تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تطبيق العقوبة على من يستحقها ... مسؤولية من ؟



أبو يونس العباسي
07-28-2008, 05:15 AM
تطبيق العقوبة على من يستحقها ... مسؤولية من ؟
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
- أحبتي في الله : كنت ذاهبا إلى خطبة الجمعة , وإذا بأخ من إخواني يلاقيني , فسلم علي وسلمت عليه , وسأل عن أخباري وسألته عن أخباره , بعد ذلك ما فتئته إلا وهو يقول لي : مبارك يا شيخ , قلت : وعلى ماذا ؟!!! فقال : على تفجير المقهى الذي حدث أمس في مدينة غزة , فقلت له : وأي مقهى , قال : مقهى (انترنت) , وفيه تحدث أشياء وأشياء مما تغضب الله تعالى , ولا يرضى عنها , فسكت لما سمعت ذلك , لأتيقن من الخبر , ثم لأدرس موجباته وأهدافه وإيجابياته وسلبياته , حتى أكون على بينة من مثل هذه الأفعال , وأحدد موقفي الشرعي منها .
أحبتي في الله : حقا إننا نعيش واقعا مريرا , إننا نعيش في زمن عجيب أهله , عجيبة أحداثه , نعيش في زمن كثير من شبابه مخلص لقضيته العادلة , لدينه الحنيف , لمشروعه الإسلامي المنيف , إلا أن العاطفة والحماس تقود كثيرا من اولئك الشباب إلى ما لا تحمد عقباه , كثير من هؤلاء الشباب لا يحسن تقدير الأمور كما ينبغي , وسبب ذلك أنهم مصابون بمرض العجلة , والتي ذمها الله تعالى بقوله :" وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا "(الإسراء:11) , حقا إننا نعيش واقعا مريرا , واقعا نحى فيه العلمانيون والبرلمانيون الإسلاميون شريعة الرحمن - تبارك وتعالى - عن الحكم والتحاكم , وحكموا وتحاكموا إلى شريعة الشيطان - لعنه الله - فنتج عن ذلك من الخلل في معاش الناس ما الله به عليم , نعيش زمانا أبعد فيه دعاة الحق وعلماء الصدق عن مجريات الأمور , وتحكم فينا من وصفهم الرسول ب"الرويبضة" , التفه من الناس يتكلمون في قضايا الأمة المصيرية , وفي مشاكلها الجوهرية , ويا ليتهم سكتوا , فإنهم لما تكلموا ضلوا وأضلوا وضيعوا وفرطوا , ولا حول ولا قوة إلا بالله , نعيش في زمن نكست فيه راية الخلافة , وبدت ملامح الغلو ومظاهره على الناس أيما وضوح , وبشكل ملفت للنظر , نعيش زمانا اهتم فيه الناس بالمهم على حساب الأهم , بل قل : اهتموا بالتافه على حساب المهم , نعيش زمانا أصبح قائد الواحد منا هواه , لا كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زمن مثل هذا الزمن كانت الحاجة قائمة إلى هذا المقال والذي عنونته ب " تطبيق العقوبة على من يستحقها ... مسؤلية من ؟" , وأسأل الله أن يعينني على توضيح الحق من أجل الحق , إنه ولي ذلك والقادر عليه .
- أحبتي في الله : إن إنزال العقوبة على من يستحقها سواء أكانت حدا أم قصاصا أم تعزيرا , تدخل في دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شرطان : أما الشرط الأول فهو : الاستطاعة , ولا بد ان نعلم أن هذه الاستطاعة تختلف من منكر إلى منكر ومن معروف إلى معروف , ولكن ما يعنينا : أن الاستطاعة المطلوبة في إنزال العقوبات الشرعية بأنواعها الثلاثة , تحتاج إلى سلطان وسلطان ممكن , إلآ فيما يتعلق بين العبد وسيده على ما دلت عليه نصوص الوحيين , أما الشرط الثاني فهو : أن لاينتج عن أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر منكر أكبر منه , وهنا لا بد أن نعلم أن لتغيير المنكر حالات أربعة : الحالة الأولى : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إزالة هذا المنكر بالكلية , فهذه حالة تقرها الشريعة وتأمر بها , أما الحالة الثانية فهي : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى تقليل كمية المنكر , وهذه حالة تقرها الشريعة وتأمر بها , أما الحالة الثالثة فهي : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إحداث منكر مماثل , فهذه محل نظر واجتهاد , وأما الحالة الرابعة فهي : أن تؤدي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى إحداث منكر أكبر , فهذه حالة لا تقرها الشريعة , بل تحرمها وتنهى عنها , وهنا وقبل أن أنسى , اسمحوا لي أن أسأل سؤلين : السؤال الأول : هل من يقوم بعمليات التفجير للمقاهي وغيرها , أصحاب سلطان أم ليسوا أصحاب سلطان ؟ والجواب سيكون قطعا : بأنهم ليسوا أصحاب سلطان , إذن : فليس من مسؤولياتهم وواجباتهم إنزال العقوبات الشرعية على مستحقيها , أما السؤال الثاني فهو : هل ترتب على تغييرهم للمنكر بالتفجير مصلحة راجحة ؟ أنا أقول : إخوتي الكرام : لا أخالفكم في أن هذه المقاهي مؤسسات ضالة مضلة , ولكن تفجيرها وتغيير المنكرات فيها , نتج عنه (في رأيي المتواضع) مفاسد أعظم , من المصالح المرجوة من وراء التفجير , وإليكم بعض هذه المفاسد : أولا : تؤدي مثل هذه التفجيرات إلى تنفير الناس عن منهج السلف , ومن غير فائدة مرجوة من وراء هذه التفجيرات , وإلا فقولوا لي : هل انتهى أصحاب مقاهي الفساد عن فسادهم ؟ وهل سينتهون ؟ وما هي عدد المقاهي التي نحتاج إلى تفجيرها حتى ينتهوا ؟ وهل المنكرات خاصة بالمقاهي ؟ إننا حتى نغير المنكر كما يريد بعض إخواننا المخلصين , نحتاج إلى تفجير الأسواق وبالكلية , لأنها أسواق تعج بالمنكرات , بل إنك لا تكاد تجد محلا , إلا وفيه من المنكرات ما فيه , فهل تقر الشريعة بمقاصدها العامة مثل هذه الأفعال ؟!!! سبحانك ربنا ما أحلمك علينا .
ثانيا : إن مثل هذه الأفعال تعطي المبررات المقنعة لأعداء المنهج السلفي (منهج محمد - صلى الله عليه وسلم ) , للقضاء على هذا المنهج ومشائخه وأتباعه وقادته , فهل من الحكمة أن نفعل مثل ذلك , أنصح إخواني بالقراءة الجادة في السيرة النبوية , وخاصة في الفترة المكية , ليتعلموا الطريقة الشرعية في كيفية التعامل مع المجتمع المحيط بهم في وقت الاستضعاف . ثالثا : هذه التفجيرات تنبه العلمانيين إلى إمكانية إحداث تفجيرات هنا وهناك , وتفجيرات مكللة بالنجاح والنجاة لفاعليها بعد قيامهم بمثل هذه الأعمال وفشلهم في تحقيق نجاحات من ورائها , ومن ثم ينجحون ( وبفضل تفجيراتنا) في تحويل غزة هاشم إلى عراق ثانية , فهل تقر الشريعة مثل هذا الفعل ؟ وهل المصلحة الشرعية في أن يتحول قطاع غزة إلى قنبلة موقوتة ؟!!!!
رابعا : مما لا شك فيه : أن هذه التفجيرات ستعيد الفلتان الأمني الذي أنعم الله علينا بزواله , وسوف يتضرر الكثير من الأبرياء , بالإضافة إلى ممتلكاتهم لخطر التفجيرات , وسوف تلتصق التفجيرات بالمجاهدين , أما الأبرياء فسيلصقون بهم تهمة التعامل بالبضائع الممنوعة والتي حرم الله ورسوله الاتجار بها, وبعد هذا كله : فإنني أقول لمن يفعل مثل هذه الأفعال : إن الشريعة قائمة على جلب المصالح ودرء المفاسد , بل درء المفاسد مقدمة على جلب المصالح , ومن المعلوم : أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الراجح منها , ونقول لهم : إن ديننا الإسلامي قائم على الترغيب والترهيب , ولا يصار إلى الترهيب إلا بعد التيقن من فشل أسلوب الترغيب , قولوا لي : أين هي جولات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يمارس المنكرات ؟!!! أين هي الدعوة , دعوة الناس إلى الفضيلة وتنفيرهم وتحذيرهم من الرذيلة ؟!!! هل بينا للناس قبل أن نفجر مؤسساتهم ونتلف أموالهم قبح ما يفعلون؟!!! وهل المعصية تبيح لنا إتلاف ممتلكات الناس المحترمة والتي لم تهدر الشريعة ماليتها ؟!!!! , أم إننا نعرف من دين الله الترهيب ولا نعرف الترغيب ؟!!! , أولسنا نحن اهل السنة والجماعة أرحم الناس بالناس ؟!!! , ألسنا الصدر الواسع الذي يتسع لكل تائب , كائنا من كان ؟!!! ألسنا كرسولنا - صلى الله عليه وسلم - الذي بعثه الله رحمة للعالمين ؟!!! , قال الله تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "(الأنبياء:107) , وقال ربي جل شأنه :" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " (التوبة:128) , قال الرحمن الرحيم :" نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *** وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ "(الحجر:50,49) , حقا : إن ديننا فيه لين وهو الغالب وفيه شدة , ولكن رسولنا علمنا الحكمة , علمنا أن نضع الشدة في موضعها , وأن نضع اللين في موضعه , قال الشاعر : وموضع السيف في موضع الندا *** مضر كموضع الندا في موضع السيف .
- أحبتي في الله : ولا بد علينا أن نفهم أن تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها فرض وواجب على السلطان الممكن , فإن قصر , وجب على جماهير المسلمين مطالبته بتحكيم الشريعة , وذلك لما يعود على الأمة من خيرات , ويندفع عنها من نقمات جراء تطبيقها للشريعة , وخاصة في مجالات العقوبة الشرعية , والأدلة على وجوب تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها , كثيرة كثيرة , منها على سبيل المثال قول الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ "(البقرة :178) , وقوله جل جلاله :" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ :(المائدة:38) , وقول ربنا سبحانه :" الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ "(النور:2) , وقول ذو الجبروت والملكوت :" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ "(المائدة:32) , وغيرها من الآيات التي تدل على فرضية تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها , والعجب العجاب إخوتي , أنه وبعد هذه النصوص الشرعية القطعية في دلالاتها , ترى الحكومات علمانية كانت أو متأسلمة , تتنكب وتتنكص عن تطبيق هذه العقوبات على مستحقيها , نسأل الله السلامة , وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه , وأن يعصمنا ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا , إنه هو الرؤوف الرحيم .

أبو يونس العباسي
07-28-2008, 05:16 AM
لمن يريد : الجزء الثاني من المقال

*
*
*
*
*
*
*

أبو يونس العباسي
07-28-2008, 05:16 AM
تطبيق العقوبة على من يستحقها ... مسؤولية من ؟(2)
أبو يونس العباسي
أحبتي في الله : وإن مما يجب علينا معرفته , والتنويه إليه : أن المخاطب بإنزال العقوبات الشرعية على مستحقيها , هو الإمام أو من يفوضه , وعلى ذلك أجمع علماء الأمة رحمهم الله تعالى , وممن قال بهذا الإجماع : أبو حنيفة النعمان - رحمه الله - وابن المنذر في كتابه الإجماع , وتعالوا لنستمع لبعض العلماء وهم يتكلمون في هذه المسألة , قال القرطبي - رحمه الله - :"لاخلاف أن المخاطب بهذا الأمر (تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها) الإمام أو من ينوب منابه " , وقال النووي - رحمه الله - في المجموع : أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنى أو السرقة أو الشرب , لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام , أو بأمر من فوض فيه إليه الإمام , للنظر في الأمر بإقامة الحد , لأن الحدود في زمن النبي وفي زمن الخلفاء لم تستوف إلا بإذنهم , ولأن اسيفاءها للإمام .
- أحبتي في الله : ولقد دلت النصوص الشرعية , وتاريخ سلفنا الصالح على أن إنزال العقوبات الشرعية على مستحقيها , إنما يقوم به السلطان الممكن , وهذا السلطان هو من كان يأمر بها على عهد السلف , والرعية كانت تأتي إليه أو تجلب إليه من استحقوا العقوبة ليعاقبهم , ولم يرد عن السلف أنهمم كانوا يطبقون العقوبات الشرعية بأنفسهم , وحتى لو فعلوا ذلك , فإن السلطان الممكن كان يتابع فعالهم , فيقرها أو يعاقبهم عليها , كما في قصة الأعمى الذي قتل امرأته لأنها كانت تقع في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ودليلي على ما قلته آنفا الأثار النبوية التالية : أولا : أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر أنه قال :": أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا فأمر بهما فرجما قريبا من موضع الجنائز عند المسجد" , ثانيا : أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما قالا : أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما اقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر اجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم قال تكلم قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فاقتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد عليك وأما ابنك فعليه جلد مائة وتغريب عام وأما أنت يا أنيس فاغد إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها" , ثالثا : أخرج البخاري في صحيحه أن أبا هريرة قال :"أتى رجل من أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله إن الآخر قد زنى يعني نفسه فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال يا رسول الله إن الآخر قد زنى فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال له ذلك فأعرض عنه فتنحى له الرابعة فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه فقال ( هل بك جنون ) . قال لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( اذهبوا به فارجموه ) . وكان قد أحصن " , رابعا : أخرج أحمد في مسنده وقال الأرناؤوط صحيح بطرقه عن صفوان بن أمية : "ان رجلا سرق برده فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقال يا رسول الله قد تجاوزت عنه قال فلولا كان هذا قبل أن تأتيني به يا أبا وهب فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم " , خامسا : أخرج البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب : أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله ) "
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب أنه كتب لعماله : " ألا تقتل نفس إلا بعد الرحوع إلي "
وبعد هذا السرد نقول : من تأمل هذه الأدلة فسيستشف أن تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها من مسؤليات السلطان الممكن وليس غيره .
- أحبتي في الله : وأنا أعلم أنكم ستقولون لي : إن السلطان الممكن مقصر في إنزال العقوبة الشرعية لمن يستحقها , فأقول لكم : بأن هذه مسؤوليته وهو من سيحاسب عليها , وليس نحن من سيحاسب عليها , فلا تحملوا انفسكم ما لم يحملكم ربكم - جل جلاله - , قال الله تعالى :" وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ"(فطر:18) , وفي صحيح البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته." , والواجب عليك كرجل من عامة المسلمين إنكار مثل هذا المنكر , ومطالبة السلطان الممكن بإنزال العقوبات الشرعية على مستحقيها , أخرج أبو داوود في سننه وصححه الألباني عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ستكون عليكم أئمة تعرفون منهم وتنكرون فمن أنكر قال أبو داود قال هشام بلسانه فقد برئ ومن كره بقلبه فقد سلم ولكن من رضي وتابع فقيل يا رسول الله أفلا نقتلهم قال بن داود أفلا نقاتلهم قال لاما صلوا " , ولابد من إنكار هذا المنكر باللسان وبالتي هي أحسن في ذات الوقت , قال الله تعالى :" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"(النحل:125) , وأنت في هذا المقام لست بأفضل حالا من رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - عندما قال له ربه في وقت الاستضعاف وهو في مكة :" فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر *** لست عليهم بمصيطر "(ٌالغاشية22,21) , قال شيخ الإسلام ابن تيمية :"يطبق القرآن المكي في أوقات الضعف , ويطبق القرآن المدني في أوقات القوة "
أحبتي في الله : وأنا هنا وفي نفس الوقت , أوجه النداء إلى السلطان الممكن بضرورة ووجوب إنزال العقوبة الشرعية لمن يستحقها , وإلا عم الفساد وطم في بلاد المسلمين , وحمل هذا السلطان الممكن إثم وعقوبة هذا التقصير , أخرج البخاري في صحيحه من حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ) , وأستنهز هذه الفرصة في نقل بعض أقوال اهل العلم , والتي تبين المفاسد والمضار المترتبة على التقصير في إنزال العقوبات الشرعية بمستحقيها , قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" وكثير مما يوجد من فساد امور الناس إنما هو لتعطيل الحد بمال او جاه وهذا من اكبر الأسباب التى هى فساد أهل البوادى والقرى والأمصار من الأعراب والتركمان والأكراد والفلاحين وأهل الأهواء كقيس ويمن وأهل الحاضرة من رؤساء الناس وأغنيائهم وفقرائهم وامراء الناس ومقدميهم وجندهم وهو سبب سقوط حرمة المتولى وسقوط قدره من القلوب وانحلال أمره فاذا ارتشى وتبرطل على تعطيل حد ضعفت نفسه ان يقيم حد آخر" , وقال في موضع آخر :" وولي الأمر إنما نصب ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهذا هو مقصود الولاية فإذا كان الوالي يمكن من المنكر بمال يأخذه كان قد أتى بضد المقصود من نصبته ليعينك على عدوك فأعان عدوك عليك وبمنزلة من أخذ مالا ليجاهد له في سبيل الله فقال به المسلمين يوضح ذلك أن صلاح العباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن صلاح المعاش والعباد في طاعة الله ورسوله ولا يتم ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبه صارت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس قال الله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } وقال تعالى : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } وقال تعالى عن بني إسرائيل : { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } وقال تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } فأخبر الله تعالى أن العذاب لما نزل نجى الذين ينهون عن السوء وأخذ الظالمين بالعذاب الشديد وفي الحديث الثابت : أنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب ] وفي حديث آخر : [ إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها ولكن إذا ظهرت فلم تنكر أضرت العامة" , قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - :"وكذلك الحدود جعلها الله تعالى زواجر للنفوس وعقوبة ونكالا وتطهيرا فشرعها من أعظم مصالح العباد في المعاش والمعاد بل لا تتم سياسة ملك من ملوك الارض إلا بزواجر وعقوبات لأرباب الجرائم ومعلوم ما في التحيل لإسقاطها من منافاة هذا الغرض وإبطاله وتسليط النفوس الشريرة على تلك الجنايات إذا علمت ان لها طريقا الى ابطال عقوباتها فيه" , قال الغزالي : " ومقصود الشرع من الخلق خمسة , وهو ان يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم والهم , فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعه مصلحة ", وأكتفي بهذا القدر في بيان المفاسد العائدة من وراء ترك تطبيق العقوبات الشرعية على مستحقيها , فالأمر كما قالت العرب قديما :"لا عطر بعد عروس" .
- أحبتي في الله : وإن أصر بعض العامة على رأيه في إنزال العقوبة الشرعية على مستحقيها بنفسه , فليسمح لي أن أورد له بعض مفاسد العمل والفعل الذي أصر ويصر عليه : أولا وهو الأهم : العقوبات الشرعية , عقوبات لم يكن يطبقها إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأولي الأمر من بعده , ولا يعرف في هذا خلاف , إلا خلاف شاذ , وكل الخير في اتباع من سلف وكل الشر في اتباع من خلف . ثانيا : إن تطبيق العقوبات الشرعية تحتاج إلى قدرة واستطاعة , وهذه القدرة وهذه الاستطاعة : هي التمكين , وإلا لو قمنا كبعض العوام بإنزال العقوبات الشرعية على مستحقيها , فسوف يحاربنا فاعلوها , ولن نستطيع حسم العركة , فينتج من المفاسد علينا وعلى عصاة المسلمين ما لم يأذن به الله وما لا يرضيه , ومعلوم عند أهل المقاصد : أن المصالح والمفاسد إذا تعارضت وتزاحمت , قدم درء المفسدة على جلب المصلحة , وقدمت المصلحة العظم على المصلحة الأقل .
ثالثا : عندما يقوم العامة بتطبيق العقوبات الشرعية , فإنه يطبقونهم بعاطفة وقادة وحماس عارم , فيدفعهم ذلك إلى الحيف ومجاوزة الحد والظلم في إنزالهم للعقوبة على مستحقيها , وهذا مما لم يأذن به الله تعالى , ولكم قتل في الثمانينات أناس بتهمة العمالة وهم بريؤون منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب , وهذا كله لأن من تولى إنزال العقوبة جهة غير ممكن لها , فانظر إلى عظمة الله وحكمته في أمره ونهيه وشرعه .رابعا : لو أوكل تطبيق العقوبات الشرعية للعامة , لبنو عقابهم للناس على الظنون والبينات المرجوحة , وهذا ما لا يكون عندما يتولى السلطان الممكن تطبيق العقوبات على مستحقيها , فإن العقوبة عند السلطان الممكن مبناها على التثبت والتحري والـتأكد والتيقن , ومن ثم يصدر الحكم بالإدانة أو بالإبراء , مع ضرورة وجود التناسب بين العقوبة والجريمة , قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ "(الحجرات:6) . خامسا : ومن مفاسد تطبيق العامة للعقوبات الشرعية أن كثيرا منهم ينزلون العقوبة وهم جهلة فيما يتعلق بفقه العقوبات , وهم جهلة بشروط تطبيق العقوبات وموجباتها ومسقطاتها , فيفسدون بجهلهم هذا أكثر مما يصلحون , قال الله تعالى :" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ "(يوسف:108) .
إخوة التوحيد : سننتصر بإذن الله , ستكون العاقبة لنا , سنرفع راية العقاب على الأقصى , وفوق الجامع الأزهر , وفوق الجامع الأموي , وسنرفعها بحق وحقيقة في جزيرة العرب , سنعليها في سماء إيران , وفوق قباب الأندلس و سنرفعها فوق البيت الأبيض بإذن الله , ويومها سنحوله لمسجد يركع ويسجد فيه لرب العالمين , إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا وإننا لصادقون . ‌
-إخواني الموحدين : هذه كلمات آمنت بها , واعتقدت أن الحق في قولها ونشرها, ولا أدعي العصمة , فهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمنهج الذي جاء به من عند ربه حال حياته ومن بعده , ما كان في هذا المقال من صواب فمن الله وحده , ما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان , وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء,إلا ما رحم ربي , وأستغفر الله إنه كان غفارا, وأما الخطأ فأرجع عنه ولا أتعصب له , إذا دل الدليل الساطع عليه , وأسأله تعالى أن يلهمني رشدي والمسلمين , وأن يثبتني على الحق إلى ان ألقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم : أبو يونس العباسي
مدينة العزة غزة