حسناتكَ
ومن قرأها واستفاد
تلميذكم
عبدالله

عزام
09-13-2008, 08:25 PM
بارك الله فيك اخي عبدالله
كما وعدنا نتوقف قليلا مع اخطار اللسان ونرجو مشاركة الاخوة.
عزام



بيان عظيم خطر اللسان


اعلم أن خطر اللسان عظيم ولا نجاة من خطره إلا بالصمت، فلذلك مدح الشارع الصمت وحث عليه فقال صلى الله عليه وسلم: "من صمت نجا" [أخرجه الترمذي بسند فيه ضعف وقال غريب وهو عند الطبراني بسند جيد] وقال: (لقمان) "الصمت حكم وقليل فاعله" أي حكمة وحزم. وروى عبد الله بن سفيان عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الإِسلام بأمر لا أسأل عنه أحداً بعدك قال: "قل أمنت بالله ثم استقم" قال: قلت فما أتقي؟ فأومأ بيده إلى لسانه [أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه] وقال عقبة بن عامر قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك" [أخرجه الترمذي وقال حسن]. وقال سهل بن سعد الساعدي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يتكفل لي بما بين لحييه ورجليه أتكفل له بالجنة". [أخرجه البخاري].
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق" وسئل عن أكثر ما يدخل النار فقال: "الأجوفان: الفم والفرج" فيحتمل أن يكون المراد بالفم آفات اللسان لأنه محله، ويحتمل أن يكون المراد به البطن لأنه منفذه، فقد قال معاذ بن جبل: قلت يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول؟ فقال: "ثكلتك أمك يا ابن جبل وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" [أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين].
الآثار: كان أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه يضع حصاة في فيه يمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد وقال عبد الله بن مسعود: والله الذي لا إله إلا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان. وقال طاوس: لساني سبع إن أرسلته أكلني. وقال وهب بن منبه في حكمة آل داود: حق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه حافظاً للسانه مقبلاً على شأنه. وقال الحسن: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه.

الآفة الأولى: الكلام فيما لا يعنيك
اعلم أن أحسن أحوالك أن تحفظ ألفاظك من جميع الآفات التي ذكرناها من الغيبة والنميمة والكذب والمراء والجدال وغيرها، وتتكلم فيما هو مباح لا ضرر عليك فيه ولا على مسلم أصلاً إلا أنك إذا تكلمت بما أنت مستغن عنه ولا حاجة بك إليه فإنك تكون مضيعاً به زمانك ومحاسباً على عمل لسانك وتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، لأنك لو صرفت زمان الكلام إلى الفكر ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة الله عند الفكر ما يعظم جدواه، ولو هللت الله سبحانه وذكرته وسبحته لكان خيراً لك فكم من كلمة تبني بها قصراً في الجنة؟ ومن قدر على أن يأخذ كنزاً من الكنوز فأخذ مكانه مدرة لا ينتفع بها كان خاسراً خسراناً مبيناً.
وقال عمر رضي الله عنه لا تتعرض لما لا يعنيك واعتزل عدوك واحذر صديقك من القوم إلا الأمين. ولا أمين إلا من خشي الله تعالى، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى.

الآفة الثانية: فضول الكلام
وهو أيضاً مذموم، وهذا يتناول الخوض فيما لا يعني والزيادة على قدر الحاجة فيما يعني، فإنّ من يعنيه أمر يمكنه أن يذكره بكلام مختصر، ويمكنه أن يجسمه ويقرره ويكرره. ومهما تأدّى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين فالثانية فضول - أي فضل عن الحاجة - وهو أيضاً مذموم.

الآفة الثالثة: الخوض في الباطل
وهو الكلام في المعاصي كحكاية أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات الفساق وتنعم الأغنياء وتجبر الملوك ومراسمهم المذمومة وأحوالهم المكروهة، فإن كل ذلك مما لا يحل الخوض فيه وهو مذموم.

الآفة الرابعة: المراء والجدال
قال صلى الله عليه وسلم: "من ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى الجنة ومن ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة" وقال أيضاً: "ما ضل قوم بعد أن هداهم الله تعالى إلا أوتوا الجدال". [أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة وصححه وزاد "بعد هدي كانوا عليه"].

الآفة الخامسة: الخصومة
وهي أيضاً مذمومة وهي وراء الجدال والمراء، فالمراء طعن في كلام الغير بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير. وإظهار مزية الكياسة والجدال عبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها. والخصومة لجاج في الكلام ليستوفى به مال أو حق مقصود، وذلك تارة يكون ابتداء وتارة يكون اعتراضاً. والمراء لا يكون إلا باعتراض على كلام سبق.
فقد قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم". [أخرجه البخاري].

الآفة السادسة: التقعُّر في الكلام
التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيبات والمقدّمات وما جرت به عادة المتفاصحين المدّعين للخطابة. وكل ذلك من التصنع المذموم ومن التكلف الممقوت الذي قال صلى الله عليه وسلم: "إن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً الثرثارون المتفيهقون المتشدقون في الكلام" [أخرجه أحمد بلفظ:" إن أبغضكم إلى الله..." الترمذي وحسنه]. وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا هلك المتنطعون - ثلاث مرات -". [أخرجه مسلم].


المصدر http://www.islampedia.com

عزام
09-20-2008, 06:22 PM
نرجو منكم التصحيح في حال ورود اي خطأ في هذه المادة التي جمعتها ونسقتها من مصادر متعددة

عزام

خطر اللسان

مقدمة
اعلم أن خطر اللسان عظيم ولا نجاة من خطره إلا بالصمت، فلذلك مدح الشارع الصمت وحث عليه فقال صلى الله عليه وسلم: "من صمت نجا" (أخرجه الترمذي بسند فيه ضعف وقال غريب وهو عند الطبراني بسند جيد) وقال لقمان: "الصمت حكم وقليل فاعله" أي حكمة وحزم.

قال تعالى: "وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ" (النور:15)
وقال تعالى: "يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ" (التوبة:74)
وروى عبد الله بن سفيان عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الإِسلام بأمر لا أسأل عنه أحداً بعدك قال: "قل أمنت بالله ثم استقم" قال: قلت فما أتقي؟ فأومأ بيده إلى لسانه [أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه] وقال عقبة بن عامر قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك" [أخرجه الترمذي وقال حسن]. وقال سهل بن سعد الساعدي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يتكفل لي بما بين لحييه ورجليه أتكفل له بالجنة". [أخرجه البخاري].
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق" وسئل عن أكثر ما يدخل النار فقال: "الأجوفان: الفم والفرج.
قال معاذ بن جبل: قلت يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول؟ فقال: "ثكلتك أمك يا ابن جبل وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" [أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين.
قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا نسأل الله -جل وعلا- السلامة والعافية.
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن العبدَ ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم " البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم :" إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار "[صحيح سنن الترمذي:1884].
الاستهزاء بمظاهر الدين كفر
قال الله سبحانه وتعالى: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون ـ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين" (التوبة: 65-66 ].
وجه الاستدلال بهذه الآية يتبين بذكر سبب نزولها؛ وسبب نزولها ما رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره": قال رجل في غزوة تبوك، في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء؛ أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فبلغ ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، تنكبه الحجارة، وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب. ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"
اللاعب والجاد سواء في اظهار كلمة الكفر
فأفاد سبب النزول: أن الله حكم على من قال هذه المقالة في رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه القراء: بأنه مستهزئ بالله، وآياته، ورسوله؛ إذ الاستهزاء بمن أقام شرع الله، وعمل بآياته، واتبع رسوله؛ هو في الحقيقة استهزاء بالله، وآياته، ورسوله. فمن ثم حكم الله على صاحب هذه المقالة الشنيعة بالكفر. ولا يقول قائل: إن هذا الحكم خاص بمن استهزأ برسول الله ـ صلى عليه وسلم ـ وأصحابه القراء، إذ العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما قرر ذلك العلماء ـ رحمهم الله تعالى:
قال الإمام أبو بكر الجصاص ( ت370هـ ) على هذه الآية:
" فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه. لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعبا، فأخبر الله عن كفرهم باللعب بذلك. وروى الحسن وقتادة أنهم قالوا في غزوة تبوك: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها!! هيهات هيهات. فأطلع الله نبيه على ذلك. فأخبر أن هذا القول كفر منهم على أي وجه قالوا من جِد أو هزل، فدل على استواء حكم الجاد والهازل في إظهار كلمة الكفر. ودل ـ أيضا ـ على أن الاستهزاء بآيات الله، أو بشيء من شرائع دينه: كفر من فاعله " اهـ من " أحكام القرآن .
ولهذا أجمع العلماء على كفر من فعل شيئا من ذلك، فمن استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدينه، كفر، ولو هازلا لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعا. اهـ . " ويغفل عن هذا كثير من الناس، يخوضون في القرآن، والوعد والوعيد، كما يفعلون إذ يخوضون في أباطيلهم، وأمور دنياهم، وفي الرجال الذين يتفكهون بالتنادر عليهم، والاستهزاء بهم ... ـ إلى أن قال ـ والآية نص صريح في أن الخوض في كتاب الله، وفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وفي صفات الله تعالى، ووعده، ووعيده، وجعلها موضعا للعب والهُزْو، كل ذلك من الكفر الحقيقي الذي يخرج به المسلم من الملة، وتجري عليه به أحكام الردة، إلا أن يتوب، ويجدد إسلامه ". اهـ .
وجوب مقاطعة الكفار المستهزئين
وقال تعالى: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذًا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا" [ النساء:041] .
قال الإمام الشوكاني ( ت122هـ ) في تفسير هذه الآية: أي أنزل عليكم في الكتاب أنكم عند هذا السماع للكفر والاستهزاء بآيات الله لا تقعدوا معهم، ما داموا كذلك، حتى يخوضوا في حديث غير حديث الكفر والاستهزاء بها.
والذي أنزله الله عليهم في الكتاب هو قوله تعالى: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" [ الأنعام: 68] .
وقد كان جماعة من الداخلين في الإسلام يقعدون مع المشركين واليهود حال سخريتهم بالقرآن، واستهزائهم به؛ فنهوا عن ذلك. وفي هذه الآية ـ باعتبار لفظها الذي هو المعتبر دون خصوص السبب ـ دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يفيد التنقص والاستهزاء للأدلة الشرعية ... اهـ .
فليعتبر بهذا أهل هذا الزمان، ويتأملوا كيف يمكن الجمع بين الكفر والإيمان، أو بين الطاعة والعصيان، فإن كثيرا من الملحدين في البلاد المتفرنجة يخوضون في آيات الله، ويستهزؤون بالدين، ويقرهم على ذلك ويسكت لهم من لم يصل إلى درجة كفرهم، لضعف الإيمان والعياذ بالله. اهـ كلامه. واعتبر أيها الأخ الكريم بقوله سبحانه في الآية السابقة: ( إنكم إذا مثلهم) فإذا كان مجرد السكوت والجلوس مع المستهزئ بآيات الله: كفرا؛ فما الظن بالتلفظ؟؟